خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ لماذا تعد مشاركة المملكة المتحدة نقطة محورية في برنامج الأمن الأوروبي؟
تواجه المملكة المتحدة بصفتها دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي، عدة تحديات في سبيل المشاركة الكاملة في برنامج SAFE، الذي يُعد من أهم برامج الاتحاد الأوروبي لإعادة تسليح قواته الدفاعية. قيمة هذا البرنامج تبلغ 150 مليار يورو، ويهدف إلى تسليح الاتحاد بأسلحة مصنّعة في أوروبا لضمان استقلاليته الإستراتيجية وتقليل اعتماده على مصادر خارجية. على الرغم من أن المملكة المتحدة ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تلعب دوراً محورياً في قطاع الدفاع الأوروبي، ولذلك يُبحث سبل التوصل إلى اتفاق يسمح لها بالمشاركة في برنامج SAFE قبل موعد نهائي حاسم، يُعد فرصة ثمينة وطموحة لجميع الأطراف المعنية.
صفقة تسمح للمملكة المتحدة بالمشاركة في برامج الدفاع للاتحاد الأوروبي
المفوضية الأوروبية أعربت عن ثقتها العالية بأنه سيتم الانتهاء من صفقة تسمح للمملكة المتحدة بالمشاركة في برامج الدفاع الحيوية للاتحاد الأوروبي خلال نوفمبر 2025. هذا التفاؤل يستند إلى المفاوضات المكثفة التي تجري منذ بداية عام 2025 بين بروكسل ولندن. ومن الأهداف الرئيسة لهذا التعاون هو تهيئة الوقت الكافي للدول الأعضاء لتعديل خطط إعادة التسليح الخاصة بها بما يتوافق مع الاتفاق المرتقب. هذا التعديل ضروري لكي تشمل الخطط مساهمة بريطانية محتملة ضمن برنامج SAFE، الأمر الذي سيعزز من القدرات الدفاعية للاتحاد ويزيد من سرعة تنفيذ الخطط على الأرض.
برنامج SAFE التابع للاتحاد الأوروبي يحمل أهمية بالغة في دعم عمليات الشراء المشتركة لأنظمة الأسلحة التي يتم تصنيعها في أوروبا، مما يساعد على تعزيز الصناعات الدفاعية المحلية للدول الأعضاء. الاتحاد الأوروبي يسعى بقوة لإعادة تسليح نفسه بفعالية كاستجابة مباشرة للتهديدات الأمنية المتزايدة، وخصوصاً التهديد الروسي. في هذا السياق، منحت الدول الأعضاء مهلة حتى نهاية نوفمبر 2025 لتقديم خططها الوطنية المفصلة التي تحتوي على طرق تفصيلية لكيفية استثمار حصصها المالية ضمن خطة قروض الدفاع التي تبلغ قيمتها 150 مليار يورو. هذه الخطط تمثل خارطة طريق لزيادة القدرات الدفاعية عبر إنفاق منظم ومستدام.
مفوض الدفاع الأوروبي سيناقش مجريات المفاوضات مع وزير الدفاع البريطاني
يتصدر مفوض الدفاع أندريوس كوبيليوس جدول الأعمال، حيث من المتوقع أن يناقش مجريات المفاوضات مع وزير الدفاع البريطاني جون هيلي. هذا الحوار المستمر يعكس رغبة في إيجاد أرضية مشتركة تتيح تكامل المملكة المتحدة رغم كونها دولة خارج الاتحاد الأوروبي. فيما يتعلق باتفاقية SAFE، فهي تشمل مفهوم “التفضيل الأوروبي”، والذي ينص على ضرورة تصنيع ما لا يقل عن ثلثي أي عملية شراء تُموَّل من خلال البرنامج داخل حدود الاتحاد الأوروبي. هذا المبدأ يعزز قدرة الاتحاد على دعم صناعات الأسلحة الأوروبية وتقليل الاعتماد على مصادر خارجية أو دول خارج الاتحاد. بصفتها دولة ثالثة، تقتصر مساهمة المملكة المتحدة على 35% كحد أقصى في أي عملية شراء، وهو ما يحد من امكانات المشاركة الكاملة. ولكن في حالة الإتفاق المتوقع، ستُعامل المملكة المتحدة كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي دون أي حدود قصوى على نسبة المساهمة، وهو وضع مشابه لما يتوفر حالياً للنرويج وأوكرانيا وأيسلندا، الدول التي تتمتع بمشاركة شبه كاملة رغم عدم عضويتها الكاملة في الاتحاد.
هذا الاتفاق لن يسمح فقط للمملكة المتحدة بالمشاركة في عمليات شراء مشتركة مع دول أوروبية، بل سيتيح للبرامج أن تضم ثلاثة دول على الأقل، تشمل دولتين عضويتين في الاتحاد الأوروبي. هذا الشرط مهم للتأهل لبرامج SAFE، إذ يشجع على التعاون متعدد الأطراف. مع ذلك، رغم هذا التقدم المتوقع، ستظل المملكة المتحدة غير قادرة على الاستفادة من القروض التي يصدرها الاتحاد الأوروبي ضمن هذه الخطة المالية. هذا القيد يمثل قضية حساسة في المفاوضات، حيث تبقى المساهمة المالية التي يمكن أن تقدمها المملكة المتحدة نقطة خلاف رئيسة بين الطرفين.
التعاون يعزز من قدرة البرنامج الأوروبي الدفاعي
من الناحية السياسية والاقتصادية، من المرجح أن يتم الترحيب بالمملكة المتحدة في البرنامج من قِبل العديد من الدول الأعضاء. المملكة المتحدة تعد من أبرز الدول المصدرة للمنتجات الدفاعية في المنطقة، حيث يمثل الاتحاد الأوروبي وحده ثلث إجمالي صادراتها الدفاعية خلال الفترة 2019 إلى 2023. وهذا يعني أن التعاون معها يعزز من قدرة البرنامج الأوروبي على الاستفادة من خبرات وتكنولوجيات متقدمة. إدراج المملكة المتحدة في هذه المرحلة من مسار برنامج SAFE سيساعد الدول الأعضاء على تعديل خططها الوطنية لتشمل مكونات بريطانية الصنع، مما يشعر الأسواق بالاستقرار ويرسخ من التنسيق الأوروبي. المفوضية الأوروبية كانت واضحة في إعلانها أنها تتطلع إلى صرف الدفعات الأولى للدول الأعضاء ضمن البرنامج في نهاية الربع الأول من العام 2026 كحد أقصى. هذا التوقيت حساس للغاية نظراً لأن الأموال المرصودة ستبدأ في تنفيذ المشاريع العسكرية وعمليات إعادة التسليح التي طال انتظارها. كما أن التعاون مع المملكة المتحدة سيضيف بُعداً استراتيجياً مهماً لتعزيز الجهود الموحدة، خصوصاً في ظل التحديات الأمنية التي تواجه أوروبا.
نجاح الاتفاقية سيشكل نموذجاً يحتذى به لشراكات أمنية وعسكرية مع الاتحاد الأوروبي
هناك عوامل متعددة تؤثر في نجاح هذه الاتفاقية. من بينها، التأقلم مع المشهد الجيوسياسي المتغير، وتطور التهديدات الأمنية، إضافة إلى الضغوط الداخلية للدول الأعضاء التي تسعى للحفاظ على سيادتها وصناعاتها الدفاعية. كما أن مشاركة المملكة المتحدة تضيف بعداً تقنياً وعسكرياً مهماً نتيجة لتاريخها الطويل في القطاع الدفاعي وخبراتها المتراكمة عبر سنوات التعاون والتطوير. إن نجاح الاتفاقية سيشكل نموذجاً يحتذى به لشراكات أمنية وعسكرية بين الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء في المستقبل، إذ يعكس قدرة الاتحاد على توسيع أطر تعاونه بدون الحاجة إلى عضوية كاملة. هذا يعكس بدوره توجه الاتحاد لخلق نظام أمني مستدام متعدد الأقطاب يعتمد على التعاون الوثيق بدلاً من الانغلاق.
الأهم هنا هو قدرة الاتحاد الأوروبي على التقدم نحو مستقبل دفاعي مستقل وقوي، مدعوماً بأحدث الأسلحة والتقنيات الأوروبية التي تسمح له بالحفاظ على أمنه الداخلي والتصدي لأي تهديدات خارجية. برنامج SAFE هو جزء لا يتجزأ من هذا النهج، والمشاركة البريطانية المرتقبة تمنح البرنامج قوة إضافية وفرصة لتحقيق أكبر قدر من التكامل بين القارة الأوروبية وبريطانيا رغم مغادرتها الاتحاد سابقاً. تبقى عملية مشاركة المملكة المتحدة في برنامج SAFE نموذجاً لحوار استراتيجي معقد يتطلب موازنة دقيقة بين المصالح الوطنية والإقليمية، والفرص والتحديات. التوصل إلى اتفاق يُعد خطوة حاسمة تعكس رغبة جميع الأطراف في العمل معاً لضمان أمن واستقرار أوروبا بطريقة مستدامة وفعالة تقنياً ومالياً.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=111253
