خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ كيف يسهم مشروع الممرات العسكرية في تعزيز القدرة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي؟
أفاد تقرير في 30 أكتوبر 2025، نقلاً عن وثائق المفوضية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي يستعد لخطة جديدة تتيح النشر السريع للمعدات العسكرية الثقيلة في جميع أنحاء القارة في حالة نشوب حرب مع روسيا. وبحسب التقرير، فإن الخطة ستعمل على تبسيط إجراءات التحركات العسكرية عبر الحدود، وتعيين ممرات لوجستية رئيسية للنقل السريع للدبابات والمركبات المدرعة وغيرها من الأصول الثقيلة. وتشكل هذه المبادرة جزءاً من جهد أوسع نطاقاً يبذله الاتحاد لتعزيز التنسيق الدفاعي بين الدول الأعضاء وتحسين الجاهزية العسكرية.
التنقل العسكري يشكل عنصراً حاسماً للدفاع الأوروبي
أكدت المفوضية الأوروبية أن “التنقل العسكري يشكل عنصراً حاسماً للدفاع الأوروبي”، مضيفة أن “الهدف هو تقليص أوقات الموافقة على النقل عبر الحدود إلى ثلاثة إلى خمسة أيام عمل”. ويظل التنسيق مع حلف شمال الأطلسي أمراً محورياً بالنسبة للمشروع، مما يضمن التوافق مع أطر الخدمات اللوجستية عبر الأطلسي الحالية. وأشارت مفوضة النقل بالاتحاد الأوروبي، أدينا فاليان، إلى أن “الاقتراح يتضمن استثمارات في البنية التحتية لتطوير الجسور والطرق والسكك الحديدية لتحمل الأحمال الثقيلة”. وأضافت فاليان: “نحن نعمل على ضمان أن تكون شبكات النقل لدينا قادرة على دعم الاحتياجات المدنية والدفاعية على حد سواء”.
تتضمن الخطة، التي من المتوقع تقديمها رسمياً في عام 2026، تعاوناً أوثق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومشغلي النقل الخاص لضمان الحركة الفعالة للقوات والمعدات في أوقات الأزمات. وأفادت التقارير أن الحكومات الأوروبية تخطط لطلب مليارات الدولارات من القروض المدعومة من الاتحاد الأوروبي بموجب آلية SAFE، وهي خطة لشراء الأسلحة بشكل مشترك وتعزيز جيوشها. وتهدف المبادرة إلى تزويد أوكرانيا بالأسلحة وتقليل الاعتماد على الدعم الأمريكي، مع بناء قاعدة دفاعية أوروبية أكثر تكاملاً.
يقول العميد في القوات الجوية الفرنسية فابريس فيولا، الذي يقود مركز العمليات والدعم للنقل في الجيش الفرنسي، في الثاني من أكتوبر 2025: “إن التهديد الروسي للأراضي الأوروبية والأراضي الأوكرانية يجعل من المرجح أن تشارك قواتنا بشكل كبير على الأراضي الأوروبية في قارتنا”. وتابع فيولا قائلاً: “إن الأمر قد يستغرق في بعض الأحيان أكثر من عشرة أيام حتى تحصل فرنسا على التصاريح اللازمة من الدول الأعضاء الأخرى لنقل الأفراد أو المعدات العسكرية، على الرغم من الهدف الأوروبي المتمثل في خمسة أيام كحد أقصى”.
يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحدد ممرات للتنقل
تقود فرنسا كتيبة متعددة الجنسيات تابعة لحلف شمال الأطلسي في رومانيا، وتدرب الجنود الأوكرانيين في بولندا كجزء من مهمة الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، وتتبرع بالمعدات العسكرية إلى كييف. وتغطي الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأعضاء الأخرى التي تقلل هذا الوقت فقط أنواع القوافل القياسية، مع فرض قيود على عدد القوات والمركبات ونوع المعدات. ويرى فيولا أن تسريع الوقت اللازم للحصول على التصاريح لعبور الحدود وإزالة الطابع المادي لعدد من الوثائق الجمركية هو أمر “قابل للتحقيق وفي متناول اليد”. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحدد على وجه السرعة ممرات للتنقل تكون فيها السكك الحديدية والطرق والأنفاق والجسور قادرة على تحمل قيود الارتفاع والعرض والوزن التي تفرضها المعدات العسكرية.
تعزيز الجسور وتوسيع الأنفاق
دارت خلال عام 2025 مناقشات بين الدول الأعضاء وممثلي حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن أندريوس كوبيليوس، المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء، ومفوض النقل أبوستولوس تزيتزيكوستاس، بشأن الممرات. وقد تم بالفعل إنشاء أربع من هذه الممرات، مع تحديد 500 مشروع ذي أولوية تتراوح بين تعزيز الجسور وتوسيع الأنفاق إلى بناء خطوط السكك الحديدية. وأكد كوبيليوس خلال عام 2025 أن الاتحاد سيحتاج إلى استثمار أولي بقيمة 70 مليار يورو للتكيف بشكل عاجل مع ممراته الحديدية والطرق والبحرية والجوية لتسهيل الحركة السريعة للقوات والمعدات عبر الاتحاد في حالة نشوب صراع.
أوضح فيولا: “من المهم للغاية أن يكون لدينا سلطة موحدة لتنسيق كل الجهود المبذولة لضمان أن كل شيء يتناسب مع بعضه البعض من بلد إلى آخر”. وأضاف: “لا ينبغي أن يكون هناك انقطاع بين الممرات أو بين المسارات، بل ينبغي تكثيف الجهود، كما أرى، لضمان الاستمرارية”. ويتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي تمهيد الطريق لضمان بدء الوزارات العمل معاً والتواصل فيما بينها، بحيث لا يكون هناك أي تنافس داخلي على نقل البضائع في حال نشوب أي نزاع. وأشار فيولا إلى أن فرنسا أعادت تفعيل وحدة تنسيق لوجستي بين الوزارات لهذا الغرض. ويؤكد فيولا: “أفكر تحديداً في حليفنا الأمريكي، الذي سينفذ، في حال تفعيل خطط الناتو، عمليات إنزال جماعي على ساحل المحيط الأطلسي، وسيحتاج إلى عبور أراضينا للوصول إلى مواقع أبعد شرقاً. لذا فإن مفهوم المنافسة هذا يدفعنا حتماً إلى التنسيق على المستوى الوطني لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الموارد المتاحة لنا”.
تشريعات جديدة تسهّل التنقل العسكري
اعتمدت المفوضية الأوروبية في شهر أبريل 2025 تشريعات جديدة تسهّل ترخيص عربات الأفراد التي يمكن دمجها في قطارات الشحن. وتابع فيولا قائلاً: “إن القطارات لها أهمية خاصة في السياق الأوروبي، حيث استأجرت المؤسسة العسكرية الفرنسية 150 رحلة دولية بالسكك الحديدية في عام 2024، وهي قفزة هائلة من حفنة أقل من خمس رحلات في السنة” التي استأجرتها قبل حرب أوكرانيا. وبعيداً عن الحاجة إلى تحديد ممرات النقل، فإن التحدي الرئيسي الآخر الذي تواجهه القوات المسلحة عندما يتعلق الأمر بالتنقل الدولي هو أن الغالبية العظمى من نقل المعدات يتم باستخدام موارد من القطاع الخاص. ففي فرنسا، في عام 2024، كان 90% من نقل البضائع العسكري يعتمد على موارد خارجية. أما بالنسبة للقطارات، فيتعاون الجيش الفرنسي بشكل وثيق مع شركة السكك الحديدية الوطنية (SNCF).
النتائج
يشير التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي يتخذ خطوات استراتيجية لتعزيز قدراته الدفاعية عبر تحسين التنقل العسكري للبنية التحتية والمعدات الثقيلة، في سياق التوترات المستمرة مع روسيا. تُظهر الخطة درجة عالية من الوعي بأهمية التنسيق بين الدول الأعضاء، وتأكيداً على دور الاتحاد الأوروبي كلاعب مستقل في مجال الأمن والدفاع، مع الحفاظ على التكامل مع حلف شمال الأطلسي. ويبرز في النص التركيز على البنية التحتية الحيوية، مثل الجسور والطرق والسكك الحديدية والأنفاق، باعتبارها عناصر حاسمة لضمان سرعة التحرك العسكري، ما يعكس فهم الاتحاد لأهمية القدرات اللوجستية في النزاعات الحديثة.
من الناحية العملية، يمثل تقليص أوقات الموافقة على النقل عبر الحدود إلى ثلاثة إلى خمسة أيام خطوة نوعية، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتنسيق بين الحكومات الوطنية والبنى الإدارية المعقدة. ويشير النص إلى الاعتماد الكبير على القطاع الخاص في نقل المعدات العسكرية، وهو عامل قد يزيد من تعقيد الاستجابة السريعة أثناء الأزمات، لكنه في الوقت نفسه يوفر المرونة والموارد التكتيكية الضرورية. كما تبرز أهمية القوانين الجديدة التي تسهّل دمج عربات الأفراد في قطارات الشحن، ما يعد مؤشراً على تحول بنية النقل العسكري الأوروبية نحو حلول أكثر تكاملاً واحترافية.
من منظور استراتيجي، يمكن قراءة هذه الخطوة على أنها محاولة لتقليل الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة، بما يحقق استقلالية أكبر في القرارات الدفاعية، مع دعم أوكرانيا في سياق الحرب ضد روسيا. ومن المتوقع أن تعزز هذه المبادرة القدرة التكتيكية للدول الأوروبية على التحرك بشكل مشترك وسريع، ما يزيد من قدرة الردع والجاهزية الدفاعية للاتحاد ككل.
من المرجح أن تشهد أوروبا زيادة في الاستثمارات الدفاعية المشتركة، لا سيما في البنية التحتية والتكنولوجيا اللوجستية، بما يشمل تحديث السكك الحديدية والجسور والطرق لتلبية متطلبات المعدات الثقيلة. وقد يؤدي هذا إلى خلق شبكة دفاعية أكثر تكاملاً، ما يسمح بالتعاون السريع بين الدول الأعضاء وحلفائها، ويقلل من العقبات الإدارية واللوجستية خلال أي نزاع محتمل. كما أن توسيع التنسيق بين القطاعين العام والخاص يعكس إدراكاً متزايداً لدور الابتكار والتكنولوجيا في تعزيز الاستجابة الدفاعية، ما يضع أوروبا على طريق تطوير استراتيجية دفاعية أكثر مرونة واستدامة في مواجهة التهديدات المستقبلية.
باختصار، تمثل الخطة خطوة ملموسة نحو تعزيز السيادة الدفاعية الأوروبية، مع توقع أن يكون لها تأثير طويل الأمد على جاهزية الاتحاد الأوروبي وقدرته على التصدي للأزمات الأمنية على المستوى القاري والدولي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=111167
