خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ كيف يستطيع تحالف الطائرات المسيّرة تغيير موازين الحرب؟
قدمت أورسولا فون دير لاين نظرة أولية على الجولة القادمة من العقوبات ضد روسيا وقرض تعويضات خاص لأوكرانيا. حيث تناولت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في خطابها عن حالة الاتحاد الأوروبي في العاشر من سبتمبر 2025 العديد من المواضيع، من الهجرة غير النظامية والكوارث الطبيعية إلى التضليل عبر الإنترنت والتنقل الأخضر. ولكن تطورات حرب أوكرانيا هي التي مهّدت الطريق لهذا المشهد.
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية: “أوروبا تخوض معركةً من أجل قارةٍ متكاملةٍ تنعم بالسلام”. ثم قدمت فون دير لاين سلسلة من التدابير الجديدة لتشديد الخناق على الكرملين وزيادة المساعدات لأوكرانيا، وهما جهدان مترابطان اكتسبا شعورًا جديدًا بالإلحاح في ضوء الدبلوماسية غير المتوقعة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عقوبات جديدة
أوضحت فون دير لاين: “إن الجولة المقبلة من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا ستواصل الحملة على الأسطول الظل الذي تستخدمه موسكو لتجاوز سقف الأسعار على النفط المنقول بحرًا، والدول الثالثة التي تمكن من التحايل على القيود الاقتصادية”. أشارت فون دير لاين إلى أن المفوضية تنظر في فكرة تسريع الاستغناء التدريجي عن الطاقة الروسية، التي لا يزال الاتحاد الأوروبي يشتريها، رغم أكثر من ثلاث سنوات من الحرب. في عام 2024، أنفق الاتحاد الأوروبي ما يُقدر بـ 23 مليار يورو على الوقود الأحفوري الروسي.
قدمت المفوضية الأوروبية خلال عام 2025 خارطة طريق لإنهاء جميع عمليات الشراء بحلول نهاية عام 2027 على أقصى تقدير. ونظرًا لأن الخطة لم يمضِ على طرحها سوى بضعة أشهر، ولا تزال مطروحة على طاولة المشرّعين، فمن اللافت للنظر أن فون دير لاين تقترح تعديلًا بالفعل، وعلى الأرجح أن السبب يكمن في البيت الأبيض.
تشير تقارير إلى أن ترامب يضغط بشدة على الأوروبيين لقطع علاقاتهم في مجال الطاقة مع موسكو، وفرض رسوم جمركية ثانوية على الصين والهند، أكبر مشتري النفط الخام الروسي. ويتناقض هذا الطلب المُبالغ فيه مع موقف الدولتين العضوين الأكثر تأييدًا لترامب، المجر وسلوفاكيا.أردفت فون دير لاين قائلةً: “إن الحزمة التاسعة عشرة من عقوبات الاتحاد الأوروبي يجري إعدادها بالتنسيق مع الشركاء”، في إشارة أخرى إلى واشنطن.أجرت فون دير لاين اتصالًا هاتفيًا مع نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس لضمان “جبهة موحدة بشأن العقوبات”. وخلال سبتمبر 2025، سافر ديفيد أوسوليفان، مبعوث الاتحاد الأوروبي للعقوبات، إلى واشنطن والتقى بوزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت.
أكد بيسنت بعد الاجتماع: “جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة كجزء من استراتيجية ترامب لدعم مفاوضات السلام، فالعمل كالمعتاد لم ينجح”. وأضاف: “نحن على استعداد لاتخاذ تدابير قوية ضد روسيا، ولكن يتعين على شركائنا الأوروبيين الانضمام إلينا بشكل كامل في هذا الأمر لتحقيق النجاح”. لكن أثارت تصريحات بيسنت الانتقادات، إذ لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا حتى سبتمبر 2025.
قرض التعويضات
أثارت فون دير لاين موضوعًا للنقاش يتعلق بالأصول الروسية المجمدة. في بداية حرب أوكرانيا، سارع الحلفاء الغربيون إلى تجميد ودائع البنك المركزي الروسي، ويمتلك الاتحاد الأوروبي الحصة الأكبر، بقيمة 210 مليارات يورو. دفع هذا المبلغ دعواتٍ متواصلة لمصادرة الأموال وتحويلها مباشرةً إلى أوكرانيا، التي تواجه تكاليف ميزانية وإعادة إعمار متزايدة باستمرار. إلا أن مصادرة الأصول السيادية تثير تساؤلاتٍ حول القانون الدولي، وتخشى الدول الأعضاء من المخاطر المرتبطة بذلك على الاستقرار المالي للاتحاد ومصداقيته.
وبدلاً من ذلك، عملت المفوضية على الاستفادة من الأرباح غير المتوقعة التي تولدها هذه الأصول، واستخدامها لتمويل قرض استثنائي لمجموعة السبع بقيمة 50 مليار دولار. وبناءً على هذا النموذج، تريد فون دير لاين إصدار قرض آخر. حيث يُمكن، باستخدام الأرصدة النقدية المرتبطة بهذه الأصول الروسية، منح أوكرانيا قرض تعويضات. ولن تُمسّ هذه الأصول نفسها، وسيتعين تحمّل المخاطر بشكل جماعي، ولن تُسدد أوكرانيا القرض إلا بعد أن تدفع روسيا التعويضات. هذه الأموال ستساعد أوكرانيا منذ اليوم. ومن غير الواضح كم ستكون قيمة القرض الجديد، وما هو النموذج الذي ستستخدمه المفوضية لتعظيم الأرباح غير المتوقعة، والتي كانت مطلوبة لخطة مجموعة السبع السابقة.
تحالف الطائرات بدون طيار
بالتوازي مع الدعم المالي، أكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيزيد من مساعداته العسكرية. ولتحقيق هذه الغاية، طرحت برنامجًا جديدًا تحت عنوان “التفوق العسكري النوعي”، والذي من شأنه توجيه الاستثمار في القدرات التي تحتاجها القوات المسلحة الأوكرانية، والتي يريد حلفاء الغرب دمجها في الخط الأول من الضمانات الأمنية المستقبلية.علاوةً على ذلك، كشفت عن “تحالف الطائرات المسيّرة” بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. يهدف هذا المشروع إلى تعزيز تفوق أوكرانيا التكنولوجي في هذا القطاع، وهو أمرٌ بالغ الأهمية لمقاومتها للتهديد الروسي، من خلال الاستفادة من قدرات التصنيع في الاتحاد الأوروبي. ستقدم بروكسل 6 مليارات يورو من قرض مجموعة السبع لتعزيز التحالف.
النتائج
يأتي خطاب أورسولا فون دير لاين في لحظة أوروبية حاسمة، حيث تتشابك أزمات الطاقة، والتهديدات الأمنية، والضغوط الأمريكية في خلفية حرب لا يبدو أنها تقترب من نهايتها. ما يميز هذا الخطاب هو التوازن الدقيق بين الخطاب السياسي الطموح والواقعية التنفيذية، خصوصًا في ظل رئاسة ترامب الثانية، التي فرضت مسارًا غير متوقع على السياسة الخارجية الغربية.
التركيز على تشديد العقوبات يبرز رغبة أوروبية في إبقاء الضغط الاقتصادي على روسيا، لكن التحدي يكمن في كيفية تنفيذ ذلك دون الإضرار بالاقتصادات الأوروبية نفسها. إشارة فون دير لاين إلى “الأسطول الظل” تُظهر تعقيد التهريب النفطي الروسي عبر دول ثالثة، ما يتطلب تنسيقًا استخباراتيًا ودبلوماسيًا أوسع، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بسهولة.
في المقابل، طرح قرض التعويضات يعد تطورًا مبتكرًا، يوازن بين الدعم الفوري لأوكرانيا والمخاوف القانونية حول مصادرة أصول سيادية . أما في الشق العسكري، فإن تحالف الطائرات بدون طيار يمثل نقلة نوعية في استراتيجية دعم أوكرانيا. ليس فقط بتوفير قدرات تكنولوجية، بل ببناء صناعة أوروبية أوكرانية مشتركة، مما يعزز استقلالية أوروبا الدفاعية ويمنح أوكرانيا أدوات أكثر فاعلية في مواجهة التفوق الجوي الروسي.
على المدى المتوسط، يبدو أن أوروبا تتجه نحو أتمتة الدفاع وتحييد الأعباء الاقتصادية عبر آليات تمويل مبتكرة. غير أن أي تحول جذري سيصطدم بواقع الانقسامات الداخلية بين دول الاتحاد، لا سيما تلك المرتبطة اقتصاديًا بروسيا أو المتأثرة بالضغط المناهض للانخراط العسكري.
مستقبلًا، يمكن أن يشكل هذا الخطاب إطارًا لسلوك سياسي أوروبي أكثر استقلالية عن واشنطن، أو على العكس، يكرّس التبعية لها تحت ضغط ترامب. العامل الحاسم سيكون قدرة فون دير لاين على حشد دعم من الدول الأعضاء لمقترحاتها، وتحويل هذا الخطاب من مجرد إعلان نوايا إلى سياسات قابلة للتطبيق.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109014
