خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ زيادة الانفاق الدفاعي الألماني، انعكاسات اقتصادية واستراتيجية
وافقت المفوضية الأوروبية رسميًا على خطة الميزانية الألمانية متعددة السنوات في 16 سبتمبر 2025، في خطوة تاريخية تمهد الطريق لزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي والبنية التحتية في أكبر اقتصاد بالاتحاد الأوروبي. أوضح مسؤول كبير في المفوضية الأوروبية أن الخطة المالية متوسطة الأجل التي قدمتها برلين في يوليو 2025 ستشهد تجاوز ألمانيا للحد المالي الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي، والبالغ 3% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، حتى عام 2027. ما يعكس التزام الحكومة الألمانية بموازنة بين تعزيز القدرات الدفاعية والاستثمارات الاستراتيجية، مع تجنب العجز المفرط والحفاظ على استقرار الاقتصاد الأوروبي والمالي على المدى الطويل.
برلين تجنبت إجراء العجز المفرط
أضاف المسؤول الأوروبي: “إن التخفيضات اللاحقة في الميزانية المخطط لها تعني أن برلين تجنبت إجراء العجز المفرط، الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى عقوبات مالية من الاتحاد الأوروبي”. كما ساعد طلب برلين بتفعيل “بند الهروب الوطني” – الذي يسمح للدول الأعضاء بزيادة الإنفاق العسكري بما يصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي دون مخالفة القواعد المالية للاتحاد الأوروبي – في تجنب عملية الدمج الأوروبية. تابع المسؤول الأوروبي: “من الواضح أن هناك توسعًا ماليًا في العامين الأولين، ثم بعض التصحيح والتوحيد في السنوات التي تليها”، مضيفًا أن خرق حد 3% يجب أن يكون “ليس استثنائيًا” و”ليس مؤقتًا” من أجل فتح منطقة اليورو للتنمية”. وأضاف: “حقيقة أن العجز يتجاوز 3% لا تعني أنه يتعين علينا تلقائيًا، بالضرورة، فتح خطة التنمية الأوروبية في هذه المرحلة”.
قرار المفوضية الأوروبية متوقع على نطاق واسع
كان قرار المفوضية الأوروبية متوقعًا على نطاق واسع، حيث قام المسؤولون الألمان والمفوضية بالتنسيق بشكل وثيق قبل أن تقدم برلين خطة ميزانيتها الممتدة لسبع سنوات خلال عام 2025، كما هو مطلوب بموجب نسخة معدلة من القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، والتي تم تقديمها خلال العام نفسه. أكد مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، في يوليو 2025: “أن ألمانيا ينبغي أن تتجنب التنويع الاقتصادي، وإن بروكسل رحبت بالفعل بقرار برلين بتعزيز الإنفاق العسكري، وإنشاء صندوق خاص للبنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو”.
تابع دومبروفسكيس: “إن المفوضية الأوروبية تطلب من ألمانيا منذ سنوات زيادة استثماراتها في البنية التحتية، والآن نرى هذا يحدث بالفعل”. يزعم بعض خبراء الاقتصاد أن “كبح الديون” في ألمانيا – التي فرضت حدودًا صارمة على الاقتراض العام قبل أن تلغيها حكومة المستشار الألماني فريدريش ميرز خلال عام 2025 كان مسؤولًا عن انخفاض النمو، وضعف الاستثمار، والطلب بشكل مزمن. ومن المتوقع أن يوافق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي رسميًا على الخطة المالية الألمانية في العاشر من أكتوبر 2025.
أوضح مايكل هيربست، رئيس منظمة VENRO الجامعة، التي تمثل حوالي 140 منظمة غير حكومية تنموية في ألمانيا: “أن هناك تكلفة إنسانية باهظة لزيادة الإنفاق الدفاعي، في ظل تنامي الصراعات العالمية”. ابع هيربست: “أكثر من 100 مليون شخص نازحون، وتتراجع الدول المانحة بشكل متزايد”. وأضاف أن “ألمانيا بحاجة إلى ضمان تمويل مستقر للتعاون الإنمائي والمساعدات الإنسانية، لكن العكس هو الصحيح”.
لماذا تتجه ألمانيا لزيادة إنفاقها الدفاعي؟
بحسب تقديرات السلطات الأمنية الألمانية، فإن روسيا ستكون قادرة على اختبار حلف شمال الأطلسي عسكريًا اعتبارًا من عام 2029. بناءً على ذلك، تتجه الخطط الدفاعية لألمانيا نحو هذا التاريخ المحتمل، الذي قد تضرب فيه روسيا. لعب ألمانيا دورًا خاصًا في هذا الصدد، فباعتبارها مركزًا لوجستيًا في وسط أوروبا، سيتعين عليها نشر عدد كبير من القوات المقاتلة على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي في حالة الطوارئ.
لكي يحدث هذا، يتعين على الموانئ، والطرق، والسكك الحديدية، والأنفاق، ومحطات القطارات أن تعمل بكفاءة. إن هدف إعادة البنية التحتية المتهالكة في ألمانيا إلى حالتها الطبيعية بسرعة، لا يخدم استقرار البلاد داخليًا فحسب كما يُسمع كثيرًا من التحالف الحكومي بل هو على الأقل من وجهة نظر حلف شمال الأطلسي، ضرورة عسكرية، ويتوافق مع الالتزامات المترتبة على ألمانيا في إطار خطط الدفاع للحلف. ويتطلب هذا استثمارًا هائلًا ووقتًا.
يرى خبراء الجيش الألماني، في ضوء التهديد الذي تشكله روسيا، أسبابًا وجيهة لزيادة الإنفاق الدفاعي، ولاستثمار المزيد من الأموال في القوات المسلحة التي أُهملت لعقود من الزمن. تقول خبيرة الأمن آيلين ماتل من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية (DGAP): “الأمر لا يتعلق بإرضاء الأمريكيين، ولا بإثراء صناعة الأسلحة؛ فمن مصلحة ألمانيا الوطنية أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها”.
النتائج
تُعد موافقة المفوضية الأوروبية على خطة الميزانية الألمانية متعددة السنوات تحوّلًا مهمًا في السياسة المالية لأكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ما يعكس مرونة متزايدة في تطبيق القواعد المالية الأوروبية استجابةً للظروف الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة. من أبرز ملامح هذه الخطة هو السماح بتجاوز الحد التقليدي للعجز المالي (3% من الناتج المحلي الإجمالي) حتى عام 2027، وهو ما يمثل خرقًا منظمًا ومدروسًا لقواعد كانت تُعدّ حجر الزاوية في السياسة المالية الأوروبية.
إلا أن برلين استطاعت تجنب الوقوع تحت طائلة “إجراء العجز المفرط” بفضل خطط التقشف التدريجي وتفعيل بند الإعفاء الوطني الذي يمنح استثناءات في حالات التهديدات الأمنية أو الحاجة لزيادة الإنفاق الدفاعي. هذا التحول يعكس قبولًا أوروبيًا ضمنيًا بأن الإنفاق العسكري وتطوير البنية التحتية باتا من الأولويات التي تستدعي مرونة في القواعد التقليدية، خاصة في ظل التوترات مع روسيا والتحديات الأمنية المتزايدة شرق أوروبا.
يمثل ذلك استجابة مباشرة لنداءات المفوضية الأوروبية المتكررة لألمانيا لزيادة استثماراتها العامة، والتي لطالما كانت محدودة بسبب “كبح الديون” التي أقرها الدستور الألماني سابقًا. وعلى الصعيد السياسي، فإن هذه الخطوة تُكرّس مكانة ألمانيا كلاعب رئيسي في إعادة رسم قواعد اللعبة المالية الأوروبية، وتمنح الحكومة الألمانية هامش مناورة أوسع في رسم سياساتها الداخلية والخارجية، خصوصًا في مجالات الأمن والطاقة والبنية التحتية الرقمية.
مستقبليًا، قد تدفع هذه الموافقة إلى تحفيز دول أوروبية أخرى على المطالبة بتعديلات مشابهة أو استثناءات في قواعد الإنفاق، ما قد يُحدث تحوّلًا تدريجيًا في فلسفة الضبط المالي الأوروبي، من التركيز الصارم على الانضباط، إلى نهج أكثر مرونة يوازن بين الاستقرار المالي والتنمية الاستراتيجية. لكن هذه المرونة قد تكون محفوفة بالمخاطر؛ فإذا لم تُقرن بإصلاحات هيكلية ومراقبة دقيقة، فقد تؤدي إلى تراكم ديون يصعب السيطرة عليها، مما يُعرّض تماسك منطقة اليورو لمخاطر جديدة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109375
