خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
يسعى الاتحاد الأوروبي لإيجاد طرق لدعم الاقتصاد الأوكراني مع استمرار الحرب وارتفاع تكاليفها، خصوصًا بعدما أوضحت إدارة ترامب أن أوروبا ستتحمل العبء المالي لأمن القارة في المستقبل. ومع تراجع الدور الأمريكي، يفكر الأوروبيون في خطة جريئة تقوم على استخدام الأصول الروسية المجمدة لإصدار قرض تعويضي بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، يهدف إلى تغطية احتياجاتها المالية والعسكرية لعامي 2026 و2027. لكن الخطة تواجه عقبات كبيرة.
خلفية القرار
فرض الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه في مجموعة السبع في بداية حرب أوكرانيا عام 2022 عقوبات غير مسبوقة على موسكو، شملت تجميد أصول البنك المركزي الروسي في الغرب لمنع الكرملين من تمويل الحرب. يمثل هذا التجميد نحو 210 مليارات يورو من النفوذ الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي على روسيا، حيث توجد أغلب هذه الأصول لدى شركة “يوروكلير” في بروكسل. تدر هذه الأصول على الحكومة البلجيكية أرباحًا سنوية بين 2.5 و3 مليارات يورو، ما جعلها محورًا للمفاوضات الجارية. وفي عام 2024، بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل في استخدام العوائد الاستثنائية من هذه الأصول لدعم أوكرانيا، ضمن قرض مشترك بقيمة 45 مليار يورو مع مجموعة السبع يُسدد من أرباح تلك الأصول. لكن مع استمرار الحرب، أدرك الأوروبيون أن هذا التمويل لن يكفي، وبدأ التفكير في مشروع أكبر.
ما هي فكرة القرض التعويضي؟
تقوم الخطة على أن تحول شركة “يوروكلير” السيولة النقدية المتراكمة لديها، نحو 175 مليار يورو، مع توقع زيادة قدرها 10 مليارات تقريبًا إلى المفوضية الأوروبية، التي ستصدر بدورها قرضًا بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا. أما الـ45 مليار المتبقية فستغطي قرض مجموعة السبع. سيُصرف القرض تدريجيًا إلى كييف وفق شروط محددة، مثل استخدام جزء منه لشراء أسلحة أوروبية الصنع. ولن تكون أوكرانيا مطالبة بالسداد إلا بعد انتهاء الحرب وتوقيع روسيا على اتفاق تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها، ومن هنا جاء اسم “القرض التعويضي”. وبعد سداد التعويضات، تسدد المفوضية المبلغ لـ”يوروكلير”، وتعيد الأخيرة الأموال إلى روسيا. تؤكد المفوضية أن هذا ليس مصادرة مباشرة للأصول الروسية، بل آلية مؤقتة قانونية. سياسيًا، تمنح الخطة الاتحاد الأوروبي وسيلة مستقرة لدعم أوكرانيا دون إرهاق ميزانيات الدول الأعضاء.
لماذا تُعد بلجيكا العقبة الرئيسية؟
بوصفها الدولة التي تحتضن “يوروكلير”، أصبحت بلجيكا في صلب الجدل. فلدى بلجيكا اتفاقية استثمار مع روسيا تنص على التحكيم في حال نشوء أي نزاع. وتخشى بروكسل أن تؤدي الخطوة إلى تحرك قانوني روسي فوري للمطالبة بالتعويض واستعادة الأموال، ما قد يدخل الاتحاد في نزاعات قضائية دولية معقدة. كما يخشى البلجيكيون من أنه إذا رُفعت العقوبات الأوروبية قبل دفع روسيا التعويضات، فقد يُلغى الأساس القانوني للقرض بالكامل. لذلك طالب رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر بضمانات “صلبة وشاملة” من كل الدول الأعضاء لتقاسم المخاطر بالتساوي. يقول دي ويفر بعد قمة الاتحاد الأوروبي: “إذا أُخذ المال من بلدي وحدث خطأ، فلن أكون قادرًا، ولا راغبًا، في دفع 140 مليار يورو خلال أسبوع. لذا يجب على من يدعم القرار أن يضمن لي أن التضامن سيضمن استرداد المال إن تعثرت الأمور”.
موقف البنك المركزي الأوروبي
أثار المشروع تساؤلات لدى البنك المركزي الأوروبي باعتباره الضامن للاستقرار المالي والنقدي في منطقة اليورو. فقد كانت رئيسة البنك كريستين لاغارد قد حذرت من أي خطوة قد تُعتبر مصادرة مباشرة لأصول سيادية، لما تمثله من مخالفة للقانون الدولي وتضر بسمعة اليورو. لكن في صيغته الحالية، لا يُعد القرض مصادرة مباشرة، لأن روسيا ستسترد أموالها فقط إذا دفعت تعويضات لأوكرانيا، وهو احتمال شبه مستحيل. وأشارت لاغارد إلى أن الفكرة قابلة للتطبيق من حيث المبدأ، لكنها تحتاج إلى دراسة تقنية أعمق، واقترحت أن لا يتصرف الاتحاد الأوروبي بمفرده، بل بالتنسيق مع شركائه في مجموعة السبع (المملكة المتحدة، كندا، اليابان).
مواقف الدول الأخرى
أبدت معظم الدول الأعضاء تفهمها للموقف البلجيكي. فقد أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس: “كنت سأستخدم الحجة نفسها لو كانت الأصول في ألمانيا”. وأشار رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف إلى ضرورة “تقاسم المخاطر بين الجميع، وليس فقط على حساب بلجيكا”، فيما أعلنت المجر رفضها المشاركة من الأساس. أما فكرة تعويض الشركات البلجيكية التي قد تتعرض لرد روسي، فتم استبعادها تمامًا. ورغم أن بعض الدبلوماسيين يعتقدون أن دي ويفر يبالغ في تحفظه لأسباب سياسية داخلية، فإن موقفه المعقد في المفاوضات المالية داخل حكومته يجعله بحاجة إلى إظهار التشدد أمام الرأي العام البلجيكي.
هل هناك بدائل؟
كلف القادة الأوروبيون المفوضية بدراسة خيارات أخرى لتلبية احتياجات أوكرانيا المالية والعسكرية خلال العامين 2026 ـ 2027. إحدى هذه الخيارات هي أن تجمع الدول الأعضاء الأموال من الأسواق المالية دون المساس بالأصول الروسية، كما حدث عام 2023 عند إنشاء “مرفق أوكرانيا” بقيمة 50 مليار يورو في شكل منح وقروض. لكن هذه الصيغة تواجه صعوبات، لأن فرنسا وإيطاليا مثلًا تواجهان عجزًا مرتفعًا في الميزانية، ما يجعل من الصعب عليهما تحمل عبء جديد. أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المقترح لم يُلغَ، لكنه يحتاج إلى معالجة “المسائل التقنية العالقة”. من جانبها، شددت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين على المضي قدمًا قائلة: “لقد اتفقنا على الهدف، وهو القرض التعويضي، والآن علينا أن نعمل على كيفية تنفيذه بأفضل شكل ممكن”. من المقرر تقديم نسخة محدّثة من الخطة قبل قمة ديسمبر 2025، التي يُتوقع أن تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام 2025. وقد طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القادة الأوروبيين بتوفير الأموال في مطلع عام 2026، مؤكدًا أن القرار “سياسي بالدرجة الأولى”.
يقول البروفيسور دوناشا أو بيخين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دبلن سيتي: “إن هذه العقوبات لن تدفع روسيا للتراجع عن حربها ضد أوكرانيا”. وأضاف: “لا أعتقد أن بوتين سيتراجع الآن أو سيوافق على وقف إطلاق النار أو مفاوضات جادة، فلماذا يفعل ذلك؟”. وأشار البروفيسور إلى “استدعاء ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، وبعد مكالمة استمرت ساعتين مع بوتين، وبّخ الزعيم الأوكراني، مطالبًا إياه بالرضوخ لمطالب روسيا أو مواجهة دمار أوكرانيا”. وأوضح أو بيخين أن “داعمي روسيا، وعلى رأسهم الصين وكوريا الشمالية، هم من حافظوا على استمرار آلة الحرب الروسية، فقد أرسلت كوريا الشمالية عشرات الآلاف من الجنود وقدمت لروسيا ذخائر أكثر مما قدمه الاتحاد الأوروبي بأسره لأوكرانيا”. وتابع الأكاديمي: “إن بوتين لن يفكر في وقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات إلا عندما يشعر بأنه مهدد بفقدان أراضٍ أو سلطة”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110991
