خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ الطائرات بدون طيار، لماذا تختلف أولويات التهديدات بين دول أوروبا؟
شهدت 10 دول أوروبية على الأقل توغلات غامضة بطائرات بدون طيار خلال العام 2025. شهدت ليتوانيا ولاتفيا والدنمارك والنرويج ورومانيا وبولندا وإستونيا وألمانيا وفرنسا تحليق طائرات بدون طيار أو اضطرابات فوق أراضيها يوليو 2025 حتى سبتمبر 2025. حظرت الدنمارك مؤقتًا جميع رحلات الطائرات المسيّرة التجارية في جميع أنحاء البلاد في 29 سبتمبر 2025. وبينما أطلق الاتحاد الأوروبي رسميًا مبادرة “جدار الطائرات المسيّرة” على طول الحدود الشرقية مع روسيا، أعلن حلف شمال الأطلسي عن زيادة يقظته في دول البلطيق.
ليتوانيا: اتخاذ خطوات فورية لتعزيز الدفاع الجوي
في 28 يوليو 2025، أعلنت السلطات الليتوانية أن طائرة بدون طيار عبرت إلى بلادها قادمة من روسيا. وأكد وزير الدفاع الليتواني، دوفيل ساكاليني: “إن الطائرة بدون طيار كانت على الأرجح موجهة من روسيا نحو أوكرانيا، لكنها دخلت عن غير قصد إلى أراضيها”. عُثر على الطائرة المسيّرة بعد بضعة أيام، مُحمّلة بالمتفجرات، في منطقة تدريب عسكري، وفقًا للمدعية العامة الليتوانية، نيدا غرونسكيين. جاء ذلك بعد حادثة منفصلة، دخلت خلالها طائرة روسية مسيّرة المجال الجوي الليتواني في العاشر من يوليو 2025. طلبت ليتوانيا من حلف شمال الأطلسي المساعدة في تعزيز دفاعاتها الجوية، حيث اتفق وزير الخارجية، كيستوتيس بودريس، والأمين العام للحلف، مارك روته، على “اتخاذ خطوات فورية لتعزيز الدفاع الجوي على طول خط المواجهة لحلف شمال الأطلسي”.
أعرب النائب الإستوني في البرلمان الأوروبي، ريهو تيراس، عن قلقه إزاء جاهزية الاتحاد الأوروبي، قائلًا: “إن دفاعات الطائرات المسيّرة في زمن السلم في أوروبا ضعيفة بشكل مثير للقلق. لم تكن الدول الواقعة على الجناح الشرقي مستعدة للرد على الاستفزازات منخفضة الكلفة بالأدوات المناسبة. لا يمكننا الاستمرار في الرد على طائرات مسيّرة رخيصة بصواريخ باهظة الثمن”.
بولندا: تكتيكات لمواجهة الطائرات بدون طيار
في التاسع من سبتمبر 2025، حلقت ما لا يقل عن 19 طائرة روسية بدون طيار فوق المجال الجوي البولندي، فيما وصفته القيادة المركزية للبلاد بأنه “عمل عدواني”. أسقطت القوات المسلحة البولندية طائرات بدون طيار “انتهكت بشكل متكرر” أجواء البلاد، وهو ما يمثل المرة الأولى التي تتعامل فيها البلاد بشكل مباشر مع روسيا الطائرات الروسية منذ بدء حرب فبراير 2022. بعد رصد الطائرات، أعلنت القوات المسلحة الأوكرانية إنها ستقوم بتدريب زملائها البولنديين على تكتيكات مكافحة الطائرات بدون طيار.
نشرت بولندا طائرات تابعة للحلف في عملية وقائية قصيرة في 13 سبتمبر بسبب الضربات بالطائرات بدون طيار في الأجزاء المجاورة لأوكرانيا. وفي حادثة أخرى وقعت في 15 سبتمبر 2025، شوهدت طائرة بدون طيار تحلق فوق القصر الرئاسي “بلفيدير” في العاصمة وارسو، وتم تحييدها من قبل أجهزة حماية الدولة البولندية. اعتقلت بولندا فتاة بيلاروسية (17 عامًا) وشابًا أوكرانيًا (21 عامًا) على خلفية تحليق طائرات مسيرة فوق مبانٍ حكومية في 16 سبتمبر 2025. وحققت الشرطة في منزليهما وتحققت من قانونية إقامتهما في بولندا.
رومانيا: نشر طائرات مقاتلة ” 16ـF” لمراقبة المجال الجوي
في الثامن من سبتمبر 2025، انتهكت طائرة روسية بدون طيار المجال الجوي الروماني أثناء هجمات في أوكرانيا، ما أجبر الجيش الوطني على نشر طائرات مقاتلة من طراز “إف-16” لمراقبة المجال الجوي للبلاد. وجهت وزارة الدفاع الرومانية في بيان “رسالة إدانة حازمة” للهجمات التي نفذتها روسيا ضد “أهداف مدنية وعناصر من البنية التحتية الأوكرانية”، ووصفتها بأنها “تناقض خطير” للقانون الدولي. تحطمت طائرة بدون طيار أخرى في الجزء الشرقي من لاتفيا، قادمة من المجال الجوي البيلاروسي.أوضح الرئيس اللاتفي، إدغارز رينكيفيكس: ” إن لاتفيا تجري تحقيقًا، وإن الحكومة على اتصال وثيق مع حلفائها في الناتو”.
في 13 سبتمبر 2025، وقعت عملية توغل أخرى في رومانيا، عندما أعلنت وزارة الدفاع إنها اكتشفت طائرة روسية بدون طيار بينما كانت طائرتان من طراز “إف-16” تراقبان الحدود الرومانية مع أوكرانيا. وحددت هيئة الإذاعة البريطانية BBC الطائرة بأنها من طراز “جيران”، وهو الاسم الروسي لطائرة بدون طيار انتحارية من طراز “شاهد 136″، والتي يستخدمها الروس في هجماتهم على أوكرانيا. أضافت الوزارة أنه تم رصد الطائرة على بعد 20 كيلومترًا أمام قرية تشيليا فيتشي، قبل أن تختفي من على الرادار. وأكدت أن الطائرة لم تحلق فوق مناطق مأهولة بالسكان، ولم تشكل أي خطر. وفي رومانيا، أعطى قانون صدر مؤخرًا للمسؤولين سلطة إسقاط الطائرات بدون طيار، لكنهم لم يفعلوا ذلك.
الدنمارك والنرويج: إغلاق المجال الجوي ودعم ألماني سويدي
رُصدت طائرات مُسيّرة فوق 5 مطارات دنماركية: كوبنهاغن، وآلبورغ، وبيلوند، وإسبيرغ، وسوندربورغ، فيما وصفته السلطات بأنه هجوم مُنسّق. أُغلق مطارا كوبنهاغن وآلبورغ ردًا على الطائرات المُسيّرة. أعلنت السلطات الدنماركية وحلف الناتو إنه لم يتضح على الفور من يقف وراء رحلات الطائرات، لكنها أضافت أنه لا يمكن استبعاد تورط روسيا. وأشارت إلى أنها فكرت في تفعيل المادة الرابعة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، كما فعل البولنديون، لأن الهجوم كان “هجوميًا هجينًا بمنهجية واضحة” قرب البنية التحتية الحيوية، وفقًا لنائب رئيس الوزراء الدنماركي، ترويلز لوند بولسن.
تم إغلاق المجال الجوي حول مطار أوسلو في النرويج لمدة ثلاث ساعات تقريبًا في 23 سبتمبر 2025، بسبب رصد طائرات بدون طيار، ما أدى إلى تحويل الرحلات إلى مطارات مجاورة. تعمل السلطات النرويجية والدنماركية معًا للتحقيق في الحوادث، لكنها لم تتمكن بعد من إثبات وجود صلة بينها، وفقًا لوزيرة الخارجية النرويجية. أكدت وزارة الدفاع الدنماركية، في 28 سبتمبر 2025، إنها رصدت طائرات بدون طيار في عدة مواقع تابعة للقوات المسلحة، بما في ذلك قاعدة سكريدستروب الجوية وقاعدة فوج جوتلاند دراغون.كما تم الإبلاغ عن مئات المشاهدات العامة غير المؤكدة.
استعدادًا لاستضافة قمة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، قررت الحكومة حظر جميع الطائرات بدون طيار المدنية خلال فترة القمة “لإزالة خطر الخلط بين الطائرات العدائية والقانونية”.كما دعمت ألمانيا والسويد الدنمارك خلال القمة من خلال إقراضها قدرات مضادة للطائرات بدون طيار، مثل أنظمة مكافحة الطائرات الصغيرة (C-sUAS)، والتي تستخدم تقنيات الرادار والبصريات والصوت.
فرنسا: التحقيق في مصدر الطائرات بدون طيار
أكد مسؤولون عسكريون فرنسيون إن طائرات بدون طيار مجهولة الهوية حلقت فوق قاعدة “مورميلون لو جراند” العسكرية في 22 سبتمبر 2025. أكد الوفد العسكري الإقليمي لصحيفة لونيون الفرنسية إن الطائرات التي رُصدت لم تكن “تابعة للجيش”، وإنها ليست من الطائرات الصغيرة الشائعة. أدى الحادث إلى تشديد الإجراءات الأمنية في مستودع القاعدة، والتي تضم فوج الدبابات 501 الفرنسي، الذي درب الجنود الأوكرانيين. وقدمت القاعدة شكوى رسمية، ويتولى الدرك الفرنسي التحقيق في مصدر هذه الطائرات.
تؤكد فرح دوكين ويبر، من وكالة “سييرا تانغو” في بروكسل: “أن التحدي مجتمعي بقدر ما هو عسكري”. مضيفةً: “كل توغل يُمثل اختبارًا لتماسك أوروبا، تسعى هذه الإجراءات إلى تقسيم الرأي العام وتأجيج القلق. الوحدة هي الدفاع الأكثر فاعلية”. يتفاوت استعداد الدول الأوروبية، إذ تمتلك بعض الدول أنظمة متقدمة، بينما يقتصر البعض الآخر على مراقبة محدودة. كما تختلف أولويات التهديدات، فبينما ترى دول أوروبا الشرقية روسيا كخطر رئيسي، تركّز الدول الجنوبية على قضايا مثل الهجرة غير الشرعية، ورغم أن بعض الدول، مثل فرنسا، أثبتت كفاءتها الدفاعية بنشر نظام متقدم خلال أولمبياد 2024، إلا أن هذه الإجراءات لا تزال غير معمّمة.
ألمانيا: تعزيز إجراءات الدفاع ضد الطائرات بدون طيار
في 26 سبتمبر 2025، رُصدت عدة طائرات بدون طيار في ولاية شليسفيج هولشتاين، شمال ألمانيا، قرب الحدود الدنماركية. أكدت وزيرة داخلية الولاية، سابين سوترلين فاك: “أن شرطة الولاية تعمل على تعزيز إجراءات الدفاع ضد الطائرات بدون طيار بشكل كبير، بالتنسيق مع ولايات شمالية أخرى”. ووفقًا لتقرير صادر عن خدمة الملاحة الجوية الوطنية في ألمانيا، فقد تم تسجيل 144 تحليقًا لطائرات بدون طيار هذا العام، منها 35 تحليقًا حول مطار فرانكفورت. صرحت إدارة الأمن الجوي أن حوالي 90% من هذه الرحلات كانت قرب المطارات، وقد تم اكتشافها غالبًا من قبل الطيارين أو مراقبي الحركة الجوية. لا يزال من غير الواضح عدد الطائرات التي استُخدمت لأغراض التجسس.
يرى البروفيسور ميشيل لييجوا، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لوفين: “أن إثارة الشكوك حول مصدر الهجمات جزء من استراتيجية الحرب الهجينة الروسية”. تهدف هذه الحرب إلى زعزعة الاستقرار الأوروبي وتعطيل البنى التحتية، مثل النقل العام، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية وتنامي الغضب الشعبي. حذّر لييجوا من التسرع في توجيه الاتهامات، قائلًا: “ليس كل حادث يمكن ربطه تلقائيًا بموسكو، رغم أن التكرار الممنهج يشير إلى نية واضحة لزعزعة الاستقرار”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110080
