خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الدفاع ـ السياسات الدفاعية الألمانية في مواجهة التهديدات الروسية القائمة
يبدو أن هناك خلافًا بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي CDU/CSU والحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD حول كيفية التعامل مع الطائرات المسيرة المقاتلة الروسية في حلف شمال الأطلسي، ويريد وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت توسيع نطاق الدفاع ضد الطائرات المسيرة.
إمكانية إسقاط طائرات مقاتلة روسية
بعد عدة انتهاكات للمجال الجوي لحلف الناتو، أفادت التقارير أن الحكومة الائتلافية، بقيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU/CSU)، على خلاف بشأن الرد المناسب. وكان فلوريان هان (CSU)، وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، أول عضو في الحكومة يطرح إمكانية إسقاط طائرات مقاتلة روسية تدخل المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي، في مقابلة مع صحيفة بيلد أم سونتاغ قائلًا: “على كل من ينتهك المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي عمدًا وعن علم، أن يتوقع من الحلف ممارسة حقه في الدفاع عن النفس”. أضاف هان: “إن تركيا، الشريكة في التحالف، طبقت هذا الأمر بشكل حازم ومثير للإعجاب من خلال إسقاط طائرة مقاتلة روسية في المجال الجوي التركي في العام 2015”.
معارضة شديدة من للحزب الاشتراكي الديمقراطي
أبدت الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي معارضة شديدة، إذ صرّح أديس أحمدوفيتش، المتحدث باسم السياسة الخارجية في الكتلة البرلمانية للحزب: “إن إسقاط طائرة مقاتلة روسية فورًا في المرة التالية التي تنتهك فيها المجال الجوي سيكون تصرفًا غير مسؤول في هذا الوقت”. وأضاف أحمدوفيتش: “أن الإسقاط يجب أن يكون الملاذ الأخير فقط، في حال وجود خطر داهم”. أوضح السياسي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي: “أن التدابير الدبلوماسية والعسكرية، مثل إجبار الطائرة على المغادرة، متاحة مسبقًا لتجنب أي تصعيد غير منضبط”. كما حذّر أحمدوفيتش من أن الدعوات إلى إسقاط الطائرات الروسية فورًا ستثير القلق.
وزارة الداخلية الألمانية: التهديد مرتفع للغاية
يسعى وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت إلى توسيع نطاق الدفاعات ضد الطائرات المسيرة. في الدنمارك، وكذلك في ألمانيا، شوهدت طائرات مسيّرة خلال سبتمبر 2025، ولم تكن مهمتها واضحة. صرّح السياسي من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في 27 سبتمبر 2025: “أنه يمكن تصنيف التهديد بأنه خطير”. أضاف دوبريندت: “إنه تهديد نظري، ولكنه في حالات فردية، بالطبع، ملموس للغاية ، لذا يجب على ألمانيا الاستعداد لمواجهة التهديد الذي تشكله الطائرات المسيرة، وكذلك الاستعداد للدفاع عنها”.
أوضح دوبريندت بالنظر إلى الوضع الراهن والتطورات المستمرة: “أن الإجراءات المتخذة حتى سبتمبر 2025 لم تعد كافية. لذلك، ينبغي إنشاء مركز دفاع ضد الطائرات المسيرة، ثانيًا، يجب مراجعة قانون أمن الطيران. هذا يشمل إمكانية إسقاط الطائرات المسيرة، بما في ذلك من قِبل الجيش الألماني، ويجب وضع الأساس القانوني لذلك. ومن المتوقع طرح القانون الجديد خلال المتبقي من العام 2025”.
توسيع لقدرات الشرطة الاتحادية
ثارت شكوكٌ حول دور الجيش الألماني في ألمانيا من قِبل الشرطة والحزب الاشتراكي الديمقراطي، اللذين أشارا إلى قيود القانون الأساسي. ووفقًا لصحيفة هاندلسبلات، رحّب رئيس اتحاد الشرطة الألماني، يوخن كوبلكه، بمعالجة دوبريندت لمسألة الدفاع ضد الطائرات المسيّرة. وأضاف: “لكن بصفته وزيرًا للداخلية، يجب عليه تمكين شرطته وعدم الاعتماد على الجيش الألماني، لأن نشره صعبٌ ولا يُمكن تحقيقه إلا في حالات استثنائية نادرة”. صرّح سيباستيان فيدلر، خبير الشؤون الداخلية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لصحيفة هاندلسبلات: “أنه لن يُطلب من الجيش الألماني المساعدة إلا في حالات استثنائية للغاية. وكقاعدة عامة، سيقتصر هذا على عمليات شرطية بحتة”. ودعا سيباستيان فيدلر إلى “توسيع هائل لقدرات الشرطة الاتحادية في جميع أنحاء ألمانيا”.
النتائج
من الملاحظ تصاعد التوتر داخل الائتلاف الحكومي الألماني بشأن كيفية الرد على الانتهاكات الروسية للمجال الجوي لدول الناتو، وكذلك التهديد المتنامي الذي تمثله الطائرات المسيّرة، في ظل تزايد الحوادث المسجّلة في ألمانيا والدنمارك. الجدل ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل يعكس انقسامًا أعمق حول فلسفة الردع والتصعيد، بين من يرى أن الحزم العسكري بات ضروريًا، وبين من لا يزال يراهن على سبل الرد الدبلوماسي والتدريجي.
الطرف الأشد لهجة، ممثلًا في تصريحات وزير الدولة في وزارة الخارجية عن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، فلوريان هان، يرى أن تكرار الانتهاكات الروسية يستوجب ردًا عسكريًا حاسمًا يشمل إمكانية إسقاط الطائرات الروسية. استشهد هان بتجربة تركيا في 2015 كمثال على الردع الفعّال، ما يعكس تحولًا في الخطاب الألماني الرسمي نحو موقف أكثر تشددًا.
هذا التصعيد قوبل برفض واضح من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يفضل مقاربة أكثر حذرًا لتجنّب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، ويعتبر أن مثل هذه الدعوات تبعث برسائل مقلقة للرأي العام الداخلي وتضر بمصداقية ألمانيا كقوة ضمن حلف شمال الأطلسي. في الوقت ذاته، يكشف موقف وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت عن خط موازٍ من القلق داخل الحكومة، ليس فقط من التهديد الروسي التقليدي بل من تكتيكات الحرب الهجينة التي تشمل الطائرات المسيّرة.
تمثل دعوة وزير الداخلية إلى تأسيس مركز دفاع متخصص ومراجعة قانون أمن الطيران، بما في ذلك منح الجيش صلاحيات إسقاط الطائرات المسيرة، توجّهًا جديدًا قد يُعيد ترتيب العلاقة بين الجيش والشرطة في الداخل الألماني. لكن هذا الطرح يصطدم مرة أخرى بمعارضة قوية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والشرطة الاتحادية، انطلاقًا من الحساسية الدستورية المتعلقة بنشر الجيش داخل البلاد.
من المرجح أن تشهد ألمانيا نقاشًا واسعًا، ليس فقط داخل أروقة الحكم بل في البرلمان وبين الأحزاب السياسية، حول إعادة تعريف معايير الأمن الداخلي والخارجي في سياق أوروبي متغير. فإذا ما استمرت الانتهاكات الروسية للمجال الجوي وتكررت حوادث الطائرات المسيّرة، فإن الضغوط على الحكومة لتبنّي مواقف أكثر تشددًا ستزداد، خصوصًا من قبل الأحزاب المحافظة. في المقابل، سيحاول الحزب الاشتراكي الديمقراطي والأجهزة الأمنية الحفاظ على توازن قانوني يقيّد استخدام الجيش داخليًا، وهو نقاش مرشح لأن يُفتح على تعديلات محتملة في التشريعات ذات الصلة.
على المستوى الأوروبي، فقد تدفع هذه التطورات ألمانيا إلى التنسيق أكثر مع شركائها في حلف شمال الأطلسي لتوحيد قواعد الاشتباك بشأن الانتهاكات الجوية، بما يقلل من خطر اتخاذ قرارات أحادية قد تؤدي إلى صدامات مباشرة. في المجمل، تعكس هذه الأزمة تداخلاً بين الأمن القومي، والسيادة القانونية، والسياسة الحزبية، ما يجعل الحسم فيها معقّدًا ويعتمد على تطورات المشهد الجيوسياسي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109981
