المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
اعداد : جاسم محمد، باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات
صعد تنظيم داعش هذه الايام من عمليات الخلايا الفردية الذاتية، محدودة النتائج، وتأتي عمليات الخلايا الواسعة مثل عمليات باريس وبروكسل وعواصم اخرى، باعتبارها إستراتيجية جديدة لتجنب التنظيم وسط حالة التاهب الامني التي تعيشها دول اوروبا.
أصيب عدد من المسافرين طعنا في هجوم شنه رجل يحمل فأسا، في محطة قطار في مدينة فولفسبورغ الألمانية مساء يوم 17 يوليو 2016 . وقالت مصادر في الشرطة إن عدد المصابين يتراح بين 10 و15 شخصا، بينهم مصابون بجروح خطيرة. وفقا الى متحدث وزارة الداخلية فان الشرطة اصابت المهاجم باطلاقها النار، وكان ثلاثة اشخاص اصابتهم خطرة. وفي اعقاب ذلك اعلنت الشرطة الالمانية انه تم العثور على راية تنظيم “الدولة الاسلامية” في شقة الشاب الذي نفذ عملية الاعتداء. وقال يواكيم هيرمان لقناة “ايه آر دي” التلفزيونية إن “المهاجم أفغاني يبلغ من العمر 17 عاما” يقيم في منطقة أوكسنفورت، المجاورة للمكان الذي وقع فيه الاعتداء قرب فورتسبورغ. التحقيقات الاولية كشفت، بانه وصل المانيا قبل سنتين بصفة لاجيء.
وبعد يوم واحد فقط، اعلن تنظيم داعش على وكالة اعماق تبني العملية الارهابية، وعرض شريط مسجل مسبقا الى منفذ العملية، الشاب الافغاني، وهو يتوعد بالانتقام “للمسلمين” ويدعوهم الى “الجهاد”. ووصفه بانه مقاتل من مقاتلي تنظيم داعش، وهي اشارة الى وجود علاقة تنظيمية “.
وقال الادعاء الاتحادي يوم 20 يوليو 2016في كارلسروه: “هناك اشتباه في أن يكون الشاب قد نفذ الهجوم بصفته عضو فيما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية.”
قال وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير إن ألمانيا تواجه هجمات فردية محتملة ينفذها إسلاميون متشددون على غرار الهجوم الذي نفذه لاجئ يبلغ من العمر 17 عاما داخل قطار ركاب باستخدام فأس. وفي تقرير اخر ذكر وزير الداخلية بان المهاجم ربما نفذ العملية بوحي من تنظيم داعش وهي اشارة غير مباشرة الى الذئاب المنفرد مختلفا بذلك مع ماقاله المدعي العام الالماني.
“الجهاديون” موجودون في ألمانيا
كشفت السلطات الألمانية عن أنها أحبطت 13 عملية ارهابية منذ مطلع العام الجاري 2016 مشددة على أنها متيقظة للغاية وتأخذ التهديدات الارهابية على محمل الجد. وقال رئيس الشعبة الخارجية للمخابرات الألمانية «بي كي ايه» هولغر مونش في تصريح صحفي في برلين “نستطيع التعلم من خبرات الماضي والقول ان الارهابيين متواجدون في ألمانيا. أعلنت وزارة العدل الألمانية يوم 3 يونيو 2016، أنه تتم ملاحقة 180 شخصا في ألمانيا على صلة بتنظيمات “جهادية” في سوريا مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” بموجب 120 آلية جنائية.
وأعلنت وزارة الداخلية أنها أحصت “499 فردا قد يكونوا خطيرين في مجال الإرهاب الإسلامي”، كما أن “820 جهاديا ألمانيا” غادروا ألمانيا قصد “الجهاد” في سوريا والعراق، وعاد منهم الثلث تقريبا فيما قتل نحو 140. وتشير بيانات وزارة الداخلية الالمانية بانها تتابع تحقيقات مايقارب 300 حالة، اتصال جماعات متطرفة بتنظيم داعش تقيم في نزل الللاجئين ولديها اتصالات مع لاجئين اخرين، وهي تتابع اكثر من 500 شخص يمثل تهديدا قائم وخطر على امن المانيا. واعلنت وزارة الداخلية الاتحادية الألمانية إن “مستوى خطورة الوضع الأمني في ألمانيا لم يتغير. ألمانيا تجد نفسها في مرمى الإرهابيين. ولمواجهة هذه التحديات وسعت الحكومة الالمانية قدرة وامكانيات اجهزتها الاستخبارية على سبيل المثال استحدثت مايقارب 4300 وظيفة في مكافحة الارهاب، وتدير غرفة عمليات في مركز مكافحة الارهاب في برلين، تجتمع به اجهزة الامن والاستخبارات والشرطة بشكل دوري لتبادل المعلومات وتسريعها بعيدا عن الروتين والبيروقراطية وتسريع المعلومات. ولتعزيز قوة الردع ايضا استحدثت خمسة فرق قوات الرد السريع موزعة جغرافيا، وهي التي قامت بمتابعة منفذ
عملية قطار مدينة فولفسبورغ قرب مكان الحادث
هذه الأرقام والمعطيات توضح مدى خطورة التهديد الإرهابي سواء عبر الألمان العائدين من القتال في صفوف “داعش” أو المقاتلين الذين يجندهم التنظيم الإرهابي .ويقول احد مقاتلي داعش المكنى أبو البراء الهندي:[ “هل أنت على استعداد للتضحية في سبيل الله بمنصبك الكبير وسيارتك الضخمة وعائلتك؟”، ويضيف “إلى كل إخواني الذين يعيشون في الغرب، أنا أعلم كيف تشعرون لأني كنت أعيش هناك. في قلوبكم تشعرون بالاكتئاب. وعلاج الإكتئاب هو الجهاد”، ويختم “يا جميع إخوتي، تعالوا إلى الجهاد لتشعروا بالشرف والسعادة التي نشعر بها”.]
النتائج
ـ يتبع تنظيم داعش إستراتيجية جديدة، وهي تنفيذ عمليات على غرار عملية نيس وقطار فولسبورغ الالمانية، هذا النوع من العملية يضمن امن وسلامة مخططي الخلايا النائمة خاصة في اوربا. العمليات ظاهريا تبدو كانها عمليات “ذئاب منفردة” لكن في الحقيقة هي ليست كذلك، كون منفذي العمليات يرتبطون بتنظيم داعش تنظيميا، اما مباشرة او عن طريق وسيط وان لم يسافروا الى سوريا والعراق ومناطق نزاعات اخرى. ومايؤكد ارتباط منفذي العمليات بداعش، هو وصفهم من قبل التنظيم في اعلانه ب “المقاتلين والجند” وهي تعني ارتباطهم بالتنظيم، ولا يطلق عليهم وصف” انصار” في حالات الذئاب المنفردة. وان الاعلان المبكر لتنظيم داعش عن تبنيه العملية، ونشر تسجيلات لمنفذي العملية يدعم ذلك.
ـ التنظيم يطلب من منفذي العمليات ، تسجيل فديو قبل تنفيذ العملية وارساله عبر وسيط (عضو في تنظيم داعش) الى مقر التنظيم، وترك راية في مقر سكنهم، ليبعثوا بشكل مقصود بان تنظيم داعش وراء الحادث، واطلاق كلمة “الله واكبر” خلال تنفيذ العملية بقصد ارسال رسالة الى انه مرتبط بتنظيم داعش.
ـ غير داعش إستراتيجيته بترك، الجماعات المتطرفة الناشطة في اوروبا، كونها تحت المراقبة والشبهات، واتجه نحو الافراد التي لا توجد لديهم ارتباطات اسلاموية او نشاطات، ولم يكونوا تحت رادار الاستخبارات واجهزة الامن الاوروبية. وتوجه التنظيم نحو الشباب الذين يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية، واصحاب سوابق في السجل الجنائي ومدمني المخدرات، وهذا ماكان واضحا في عملية نيس نموذجا.
ـ جائت عملية قطار في مدينة فولفسبورغ الألمانية بعد ايام من حادثة نيس الارهابية، عندما هاجم سائق شاحنة اعداد من المحتفلين في مدينة نيس يوم 14 يوليو 2016 بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. ويبدو ان التنظيم يهدف الى تكثيف عملياته من اجل الحصول على استقطاب واهتمام اعلامي اكثر.
رغم ان التنظيم يتجه الان نحو الخلايا الفردية ” الذاتية” على غرار الذئاب المنفردة، يقوم الشخص باختيار الهدف والتوقيت وبتمويل ذاتي، فان داعش يسعى الى تنفيذ عمليات واسعة بالتوازي مع هذا النمط الجديد من “الجهاد الاكتئابي” والخلايا الذاتية. تبقى اوروبا في مرمى تنظيم داعش رغم ماتتخذه من عمليات امنية واستخباراتية وقائية، وان هذا النوع من العمليات ممكن ان يتكرر اكثر خلال هذه المرحلة. وهذا يعني ان مواجهة ومحاربة التنظيم تحتاج الى خيارات ومعالجات حقيقية تقوم على جهود مكافحة التطرف والارهاب جدذريا الى جانب الخيار العسكري.
رابط مختصر ..https://www.europarabct.com/?p=14260
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا