مآلات الجهاديين بعد دحر “داعش”
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا
تنظيم “الدولة الإسلامية” فقد تقريباً كل الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق. ولكنه يبقى تنظيماً خطراً؛ يسود إجماع حول ذلك في أوساط المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن. فما هي السبل للتصدي للإرهاب بعد تهاوي التنظيم؟
مضت ثلاث سنوات ونصف على إعلان أبي بكر البغدادي، الذي نصب نفسه خليفة، عن تأسيس دولته المزعومة من على منبر مسجد في الموصل. وبعد معارك دامية تم طرد التنظيم من كل المدن العراقية. وفي سوريا فقد التنظيم معظم قوته بعد طرده من عاصمته هناك، الرقة. ولم يتبق لمقاتلي “داعش” سوى وجود محدود. كان عدد مقاتلي “داعش” يربو على 40 ألف مقاتل. أما الآن فيتخفّى الـ3000 مقاتل المتبقين في الصحراء أو يبحثون عن مناطق نشاط في أمكنة أخرى.
كمشروع لتأسيس دولة يمكن القول إن تنظيم “داعش” انتهى، ولكن التنظيم مستمر في ذراعه الدعائي، وإن كان هذا الذراع قد ضعف. ووما يزال للتنظيم مكانة في قلوب ما تبقى من أنصاره الذين يرونه نموذجاً مثالياً؛ إذ أنه وفقط من غرب أوروبا، سافر حوالي 5000 شخص إلى “أرض الخلافة” المزعومة.
الخطر مستمر
الجهادية كظاهرة لم تغب وما تزال مستمرة. والجماعات الإرهابية المنافسة يمكنها أن تستفيد من نهاية داعش، مثل القاعدة، وأن تشعر بالتشجيع لشن اعتداءات جديدة، كما يقول دان كوتس، خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن. كوتس، وبسبب منصبه كمدير لـ”وكالة الاستخبارات القومية” الأمريكية، لديه نظرة عميقة ومتفحصة لطبيعة الأخطار الإرهابية وحجمها.ويوم الثلاثاء الفائت نشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية تقريراً حول الأخطار العالمية، وفيه تمت الإشارة إلى أن جماعات “متطرفة سنية”، وخصوصا داعش والقاعدة، كأكبر خطر إرهابي، وفقاً للتقرير.
التواصل الأمني في مواجهة الخطر لإرهابي
في مؤتمر ميونيخ يسود إجماع: الحرب ضد الجهاديين لم تُحسم بعد. والكثيرون يتحدثون عن النفس الطويل الذي تتطلبه المعركة. وأكثر ما يتطلبه الموقف حالياً هو تبادل المعلومات الاستخباراتية.وزير الداخلية الألماني الحالي توماس دي ميزيير يشدد -في حوار مع DW- على أهمية التعاون الاستخباراتي الدولي من أجل تتبع الجهاديين الألمان الذين قاتلوا في صفوف “داعش” في العراق أو سوريا. “خصوصاً مع الأمريكان، ولكن أيضاً مع بقية أجهزة الاستخبارات في المنطقة، التي زودتنا مراراً بهذه الملاحظات. إنها حاسمة بالنسبة لنا من أجل أمن الناس في ألمانيا”.
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير
ولكنه أشار – خلال مشاركته في ندوة نقاشية بعنوان “الجهادية بعد الخلافة”- على الصعوبات القانونية والتقنية التي تعترض الرغبة في التعاون الاستخباراتي ضمن الاتحاد الأوروبي. ولكن هناك عمل متواصل وبنجاح من أجل تغيير ذلك، يوضح جوليان كينغ، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن. فقد ارتفع كمية المعلومات الاستخباراتية المتبادلة بين أجهزة مكافحة الإرهاب بنسبة 40% منذ عام 2015.
كان واضحاً في المؤتمر أن وزراء الخارجية والدفاع والداخلية الألمان يدافعون عن فكرة “الأمن الترابطي”، دون أن يذكرا ذلك المصطلح بالاسم. فوزير الداخلية دي ميزيير لا يتحدث عن عمل الشرطة وأجهزة الاستخبارات فقط، وإنما أيضاً عن العمل الوقائي وضرورة سحب البساط من تحت الإرهاب.
“الدواعش” الأجانب يبحثون عن أماكن جديدة
وفي محور آخر في المؤتمر بعنوان “جعل منطقة الساحل الأفريقي آمنة”، تم الحديث عن ذلك. قادة عدة دول إفريقية شاركوا فيها إلى جانب رئيس البنك الدولي والأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. والجميع أكد على الترابط بين التنمية والتغير المناخي والأمن. انعدام الفرص والقيادة الحكومية السيئة والنقص في توفير التعليم، كل ذلك يشكل تربة خصبة لنمو الإرهاب.
رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، التشادي موسى فكي محمد، أوضح أهمية موضوع التعليم من خلال مثال ضربه حول امرأة تنحدر من منطقة بحيرة تشاد: حيث قامت بتنفيذ عملية انتحارية. هناك من أقنعها بأنها ستذهب إلى الجنة وهناك تختار زوجاً لها.
وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، قال إنه في بلده تونس هناك كثيرون قد ينضمون لجماعات إرهابية لأسباب اقتصادية. ومن تونس سافر كثيرون إلى “أرض الخلافة” عندما كان تنظيم “داعش” يدفع رواتب مجزية. مقاتلو التنظيم المتطرف الأجانب يبحثون الآن عن مناطق نشاط جديدة، ووصل بعضهم فعلا إلى نيجيريا، وهذا يقلق باباغانا مونغونو، المستشار الأمني للرئيس النيجيري، والذي يعتقد أن كثيرا من المقاتلتين سيتوجهون من سوريا والعراق للالتحاق بصفوف بوكو حرام. خاصة وأنّ تسع دول ضمت بشكل رسمي مواطئ قدم لـ”داعش” خلال السنوات الماضية، ومنها نيجيريا.
قائد الجيش الباكستاني: الغرب صنع الإرهاب
قمر جاويد باجوا، قائد الجيش الباكستاني، اشتكى من مغبة انتقال مقاتلين من “داعش” إلى البلد الجار أفغانستان. وارتفع عدد الميليشيات الإرهابية النشطة هناك إلى أكثر من 20. وعبر باجوا عن سخطه من الاتهامات المتواصلة بأن باكستان تقصّر في مكافحة الإرهاب، وخاصة من طرف الولايات المتحدة.
وأشار قائد الجيش الباكستاني إلى العدد الكبير من الضحايا الذي سقطوا من قوى الأمن والجيش الباكستاني خلال الحرب على الإرهاب. كما عرّج على التاريخ، حيث قال إن الإرهاب الإسلاموي هو صناعة غربية بالأساس. وحسب باجوا فقد استقطب الغرب قبل 40 عاماً شباناً مسلمين من أجل محاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.وأشار باجوا إلى الأخطاء التي ارتكبت في أفغانستان، ومنه انسحاب القوات الغربية وتركه لمصيره في 2003، من أجل الانخراط في حرب العراق.
ماتياس فون هاين/ف.ي DW
بالشراكة مع ال