المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
ملف التطرف والإرهاب الرقمي في أوروبا – الوسائل ، المخاطر، وقدرة المواجهة
1 ـ التطرف الرقمي كظاهرة متصاعدة في أوروبا
يمثل التطرف الرقمي تحديًا معقدًا ومتعدد الأبعاد في أوروبا، حيث بات الواقع الافتراضي بيئة خصبة لتنامي الأيديولوجيات المتطرفة وتوسيع نفوذ الجماعات “الجهادية” واليمينية المتطرفة على حدٍّ سواء. استطاعت الجماعات المتطرفة استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي، ما مكَّنها من الانتقال من أنماط التطرف التقليدية بسهولة إلى فضاءات رقمية عابرة للحدود، تُسهِّل عمليات الاستقطاب، وتُسرِّع من نشر الخطابات المتطرفة، وتُعقِّد من آليات المراقبة الأمنية.
ما هو التطرف الرقمي وخصائصه؟
التطرف الرقمي هو استخدام الوسائط الرقمية والتقنيات الحديثة، لا سيما الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، والمنتديات المغلقة، والبث الحي، والتشفير الرقمي. يشمل التطرف الرقمي مظاهر متعددة، كالخطاب المتطرف على الإنترنت، ونشر أيديولوجيات متطرفة والترويج لها. يشمل كذلك الاستقطاب والتجنيد عبر المنصات الرقمية، بالإضافة إلى إنتاج ونشر المحتوى التحريضي أو العنيف تجاه فئات أو مجموعات معينة، وإنشاء مجتمعات مغلقة تعزِّز العزلة الفكرية والتعبئة الأيديولوجية.
يُعد التطرف الرقمي امتدادًا للتطرف التقليدي، لكنه بات يشكِّل تهديدًا أخطر وأعمق. يعتمد التطرف التقليدي على التواصل المباشر مع الأفراد في التجمعات المغلقة أو المفتوحة، وغالبًا ما يكون محدودًا بالجغرافيا المحلية أو الإقليمية. ينتشر التطرف التقليدي ببطء نسبيًا، نظرًا لاعتماده على التفاعل المباشر، ويتطلب لقاءات سرية، وقد يكون من السهل تتبُّعه أمنيًا.
يعتمد التطرف الرقمي على التواصل الافتراضي عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية ومنصات الفيديو لنشر الأفكار المتطرفة. يتجاوز التطرف الرقمي الحدود الجغرافية بسهولة، ما يمنحه تأثيرًا عالميًا وإقليميًا واسع النطاق. يتميز بسرعة فائقة في نقل المحتوى، وتجنيد واستقطاب الأفراد. كما يرتكز على التشفير والهويات الوهمية، ما يجعل مراقبته أكثر صعوبة.
ما الأطر الفكرية للتطرف الرقمي؟
ترتكز الأطر الفكرية للتطرف الرقمي على استغلال الجماعات المتطرفة، كالجماعات “الجهادية” مثل “داعش” و”القاعدة”، للخطاب الديني على المواقع الإلكترونية، للترويج إلى أن الغرب وأوروبا معاديان للإسلام والمسلمين، بهدف تحفيز الشباب على التطرف. لا تُحرِّض بعض الدعوات مباشرةً على الإرهاب، إلا أنها قد تُسهم في التأثير على تطرف الأفراد.
تستغل الجماعات اليمينية المتطرفة قضايا الهجرة واللجوء والعرق الأبيض، والصراعات في أوروبا والشرق الأوسط، لتوسيع عمليات التجنيد والاستقطاب، والدعوات إلى العنف، وتكثيف الدعاية الإرهابية على الإنترنت والذكاء الاصطناعي. وبمجرد أن يثير روبوت الدردشة اهتمام المُجنَّد، قد يتولى مسؤول تجنيد بشري المهمة.
أفاد مراقبون من مجموعة متنوعة من منظمات الرصد أن تنظيم “داعش” والجماعات المتطرفة الأخرى يشجِّعون على استخدام الأدوات الرقمية الجديدة. على سبيل المثال، أعلنت جماعة تابعة لتنظيم “القاعدة” في فبراير من عام 2024، أنها ستبدأ بعقد ورش عمل في مجال الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت، وأصدرت دليلاً حول استخدام روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي.
من تستهدف الجماعات المتطرفة عبر الإنترنت؟ ولماذا؟
أفاد تقرير “الجهاد العالمي” للأمم المتحدة في أغسطس 2025، أن إحدى الدول الأعضاء في أوروبا حددت فئات رئيسية ضمن المشهد التهديدي المحلي، من ضمنها أفراد دون سن 21 عامًا تمَّ تطرفهم عبر الإنترنت ويمثلون غالبية الحالات، بالإضافة إلى أفراد يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية.
تُعد العوامل الاجتماعية والنفسية، مثل الوحدة والعزلة الاجتماعية ومشكلات الصحة النفسية، من العوامل الرئيسية الدافعة لتوجّه الشباب نحو التطرف. أشار تقرير في 13 أغسطس 2025، إلى أن المحتوى المُدار بالخوارزميات يلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز الأيديولوجية المتطرفة، إذ يؤدي التعرض المستمر للمحتوى المتطرف إلى تطبيع خطير.
تستثمر الجماعات المتطرفة في القاصرين والشباب الذين يعانون من التهميش، والمتورطين في أنشطة إرهابية ومتطرفة. كما يُعد البحث عن الشعور بالانتماء أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع هؤلاء الشباب إلى البحث عن علاقات عبر الإنترنت، مما أدى إلى نشوء مجتمعات من الشباب المتطرفين الذين يُحرّضون على التطرف عبر الواقع الافتراضي.
تواصل المنظمات الإرهابية استهداف الشباب ونشر الدعاية، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي التي تحظى بشعبية خاصة بين المستخدمين الأصغر سنًا، وتكييف استراتيجيات المحتوى والتواصل مع هذه المنصات وجمهورها.
حذر جهاز مكافحة الإرهاب، وجهاز المخابرات البريطاني (MI5)، والوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في يوليو 2025، من المخاطر المتزايدة التي قد يتعرض لها الأطفال أثناء استخدامهم للإنترنت، خاصة في ظل التطور السريع للتقنيات الرقمية وتزايد أساليب استغلالها من قبل الجماعات المتطرفة.
أوضح “ألكسندر موراي” من الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة: “هناك تهديدٌ سريع النمو يتمثل في ظهور جماعات متطرفة تنشط بالكامل عبر الإنترنت”. وأشار موراي إلى أن “هذه الجماعات لا تكتفي بنشر الأفكار المتطرفة فحسب، بل تنخرط في ارتكاب طيف واسع من الجرائم، منها الاحتيال المالي، والهجمات الإلكترونية، وأعمال العنف، والجرائم ذات الصلة بالتطرف والإرهاب”. ملف الأمن القومي ومكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ مقاربات وقراءة تحليلية
كيف تغيرت مسارات التطرف الرقمي؟
تنوعت مهارات الجماعات المتطرفة في استخدام الذكاء الاصطناعي، بدءًا من مجرد إعادة إنتاج المواد المُولَّدة بالذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى الإنتاج الفعلي لها، واستخدام التقنيات الحديثة، وأدوات التمويل الرقمي المتقدمة. شكَّلت العملات المشفرة خلال عام 2024، بالإضافة إلى الأصول الرقمية غير القابلة للاستبدال (NFTs)، أدواتٍ أساسيةً لتمويل الجماعات المتطرفة. وفَّرت منصات الاتصال المُشفَّرة من طرف إلى طرف (E2EE)، ومنصات الألعاب والواقع الافتراضي (Metaverse)، التي تتضمن الواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزَّز (AR)، قنوات آمنة للتواصل والتنسيق والتجنيد ونشر الخطاب المتطرف.
أوضحت “إليسا دي أندا مادرازو”، رئيسة مجموعة العمل المالي، الشريك الوثيق للأمم المتحدة: “هناك زيادة ملحوظة في الترابط بين الأساليب المتنوعة وتكامل التقنيات الرقمية مع التقنيات التقليدية”. وتابعت: “يظل استخدام داعش للتقنيات الجديدة والناشئة والذكاء الاصطناعي يشكِّل تحديًا متزايدًا، لا سيما أن المجموعة تستخدم هذه الأدوات بشكل متزايد لجمع الأموال وإنشاء شبكة اتصالات أوسع”. مضيفةً: “بينما نقف عند مفترق طرق التحول التكنولوجي وعدم اليقين الجيوسياسي، فإن تهديد الإرهاب أصبح أكثر انتشارًا وتعقيدًا”. مكافحة الإرهاب ـ مفهوم الذئاب المنفردة في سياق الإرهاب
إلى أي مدى تُسهم منصات التواصل الاجتماعي في تعقيد مشهد التطرف الرقمي؟
ذكرت هيئة الاستخبارات والأمن الهولندية (AIVD) في يوليو 2025، أن المتطرفين غالبًا ما ينشرون الخطابات المتطرفة عبر منصات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية مثل: Instagram، وDiscord، وRoblox، وTelegram، وTikTok. يُتبادل المحتوى في مجموعات وقنوات الدردشة العامة، بالإضافة إلى مجموعات الدردشة المغلقة والمحادثات الخاصة عبر الإنترنت، ويصعب تمييز جميع دعايات التطرف والإرهاب فورًا.
لا تُستخدم شبكة “TechHaven” فقط لنشر الدعاية المتطرفة على الإنترنت من جانب “داعش”، بل لتخطيط هجمات محتملة. ويوضح “ألبرتو فرنانديز”، نائب رئيس معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط، أن “المعهد عثر على مناقشات حول أهداف محتملة، مثل الكنائس أو المباني الحكومية”. كما برزت مجتمعات إلكترونية جديدة ذات طابع يميني متطرف مثل شبكات “764” و”Com”، مع تركيز متزايد على قضايا الهجرة، مما يعكس تنامي ظاهرة التطرف اليميني العابر للحدود.
يعود ذلك إلى استخدام إشارات خفية إلى الفكر المتطرف، مثل استخدام رموز تعبيرية أو كلمات ذات معنى مزدوج. يشير “الجهاديون” إلى “داعش” براية سوداء، بينما تُستخدم كلمات مشفَّرة في مجموعات الدردشة اليمينية المتطرفة للإشارة إلى المسلمين. في مجموعات الدردشة المغلقة والمحادثات الخاصة، غالبًا ما يتشارك محتوى متطرف أكثر صراحة. يشمل المحتوى صورًا أو مقاطع فيديو أو نصوصًا تؤكد وتُثبِّت النظرة المتطرفة أو الإرهابية، أو محتوى يُبرر التطرف والإرهاب ويُمجِّده.
تقول “لورين رينو”، الباحثة المتخصصة في الدوائر “الجهادية” على الإنترنت: “في أقل من 3 ساعات على TikTok، يمكنك أن تجد نفسك داخل فقاعة خوارزمية مخصصة لتنظيم داعش”. وتتابع: “يمكن الاستمتاع بهتافات الحرب، وعمليات قطع الرؤوس، وإعادة بناء الذكاء الاصطناعي لأفعال تمجد الإرهاب والتطرف، أو حتى محاكاة لأفعال قادمة”. أضافت: “أن الخوارزميات تغذي المستخدمين بمحتوى يعزز شعورهم بالوحدة والتهميش”.
اتجاهات التطرف الرقمي في أوروبا
تشير الإحصائيات إلى أن عدد القاصرين الذين اتجهوا نحو التطرف قد نما في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي في عام 2024. كانت الغالبية العظمى من هؤلاء المشتبه بهم الشباب مرتبطين بالإرهاب الإسلاموي، يليهم الإرهاب اليميني، وغالبًا ما يُحقَّق معهم بتهم تتعلق بالمشاركة في هجمات، وإنتاج ونشر الدعاية المتطرفة والإرهابية، والتي بلغ عددها خلال عام 2024 حوالي (32) حالة.
ارتفع حجم الدعاية اليمينية المتطرفة بشكل ملحوظ، وفقًا لتقرير صادر عن “اليوروبول” في يونيو 2025. ولا تزال قنوات توزيع الدعاية متنوعة للغاية من حيث طبيعتها وأهدافها، وأكثرها شيوعًا هي وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، ومنتديات النقاش.
ارتبطت كمية كبيرة من الدعاية عبر الإنترنت في عام 2024 بهجمات إرهابية سابقة ومرتكبيها، بما في ذلك البث المباشر للحدث ولقطات الشاشة. كما أثرت الانتخابات السياسية العديدة التي جرت في عام 2024 بشكل كبير على مواضيع وتدفق الدعاية الإلكترونية. واجتاح الإنترنت خطابٌ معادٍ للسامية، ومعادٍ للإسلام، ومعادٍ للأجانب. اليمين المتطرف في ألمانيا ـ المخاطر والتحذيرات (ملف)
**
2 ـ التطرف الرقمي ـ أدوات وأساليب الجماعات المتطرفة
غير الإنترنت طريقة انتشار الأيديولوجيات المتطرفة. في الماضي، كان التطرف يحدث من خلال التفاعلات الشخصية في بيئات مثل السجون ودور العبادة وغيرها من المساحات المجتمعية. أما الآن، فتتيح المنصات الإلكترونية لهذه الأيديولوجيات الوصول إلى جمهور أوسع بشكل شبه فوري وبجهد ضئيل. هذا التحول يجعل التطرف الإلكتروني مصدر قلق متزايد، إذ يمكن للمحتوى الإرهابي أن ينتشر بشكل أسرع وأكثر فعالية من أي وقت مضى، مما يؤجج العنف، ويسهل تجنيد مؤيدين جدد، بل ويجمع الأموال لتنظيم الهجمات .
تُظهر تقارير الاتحاد الأوروبي اتساع انتشار الدعاية المتطرفة والتحريض على الارهاب عبر الإنترنت، وزيادة تورّط القُصَّر، واستخدام الذكاء الاصطناعي والـ”كريبتو” بتمويلات صغيرة وسريعة. وقد بدأت تشريعات أوروبية جديدة تُغيّر قواعد اللعبة من خلال سن لائحة “محتوى الإرهاب على الإنترنت” (إزالة خلال ساعة).
استخدام المنصات الرقمية في الدعاية للأيدلوجيا المتطرفة
تجاوز تأثير الجماعات المتطرفة على الشباب حدود الشوارع منذ زمن بعيد. سواءً أكان يوتيوب أم إنستغرام أم تيك توك، تُستخدم منصات التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية والثقافات الفرعية على الإنترنت بين الشباب لنشر أفكار المتطرفين اليمينيين.
تتراوح نقاط الاتصال بين الألعاب الكلاسيكية ومنصاتها، وصولاً إلى إعادة تفسير الصور التاريخية على إنستغرام، والتضليل الموجه على منصات بديلة مثل تيليجرام. تُستخدم الوسائط السمعية والبصرية، مثل الميمات والموسيقى وبكرات الفيديو والبودكاست والمدونات، أو المحتوى العابر كالقصص أو اللقطات، في الدعاية اليمينية المتطرفة. وقد يُغلّف هذا المحتوى، المُكيّف مع المنصات، بشكل غير مُؤذ أو يُنشر بطريقة مُعادية للبشر بشكل معلن.
يُنشر المحتوى اليميني المتطرف بشكل أقل وضوحًا على المنصات الشائعة نظرًا للضوابط الأكثر صرامة، ولذلك يلجأ الناس غالبًا إلى ما يُسمى بالمنصات البديلة (مثل تيليجرام وديسكورد وساوند كلاود). يمكن للمتطرفين استخدام هذه المنصات لنشر محتواهم دون خوف من عواقب مثل حذف الحساب.
ـ استغلال منصات مشاركة الملفات: يُعد استخدام منصات مشاركة الملفات استراتيجيةً دأبت الجهات الإرهابية والجهات المتطرفة العنيفة على الإنترنت على استخدامها. كشفت دراسة نشرت في يناير 2025 ، إلى تحليلات المحتوى الإرهابي منذ نوفمبر 2020، تم تحديد ما مجموعه (24,635) رابطًا فريدًا مرتبطًا بدعاية إرهابية رسمية، ونشرتها جهات إرهابية يمينية متطرفة وإسلامية على مواقع مشاركة الملفات، (74) من المحتوى الإسلاميات المتطرّفة وُجد على منصّات مشاركة (file-sharing platforms)، يليها الأرشفة (12%), ومواقع اللصق (paste sites) (5%), ومنصّات التراسل (2%).أما المحتوى اليميني المتطرف فينتشر بشكل أكبر عبر “منصّات التراسل” (52%), ثم الأرشيف (15%), الفيديوهات (10%), والمنصّات الاجتماعية (7%).
ـ تلغرام/منصّات مُشفّرة: نشر حِزم وسلاسل قنوات تُعيد رفع المواد المحظورة سريعاً (Mirroring) مع زِرع روابط احتياطية وقنوات إنذار. TE-SAT يسجّل انتقالاً تكتيكياً عبر المنصّات (Platform-Hopping) بعد حملات الإزالة.
أنشأ تنظيم داعش شبكة قنوات مترابطة تنشر بيانات “الولايات”، مقاطع دعائية عالية الجودة، وتعليمات حول تصنيع المتفجرات. فبعد سقوط الرقة 2017، أصبح تلغرام الوسيلة الأساسية لإعادة نشر مجلة رومية وبيانات «الناطق الرسمي» خلال دقائق من الحذف.
ووفقا لتقرير يوروبول 2023، كثير من الهجمات الفاشلة في أوروبا اعتمد منفذوها على ملفات PDF متداولة عبر تلغرام تتضمن تعليمات تصنيع أسلحة يدوية.
كما تستخدم جماعات اليمين المتطرف مثل Atomwaffen Division و Siege Culture تلغرام لتداول كتيّبات حول “التمرد الأبيض” وصور دعائية عنيفة.
ـ المنصّات المفتوحة ( X/ يوتيوب/تيك توك): تقوم الجماعات المتطرفة بستغلال خوارزميات التوصية والوسوم الشائعة، ومقاطع قصيرة مُعاد تدويرها لتجاوز أنظمة الكشف، ثم دفع الجمهور إلى قنوات مغلقة. DSA
تبث جماعات متطرفة مقاطع قصيرة “غير موسومة” (مثل أناشيد أو مشاهد قتال بدون شعارات داعش) ثم تُرفق روابط خفية تدفع المتابع نحو تلغرام أو منصات مشفّرة. في 2020–2022، رُصدت مئات الفيديوهات القصيرة لداعش بترجمات أوروبية قبل حذفها، وكانت موجّهة للشباب.
وجد تقرير نشر في 2024 أن مقاطع متطرفة على منصة تيك توك كانت تُخفي شعارات ورموز داعش أو اليمين المتطرف ضمن ثوانٍ خاطفة (frame subliminal)، يصعب على الخوارزميات كشفها.
فيما ما زالت منصة X (تويتر سابقا) يُستخدم كبوابة لنشر الوسوم (#hashtags) لتضخيم أحداث مثل «نصرة غزة» أو الترويج لخطاب كراهية ضد المسلمين/اليهود.
ـ البث المباشر: تشجّع بعض الشبكات نشر/بث الهجمات والبيانات المصوّرة، على غرار أنماط ألهمتها هجمات كرايست تشيرش وبوفالو؛ يتابعها لاحقاً رفعٌ مُجزّأ على حاويات ملفات. وقد حذرت دراسة حديثة في يوليو 2025 من تصاعد استخدام الجماعات اليمينية المتطرفة لمنصات البث المباشر ضمن الألعاب للتأثير على المراهقين، والقيام بتجنيدهم عبر نشر محتوى تحريضي أثناء اللعب أو محطات بث الألعاب. هذا يتم غالبًا باستخدام غرف شات غير خاضعة للرقابة أو منتديات مثل Discord، حيث تُبنى علاقات ثقة وتُروّج رسائل متطرفة تدريجيًا. في سياق متصل، تستخدم الجماعات المتطرفة البث المباشر للتحريض على الكراهية ، مثل حوادث إحراق القرآن الكريم. في الدنمارك والسويد، استغلت جماعات يمينية متطرفة بث مباشر خلال احتجاجات إحراق القرآن تزامنًا مع الحرب بين إسرائيل وحماس، مستخدمة محتوى صادم ووسوم ضمنية لتجنيد جماهير، وتوزيعه على المنصات المفتوحة للتضخيم والدعاية.
ـ الميمات والرموز المشفّرة: توظف الجماعات المتطرفة صور/نكات كـ”حامل” رسائل متطرفة (Memetic Warfare) والاحتيال الدلالي لتفادي سياسات المنصّات، مع استخدام تحرير الفيديو/الصور بالذكاء الاصطناعي لتلميع الرسالة. توثّق TE-SAT 2025 حضور مواد مولّدة بالذكاء الاصطناعي في الدعاية.
وبحسب معهد Institute for Strategic Dialogue (ISD)، فإن مجموعة من فيديوهات التنظيمات كداعش والقاعدة على TikTok تجاوزت أنظمة الحظر عبر تشويه شعارات (مثل وضع نقاط على العلم)، أو دمج الصوت من فيديو محظور مع مقطع آخر، ما أدى إلى مشاهدات واسعة — حوالي (55 ) فيديو حصلت على أكثر من مليون مشاهدة.
تورد تقارير متخصصو أن الجماعات المتطرفة تنتج آلاف من الصور التحريضية عبر أدوات الذكاء الاصطناعي أسبوعيًا، مثل صور نازية أو دعائية لحماس أو حزب الله، بهدف الالتفاف على قواعد الكشف والتصفية الآلية المعتمدة على “الهاش” (hashing). التطرف الرقمي كظاهرة متصاعدة في أوروبا
الاستقطاب والتجنيد
تستغل الجماعات المتطرفة مساحات الألعاب والديسكورد/ستيم/روبلكس وقنوات البث لاستهداف القُصَّر، مع بناء مجتمعات شبه مغلقة ومسارات «تلقيح أيديولوجي» تدريجي. أبحاث 2024–2025 تُظهِر توظيفاً متزايداً للمنصّات المتاخمة للألعاب . تبدأ الرحلة على منصّة مفتوحة (محتوى جذّاب قصير)، ثم الانتقال لتراسل مُشفّر/منتديات أصغر للتنشئة الأيديولوجية وتكليف المهام. يوثّق TE-SAT هذه الانتقالات البينيّة بوصفها نمطاً ثابتاً.
وتتمثل أساليب الجماعات المتطرفة للتجنيد رقمياً:
- الطُعم (Content bait): فيديو/ميم جذّاب عاطفياً أو حتى نكتة ثقافية (memes) لشد الانتباه.
- النداء العاطفي/الهوية: استغلال صدمات أو مآسي (صور أطفال، روايات اضطهاد) لبناء شرعية روحية/أخلاقية للفكرة .
- الانتقال إلى غرف مغلقة: دعوة للانضمام لقناة Telegram أو خادم Discord «لمناقشة أعمق/محتوى خاص .
- التنشئة الأيديولوجية التدريجية: محتوى متدرّج (من مقالات خفيفة → فيديوهات تفسيرية → مهام صغيرة/تكليفات .
- التحويل للعمليات/التمويل: طلبات تمويل مصغّرة، توجيهات عملية أو دعوات لحضور أحداث محلية.
كما توظف الجماعات المتطرفة الفضاء الإلكتروني لتدريب المستقطبين والمجندين المتطرفيين على استخدام السلاح وصنع المتفجرات. من خلال ملفات كتيّبات تصنيع/تعديل أسلحة، تكتيكات هجمات منخفضة الكلفة، وحِزم موارد على مستودعات عامة (Archive/Pastebins) مع روابط «احتياطية» متعددة. تقارير مجلس أوروبا 2025 تُبرز دور مجتمعات الطباعة ثلاثية الأبعاد في تسريع معرفة السلاح محلياً.
التمويل عبر العملات المشفّرة
شهدت أوروبا ارتفاعًا ملحوظًا في التبرعات الرقمية للمجموعات المتطرفة، حيث مثل “اليمين الأبيض” نموًا بنسبة 270٪، و”الوطنيين” بنسبة 164٪، و”المؤامرات” بنسبة 70٪، مع وصول الحجم الإجمالي للمدفوعات إلى حوالي 1.9 مليون دولار بين عامي 2023–2024.
وثقت منصة TRM في مارس 2025 نداءات جمع تبرعات لتنظيم داعش باستخدام العملات المشفرة من داعش (ولاية خراسان) — بل تم تحديد معاملات تتراوح بين 100 دولار و15,000 دولار، بما في ذلك طفل ألماني أُلقِبَ في يونيو 2024 لتمويله حملة داعش باستخدام 1,700 دولار. كما صدر حكم في ديسمبر 2024 في المملكة المتحدة بحق شخص نقل تبرعات تزيد عن 16,000 جنيه إسترليني .
اعتقلت السلطات الهولندية في ابريل 2025 رجل (32 عامًا) بعد رصد معاملات مشبوهة أُبلغت عنها إلى وحدة الاستخبارات المالية، حيث أكّد التحقيق أنه أرسل مبلغًا من البيتكوين بين 2020 و2022 يُشتبه في وصوله لجماعات إرهابية، من بينها داعش أو القاعدة .
أغلقت الشرطة الإسبانية في ديسمبر 2023، شبكة موالية لداعش كانت تستخدم العملات المشفرة لتمويل الجماعة. أسفرت العملية عن اعتقال خمسة أشخاص، وتراخيص دولية من 12 دولة، ومصادرة أصول مشفرة بَقيمة تقارب 200,000 يورو. محاربة التطرف في أوروبا – تنظيم المحتوى الرقمي. ملف
إجراءات الاتحاد الأوروبي لمواجهة التطرف الرقمي ـ لائحة “محتوى الإرهاب على الإنترنت”
أقر الاتحاد الأوروبي اللائحة (2021/784) المتعلقة بمعالجة نشر المحتوى الإرهابي على الإنترنت ، والتي دخلت حيز التنفيذ في 7 يونيو 2022. والتي إلزام المنصّات بإزالة المحتوى الإرهابي خلال ساعة واحدة من تلقي أمر إزالة، مع غرامات قد تصل إلى 4% من الإيراد العالمي عند الإخفاقات المنهجية. ووفقًا لتقرير تطبيق اللائحة المنشور في 14 فبراير 2024، فقد عينت 23 دولة سلطات مختصّة بالأوامر؛ فيما صدر 349 أمر إزالة من 6 دول حتى 31ديسمبر 2023.
يوفر منتدى الإنترنت للاتحاد الأوروبي منصة لتبادل الآراء حول اتجاهات وتطور استخدام الإرهابيين للإنترنت، فضلاً عن معالجة الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت. ومنذ عام 2015، يجمع منتدى الإنترنت التابع للاتحاد الأوروبي بين دول الاتحاد الأوروبي ودول رابطة التجارة الحرة الأوروبية والمنصات عبر الإنترنت ويوروبول والأوساط الأكاديمية وشبكات الاتحاد الأوروبي ذات الصلة مثل شبكة التوعية بالتطرف بالإضافة إلى الشركاء الدوليين، بما في ذلك المنتدى العالمي للإنترنت لمكافحة الإرهاب والتكنولوجيا ضد الإرهاب
أنشأ اليوربول وحدة الإحالة عبر الإنترنت (EU IRU) عام ، 2015 لمراقبة ورصد المحتوى الإرهابي والمتطرف على الإنترنت. وقد أحالت الوحدة بين 2015 و2023، أكثر من 150,000 مادة متطرفة إلى شركات التكنولوجيا لإزالتها. اليمين المتطرف في أوروبا ـ معايير ومساعي لمحاربة الخطاب المتطرف
**
3 ـ مكافحة الإرهاب ـ قدرة أوروبا في مواجهة التطرف والإرهاب الرقمي
رغم الجهود الأوروبية المبذولة لمواجهة التهديدات الإرهابية، إلا أن اعتماد الجماعات المتطرفة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كوسائل في نشر أفكارها وتجنيد عناصر، جعل تتبعها ورصد تحركاتها شديد التعقيد، ويتطلب مواكبة الأدوات الحديثة التي توظفها هذه الجماعات، لنشر الإرهاب العابر للحدود وتنفيذ هجمات إرهابية عبر “الذئاب المنفردة” و”الخلايا النائمة” في دول أوروبا، وفي المقابل حرص الاتحاد الأوروبي على وضع استراتيجية متقدمة تجمع بين الجوانب القانونية والتكنولوجية والأمنية، خاصة في ضوء تصاعد التوترات بمنطقة الشرق الأوسط واستمرار حرب أوكرانيا.
الإطار القانوني الأوروبي لمواجهة التطرف الرقمي
اعتمد الاتحاد الأوروبي اللائحة (2021/784) المتعلقة بالمحتوى المتطرف ونشره على شبكة الإنترنت، ودخلت حيز التنفيذ في 7 يونيو 2021، إذ تتضمن اتخاذ تدابير سريعة لمنع نشر المحتوى المتطرف، وتهدف اللائحة لوضع إطار قانوني ومنع الجماعات المتطرفة من استغلال الإنترنت لتجنيد عناصر وتشجيعهم على تنفيذ هجمات، خاصة وأن الجماعات المتطرفة توظف مواقع التواصل للتدريب على أعمال العنف ونشر معلومات مضللة.
تلزم لائحة التكتل الأوروبي مقدمي “خدمات الاستضافة”، بإزالة المحتوى المتطرف عبر الإنترنت خلال ساعة، بعد تلقي أمر الإزالة من سلطة وطنية مختصة في إحدى دول الاتحاد. وتحدد للمنصات الاجتماعية تدابير استباقية عند نشر محتوى متطرف، مع وضع ضمانات لضمان حرية التعبير عن الرأي وحق الحصول على المعلومة واحترام الخصوصية، وتأكيد الدول الأعضاء التزامها بمعاقبة المنصات التي لا تمتثل للائحة.
وقبل تطبيق هذه اللائحة بعام، عقدت المفوضية الأوروبية ورش عمل للدول الأعضاء ومزودي خدمات الأمن السيبراني، لمكافحة المحتوى المتطرف عبر الإنترنت، وتوفر المديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية التابعة للمفوضية، موقعاً إلكترونياً لرصد المحتوى الإرهابي والمعلومات المغلوطة، ويقدم هذه البيانات لمنتدى الإنترنت التابع للاتحاد الأوروبي، وهو منصة لرصد اتجاهات واستخدامات المتطرفين للإنترنت.
وضع التكتل الأوروبي الإطار القانوني الموحد لمكافحة الإرهاب رقم (541/ 2017)، بفرض تعريفات جنائية لجرائم الإرهاب، ويطالب الدول الأعضاء باعتماد هذه التعريفات للتعاون وتبادل المعلومات. وأصدرت المفوضية والبرلمان الأوروبي، آليات رقمية لتنظيم المحتوى وعمل الشبكات الاجتماعية، عبر قانون الخدمات الرقمية DSA” (2022/2065)” لإلزام الشبكات من “محركات بحث، ومنصات تواصل، وأسواق إلكترونية”، باحترام القانون وتطبيق إجراءات الشفافية، لإزالة المحتوى غير القانوني، ووضع نظم إشعار وتقارير شفافية سنوية، وتقييمات مخاطر وآليات تعاون مع السلطات عند الأزمات الأمنية.
وعلى صعيد الأمن السيبراني، وضع الاتحاد الأوروبي توجيه NIS2″ (2022/2555)” لرفع متطلبات الأمن الإلكتروني على قطاعات حيوية، وتشديد ضرورة الإبلاغ عن حوادث الأمن، ليعزز قدرة الدول والمؤسسات في الاستجابة والإنذار المبكر للاعتداءات الرقمية أو العمليات التي قد تسمح للإرهاب بالتمدد عبر الفضاء الإلكتروني. في السياق نفسه، يضع التكتل الأوروبي تعريفاً موحداً لجرائم الإرهاب، للالتزام بالتوجيه الجنائي لمكافحة الإرهاب في الفضاء الرقمي، وتجريم التجنيد والتحريض عبر الإنترنت.
التشريعات الوطنية
أما بالنسبة للتشريعات الوطنية للدول الأعضاء، سنت فرنسا مادة (421) من قانون مكافحة الإرهاب، لتجريم التحريض وتشديد العقوبات عندما يُرتكب الفعل عبر الإنترنت، وأدرجت تدابير للوقاية من التطرف في إطار قانون احترام مبادئ الجمهورية، كما تطبق الإطار الأوروبي “TCO” لمعالجة المحتوى الإرهابي الإلكتروني. تلزم ألمانيا منصات التواصل بإزالة خطاب الكراهية ومواد العنف ذات الصلة بالإرهاب منذ 2018، وتنفذ لوائح “TCO” و”BKA” لإزال المحتوى الإلكتروني المتطرف.
يتضمن القانون الجنائي الهولندي جرائم متعلقة بالإرهاب، وتطبق في حالة الجرائم الإرهابية الرقمية، ويضع المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب استراتيجية التعامل مع المحتوى الرقمي المتطرف وتقييم التهديدات الدورية. وطرحت الحكومة الهولندية مسودة مشروع قانون (2024/2025) لتجريم تأييد الإرهاب وتوقيع عقوبات محدثة للخطاب العلني المؤيد للتطرف.
ويتضمن القانون الجنائي البلجيكي أحكام ضد الأفعال الإرهابية مثل “التجنيد والتمويل والدعاية المتطرفة”، وبناءً عليه يمكن ملاحقة هذه الجرائم عبر الإنترنت، وتولي بلجيكا مسؤولية مراقبة التهديدات الإرهابية ومكافحة الدعاية والتجنيد، للشرطة الفيدرالية وجهاز الاستخبارات.مكافحة الإرهاب ـ هل يعود “داعش” من بوابة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟
التعاون الأمني والاستخباراتي لمكافحة الإرهاب الرقمي
يضم اليوروبول مركز تنسيقي وتحليلي للتهديدات الإرهابية “ECTC”، وينسق تبادل المعلومات والاستخبارات داخل الاتحاد الأوروبي، عبر وحدة إزالة المحتوى الإرهابي، التي ترصد المحتوى المتطرف على المنصات الإلكترونية، وتحيلها لمزودي الخدمة والمنصات لإزالتها أو تعطيل الوصول إليها. ويوفر اليوروبول دعماً عملياً للدول الأعضاء بإصدار أوامر إزالة المحتوى، وتقديم أدوات تقنية وإجراءات لمعالجة أكبر عدد من التهديدات عبر “PERCI” و”EUCRIM”.
يزود اليوروبول دول الاتحاد بدعم تقني وقضائي، عبر التحليل الرقمي والطب الشرعي الرقمي، وتتبع الأصول الرقمية، ويشارك في مشروع “SIRIU” لدعم التحقيقات. ويقود عمليات مشتركة بين دول التكتل، لاستهداف مواقع إلكترونية ومنصات تنشر دعاية إرهابية رقمية، ما يمكنهم من تعطيل مواقع وإحباط شبكات تجنيد وتمويل جماعات متطرفة. وينظم اليوربول تدريبات ميدانية لإرشاد جهات إنفاذ القانون في دول الاتحاد، حول التعامل مع المحتوى الرقمي المتطرف، ويقدم تقارير تحليل لصانعي القرار.
وفي نفس السياق، يتعاون الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لمواجهة الإرهاب الرقمي، ووقعا في 10 يناير 2023، على إعلان مشترك لحماية البنية التحتية من التهديدات السيبرانية، كامتداد لاتفاق تقني في 2016، بين فريق الناتو للاستجابة للحوادث، وفريق الاستجابة للحوادث الإلكترونية بالاتحاد، لتبادل المعلومات والممارسات الفنية بشأن الهجمات السيبرانية.
يتبادل الاتحاد والحلف مؤشرات تهديدات الإرهاب الرقمي، وساحات الهجمات الرقمية المستخدمة للتجنيد والدعاية، وينسقان سياسات الصمود بالتمارين المشتركة مثل “Locked Shields”، ونظراً لأنه ليس كل أعضاء الاتحاد أعضاء بالناتو والعكس صحيح، فإن ذلك يتطلب ترتيبات مسبقة ومتعددة المستويات لمشاركة المعلومات، مع مراعاة اختلاف القيود القانونية المرتبطة بحماية البيانات والوصول للأدلة الجنائية بين الدول ومؤسسات الاتحاد والناتو، وتباين القدرات التقنية وبرامج بناء القدرات.
توظيف التقنيات المضادة للإرهاب الرقمي
لجأ التكتل الأوروبي إلى الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات رصد المحتوى المتطرف، بمعالجة اللغة وتصنيف النصوص، من حيث المشاركة في دعوات العنف والتجنيد، ويستخدم أنظمة رؤية حاسوبية وتقنيات مطابقة للتعرف على صور وفيديوهات دعائية سبق إزالتها، بجانب استخدام خوارزميات تصنيف المستخدمين والشبكات للكشف عن المتطرفين والجماعات الإرهابية.
يساعد الذكاء الاصطناعي على تقييد وصول المحتوى المتطرف، بآليات الحذف السريع “TERREG”، التي تسمح بإزالة المنشور خلال ساعة من استلام أمر حذفه. ويسهم في حماية البنية التحتية الرقمية بالاتحاد الأوروبي عبر وكالة الأمن السيبراني “ENISA”، وتطبيق إدارة الهوية وكشف التسلل، ودعم اختبارات الاختراق وتقوية فرق الاستجابة للحوادث.
تتخوف مؤسسات الاتحاد الأوروبي من تجاوز استخدام الذكاء الاصطناعي، واختراق الخصوصية وتقييد الحريات على شبكة الإنترنت، لذا تضع الأمر في إطار قانون الذكاء الاصطناعي “AI Act”، الذي يضع متطلبات رقابية وشفافية على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويصنف استخداماتها إذا كانت تهدد حقوق الإنسان وتخضع لضوابط صارمة.
تقول الباحثة بمركز سوفان “كلارا بروكيرت”، إنه يجب مراعاة تحديات دمج الذكاء الاصطناعي في جهود مكافحة الإرهاب الإلكتروني، وتجنب الإفراط في تطبيق التقنيات الحديثة، والانتباه لتعقيدات الأخلاق والخصوصية، موضحة أن الذكاء الاصطناعي مميز في التعامل سريعاً مع تطورات الإرهاب الرقمي، لحداثة برمجية التحليل التشغيلي ودعم التحقيقات بالتحليلات التنبؤية، وتقديم إنذارات مبكرة لسلطات إنفاذ القانون.
كما نشر مجلس الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2024، استنتاجاته حول الأولويات المستقبلية لمكافحة الإرهاب، وتضمنت الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات البيومترية وفك التشفير، وبدأ الاتحاد تمويل مشروعين حول الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي من قبل جهات إنفاذ القانون، ما يعني مراعاة التكتل الأوروبي عدم الوقوع في فخ مكافحة التطرف الرقمي بالتكنولوجيا بشكل غير قانوني.مكافحة الإرهاب والتطرف في ألمانيا ـ التهديد الإسلاموي واليميني
تحديات مواجهة التطرف الرقمي بالاتحاد الأوروبي
– تضع قوانين الاتحاد حد أدنى لمكافحة الإرهاب الرقمي، ويختلف تعامل كل دولة بالاتحاد مع هذه القوانين، بعضها سريعة في التشريع والتنفيذ، بينما يتأخر البعض الآخر في الاستجابة للمستجدات، ما يخلق فجوة داخل التكتل للتصدي للإرهاب الإلكتروني، ويصعب مسألة التعاون عبر الحدود لتباين صلاحيات نقاط الاتصالات الوطنية.
– عدم مواكبة القوانين للتطور التكنولوجي، بسن التشريعات ببطيء مقارنة بتطور خوارزميات التشفير والذكاء الاصطناعي التوليدي، وتقنيات توليد المحتوى العميق، التي يعتمد عليها المتطرفون بشكل كبير.
– تخشى منظمات حقوق الإنسان بأوروبا، من عدم التوازن بين الأمن والحريات، في ظل إجراءات إزالة المحتوى المتطرف وفرض قيود على الوصول لمحتوى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، ما قد يضر بحرية تداول المعلومات ويتسبب في انتهاك الخصوصية.
– اعتماد الذكاء الاصطناعي على حلول آلية دون ضمانات كافية، ما يعني أن التكنولوجيا المتطورة تنحاز في رصد المحتوى أو تميز فئة بعينها، ما يهدد أفراد أو جماعات محددة بالحذف أو الحظر، لعدم توافر معايير الشفافية والقياس لدى الذكاء الاصطناعي في مراقبة الشبكات الإلكترونية.قدرة أوروبا على مواجهة الإرهاب الرقمي
– السيناريو الأول: تمكن الاتحاد الأوروبي من وضع آلية محددة، لتناسب تشريعات كل الدول الأعضاء وتضمن تنفيذها بنفس الوتيرة، لمراقبة المحتوى الإرهابي الإلكتروني، وتحسين التعاون بين الدول وبناء تحالفات ثنائية داخل الاتحاد، وهنا سيلعب اليوربول دوراً لمنع انتشار المواد المتطرفة عبر شبكات الإنترنت، وتسريع الاستجابة للتهديدات المحتملة.
– السيناريو الثاني: تفاوت درجة استجابة دول الاتحاد، للقوانين وخطة التعامل مع التطرف الرقمي، نظراً لوجود ثغرات لدى بعض الدول في اتخاذ تدابير استباقية للتعامل مع المواد المتطرفة، وعدم قدرة دول أخرى على مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، ما يعرقل مواجهة الإرهاب العابر للحدود بين دول الاتحاد.
– السيناريو الثالث: انشغال مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بمسائل أخرى مثل الإنفاق الدفاعي والصناعات العسكرية، دون الانتباه لتحركات الجماعات المتطرفة عبر الإنترنت، واستخدامها لتشفيرات أقوى وخوارزميات متغيرة، وإنشاء مجموعات محادثة بطرق متطورة لتجنيد عناصر جديدة، ما قد يصعب تحقيق تعقب فعال عبر الحدود، ويزيد من خطر انتشار المحتوى الإرهابي.مكافحة الإرهاب ـ لماذا شهدت أوروبا تصاعدًا في أشكال الإرهاب خلال العام 2024؟
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– يُمثّل التطرف الرقمي أحد أخطر التحديات الأمنية على أوروبا داخليًّا وخارجيًّا، نظرًا لتداخله العميق مع تطوّر التكنولوجيا، واعتماده على منصات رقمية واسعة التأثير وسريعة الانتشار.
– ما يُميّز التطرف الرقمي هو طبيعته غير المركزية، وسهولة الوصول إليه، واستهدافه فئات عمرية مختلفة يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية.
– يُعقّد استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي، والعملات المشفّرة، والواقع الافتراضي (Metaverse)، من جهود الدول الأوروبية في محاربة التطرف، ورصد مخططات الجماعات المتطرفة وطرق تمويلها.
– بات من المتوقّع أن يشهد التطرف الرقمي مزيدًا من التعقيد خلال العقد المقبل، مدفوعًا بتحديثات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فضلًا عن ظهور منصات جديدة تُصعّب من عملية الرصد والمراقبة.
– من المؤكّد أن تتجه السلطات الأمنية الأوروبية إلى تطوير الأنظمة التشريعية والاستخباراتية لمواجهة تهديدات ومخاطر التطرف الرقمي، من خلال تطوير أدوات رصد متقدّمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
– من المحتمل أن لا تعتمد الأجهزة الأمنية الأوروبية على الوسائل الأمنية فقط لمحاربة التطرف الرقمي، بل عبر استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل محو الأمية الرقمية، ومحاسبة منصات التكنولوجيا على مسؤولياتها الأخلاقية تجاه المحتوى المتطرف.
**
ـ غيّر الفضاء الرقمي قواعد اللعبة بالنسبة للجماعات المتطرفة في أوروبا، إذ أصبح بالإمكان نشر الأيديولوجيات والتحريض على العنف بشكل شبه فوري وبجمهور عالمي. لم تعد الشوارع أو البيئات التقليدية هي المصدر الأساسي للتجنيد؛ بل أصبحت المنصات الرقمية، بما فيها المنصات المفتوحة (YouTube، TikTok، X) والمنصات المشفّرة (Telegram، Discord)، أدوات مركزية لنشر المحتوى الدعائي، تجنيد الشباب، وتيسير التمويل عبر العملات المشفّرة.
ـ تتضح قدرة الجماعات المتطرفة على التكيّف السريع مع التكنولوجيا من خلال:
ـ استغلال المنصات البديلة لإعادة نشر المحتوى بعد الحذف.
ـ استخدام البث المباشر والألعاب والتطبيقات لجذب القُصّر.
ـ توظيف الميمات والرموز المشفّرة لتجاوز نظم الرقابة.
ـ نشر محتوى تدريجي (من الطُعم العاطفي إلى التحفيز على الأعمال العنيفة) لتجنيد وإعداد المتطرفين.
ـ كما أن استراتيجيات التمويل الرقمي، لا سيما عبر العملات المشفّرة، جعلت الجماعات أكثر استقلالية عن القنوات التقليدية، ما يزيد من صعوبة الرقابة والتعقب.
ـ تعد لائحة (إزالة المحتوى الإرهابي خلال ساعة) في الاتحاد الأوروبي إحدة أبرز نقاط القوة الأوروبية في مواجهة التطرف الرقمي، بالإضافة إلى التعاون المؤسسي بين اليوروبول، الدول الأعضاء، ومنصات التكنولوجيا الكبرى، بما يتيح رصدًا سريعًا للمحتوى المتطرف.
ـ من المرجح أن تستمر الجماعات المتطرفة في توظيف الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى دعائي، وتجاوز أنظمة الكشف، وخلق هويات افتراضية لتجنيد المستهدفين. وأن تصبح الألعاب الإلكترونية، غرف الدردشة، والواقع الافتراضي (Metaverse) مناطق رئيسية للتجنيد المبكر والتنشئة الأيديولوجية.
ـ من المتوقع أن تزداد عمليات استخدام العملات المشفّرة ووسائل التمويل البديلة، بما فيها بطاقات الهدايا الرقمية وخدمات المحافظ الإلكترونية، لتجاوز الرقابة المصرفية التقليدية.
ـ ستبقى الشراكات بين الدول الأعضاء، اليوروبول، والمنصات الرقمية ضرورية، مع تطوير أدوات ذكية لرصد المحتوى قبل انتشاره وإيقاف الانتقال بين المنصات (Platform-Hopping).
ـ يتعين على الاتحاد الأوروبي ، تكثيف جهوده لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لرصد الانتقال بين المنصات والمحتوى المموه على منصات مشاركة الملفات. ومن الضروري دمج أنظمة مراقبة الألعاب الإلكترونية وفضاءات الواقع الافتراضي لتحديد عمليات التجنيد المبكر.
ـ من المهم، إنشاء قاعدة بيانات أوروبية مشتركة لتوثيق شبكات التمويل الرقمي المتطرفة وحالات ضبطه.
**
– يظل استخدام الجماعات المتطرفة لشبكات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، أكبر تحدي للاتحاد الأوروبي في مواجهة العنف والتطرف، خاصة وأن هذه الجماعات توصلت لأدوات حديثة، تمكنها من نشر أفكارها واستقطاب عناصر دون رقابة، ما قد يؤدي لزيادة عدد “الذئاب المنفردة”و الهجمات الإرهابية، في ظل ربط هذه الجماعات بين الصراعات في الشرق الأوسط، ونشر المحتوى المتطرف بين مستخدمي الإنترنت بدول الاتحاد الأوروبي.
– ينبغي أن تدرك مؤسسات الاتحاد الأوروبي، أهمية مراجعة التشريعات الموجهة لمكافحة الإرهاب الرقمي، وأن تسعى لبناء قدرات الدول الأعضاء التي تعاني من تباطؤ في تنفيذ هذه القوانين والإجراءات، بشكل لا يتعارض مع قوانينها الوطنية ومحددات الدساتير وقوانين حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي.
– يبرز دور اليوروبول في رصد ومراقبة المنشورات والدعاية المتطرفة في كافة دول الاتحاد الأوروبي، ويسهم في وضع أسس تحكم الدول الأعضاء، ولكن تزداد المخاوف من تمدد نفوذ الجماعات الإسلاموية والتيارات اليمينية المتطرفة داخل المجتمعات والمؤسسات الحكومية والتشريعية في بعض الدول، وقد ينعكس على آلية تطبيق تشريعات وسياسات اليوروبول في هذه الدول، الأمر الذي يتطلب مراقبة أنشطة هذه الجماعات والتيارات داخل المجتمعات، كخطط موازية لخطط متابعة المحتوى الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت.
– توظيف الذكاء الاصطناعي في التصدي لمخاطر التطرف والإرهاب الرقمي، يختصر وقتاً وجهداً كبيراً في تتبع نشاط الجماعات الإرهابية عبر الإنترنت، خاصة في فك خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي، واختراق مجموعات المحادثة التي تعتمدها الجماعة لجذب عناصر، ولكن تبقى تحديات تأثر الحريات وحقوق الإنسان من هذه الرقابة المشددة، عائقاً أمام الإجراءات، لاسيما وأن الجماعات المتطرفة تستغل هذه الثغرات للهروب من الرقابة الأمنية.
– ينبغي أن تراعي دول الاتحاد الأوروبي، خطورة تمدد النشاط الإرهابي العابر للحدود، وانتقال الأفكار المتطرفة بسهولة عبر الفضاء الإلكتروني، لاسيما وأن التنظيمات المتطرفة باتت تواجه إجراءات أمنية مشددة في الحقيقة، لذا تعتبر الإنترنت ملاذاً أمناً لإعادة انتشارها بصورة أوسع مثل العقدين الماضين، وهذا يفسر مسألة لجوء هذه الجماعات للهجمات السيبرانية كجزء من خطتها، لاختراق المجتمعات الأوروبية ونشر تطرفها هناك.
– تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط والحروب في أفريقيا، واستغلال الجماعات المتطرفة هذه التطورات لصالحها، سيجعل الاتحاد الأوروبي في اختبار حقيقي، للتوازن بين حماية الأمن القومي والحفاظ على أسس النظم الديمقراطية والحريات، في ظل صعود حكومات يمينية متطرفة إلى السلطة في عدد من دول التكتل الأوروبي.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p= 108815
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
هوامش
European Union Terrorism Situation and Trend report 2025 (EU TE-SAT)
https://tinyurl.com/2tmtddbp
How extremist groups like ‘Islamic State’ are using AI
https://tinyurl.com/2hyuacm9
Far-right extremists using games platforms to radicalise teenagers, report warns
https://tinyurl.com/ws77rhbz
AIVD sees increase in threat of online radicalisation of minors
https://tinyurl.com/ycyrap6w
**
New report: major developments and trends on terrorism in Europe in 2024
https://home-affairs.ec.europa.eu/policies/internal-security/counter-terrorism-and-radicalisation/prevention-
Far-right extremists using games platforms to radicalise teenagers, report warns
Crypto donations to extremist groups rise in Europe — Report
**
Council of Europe action against Cybercrime
Integrating AI: EU counterterrorism challenges and opportunities
Regulation (EU) 2022/2065 of the European Parliament and of the Council of 19 October 2022 on a Single Market For Digital Services and amending Directive 2000/31/EC (Digital Services Act) (Text with EEA relevance)
NIS2 Directive: securing network and information systems
