خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
التجسس ـ لماذا لا يستطيع الجيش الألماني الطائرات المسيرة الروسية؟
تستخدم روسيا طائرات استطلاع بدون طيار فوق شرق ألمانيا لمراقبة شحنات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وتكافح السلطات الألمانية جاهدةً لمواجهة أنشطة التجسس هذه. تقوم طائرات مراقبة روسية بدون طيار بطلعات استطلاعية فوق شرق ألمانيا لتتبع شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، حيث تم تسجيل أكثر من 530 مشاهدة لطائرات بدون طيار خلال الربع الأول من العام 2025، وفقًا لأجهزة الاستخبارات الغربية.
تتبع موسكو الطرق المتغيرة باستمرار للنقل العسكري الأوروبي، لتحديد الأسلحة التي ستصل قريبًا إلى أوكرانيا، وأين سيتم تسليم المعدات الحربية الجديدة، ومتى ستصل الذخيرة الجديدة إلى الجبهة. ذكرت ثلاثة أجهزة استخبارات غربية أن “الجهات الروسية ترسل بانتظام طائراتها الاستطلاعية”.
أكد متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية: “أن الجيش الألماني مسؤول فقط عن المواقع التابعة له”. وإلا، فإن وزارة الداخلية الألمانية والمشغلين المدنيين للبنية التحتية المعنية على سبيل المثال، مسارات القطارات أو محطات الغاز الطبيعي المسال مسؤولون عن الأمن. عندما يتعلق الأمر بالدفاع في مواقعها الخاصة، فإن مبدأ التناسب حاسم بالنسبة للقوات. ويجب تجنب المخاطر أو الأضرار التي تلحق بالمارة بأي ثمن، خاصة إذا كان هناك عدم يقين بشأن ما إذا كانت الطائرة بدون طيار محمّلة بالمتفجرات.
طائرات روسيا في السماء الألمانية
منذ بدء حرب أوكرانيا في فبراير 2022، يُشتبه في أن موسكو تشن حربًا هجينة على الأراضي الغربية. ففي الفترة من يناير إلى أبريل من العام 2025، سُجّلت أكثر من 1000مشاهدة فوق ألمانيا. وبحسب التقرير، ظهرت طائرات بدون طيار بشكل متكرر فوق قواعد الجيش الألماني، مثل قاعدة فيلهلمسهافن البحرية، وكذلك فوق محطات الغاز الطبيعي المسال وخطوط السكك الحديدية. وذكرت صحيفة “بيلد” ذلك نقلًا عن تقرير داخلي صادر عن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA).
بين 9 و29 يناير 2025، رُصدت 6 طائرات مسيّرة فوق قاعدة “شفيسينغ” الجوية قرب “هوسوم” في “شليسفيغ هولشتاين”. حلّقت هذه الطائرات بشكل ملحوظ، حيث بقيت بلا حراك تقريبًا فوق الموقع لعدة دقائق. ورغم استخدام أجهزة التشويش، لم يُفلح صدّها. ونظرًا لتدريب الجنود الأوكرانيين على أنظمة الدفاع الجوي “باتريوت” في هذا الموقع، يُشتبه في أن هذا الحادث كان تجسسًا مستهدفًا.
أُحيل التحقيق إلى مكتب الشرطة الجنائية لولاية “شليسفيغ هولشتاين”. وأكد المكتب أنه يفترض أن البنية التحتية الحيوية الألمانية، على وجه الخصوص، قد تكون هدفًا محتملًا للتجسس والتخريب. تستعد شرطة ولاية “شليسفيغ هولشتاين” لأي سيناريوهات محتملة، وتجري حوارًا وثيقًا مع السلطات الأمنية الفيدرالية والولائية الأخرى. ومن بين أمور أخرى، تم إنشاء وحدة متخصصة جديدة للتجسس والتخريب في إدارة أمن الدولة التابعة لمكتب التحقيقات الجنائية بالولاية، وفقًا للبيان. ومع ذلك، ونظرًا “لمنطقة التحقيق الحساسة بشكل خاص”، فلن يتم تقديم المزيد من المعلومات “الآن أو في المستقبل”.
ثغرة قانونية تبطئ الدفاع
كانت الحكومة الائتلافية السابقة بقيادة المستشار الألماني السابق أولاف شولتز تخطط لتعديل قانون أمن الطيران، للسماح للقوات المسلحة الألمانية بإسقاط الطائرات بدون طيار الخطيرة التي تحلق بشكل غير قانوني. كان من المقرر منح الإذن إذا كانت الشرطة غير قادرة من الناحية الفنية على صدّ الطائرات بدون طيار، وبالتالي طلبت المساعدة. ومع ذلك، لم يتم إقرار تعديل قانون أمن الطيران (LuftSiG) خلال الفترة التشريعية الأخيرة.
انتقد كونستانتين فون نوتز، عضو الحزب الأخضر ورئيس لجنة الرقابة البرلمانية، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي CDU/CSU، لعدم دعمه الاقتراح السابق لحكومة شولتز بسبب “اعتبارات تكتيكية حزبية”. تابع فون نوتز: “لقد أدى هذا إلى توقف دام عدة أشهر، وهو تأخير لا يمكننا تحمّله في ضوء الارتفاع الحاد في التهديدات والسلوك العدواني المتزايد من جانب العديد من الدول الاستبدادية، وفي مقدمتها روسيا والصين”.
يؤكد سيباستيان فيدلر، المتحدث باسم السياسة الداخلية في الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD في البوندستاغ، أن مؤتمر وزراء الداخلية أوضح بالفعل أن مسؤولية الدفاع عن الطائرات بدون طيار يجب أن تقع دائمًا على عاتق السلطات الأمنية المدنية. وبحسب قوله، فإن الجيش الألماني لا يمكن أن يتدخل إلا في حالات استثنائية، وبالتالي “يُطلب من الحكومة الفيدرالية بناء صلاحيات إضافية في وزارة الداخلية”. ولذلك فمن المنطقي أن يمنح مشروع قانون الشرطة الفيدرالية الجديد الشرطة الفيدرالية صلاحيات إضافية لاستخدام الوسائل التقنية ضد الطائرات بدون طيار.
الأمن العسكري مع القيود
أعرب السياسي الأخضر فون نوتز عن خيبة أمله من مشروع القانون الجديد الذي قدمته الحكومة الفيدرالية الحالية بشأن “الأمن العسكري”، والذي تم تقديمه في أغسطس 2025. يقول فون نوتز: “إن مشروع القرار المقدم الآن لا يتضمن أيًا من هذا، ومع ذلك فهذا هو توقعنا الواضح”. وفي رأيه، فإن اللوائح الجديدة المخطط لها، مثل توسيع صلاحيات الشرطة العسكرية التابعة للجيش الألماني، لا تذهب إلى حدٍّ كافٍ.
طالب فون نوتز بأن “هناك حاجة إلى تنظيم أساسي، ينظّم بشكل شامل وواضح مسؤوليات الدفاع عن الطائرات بدون طيار في القطاعين العسكري والمدني”. يجب الالتزام الصارم بالحدود الدستورية، لا سيما فيما يتعلق بنشر القوات المسلحة الألمانية داخل البلاد. صرح فون نوتز قائلًا: “نظرًا لشهور من عدم نشاط الوزير دوبريندت، فقد نفد صبر الولايات منذ زمن طويل. من الضروري أن يكون هناك أساس قانوني واضح لبناء القدرات التقنية المقابلة.
أضاف نوتز: “بشكل عام، يظهر هذا المشروع أن الحكومة الألمانية لا تزال غير قادرة على مواجهة التهديدات المتطرفة التي تشكلها الهجمات الهجينة على ديمقراطيتنا واقتصادنا ومواطنينا بشكل مناسب”.
النتائج
تمثل الطائرات الروسية بدون طيار التي تحلق فوق الأراضي الألمانية إحدى صور الحرب الهجينة التي تتبعها موسكو في تعاطيها مع الغرب منذ حرب أوكرانيا في فبراير 2022.
من خلال هذا التسلل الجوي المنهجي، تسعى روسيا إلى جمع معلومات استخبارية حيوية حول الشحنات العسكرية الغربية التي تمر عبر ألمانيا إلى الجبهة الأوكرانية، بما يهدد فعالية الدعم الغربي لأوكرانيا ويثير قلقًا أمنيًا متزايدًا داخل الأوساط الألمانية والأوروبية.
تشير البيانات المعلنة إلى ثغرات قانونية وعملية في منظومة الدفاع الألمانية، خاصة في ظل تعقيدات المسؤولية بين وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى ضعف الإطار التشريعي الخاص بإسقاط الطائرات بدون طيار.
هذا الواقع يكشف أن ألمانيا لم تطور بعد نظامًا دفاعيًا متكاملاً يتناسب مع طبيعة التهديدات الحديثة، خصوصًا الهجمات غير التقليدية أو “الهجينة”، التي تخلط بين الوسائل العسكرية والمدنية.
من الناحية السياسية، يظهر التوتر داخل الحكومة الائتلافية بين الأحزاب، ما أدى إلى تعطيل مشاريع قوانين استراتيجية مثل تعديل قانون أمن الطيران. هذا التلكؤ التشريعي يضعف قدرة الحكومة على الاستجابة للتهديدات الهجينة
من الناحية المستقبلية، فإن استمرار هذه التهديدات الروسية يكشف تصعيدًا غير مباشر، ستكون له تداعيات على العلاقات الأوروبية الروسية، وربما يؤدي إلى تشديد أنظمة الرقابة الجوية أو حتى تفعيل أنظمة مضادة للطائرات بدون طيار على طول البنية التحتية الحيوية.
السيناريو الأخطر هو أن تتحول هذه العمليات الاستخبارية إلى أنشطة تخريبية مباشرة، كتفجير البنية التحتية أو تسميم سلاسل الإمداد، مما سيحوّل ألمانيا إلى جبهة مفتوحة في الحرب الهجينة.
من المتوقع أن تضطر برلين إلى تسريع تشريعاتها الأمنية، وتمكين الشرطة الفيدرالية من صلاحيات إلكترونية وهجومية أوسع، وإدخال تعديلات دستورية، ربما لأول مرة منذ الحرب الباردة، تتيح نشر الجيش داخل حدود البلاد لحماية المصالح الحيوية.
في المجمل، فإن ما تواجهه ألمانيا اليوم ليس مجرد قضية طائرات بدون طيار، بل اختبار حقيقي لقدرتها على التكيف مع نمط جديد من الحروب، يستهدف دولًا من الداخل، ويهدد بنيتها الديمقراطية والاقتصادية والأمنية على المدى الطويل.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=108872
