خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الاستخبارات ـ تحولات التجنيد الاستخباراتي الروسي في أوروبا
حذر مسؤولو الاستخبارات الأوروبية وإنفاذ القانون الغربيون في أغسطس 2025 من اتجاه مثير للقلق: “أشخاص عشوائيون مستقلون، ووكلاء، وعملاء يمكن التخلص منهم”، يتم تجنيدهم، عادة عبر تطبيق تيليجرام، وعادة دون قصد، لأداء مهام تجسسية سرية مختلفة، مثل المراقبة، والحرق العمد، والتخريب، ونشر المعلومات المضللة. تقول السلطات إن الوكالات التي تقوم بالتجنيد والتعيين غالبًا ما تكون مرتبطة بروسيا، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، ويشمل ذلك “الاستخبارات العسكرية الروسية”، المعروفة باسم GRU.
أكد قائد شرطة العاصمة البريطانية، دومينيك مورفي، في 18 سبتمبر 2025، الذي أعلن فيه اعتقال رجلين يُزعم أنه تم تجنيدهما لإشعال النار في مستودع مرتبط بأوكرانيا: “نحن نشهد عددًا متزايدًا من الأشخاص الذين نصفهم بأنهم عملاء يتم تجنيدهم من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية”. أفادت الشرطة البريطانية أن الرجلين تم تجنيدهما على ما يبدو من قبل مجموعة فاغنر، وهي شركة مرتزقة روسية تسيطر وزارة الدفاع الروسية على عملياتها إلى حد كبير.
إسبانيولا: النشأة، التأسيس، والمهام
يُعد كيان إسبانيولا منظمة يمينية متطرفة تأسست عام 2022، وانبثقت من نوادي مشجعي كرة القدم المتطرفة المعروفة باسم “الألتراس”. تُعتبر إسبانيولا مستقلة اسميًا، ولكنها في الواقع جزء من “فيلق المتطوعين”، وهي شبكة غامضة من الجماعات غير الرسمية والمنظمات التطوعية والوحدات شبه العسكرية، ذات الروابط المترابطة مع بعضها البعض، ومع جهاز المخابرات الرئيسي نفسه. يحمل أعضاء إسبانيولا رقم الفرقة “88”، الذي يرمز إلى التحية النازية؛ فالحرف الثامن من الأبجدية مرتين، HH، يُشير إلى “هايل هتلر”.
قُتل أعضاء من إسبانيولا أثناء مشاركتهم في حرب أوكرانيا. وفي عام 2024، أسس مسؤولون في إسبانيولا جماعة شبه سرية تُدعى “ميلوديا”، تضم متخصصين في الاتصالات، وضباط استخبارات سيبرانية، وآخرين. نائب رئيسها هو “راسكازوف”، الملقب بـ”توباز”. وزّع الفريق فلاديمير ألكسييف، من أهم مسؤولي جهاز المخابرات العسكرية الروسية، ميداليات على رجال قاتلوا في معركة الاستيلاء على معقل باخموت الأوكراني. وكان للمرتزقة ونزلاء السجون المُحرَّرون، الذين قاتلوا مع مجموعة فاغنر، دورٌ محوري في الاستيلاء على المدينة قبل نحو خمسة أشهر.
من بين الحاصلين على الجوائز، ميخائيل توركانوف، مقاتل سابق في فنون القتال المختلطة، وعضو هام في كيان إسبانيولا. تشمل بعض الكيانات الروسية الأخرى أفرادًا من مجموعة فاغنر، التي تم تفكيكها إلى حد كبير بعد وفاة مؤسسها، يفغيني بريجوزين، وتم دمج بقاياها في وزارة الدفاع أو في كيانات أخرى. يتم تنفيذ معظم عمليات التجنيد والتنسيق لهذه المجموعات من قبل شركة Redut، وهي شركة سرية أنشأها جهاز المخابرات الرئيسي في الأشهر التي سبقت وفاة بريجوزين في أغسطس 2023. يُعتبر ألكسييف، جنرال المخابرات العسكرية الروسية، أحد مؤسسي فاغنر، كما يُنسب إليه ابتكار نظام تجنيد “ريدوت”.
حملات التجنيد تثير قلق الاستخبارات الأوروبية
أثارت حملة التجنيد على تطبيق تيليجرام للرسائل الفورية قلق أجهزة الاستخبارات الأوروبية والأوكرانية، جزئيًا بسبب مدى صعوبة مراقبتها وكشفها، ومدى صعوبة إحباط المؤامرات المحتملة. تم إنشاء هذه الحملات من قبل وحدات مرتبطة بجهاز المخابرات العسكرية الروسي، ويتم تداولها جزئيًا من خلال حلفاء أو ذوي توجهات مماثلة، و”مؤثرين”.
من الأمثلة على ذلك أليكسي جيفوف، وهو مدوّن على تيليجرام لديه أكثر من 110 آلاف مشترك، وهو منتسب إلى إسبانيولا. في 26 نوفمبر 2024، وبعد أن دعا مشجعو فريق كرة قدم إنجليزي من الدرجة الثانية روسيا لإطلاق صواريخ نووية على منافسيهم، قام جيفوف بتضخيم المنشور على منصة X. كما نشر رسالة تجنيد باللغة الإنجليزية، يطلب فيها من الناس الانضمام إلى إسبانيولا، وأدرج تفاصيل “لأولئك الذين يريدون مساعدة روسيا بشكل مستمر”.
مثال آخر هو قناة باللغة الإسبانية تُدعى “القبعات البيضاء” (Los Sombreros Blancos)، ولديها حوالي 33,000 مشترك. تنشر هذه القناة بانتظام رسائل مناهضة للعولمة ومؤيدة لروسيا باللغة الإسبانية. كما تُعتبر “لوس سومبريرو بلانكوس” جزءًا من شبكة تضم حوالي 200 موقع إلكتروني وقناة متشابهة أيديولوجيًا، تُسمى “بورتال كومبات”، وهي أيضًا لعبة فيديو شهيرة.
تُعيد الشبكة نشر مواد من وسائل الإعلام الحكومية الروسية وقنوات تيليجرام الموالية للكرملين بالفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، والإسبانية، ولغات أخرى، بما في ذلك الرومانية، وهي اللغة السائدة في مولدوفا. أُنشئت قناتا تيليجرام: “سيلسكي روزوم” باللغة التشيكية، و”أولي وجوفيه” باللغة البولندية، في 13 مارس 2022، صورتاهما الرمزيتان متطابقتان تقريبًا.
النتائج
تعكس الاحداث تصاعدًا ملحوظًا في استخدام روسيا لأساليب التجنيد غير التقليدية، والتي تستهدف أفرادًا “عشوائيين”، لا ينتمون بالضرورة إلى شبكات استخباراتية كلاسيكية. هذه الظاهرة، التي تعتمد على بيئة غير خاضعة للرقابة مثل تطبيق تيليجرام، تمثل تحديًا أمنيًا واستخباراتيًا بالغ التعقيد بالنسبة لأوروبا، لا سيما أن عمليات التجنيد باتت تعتمد على وسائل رقمية مشفرة، وتحركات شبكية لا مركزية، ما يجعل تتبعها وإجهاضها أكثر صعوبة.
الربط بين الجماعات اليمينية المتطرفة مثل “إسبانيولا”، وشركات مرتزقة مثل فاغنر وRedut، يعكس تداخلاً مقلقًا بين عالم الجريمة المنظمة، والأنشطة العسكرية شبه النظامية، والتجنيد الأيديولوجي العابر للحدود. ويُعد مؤشراً على تنامي التطرف العنيف المُوجّه سياسيًا والمُدعوم من قِبل قوى دولية. كما أن استخدام المحتوى الإعلامي “القنوات، المدونات، وقنوات التلغرام متعددة اللغات” لتجنيد وتأطير المجندين فكريًا، يدمج بين الحرب السيبرانية والإعلامية والنفسية، وهو ما يُصعّب من فرص المواجهة بالطرق التقليدية.
من المرجح أن تتوسع هذه الشبكات وتُعقّد أساليبها في السنوات المقبلة، لا سيما مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي والتشفير والتزييف العميق (deepfake). سيصبح التجنيد الرقمي أكثر تخصيصًا واستهدافًا، مما يصعب كشفه حتى داخل المجتمعات الأوروبية. وقد تتخذ هذه الحملات طابعًا جغرافيًا محددًا، مع استهداف فئات اجتماعية واقتصادية بعينها، تُستغل هشاشتها النفسية أو هوسها بالقضايا الهوياتية.
من جانب آخر، سيضطر الأوروبيون إلى تطوير بنية استخباراتية هجينة، تجمع بين تقنيات الذكاء الاصطناعي، ورصد المحتوى المفتوح، وتعاون أوثق مع شركات التكنولوجيا، دون المساس بالحريات المدنية. ومع استمرار حرب أوكرانيا وتزايد الاستقطاب العالمي، قد يكون هناك تصاعدًا في محاولات التخريب الداخلي في دول الاتحاد الأوروبي، من خلال “وكلاء يمكن التخلص منهم”، قد يُستخدمون لأعمال عنف وتخريب رمزية تستهدف بنى تحتية أو مواقع حساسة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109858
