المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير “2”
الاستخبارات خلال الحروب ـ أي دور تلعبه لدعم صنع القرار ، روسيا والغرب ؟
تعتمد أجهزة الاستخبارات على جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية من خلال عدة مصادر كالأقمار الصناعية والطائرات المسيرة والتجسس على وسائل التواصل الاجتماعي. واشتدت حدة حرب التجسس بين موسكو والغرب عبر نشر المعلومات المضللة والدعايات والقيام بأنشطة سرية لتجنيد عملاء وجواسيس. لقد سعت الدول الغربية إلى تقويض أنشطة الاستخبارات الروسية على تنفيذ عمليات التجسس على أراضيها. وتجسد ذلك في طرد عدد من الدبلوماسيين الروس من عدد من العواصم الغربية.
تعريف الاستخبارات ووظائفها
تُعرف الاستخبارات بأنها عملية جمع وتحليل ومعالجة المعلومات من أجل دعم صناع القرار تعمل على حماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية، ومن أهم وظائف الاستخبارات:
- تنسيق عملية جمع المعلومات الاستخبارية وتبادلها.
- تحليل المعلومات الاستخباراتية عن الجيوش الأجنبية.
- مراقبة وجمع ومعالجة الاتصالات والمعلومات الإلكترونية وفك الرموز السرية.
- حماية الدولة من الإرهاب والهجمات الإلكترونية وعمليات الاستخبارات الأجنبية والتجسس.
- حماية أنظمة المعلومات من الاختراق الخارجي.
- تتبع وتحليل القضايا التي قد تقوض أهداف السياسة الخارجية للدول. التجسس ـ حروب تعود للواجهة ما بين روسيا وأوروبا
أبرز طرق ومصادر جمع المعلومات الاستخباراتية
الجواسيس والعملاء: تعتمد الأجهزة الاستخباراتية على تجنيد العملاء كالعاملين الحاليين والسابقين في الحكومات أو القطاع الخاص، عبر تقديم فرص عمل مربحة، ومبالغ كبيرة من المال، لمساعدتهم في الوصول إلى المعلومات.
الأقمار الصناعية: حدثت طفرة في عمليات التجسس بالأقمار الصناعية لا سيما أقمار المراقبة التجارية، التي وصل عددها إلى المئات، حيث تتيح إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية. وأصبحت البيانات من أقمار التجسس التجارية جزءا لا يتجزأ من الحروب، مما يوفر المعلومات الاستخباراتية وتشكيل الرأي العام من خلال الكشف عن الدمار في البنية التحتية المدنية وتوثيق جرائم الحرب المحتملة.
تطبيقات الهواتف الحمولة: تستغل الأجهزة الاستخباراتية التطبيقات لتعقب هواتف نشطاء وصحفيين ومديري شركات وسياسيين. وقد أثار برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على الهواتف المخاوف للاطلاع على رسائل الهاتف والبريد الإلكتروني والتنصت على المكالمات وتتبع مواقع المستهدفين.
الطائرات المسيرة: يظل جمع المعلومات الاستخبارية والاستطلاع هي المهمة الرئيسية لهذه الطائرات بجانب دوراً دورها الهام في الحرب الإلكترونية.
تعتمد واشنطن على سبيل المثال على جمع المعلومات الاستخباراتية الفورية من خلال أقمار التجسس الاصطناعية أو من الجواسيس على الأرض، ووسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة والهواتف الذكية والأقمار الاصطناعية التجارية في جمع وتحليل المعلومات وقت حدوثها.روسيا و بريطانيا..حرب جواسيس و أزمات دبلوماسية
أنشطة تجسس روسيا على الغرب
انخرطت روسيا في 22 يونيو 2022 في عمليات تجسس استراتيجي ضد الحكومات ومراكز الفكر والشركات ومجموعات الإغاثة في (42) دولة تدعم كييف. وكان الاستهداف الروسي لحلفاء أوكرانيا ناجحا بنسبة (29%). حيث سرقت البيانات في (25%) من عمليات الاختراق الناجحة. يقدر ما يقرب من ثلثي أهداف التجسس الإلكتروني على أعضاء الناتو، وكانت الولايات المتحدة الهدف الرئيسي، فيما كانت بولندا، القناة الرئيسية لتدفق المساعدة العسكرية إلى أوكرانيا، في المرتبة الثانية، وشهدت الدنمارك والنرويج وفنلندا والسويد وتركيا تصعيدا للاستهداف. و(50%) من المنظمات الـ(128) المستهدفة هي وكالات حكومية، و(12%) هي وكالات غير حكومية وتشمل أهداف أخرى كشركات الاتصالات والطاقة والدفاع”.
يوضح “ريتشارد جوان” المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، لصحيفة “إل باييس” الإسبانية، في 19 فبراير 2022 “إن حرب روسيا الهجينة تقوم على زرع البلبلة والمعلومات المضللة”. فالكرملين، بحسب ريتشارد جوان، مشغول بإنكار المعلومات “السرية” الأمريكية المنشورة وتشويه سمعتها، موضحاً أن الولايات المتحدة، بنشرها تلك المعلومات، تحرم بوتين من ميزة المفاجأة التي يتمتع بها. هكذا يعمل العملاء العرافون السريون داخل الاستخبارات الروسية
الاستخبارات الغربية وكشف الجواسيس الروس
أكد “ريتشارد مور ” رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (MI6) في 21 يوليو 2022 أنه منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير2022، طردت الدول الأوروبية قرابة (400) ضابط استخبارات روسي يعملون تحت غطاء دبلوماسي”. وتابع: “نعتقد في المملكة المتحدة أن هذا ربما قلل من قدرتهم على القيام بأعمالهم للتجسس لصالح روسيا في أوروبا بمقدار النصف”. وأضاف “أنه تم الكشف عن عدد من الجواسيس الروس الذين يعملون تحت غطاء وانتحلوا صفة المدنيين، وقد تم اعتقالهم”.
تعتمد روسيا بشكل كبير على بعض الجواسيس والمتعاونين؛ لتحديد أهدافها وتقييم نجاح ضرباتها. أن بعض الجواسيس مواطنون روس تم جلبهم إلى منطقة “دونباس” في بداية الحرب، ويعيشون بين السكان، والبعض الآخر أوكرانيون متعاطفون سياسيا مع موسكو، وبعضهم يتجسس من أجل المال في 17 مايو 2022. فعلى سبيل المثال تم القبض على أحد هؤلاء الجواسيس في بلدة “سلوفيانسك” بشرق أوكرانيا، بعد الاشتباه فيه لنقله معلومات لموسكو. ألقي القبض عليه، حيث تم تجنيده من خلال تطبيق “تلغرام” بواسطة شخص اسمه “نيكولاي”، مقابل (500) هريفنا أوكرانية، أي حوالي (17) دولاراً.
تعمل وكالات الاستخبارات الغربية منذ عام 2014، على تحديد الجواسيس الروس. ومن أبرزهم الوحدة المعروفة باسم “29155 Unit GRU ” التابعة للاستخبارات الروسية، ويعتقد أنها مكلفة بأعمال التخريب والتدمير والاغتيال. واستغرق الأمر ما يقرب من سبع سنوات لمعرفة أن هذه الوحدة كانت وراء انفجار ضخم دمر مستودعاً للذخيرة في غابة تشيكية في أكتوبر 2014. وتضم أيضا بعض المتورطين لاحقا في حوادث التسمم في “ساليزبيري” جنوبي بريطانيا في عام 2018. كذلك تسميم تاجر أسلحة في بلغاريا. وشارك أعضاؤها في إخراج القادة الموالين لروسيا من أوكرانيا في عام 2014. ولا تزل المخابرات الغربية في 15 مايو 2022 تراقبها عن كثب. ويعتقد أن الجواسيس الروس غالبيتهم من ضباط المخابرات السريين.
تصاعد وتيرة الاغتيالات بين روسيا والغرب
تم اغتيال “داريا دوغين” ابنة المفكر الروسي المقرب من الكرملين في 20 أغسطس 2022. واتهمت موسكو الاستخبارات الأوكرانية في مقتلها. وتقول “ماريا زاخاروفا” المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية إنه إذا توصل التحقيق إلى مسؤولية أوكرانيا، فإن ذلك سيشير إلى سياسة “إرهاب الدولة” التي تنتهجها كييف. كما زعم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) إن “جريمة الاغتيال تم إعدادها وارتكابها من قبل الخدمات الخاصة الأوكرانية”، ونشر الجهاز معلومات ومقطع فيديو يظهر إمرأة أوكرانية من فوج “آزوف” في البلاد مسؤولة عن مقتل “داريا دوغين”.
تصاعدت وتيرة عمليات الاغتيال في أوكرانيا في الوقت الذي يتطلع الكرملين إلى تسريع الاندماج السياسي لأوكرانيا في روسيا، تظهر الإحصائيات في 1 سبتمبر 2022 أن تسع محاولات اغتيال حدثت في أغسطس 2022، مقارنة بثلاث محاولات اغتيال في يوليو 2022. في المجموع ، كانت هناك ما لا يقل عن (19 ) محاولة اغتيال في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا. في حين يعتقد الكثيرون أن هذه عمليات قتل سياسية أمرت بها كييف لردع المتعاونين وتقويض خطط الاندماج السياسي في موسكو، وإن بعضها قد يكون جزءًا من صراعات محلية على السلطة. وربما تكون محاولة الاغتيال الأكثر غرابة ، قد حدثت في أغسطس 2022 عندما تم تسميم رئيس منطقة “خيرسون” الذي عينته موسكو.
مستقبل عمليات الاغتيالات على الحرب الأوكرانية
بات من المتوقع أن تذهب أجهزة الاستخبارات الروسية والغربية إلى ما هو أبعد من مجرد التجسس وتجنيد المسؤولين الأجانب، وهي أعمال تشترك بها كل القوى العظمى. ففي عام 2018، تعرض العميل المزدوج السابق “سيرغي سكريبال” لمحاولة اغتيال عبر تسميمه في لندن. في العام 2019، قتل في برلين مقاتل شيشاني على يد رجل يشتبه في أنه تصرف بناء على أوامر من موسكو. وتصاعدت التحذيرات الأوكرانية في 21 أغسطس 2022 من تصعيد روسي محتمل أثناء إحياء عيد استقلال أوكرانيا، بعد مقتل “داريا دوغين” وإن أي تجمع كبير يخلق هدفاً محتملاً في عيد الاستقلال. وفي علامة على احتمال امتداد الصراع إلى المنطقة، أكدت ألبانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، إنها تحقق بشأن اعتقال مواطنين روسيين وأوكراني كانوا يحاولون دخول مصنع أسلحة وسط ألبانيا.
التقييم
تلعب الأنشطة الاستخباراتية دوراً هاماً في عملية جمع المعلومات ودعم صناع القرار لحسم الصراعات والحروب وحماية الأمن القومي للدول من التهديدات الداخلية والخارجية. وقد حدثت طفرة في عمليات التجسس التقليدية وتطورت إلى عمليات تجسس بأقمار المراقبة التجارية وتطبيقات الهواتف الحمولة والطائرات المسيرة.
إن عمليات التجسس بين روسيا والغرب مستمرة في التصاعد، لا سيما ماتقوم به روسيا لمعرفة خطوط الإمداد التي تجلب المساعدات العسكرية لكييف، إلى جانب مساعيها لمعرفة مدى تاثير الضغوطات الاقتصادية وارتفاع الاسعار على المواطن الأوروبي بسبب الغاز الروس والطاقة.
من المتوقع ان تصعد كل من روسيا ودول الغرب من أنشطتها الاستخباراتية مع حرب أوكرانيا، وهذا متوقع جدا خلال الحروب والنزاعات، لكن الأهم عند وكالات الاستخبارات خلال الحروب، هو دقة وحجم المعلومات التي تستطيع الحصول عليها وتقديمها الى صناع القرا، وهذا مايمثل تحديا كبيرا والسبب يعود الى قدرات وكالات الاستخبارات لجميع الأطراف والتي اختبرت بعضها البعض في حروب سابقة.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=83781
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
الهوامش
‘They’d have made me a spy’: China uses LinkedIn to steal state secrets
https://bit.ly/3B0GtXG
Ukraine War Puts Spy Satellites for Hire in the Spotlight
https://on.wsj.com/3BnUjF2
Assassinations Of Russia-Installed Officials On the Rise in Occupied Ukraine
https://bit.ly/3D9PO2k
Ukraine’s security service hunts the spies selling information to Russia
https://cnn.it/3Bl7HcW
“مايكروسوفت”: روسيا تتجسس إلكترونيا على 42 من حلفاء أوكرانيا
https://bit.ly/3B1N8Bb
حرب الجواسيس داخل الحرب الروسية الأوكرانية
https://bbc.in/3cVYdeV