المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
بون جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي ورئيس المركز الأوروبي https://x.com/jassim__press
نسخة PDF الاستخبارات الألمانية مارتن ياغر رئيسًا جديدًا ومرحلة استباقية لتعزيز القدرات
يمر جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) بمرحلة مفصلية مع تولي مارتن ياغر رئاسته خلفًا لبرونو كاهل، في ظل بيئة أمنية أوروبية ودولية شديدة التعقيد. هذا التغيير القيادي لم يأتِ بمعزل عن رؤية المستشار فريدريش ميرتز الذي شدد على ضرورة رفع قدرات الأجهزة الاستخباراتية الألمانية إلى “أعلى مستوى ممكن”، لمواجهة التهديدات الهجينة واللامتناظرة التي تتعرض لها ألمانيا، بدءًا من التجسس والتخريب، مرورًا بالهجمات السيبرانية وحملات التضليل الإعلامي، وصولًا إلى التحديات الجيوسياسية مع روسيا والصين.
يمثل صعود ياغر إلى هذا المنصب إشارة واضحة إلى أن الحكومة الألمانية تسعى لإعادة صياغة دور الاستخبارات الخارجية بما يتجاوز جمع المعلومات التقليدي، لتتحول إلى أداة استراتيجية تدعم القرار السياسي والعسكري، وتُعزز مكانة ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وتطرح تصريحات ميرتز وياغر معًا دلالات حول إدراك برلين لحجم المخاطر التي تهدد أمنها القومي، وحاجتها إلى تعاون دولي واسع، خصوصًا مع الشركاء الأوروبيين ووكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، لمواجهة خصوم يتسمون بالمرونة والعدوانية، وفي مقدمتهم روسيا.
تسلم مارتن ياغر مؤخرًا منصبه رئيسًا لجهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND)، في خطوة تؤكد رغبة الحكومة الألمانية بقيادة المستشار فريدريش ميرتز في تعزيز قدرات أجهزة الاستخبارات لمواجهة التهديدات المعقدة والهجينة التي تواجه ألمانيا وأوروبا. وأكد ميرتز خلال مراسم التسليم على ضرورة رفع مستوى أجهزة الاستخبارات إلى “أعلى مستوى ممكن”، داعيًا إلى تغيير في النموذج على صعيد السياسة الخارجية والأمنية. استخبارات ـ ماذا يقول رئيس المخابرات الألمانية عن التهديد الذي تشكله روسيا؟
ماذا عن توقيت تغيير رئيس الاستخبارات
جاء قرار تغيير رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية في هذا التوقيت ليعكس طبيعة التحولات العميقة التي تشهدها السياسة الأمنية لبرلين. فالمستشار فريدريش ميرتس يرى أن ألمانيا بحاجة إلى نقلة نوعية في قدرات أجهزتها الأمنية، تتجاوز حدود العمل التقليدي القائم على جمع المعلومات إلى دور أكثر استباقية وفاعلية في مواجهة التهديدات المعقدة. وتشكل روسيا، بهجماتها السيبرانية وحملاتها الدعائية وأنشطة تجسسها المكثفة داخل الأراضي الألمانية، التهديد الأكبر الذي يستدعي مقاربة جديدة تواكب التغير في طبيعة الصراعات.
التحول القيادي داخل جهاز الـBND جاء أيضًا في سياق الحاجة إلى تحديث تشريعي وتقني، إذ تعمل الحكومة الألمانية على إصلاح شامل للقوانين المنظمة لعمل الاستخبارات، مع تخصيص ميزانيات إضافية للأمن السيبراني وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي. وجود قيادة جديدة بخبرة دبلوماسية وأمنية، مثل مارتن ياغر الذي خدم سفيرًا في إيران وأفغانستان وأوكرانيا، يتيح للجهاز الانفتاح على بعد سياسي واستراتيجي أوسع، ويؤكد رغبة برلين في توظيف الاستخبارات كأداة داعمة للقرار الخارجي.
يُظهر هذا التغيير كذلك رغبة ألمانيا في الانتقال من سياسة دفاعية حذرة كانت سمة المرحلة السابقة، إلى نهج أكثر جرأة يقوم على الانخراط المباشر والمجازفة المحسوبة من أجل الوصول إلى مصادر معلومات حيوية. هذه المقاربة الجديدة تهدف إلى جعل الـBND لاعبًا أساسيًا في حماية الأمن القومي الألماني والأوروبي، وفي الوقت نفسه شريكًا أكثر فعالية لحلفاء ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة.
رؤية ميرتز للأمن القومي
صرّح المستشار ميرتز بأن ألمانيا تمتلك بالفعل “أجهزة أمنية جيدة جدًا”، لكنه شدد على أن:” سيادتنا في ألمانيا وأوروبا تعتمد في النهاية على أن نصبح أفضل.” وحدد الهدف الأساسي قائلاً: “نريد أن يلعب جهاز الاستخبارات الخارجية (BND) على أعلى مستوى ممكن.” وأشار إلى أن التحديات الحالية تتجاوز الحدود التقليدية للحرب، مع وجود منافسين دوليين مثل روسيا والصين الذين يتصرفون بزيادة بعدوانية، مما يجعل الوضع الأمني الألماني والأوروبي في مرحلة حرجة. وأضاف: “نادرًا ما كان الوضع الأمني في تاريخ الجمهورية الاتحادية بهذه الخطورة … نحن نتحرك الآن في مساحة تتسم بأقصى درجات عدم اليقين.” أمن ألمانيا ـ الاستخبارات الخارجية بين الجيش الألماني وشركات الأسلحة
التشريعات الجديدة
أكد ميرتز أن ألمانيا تواجه يوميًا هجمات هجينة تشمل التجسس، التخريب، الهجمات السيبرانية، وحملات التضليل الإعلامي. وأوضح أن مواجهة هذه التهديدات تتطلب:”تفوقًا معرفيًا لا يمكن أن يحققه بشكل موثوق إلا جهاز استخبارات خارجي منظم جيدًا على الصعيد المدني والعسكري والتقني.” وأعلن عن تخصيص ميزانيات إضافية لتجهيز أجهزة الاستخبارات بشكل أفضل، إلى جانب العمل على إصلاح قانوني شامل لأجهزة الاستخبارات لتوفير إطار قانوني حديث وفعال. الهدف من هذه الخطوات هو استغلال قدرات BND بشكل أكثر دقة في السنوات القادمة.
أجهزة الاستخبارات الألمانية
تشمل منظومة الاستخبارات الألمانية:
- جهاز حماية الدستور (BfV): مسؤول عن الاستخبارات الداخلية.
- جهاز الاستخبارات الخارجية (BND): مسؤول عن جمع المعلومات من الخارج.
- جهاز الاستخبارات العسكرية (MAD): مسؤول عن مكافحة التجسس العسكري، وقد حصل مؤخرًا على صلاحيات إضافية لتعزيز الحماية السيبرانية للجنود الألمان في الخارج.
وتشير التعديلات القانونية (MADG) إلى أن الحكومة تسعى إلى تعزيز قدرة MAD على مواجهة الهجمات السيبرانية وحماية القوات الألمانية، مع انتظار موافقة البرلمان على هذه التعديلات.
الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND)
جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) هو المسؤول عن جمع المعلومات وتحليلها من خارج ألمانيا، لدعم السياسة الأمنية والدفاعية الألمانية وصناعة القرار السياسي. يركز الجهاز على متابعة التهديدات الدولية، بما في ذلك الإرهاب، التجسس، الهجمات السيبرانية، والصراعات الإقليمية. يلعب BND دورًا حيويًا في التعاون الدولي، خصوصًا مع وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) والأجهزة الأوروبية والحليفة الأخرى، لتبادل المعلومات الاستخباراتية، دعم العمليات المشتركة، وتحليل المخاطر الاستراتيجية. كما يساهم الجهاز في تقديم تقديرات دقيقة لصناع القرار في الحكومة الألمانية، مما يعزز قدرة ألمانيا على اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية مستنيرة وحماية مصالحها في الخارج. الاستخبارات الخارجية هي أداة استراتيجية لجمع المعلومات، التحليل، والدعم المباشر للسياسة الخارجية والأمنية الألمانية في مواجهة التحديات العالمية المعقدة.
القدرات المالية والبشرية للاستخبارات الخارجية الألمانية BND
الموارد البشرية : تُعتيرالاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) واحدة من أبرز المؤسسات الأمنية في ألمانيا، وهي الجهة المسؤولة عن جمع المعلومات وتحليلها من خارج الأراضي الألمانية، بما يخدم صانعي القرار في برلين ويعزز مكانة البلاد في شبكة التعاون الاستخباري الدولي. من حيث القدرات البشرية، يقدَّر عدد العاملين في الجهاز بحوالي 6,500 موظف، يتوزعون بين محللين وخبراء فنيين وموظفي عمليات ميدانية وإداريين، إلى جانب وحدات متخصصة في الأمن السيبراني وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي. وقد أولت الحكومة الألمانية في السنوات الأخيرة اهتمامًا خاصًا بزيادة أعداد الكفاءات التقنية داخل الجهاز، مع التركيز على توظيف مهندسين وخبراء لغات وأخصائيين في الجغرافيا السياسية والفضاء السيبراني.
الموارد المالية : أما على الصعيد المالي، فقد بلغت موازنة الـBND في عام 2024 حوالي 1.08 مليار يورو، مع زيادات نسبية مقارنة بالأعوام السابقة. وتعكس هذه الأرقام التوجه الحكومي نحو تعزيز الإنفاق الأمني والاستخباري في ضوء التحديات المتزايدة، سواء تلك المرتبطة بالحرب في أوكرانيا أو التهديدات السيبرانية والتدخلات الخارجية. ورغم أن الأرقام المعلنة تعكس الحجم الإجمالي للميزانية، فإن تفاصيل الإنفاق تبقى مصنفة وسرية، حيث يدار جزء كبير منها عبر لجنة الثقة في البرلمان الألماني.
الوسائل التقنية (SIGINT) : تُوظَّف الموارد المالية للجهاز في عدة اتجاهات رئيسية، أبرزها تطوير قدرات جمع المعلومات عبر الوسائل التقنية (SIGINT) والأقمار الصناعية، وتعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني، إضافة إلى تمويل العمليات الميدانية والأنشطة البشرية في الخارج. كما يُخصص جزء مهم من الإنفاق لحملات التوظيف والتدريب المستمر، بما يضمن سد الفجوات في الكفاءات وتحقيق التوازن بين القدرات التقليدية والحديثة. وفي الوقت نفسه، يظل التعاون الدولي ركيزة أساسية، حيث يُسهم التمويل في تمكين الـBND من الحفاظ على موقعه ضمن شبكات تبادل المعلومات مع أجهزة استخباراتية كبرى مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) والأجهزة الأوروبية.
الهيكل التنظيمي لجهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND)
يعمل جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) ضمن هيكل إداري معقد يعكس طبيعة المهام المتنوعة التي يقوم بها، حيث يجمع بين الأدوار التقليدية في جمع المعلومات الميدانية وبين القدرات التقنية الحديثة. ورغم أن جميع التفاصيل الدقيقة حول الهيكل التنظيمي تبقى مصنفة وسرية، فإن الصورة العامة المعروفة توضح أن الـBND ينقسم إلى عدة أقسام رئيسية وشُعب متخصصة، أبرزها:
مكتب الرئيس : يقوده رئيس الجهاز ويُشرف على صياغة التوجهات الاستراتيجية العامة، إلى جانب التنسيق المباشر مع المستشارية الألمانية والبرلمان. ويضم المكتب وحدات استشارية وقانونية وإعلامية تُعنى بضمان التواصل مع الجهات التنفيذية والتشريعية.
إدارة جمع المعلومات (Nachrichtenbeschaffung) : تُعنى بتشغيل المصادر البشرية والاتصالات مع المخبرين والوكلاء في الخارج، إضافة إلى إدارة العمليات الميدانية السرية. وتعد هذه الإدارة العمود الفقري التقليدي في عمل الاستخبارات الخارجية.
إدارة الاستخبارات التقنية (Technische Aufklärung / SIGINT) : تختص بمراقبة الاتصالات واعتراض الإشارات وتحليل البيانات التقنية، بما في ذلك عمليات التنصت على الشبكات العالمية والأقمار الصناعية. وتُعتبر من أكثر الأقسام تمويلًا، إذ تمثل مستقبل العمل الاستخباري في مواجهة التهديدات السيبرانية.
إدارة التحليل والتقارير (Analyse & Auswertung) : تقوم بتحويل المعلومات الخام إلى تقديرات استراتيجية وتقارير تحليلية تقدم مباشرة إلى الحكومة الألمانية. وتشمل شعبًا متخصصة في مناطق العالم المختلفة (الشرق الأوسط، روسيا، الصين، أفريقيا، إلخ) بالإضافة إلى ملفات موضوعية مثل الإرهاب الدولي، الأمن الطاقي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
إدارة الأمن السيبراني والتكنولوجيا المتقدمة : تختص بمواجهة الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الألمانية ومتابعة القدرات السيبرانية للدول المنافسة، مع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة.
إدارة العمليات الخاصة (Spezialoperationen) : تتولى تنفيذ المهام الحساسة التي تتطلب مستوى عاليًا من السرية، بما في ذلك التعاون العملياتي مع أجهزة استخبارات أجنبية.
إدارة الشؤون الإدارية والموارد (Verwaltung & Ressourcen) : تعنى بتسيير الموارد البشرية والمالية، وإدارة البنية التحتية واللوجستيات، إلى جانب برامج التدريب والتأهيل المهني لموظفي الجهاز.
مكاتب إقليمية ومراكز تنسيق : يدير الجهاز مكاتب متخصصة موزعة على المناطق الجغرافية الحساسة، وتعمل كجسور للتنسيق مع السفارات الألمانية، ومع الشركاء الأوروبيين والدوليين في مجالات تبادل المعلومات والعمليات المشتركة.
تصريحات الرئيس الجديد لجهاز BND
أعلن مارتن ياغر أن أولوياته تكمن في مواجهة التهديدات بصورة أكثر فعالية، مؤكّدًا: “سندخل بشكل مضبوط وحازم في مخاطر أكبر، لفتح أبواب أفضل للوصول إلى المعلومات، ولحماية مصالح بلادنا بصورة أفضل.” “وسنواجه خصومنا أينما اقتضت الضرورة.” كما كشف ياغر عن جولة زيارات تشمل فرنسا، بولندا، ليتوانيا، بريطانيا، إسرائيل، بعض الدول العربية، والولايات المتحدة، مؤكّدًا:”رسالتي ستكون: يجب أن يُؤخذ جهاز BND بعين الاعتبار.” ياغر خلف الرئيس السابق برونو كاهل الذي شغل المنصب لمدة تسع سنوات. وقد شغل ياغر مناصب دبلوماسية مهمة، منها سفير ألمانيا في إيران وأفغانستان، وسفيرها في أوكرانيا منذ 2023، ما يعكس خبرته الطويلة في الملفات الاستراتيجية والأمنية.
الدور المستقبلي للاستخبارات الخارجية ودعم القرار الألماني
يتجه BND إلى لعب دور أكثر فاعلية واستباقية في السياسة الألمانية على الصعيد الدولي، من خلال:
ـ توفير معلومات استخباراتية دقيقة لصناع القرار : تحليل التهديدات العسكرية والسياسية والاقتصادية في مناطق النزاعات حول العالم. تقديم تقييمات حول استراتيجيات الدول المنافسة مثل روسيا والصين، وتأثيرها على الأمن الأوروبي.
ـ دعم القرارات الألمانية في النزاعات والحروب : توفير معلومات استخباراتية حيوية حول جبهات الحرب والتدخلات العسكرية المحتملة، بما يتيح للحكومة اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة. تحليل الهجمات السيبرانية، والطائرات بدون طيار، والتهديدات الهجينة، وتقديم سيناريوهات لتقليل المخاطر على القوات الألمانية والأوروبية.
ـ تعزيز التعاون الدولي والإقليمي : التنسيق مع حلف الناتو والدول الشريكة لتبادل المعلومات الاستخباراتية. دعم العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وضمان حماية المصالح الألمانية في الخارج.
ـ استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء السيبراني : الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتحليل المتقدم للبيانات لتوقع تحركات الخصوم. تطوير قدرات جمع المعلومات من وسائل الإعلام المفتوحة، الأقمار الصناعية، والشبكات الإلكترونية، بما يعزز قدرة BND على تقديم رؤى دقيقة لصنع القرار السياسي والعسكري.
التعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)
يعد التنسيق بين BND وCIA من أهم عناصر العمل الاستخباراتي الألماني. يشمل هذا التعاون:
- مكافحة الإرهاب الدولي: تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية النشطة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.
- الأمن السيبراني: مواجهة الهجمات على البنية التحتية الحيوية عبر تبادل التحليلات وأفضل الممارسات التقنية.
- متابعة تحركات القوى الدولية: تحليل أنشطة روسيا والصين، بما في ذلك التجسس والقدرات العسكرية وتوجهات القوات في مناطق النزاع.
عادة ما يتم هذا التعاون من خلال مراكز تنسيق مشتركة واجتماعات دورية، وتبادل المعلومات بطريقة مشفرة تضمن سرعة وموثوقية التعامل مع التهديدات.
التعاون مع الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية والدولية
لا يقتصر دور BND على التعاون مع CIA فحسب، بل يمتد ليشمل:
- أجهزة الاستخبارات الأوروبية مثل الفرنسية (DGSE) والبريطانية (MI6) والهولندية (AIVD).
- أجهزة الاستخبارات التابعة لحلف الناتو، لدعم القرارات الأمنية المشتركة ومراقبة تحركات القوات الروسية والصينية في أوروبا.
- دول شريكة خارج أوروبا، مثل إسرائيل واليابان، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني.
يقوم BND بتقديم تقديرات استخباراتية دقيقة لدعم صناع القرار الألماني. تشمل هذه الآليات:
- تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية في مناطق النزاع.
- تنفيذ عمليات مشتركة مع الأجهزة الحليفة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة الدولية.
- تحليلات استراتيجية مشتركة تساعد الحكومة الألمانية على فهم المخاطر واتخاذ قرارات سريعة ومدروسة.
التعاون الدولي يُمكّن BND من:
- توسيع نطاق جمع المعلومات في مناطق العالم التي لا يمكن تغطيتها محليًا.
- تعزيز القدرات التكنولوجية باستخدام أدوات تحليل متقدمة ومعلومات استخباراتية دقيقة.
- دعم القرار السياسي والعسكري لتجنب المفاجآت في النزاعات الدولية.
- تعزيز مصداقية ألمانيا دوليًا عبر المشاركة الفاعلة في جهود الاستخبارات المشتركة مع الحلفاء.
- تنسيق عمليات استخباراتية متعددة الأطراف لمواجهة التهديدات المعقدة.
- تقديم معلومات دقيقة لدعم القرارات الألمانية في الحروب والنزاعات الدولية.
- توسيع التعاون التقني والاستراتيجي مع CIA والأجهزة الحليفة، خصوصًا في الذكاء الاصطناعي والتحليل السيبراني.
يتحول BND من مجرد جهاز جمع معلومات تقليدي إلى أداة استراتيجية فعالة لدعم القرار السياسي والأمني الألماني على الساحة الدولية، مع حماية مصالح ألمانيا وأوروبا من التهديدات المتزايدة. أمن ألمانيا القومي ـ لاتزال أنشطة التجسس الروسية في ألمانيا مستمرة
التعاون الاستخباراتي الألماني مع الخليج والشرق الأوسط
مكافحة الإرهاب والتطرف: يشمل تبادل المعلومات حول نشاط الجماعات الإسلاموية المتطرفة مثل القاعدة وداعش، ورصد المقاتلين الأجانب وخلاياهم النائمة. تعتمد برلين في هذا المجال على خبرات الأجهزة الخليجية التي تمتلك مصادر ميدانية واسعة في المنطقة.
أمن الطاقة وحماية البنى التحتية: يولي الـBND أهمية خاصة لأمن منشآت النفط والغاز في الخليج، ومخاطر الهجمات بالطائرات المسيّرة أو الصواريخ، إلى جانب أمن الملاحة في الممرات الحيوية مثل مضيق هرمز وباب المندب، نظرًا لاعتماد ألمانيا وأوروبا الكبير على إمدادات الطاقة من المنطقة.
مراقبة النفوذ الإيراني: يركز التعاون على متابعة أنشطة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميليشيات الموالية لطهران في اليمن والعراق وسوريا، ورصد شبكات تهريب الأسلحة. ويُنظر إلى هذا الملف كأحد أهم مصادر التهديد المباشر للاستقرار الإقليمي والأوروبي.
الأمن السيبراني والتضليل الإعلامي: التنسيق مواجهة الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنى التحتية الحيوية، وتبادل الخبرات في أمن البيانات وحماية شبكات الطاقة والاتصالات، إضافة إلى رصد حملات التضليل التي قد تؤثر على استقرار المنطقة أو العلاقات الدولية.
متابعة النزاعات الإقليمية: يعمل الـBND مع شركائه في الخليج والشرق الأوسط على رصد تداعيات الحرب في اليمن، والصراع السوري بما فيه وجود داعش والتموضع الإيراني ـ الروسي، إلى جانب مراقبة التطورات في العراق وليبيا باعتبارها ساحات صراع مؤثرة على التوازن الإقليمي.
الهجرة واللجوء: يتضمن التعاون تبادل المعلومات حول شبكات تهريب البشر والهجرة غير الشرعية، والتنسيق للحد من استغلال الجماعات المتطرفة لأوضاع اللاجئين، بما ينعكس على الاستقرار الأوروبي.
الشراكات الثنائية: ألمانيا ترتبط بتعاون أمني واستخباراتي وثيق مع الإمارات وقطر والسعودية في مكافحة الإرهاب وتمويله، ومع الكويت والبحرين في ملفات أمن الخليج والنشاط الإيراني، بينما يمتد التعاون مع مصر والأردن إلى قضايا أوسع تشمل مكافحة التطرف وتأمين الحدود.
التعاون الاستخباراتي بين ألمانيا وإسرائيل
يمثل التعاون بين الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) وجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) أحد أركان الشراكة الأمنية الاستراتيجية بين برلين وتل أبيب، ويستند إلى تاريخ طويل من التنسيق وتبادل المعلومات، مع التركيز على القضايا التي تمس الأمن الأوروبي والإسرائيلي على حد سواء. ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز قدرة الطرفين على مواجهة التهديدات المعقدة، سواء كانت مرتبطة بالإرهاب الدولي أو الهجمات السيبرانية أو النفوذ الإيراني في المنطقة.
مكافحة الإرهاب : تركز طبيعة التعاون على عدة محاور رئيسية، أولها مكافحة الإرهاب، حيث يشترك الجانبان في تبادل المعلومات حول نشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط وأوروبا، بما يشمل متابعة خلايا داعش والقاعدة، ورصد المسارات التي يستخدمها المقاتلون الأجانب لدخول أوروبا أو العودة منها. ويتيح هذا التنسيق لصناع القرار في كلا البلدين اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة للحد من تهديدات الإرهاب العابر للحدود.
ـ الأمن السيبراني ومكافحة الهجمات التقنية. يشارك الـBND خبراته في حماية البنى التحتية الحيوية الألمانية مع إسرائيل، بينما يقدّم الموساد تحليلاته حول الهجمات الإلكترونية التي تستهدف مصالح الطرفين، بما في ذلك المنشآت الحكومية والطاقة والاتصالات. هذا التعاون يعزز قدرة كلا الجهازين على التصدي للهجمات المتطورة التي قد تُنفذ من دول أو فاعلين غير حكوميين.
ـ التعاون لمراقبة النفوذ الإيراني والميليشيات التابعة له في الشرق الأوسط : إذ يجمع الجانبان المعلومات حول أنشطة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميليشيات الأخرى، سواء في سوريا ولبنان أو على امتداد الساحات الإقليمية المؤثرة على الأمن الأوروبي والإسرائيلي. هذا النوع من التنسيق يُسهم في تقديم صورة دقيقة عن التهديدات وتطوير استراتيجيات للحد منها.
التعاون التقني والتحليلي : حيث يشمل تبادل الأدوات التقنية والبرمجيات المتقدمة، بالإضافة إلى التدريب المشترك للخبراء في مجالات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والقدرات الاستخباراتية المتقدمة. هذا البعد يعكس رغبة الطرفين في مواجهة التحديات الحديثة بشكل أكثر كفاءة، بعيدًا عن الأساليب التقليدية فقط.
على المستوى المؤسسي، يتم التعاون من خلال اجتماعات دورية وفرق تنسيق مشتركة، بالإضافة إلى آليات سرية لتبادل المعلومات بشكل مشفر، يضمن سرعة الاستجابة وموثوقية البيانات. ويُعد هذا التعاون جزءًا من شبكة علاقات أوسع تربط ألمانيا بإسرائيل، بما يعزز المصداقية والقدرة العملياتية لكلا الطرفين في ملفات الأمن الدولي والإقليمي.
قراءة مستقبلية
يُظهر توجه الحكومة الألمانية بقيادة ميرتز نحو تعزيز الاستخبارات الخارجية إدراكًا واضحًا لأهمية مواجهة التهديدات الهجينة الحديثة، بما فيها: التجسس الإلكتروني، التضليل الإعلامي، والهجمات السيبرانية. كما يعكس هذا التوجه رغبة ألمانيا في الاستقلالية الأمنية وتعزيز مكانتها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. تسلم مارتن ياغر مؤخرًا منصبه رئيسًا لجهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND)، في خطوة تؤكد رغبة الحكومة الألمانية بقيادة المستشار فريدريش ميرتز في تعزيز قدرات أجهزة الاستخبارات لمواجهة التهديدات المعقدة والهجينة التي تواجه ألمانيا وأوروبا. وأكد ميرتز خلال مراسم التسليم على ضرورة رفع مستوى أجهزة الاستخبارات إلى “أعلى مستوى ممكن”، داعيًا إلى تغيير في النموذج على صعيد السياسة الخارجية والأمنية.
ـ يرتبط اهتمام الاستخبارات الألمانية بالمنطقة بملفات الإرهاب، النفوذ الإيراني، أمن الطاقة، الهجمات السيبرانية، وأمن الملاحة. هذه المجالات لا تعكس فقط مصلحة مباشرة لأمن الشرق الأوسط، بل تمثل عنصرًا حاسمًا في حماية الأمن القومي الألماني والأوروبي.
ـ يمكن القول إن تغيير رئيس الاستخبارات الألمانية لم يكن خطوة إدارية بحتة، بل رسالة سياسية وأمنية مزدوجة: داخليًا لتأكيد جدية الحكومة في تعزيز قدرات الدولة الدفاعية، وخارجيًا لإظهار استعداد برلين لتحمل مسؤوليات أكبر في بيئة دولية شديدة الاضطراب.
ـ يشكّل التعاون بين جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) ودول الخليج والشرق الأوسط ركيزة مهمة في السياسة الأمنية لبرلين، نظرًا لما تمثله المنطقة من بؤرة توترات وصراعات تنعكس مباشرة على أمن أوروبا. ويتركز هذا التعاون في عدة مجالات رئيسية: من المتوقع أن يشهد جهاز BND في السنوات المقبلة: توسعًا في القدرات التقنية والاستخباراتية، بما في ذلك الذكاء السيبراني. تعزيز التعاون مع الحلفاء الأوروبيين في مجال الأمن والاستخبارات. دورًا أكثر استباقية في مواجهة التهديدات، بعيدًا عن العمل التقليدي المقتصر على جمع المعلومات فقط. يمكن القول إن هذا التوجه يمهد لعصر جديد من الاستخبارات الألمانية، يوازن بين السياسة الدفاعية، الاستباقية، والردع الدولي.
ـ إن القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها الاستخبارات الألمانية لدول الخليج والشرق الأوسط تكمن في الجمع بين التقنيات الحديثة والتحليل الاستراتيجي العميق، بما يعزز قدرة هذه الدول على مواجهة التهديدات السيبرانية والإرهابية والإقليمية في بيئة شديدة الاضطراب والتغير.
ـ إن استعراض القدرات البشرية والمالية للـBND يوضح أن الجهاز يمتلك قاعدة صلبة تؤهله لمواكبة التحديات الأمنية الراهنة، لكنه في الوقت ذاته يواجه ضغوطًا متزايدة تفرضها طبيعة التهديدات الهجينة وسرعة تطور التكنولوجيا. ومن هنا فإن التوجه الألماني نحو تعزيز موازنته وتوسيع قاعدة خبراته التقنية والبشرية يُعد خطوة استراتيجية تهدف إلى ضمان بقاء الجهاز في موقع متقدم داخل منظومة الأمن والاستخبارات الأوروبية والدولية.
ـ يُظهر هيكل الـ BND بانه يجمع بين القدرات التقليدية في تشغيل المصادر البشرية والتحليل الميداني، وبين القدرات الحديثة في مجالات الأمن السيبراني واعتراض الاتصالات. هذا المزج بين الأقسام والشعب المختلفة يجعل الجهاز قادرًا على الاستجابة للتهديدات الهجينة والمعقدة التي تواجه ألمانيا وأوروبا، ويعزز موقعه كأحد الأعمدة الاستراتيجية للأمن القومي الألماني.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109070
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
