خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
الاتحاد الأوروبي ـ هل يتجه إلى الاعتراف الجماعي بدولة فلسطين؟
وافق البرلمان الأوروبي في 11 سبتمبر 2025، على قرار يدعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى “النظر في الاعتراف بدولة فلسطين، بهدف تحقيق حل الدولتين”. وفي حين دعم البرلمان “الاعتراف المبدئي بالدولة الفلسطينية” سابقًا، يبدو أن هذا القرار الجديد يشكل دعوة أكثر مباشرة للحكومات الوطنية للتحرك.
أُقرّ القرار بأغلبية 305 أصوات، مقابل 151 صوتًا معارضًا، وامتناع 122 عن التصويت. وصرّح النائب الاشتراكي الإيطالي في البرلمان الأوروبي نيكولا زينغاريتي: “إن هذه النتيجة جاءت ثمرة مفاوضات مستفيضة بين الكتل السياسية حول تعديلات مختلفة”. وكان التصويت طويلًا ومتوتّرًا، حتى إن أعضاء البرلمان طلبوا التوقف مؤقتًا للاطلاع على التصويت على التعديلات بشأن غزة، قبل الانتقال إلى التصويت النهائي على القرار ككل.
من النقاط الخلافية الأخرى في القرار استخدام مصطلح “إبادة جماعية” لوصف هجمات إسرائيل على غزة. وفي النهاية، رُفضت عبارة “أعمال إبادة جماعية” واستُبعدت من النص.
السياسة الخارجية الأوروبية تجاه إسرائيل بين الهدوء والتصعيد
هاجمت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، سلفها جوزيب بوريل، مدعيةً أنها بذلت جهودًا أكبر لتهدئة سلوك إسرائيل بشأن الصراع في غزة مقارنةً به على الإطلاق. ونقلت تقارير عن كالاس قولها: “لقد حققتُ مع إسرائيل أكثر مما حققه سلفي. مع بوريل، لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق”. كان بوريل، السياسي الإسباني الذي شغل منصب أكبر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي من عام 2019 إلى عام 2024، من بين الشخصيات الأكثر صراحة بشأن التكلفة الإنسانية للحرب بين إسرائيل وحماس خلال ولاية المفوضية السابقة.
بعد تركه منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في نوفمبر من العام 2024، ازدادت انتقادات بوريل حدة. ففي خطاب ألقاه في مايو 2025، قال: “نادرًا ما سمعتُ زعيم دولة يُحدد بوضوحٍ خطةً تُناسب التعريف القانوني للإبادة الجماعية”.
بوريل ينتقد رد فعل الاتحاد الأوروبي
انتقد بوريل رد فعل الاتحاد الأوروبي في مايو 2025، قائلًا: “إذا أرادت أوروبا ذلك، فيمكنها التأثير بشكل كبير على إسرائيل”. وفي سبتمبر 2025، وصفت المفوضة الإسبانية الحالية، تيريزا ريبيرا، الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها إبادة جماعية. لكن كالاس زعمت أن الخطاب الأكثر صرامة لم يساعد، لأنه عندها “ستتوقف إسرائيل عن الحديث مع الاتحاد الأوروبي”.
تقول كالاس: “إنها كانت تودّ الذهاب إلى أبعد من ذلك، واصفةً الوضع في غزة بأنه كارثي”. كما أشارت إلى اتفاق يوليو 2025 مع إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة. في أغسطس 2025، وجدت وثيقة أعدتها المفوضية وخدمة العمل الخارجي الأوروبي أن عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة من إسرائيل أقل بأربع مرات مما طلبه الاتحاد الأوروبي.
أوضحت إيراتشي غارسيا بيريز، زعيمة الاشتراكيين في البرلمان الأوروبي، أن “بوريل كان الصوت الوحيد الذي أنقذ كرامة الاتحاد الأوروبي في غزة”، متهمةً كالاس باختيار الصمت. كما وصفت غارسيا الاتفاق الإنساني للاتحاد الأوروبي بأنه “وهم”.
الاتحاد الأوروبي يبحث عن أدوات ضغط جديدة ضد إسرائيل
اقترحت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، اتخاذ أشدّ الخطوات لإظهار استنكار الاتحاد الأوروبي لسلوك إسرائيل في غزة. وشملت هذه الخطوات اقتراحًا بتعليق البنود التجارية من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي خطوة لا تتطلب إجماعًا من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي، بل أغلبية مؤهلة (15 دولة عضوًا على الأقل تُمثّل 65% من سكان الاتحاد الأوروبي). أكدت كالاس: “إن إسرائيل يجب أن تخضع للضغوط، ولكن دائمًا بالاتفاقات والإجماع”. وتابعت كالاس: “أنا أمثّل الدول التي تتعامل بصرامة مع نتنياهو، ولكن تلك التي تتبنى نهجًا آخر”.
النتائج
تعكس التطورات تصاعد التوتر داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بشأن الموقف من حرب غزة، ويكشف عن تصدعات داخلية بين المسؤولين الأوروبيين حول كيفية التعامل مع إسرائيل. من جهة، تدفع أورسولا فون دير لاين باتجاه خطوات تصعيدية، كتعليق بعض بنود الشراكة التجارية مع إسرائيل، وهو اقتراح غير مسبوق يحمل دلالات سياسية واقتصادية قوية. ومن جهة أخرى، تسعى كايا كالاس إلى الحفاظ على “الإجماع الأوروبي” وعدم القطيعة مع إسرائيل، رغم وصفها للوضع في غزة بأنه “كارثي”.
ما يلفت الانتباه في السياق السياسي هو تغيّر نبرة البرلمان الأوروبي، الذي بات أكثر انخراطًا في الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين، مع تصويت الأغلبية لصالح قرار بهذا المعنى. وعلى الرغم من تجنّب مصطلح “الإبادة الجماعية” رسميًا، فإن مجرد طرحه للنقاش يشير إلى تحوّل تدريجي في الخطاب الأوروبي، وجرأة أكبر لدى بعض المفوضين في توصيف الأوضاع في غزة.
أما على مستوى الأداء الفردي، فإن الجدل بين كالاس وبوريل يعكس صراعًا بين أسلوبين دبلوماسيين: الأول يميل إلى الضغط الصامت عبر قنوات سياسية وإنسانية، والثاني يعتمد المواجهة الخطابية والإدانة العلنية. وبينما تدافع كالاس عن أسلوبها بكونه أكثر فاعلية، يتهمها معارضوها بالصمت، كما عبّرت زعيمة الاشتراكيين في البرلمان الأوروبي.
من المرجح أن يشهد الاتحاد الأوروبي انقسامًا متزايدًا في مواقفه تجاه إسرائيل إذا استمر التصعيد العسكري في غزة. فالدول الأعضاء لا تزال متباينة في رؤيتها؛ بعضها يرى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا، بينما يتبنى البعض الآخر خطابًا أكثر انتقادًا، يعكس ضغوطًا داخلية وشعبية متزايدة.
إذا تزايدت الضغوط الشعبية داخل أوروبا أو ارتفعت وتيرة التصعيد في غزة، قد تضطر بروكسل إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة، بما في ذلك تعليق كامل للتعاون الاقتصادي مع إسرائيل، أو حتى التقدم الفعلي نحو اعتراف جماعي بدولة فلسطين.
في المقابل، استمرار المواقف الحذرة قد يؤدي إلى تآكل مصداقية الاتحاد الأوروبي، ويجعل منه لاعبًا ثانويًا في تسوية الصراع، في ظل تصاعد أدوار قوى إقليمية ودولية أخرى كتركيا والصين والولايات المتحدة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109032
