خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الاتحاد الأوروبي ـ حزمة العقوبات “التاسعة عشرة” على روسيا، بين وحدة الموقف وتحديات الانقسام الداخلي
اقترحت المفوضية الأوروبية 19 سبتمبر 2025 مجموعة جديدة من العقوبات على روسيا، في أحدث جهود بروكسل لحرمان الكرملين من الإيرادات لتمويل حربه في أوكرانيا. صرحت المتحدثة الرئيسية باسم المفوضية، باولا بينهو: “يمكننا أن نؤكد أن المفوضية اعتمدت حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا”. ستقدم رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، وكايا كالاس، كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، تفاصيل حول الاقتراح الذي سيتطلب موافقة بالإجماع من جميع دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين خلال يوم 19 سبتمبر 2025.
تسريع التخلص التدريجي من واردات الوقود الأحفوري الروسية
صرّحت فون دير لاين خلال سبتمبر 2025 “أن الإجراءات ستستهدف البنوك، وشركات الطاقة، وشبكات العملات المشفّرة الروسية. ومن المتوقع أن تقترح بروكسل قيودًا على الشركات الأجنبية المشتبه في تورطها في التحايل على العقوبات، وإدراج المزيد من قوائم أسطول الظل الروسي من ناقلات النفط المستخدمة للتهرب من سقف سعر النفط الغربي”. في أعقاب مكالمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال سبتمبر 2025، أكدت فون دير لاين: “إن المفوضية الأوروبية ستقترح تسريع التخلص التدريجي من واردات الوقود الأحفوري الروسية”.
كان من المقرر في الأصل تقديم الإجراءات الأخيرة 17 سبتمبر 2025، ولكن تم تأجيلها بعد أن أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “إنه سيفرض عقوبات كبرى على روسيا إذا توقف الاتحاد الأوروبي على الفور عن شراء النفط الروسي”. يتطلع زعماء الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على موسكو بالاشتراك مع واشنطن، وسط تراجع الدعم الأمريكي لكييف منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025.
عقبات أمام فرض العقوبات على روسيا
تظل المجر وسلوفاكيا، الدولتان الأكثر تأييدًا لروسيا في الاتحاد الأوروبي، معتمدتين بشكل كبير على الوقود الأحفوري الروسي، على الرغم من انخفاض صافي مشتريات الاتحاد الأوروبي من الطاقة الروسية بشكل كبير منذ بداية حرب أوكرانيا في فبراير عام 2022. وقد تعهّد الاتحاد الأوروبي بالتخلص التدريجي تمامًا من الطاقة الروسية بحلول عام 2028.
يقول مسؤول في دولة عضو بالاتحاد الأوروبي، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته: “إن الحزمة لم يتم مشاركتها بعد مع دول الاتحاد الأوروبي، ولكن من المتوقع أن تتضمن اقتراحًا للدول الأعضاء بالتخلص التدريجي من واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي بحلول عام 2027 بدلًا من 2028”. كما ضغط ترامب على قادة الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم جمركية شاملة تصل إلى 100% على البضائع الواردة من الهند والصين، اللتين زادتا مشترياتهما من الطاقة الروسية بشكل حاد منذ حرب أوكرانيا عام 2022. ويُعتبر هذا الإجراء غير قابل للتطبيق على نطاق واسع من قِبل الدول الأعضاء في الاتحاد والمفوضية، التي تسعى إلى إبرام اتفاقية تجارة حرّة مع نيودلهي بحلول نهاية العام 2025.
يرى ألكسندر كولياندر، المحلل المالي، لمركز تحليل السياسات الأوروبية ومقره واشنطن العاصمة : “إن المرونة الاقتصادية في روسيا للتعامل مع العقوبات الأوروبية كانت نتيجة لمجموعة من العوامل، مثل زيادة الإنفاق الحكومي، ودعم الحلفاء للتجارة، واستبدال الواردات، والتي أدت مجتمعة إلى تعزيز الاستهلاك والاستثمار، والحفاظ على رأس المال في البلاد”. كما أصبحت العقوبات الأميركية على روسيا موضع تساؤل، مما يهدد بتقويض الجهود الأوسع التي يبذلها حلفاء أوكرانيا لعرقلة قدرات روسيا في مجال التمويل العسكري. ورغم أن العقوبات لم تردع فلاديمير بوتن، ورغم التشكيك في فعاليتها في عرقلة قدرات روسيا على التمويل العسكري ، فقد نجحت التدابير في فرض ضغوط على الاقتصاد الروسي.
النتائج
تمثل الحزمة الجديدة من العقوبات الأوروبية المقترحة ضد روسيا في سبتمبر 2025 حلقة إضافية في سياسة الضغط المتواصل التي تنتهجها بروكسل منذ اندلاع حرب أوكرانيا عام 2022. ومع تصاعد الحديث عن “أسطول الظل” وتورط شركات أجنبية في الالتفاف على العقوبات، تؤكد المفوضية الأوروبية تصميمها على سد الثغرات القانونية والمالية التي تتيح لموسكو مواصلة تمويل عملياتها العسكرية. غير أن فعالية هذه العقوبات ستظل مرتبطة بقدرة الاتحاد الأوروبي على تجاوز الانقسامات الداخلية والضغوط الجيوسياسية المستجدة.
في هذا السياق، يشكل موقف دول مثل المجر وسلوفاكيا، التي تعتمد بشدة على الطاقة الروسية، تحديًا كبيرًا أمام تحقيق الإجماع المطلوب لتمرير الحزمة. كما أن اقتراح تسريع التخلص من الغاز الروسي المسال إلى عام 2027 بدلًا من 2028 يكشف عن رغبة بروكسل في تقليص الهوامش الزمنية التي كانت متاحة سابقًا، في ضوء تسارع التطورات الدولية، ومنها تغيّر القيادة في واشنطن.
عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 أضافت عاملًا جديدًا معقدًا على المشهد الأوروبي. فبينما تطالب الإدارة الأمريكية الجديدة بتشديد العقوبات وفرض رسوم جمركية قاسية على الصين والهند بسبب علاقاتهما المتنامية مع روسيا في قطاع الطاقة تواجه بروكسل معضلة مزدوجة: من جهة، لا ترغب في تقويض العلاقات الاقتصادية مع آسيا، لا سيما في ظل سعيها لإبرام اتفاقية تجارة حرّة مع الهند قبل نهاية العام 2025، ومن جهة أخرى، تجد نفسها مضطرة للحفاظ على نوع من التناسق الاستراتيجي مع واشنطن، خاصة في ما يتعلق بإدارة ملف أوكرانيا.
من المرجح أن تُمرر الحزمة الجديدة بعد تعديلات تفاوضية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الخاصة لبعض الدول الأعضاء. سيظل التركيز الأوروبي على استهداف أدوات التمويل الروسية غير التقليدية كشبكات التشفير وناقلات النفط غير المعلنة، ما قد يُعقّد عمليات التهريب لكنه لن يوقفها بالكامل. كذلك، من غير المستبعد أن تواجه بروكسل حملات مضادة من شركات دولية متضررة من القيود الثانوية المفروضة على “التحايل”، ما قد يؤدي إلى توترات تجارية جديدة.
على المدى المتوسط، ستتوقف فعالية العقوبات على مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على تنويع مصادر طاقته وتعزيز وحدته السياسية، أما على المدى الطويل، فإن تطور العقوبات سيتقاطع بالضرورة مع تطورات الصراع في أوكرانيا ومواقف كل من الصين والهند، التي باتت اليوم تلعب دور “الموازن” الاقتصادي والدبلوماسي الأهم في النزاع.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109526
