المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات – ألمانيا وهولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير “24”
الإسلام السياسي والأحزاب البريطانية، منظومة مصالح
لا تزال بريطانيا وعلى مر العقود، تُعتبر “ملاذاً” آمناً لجماعات الاسلام السياسي وخاصة جماعة “الإخوان المسلمين” . لقد نجحت جماعات الإسلام السياسي “الإخوان” من تأسيس شبكة من العلاقات مع المنظمات الاجتماعية والخيرية، مستفيدين من سياسة الدولة والكنيسة البريطانية بالسماح بتوفير الموارد للمدارس الدينية ووكالات الخدمة الاجتماعية للأقليات الدينية.
يقدر بوجود نحو (25000) ناشط إسلاموي مقيم في المملكة المتحدة، وفقاً لتصريحات منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كريترشوف، فإن وجود الإسلاميون في المملكة المتحدة أعلى من أي دولة أخرى في القارة الأوروبية لحد تسمية لندن من قبل خبراء المخابرات الفرنسية ومكافحة الإرهاب باسم “لندنستان”.
مصالح متبادلة
تواطأت الحكومات البريطانية عقوداً طويلة مع الأحزاب والجماعات الإسلاموية – بما فيها التنظيمات المتطرفة – بهدف تحقيق ما يسمى المصلحة الوطنية في الخارج، فقد تسترت عليها، وعملت إلى جانبها، وأحياناً دربتها ومولتها، بغية الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية. علاقة وصفت بـ “بالزواج المصلحة” بحسب مارك كورتيس في كتابه “شؤون سرية: تحالف بريطانيا مع الإسلام الراديكالي” موضحاً أن بريطانيا أقامت مع بعض قوى الإسلام السياسي تحالفاً استراتيجياً دائماُ لضمان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الأجل، ودخلت في اتحاد وثيق العرى بصورة مؤقتة مع قوى أخرى منها لتحقيق نتائج محددة قصيرة الأجل.
يرتبط الإخوان المسلمون في بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التي ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسي محكَم، حيث يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (60) منظمة داخل بريطانيا. فيما تنامت حجم الاستثمارات المباشرة والغير مباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 – 10) مليارات دولار. وقد حصلت شركات الإخوان ومؤسساتها على الوضع القانوني، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السري لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها. الإسلام السياسي في بريطانيا ـ الجمعيات الخيرية، واجهات عمل. بقلم إكرام زيادة
الوصول إلى المسؤولين والأحزاب
أدت حرية الحركة لجماعات الإسلام السياسي في بريطانيا لإيصال النفوذ للبرلمانيين، على رأسهم جيريمي كوربين زعيم حزب “العمال”، المتهم بالتقرب من الجماعة والظهور في مؤسساتها في أكثر من مشهد مختلف، أبرزها ظهوره في مسجد “فينسبري بارك” وهو يرفع علامة رابعة الشهيرة والمرتبطة بإخوان مصر.
وقبيل إجراء الانتخابات التشريعية البريطانية 2019، وُجهت عديد الاتهامات لزعيم حزب العمال جيريمي كوربين، بوجود علاقات قوية له مع جماعة الإخوان في البلاد التي تحتضن أكثر تواجد للجماعة في الدول الأوروبية؛ خاصة بعد تصريح له صُنّف بأنه معادِ للسامية. الإخوان المسلمون في بريطانيا ـ منصات إعلامية ومراكز لنشر التطرف
كان من المقرر أن يشارك جيريمي كوربين، في ندوة عبر الإنترنت في 12 فبراير 2022 تضم شخصيات متطرفة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، من تنظيم تنسيقية “مقاومة” أسرائيل والتطبيع (AZC)، والتي تتألف من منظمات تابعة للإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي، لكنه انسحب بعد الأنتقادات. ويقول بول ستوت، رئيس وحدة الأمن والتطرف في مركز أبحاثPolicy Exchange ، “لن يتعلم جيريمي كوربين، حتى بعد حظرت الحكومة كلاً من جناحي “حماس” – العسكري والسياسي، ما الذي يعتقد أنه يفعله بالتسكع مع هؤلاء الأشخاص”.
لم يقتصر الأمر على حزب العمال، ففي السابق عندما اكتسب “تحالف وقف الحرب” اليساري زخماً قبيل حرب العراق 2003، دخلت معه الرابطة الإسلامية في بريطانيا – وهي منظمة أسسها كمال الهلباوي عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين – في شراكة سياسية بارتياح.
العلاقة بين الإخوان وبين الأحزاب البريطانية ليست قاصرة على حزب العمال واليساريين فحسب، وإنما تشمل أيضاً حزب المحافظين، الذي يصنف على أنه يميني. تشير تقارير صحفية بريطانية، إلى أن حزب المحافظين لديه علاقات قوية مع جماعة الإخوان، التي ساعدت الحزب في العديد من الجولات الانتخابية من خلال حشد الناخبين المسلمين لانتخاب مرشحي الحزب.
مؤخراً، كشفت صحيفة “التايمز البريطانية” في 13 نوفمبر 2022، حصول نائبين؛ أحدهما من حزب المحافظين، والأخر من حزب الديموقراطيين الأحرار، على مقابل مالي من مكتب محاماة للعمل على تشويه سمعة احدى الدول الخليجية، فيما تبين أن شركة “بندمانز للمحاماة التي تعاملت معهما تتولى قضايا الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا وجهات خارجية، بحسب ما أشارت الصحيفة. وهو ما أقرته النائبة الليبرالية ليلى موران بأنها استخدمت مكتبها في البرلمان للمشاركة في اجتماع من خلال تطبيق “زوم” لانتقاد تلك الدولة، نظمه مكتب “بندمانز” للمحاماة مقابل مبلغ (3000) جنيه إسترليني. واضطر زميلها النائب محافظ كريسبن بلنت إلى الاعتراف بأنه تلقى (6000) جنيه إسترليني للمشاركة في الاجتماع نفسه.
التأثير من خلال التدخل بالانتخابات
التخوفات على مستقبل الجماعة، دفعها إلى تبنيها استراتيجية حشد مبنية على “استغلال الدين والعرق” من خلال تحفيز كافة المسلمين في بريطانيا – وليس الإخوان فقط – على المشاركة السياسية وتحقيق نسبة مشاركة كبيرة تعكس قوة الوجود الإسلامي في البلاد، وهذه الرؤية، تبناها المجلس الإسلامي في بريطانيا الذي له علاقات مع جماعة الإخوان – وهو يعد أكبر منظمة إسلامية في المملكة تتضمن أكثر من (500) منظمة إقليمية ومحلية تابعة، بما في ذلك المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس –
تُقدر أعداد الجاليات المسلمة في بريطانيا ما يقارب ثلاثة ملايين و (100) ألف مسلم في إنجلترا، يمثلون من مجمل السكان. وعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون (5.6%) فقط من السكان، فإنهم إذا صوتوا كمجموعة سيكون لديهم القدرة على تحديد من سيصبح نائباً محلياً في (31) دائرة انتخابية تتركز فيها قوى انتخابية مسلمة، ويمكن للمسلمين أن يكون لهم تأثير كبير على نتيجة الانتخابات. وهو ما يفسر سر العلاقة بين الجماعة وحزب العمال والمحافظين، وقدرتها بالتأثير عليهما.
إجراءات حكومية متساهلة
واجهت جماعة الإخوان المسلمين في الأعوام الأخيرة العديد من التحقيقات والتدقيق حول أنشطتها المتطرفة والإرهابية داخل أروقة البرلمان لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بحظر جماعات الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان والمنظمات الخيرية التابعة له في البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جراء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف. لكن كان مصير هذه التحقيقات دائماً أن تظل حبيسة الأدراج على الرغم من علم الحكومة البريطانية واستخباراتها بهذه النشاطات. بحكم علاقات الحكومة البريطانية الممتدة إلى الأيام الأولى لتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر. الإخوان المسلمون في بريطانيا ـ ازدواجية في التعامل وتراخي الحكومة.
اللورد مارلسفورد، النائب عن حزب المحافظين، سأل الحكومة في 26 أكتوبر 2021 عن تقييمها لتعيين إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، وما هو تقييمها لأي تهديد يمثله وجوده على الأمن القومي البريطاني والعلاقات الدولية؟ وجاء الرد في 5 نوفمبر 2021، حين قالت الحكومة البريطانية: بأنها ترفض التعليق.
في سياق آخر، ذكرت صحيفة ديلي تليجراف في 20 أكتوبر 2021، إن البرنامج الحكومي الرسمي “بريفينت”، لوقف التطرف في بريطانيا، الذي لجأت إليه حكومتها لمواجهة التطرف وتقليص التهديدات الإرهابية التي تواجه المملكة المتحدة، فشل في استهداف المتطرفين التابعين لجماعات الإسلام السياسي على الرغم من أنهم يمثلون الغالبية العظمى من الحوادث الإرهابية التي تشهدها البلاد. ما يشير لعدم توافق جوهري” بين حجم التهديد من تطرف الإسلام السياسي والنقص النسبي الواضح في الاهتمام الذي يوليه برنامج الحكومة الرسمي لمكافحة الإرهاب.
هذه العلاقة بين الإخوان المسلمين والأحزاب البريطانية، مع حزب العمال سابقاً، وحالياً مع حزب المحافظين الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون ربما تفسر رفض لندن مطالبات بحظر نشاط الجماعة وإن تحفظت الحكومة على بعض أنشطة الجماعة وتوجهها لدعم التطرف، والتي كان أخرها حظر حركة (حماس) في 26 نوفمبر 2021.
التقييم
تنطلق استراتيجية جماعات الإسلام السياسي وبالأخص التنظيم الدولي للإخوان المسلمين للتغلغل في المجتمعات الغربية من خلال نسج شبكة هائلة من العلاقات داخل العديد من الدول الأوروبية، أبرزها المملكة المتحدة، وذلك إما عن شبكة من المنظمات الاهلية والخيرية ، أو عن طريق اختراق الأحزاب البريطانية خاصة أحزاب اليسار (حزب العمال).
تؤمن بريطانيا بأهمية الحفاظ على العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين كورقة مساومة سياسية لاستخدامها عند الحاجة. هذه المتانة من العلاقات، استمرت منذ عقود طويلة، ولم تتبدل بتبدل الحكومات البريطانية، بين عمالية ومحافظة، يسارية ويمينية.
تتسم معالجة بريطانيا، لملف تنظيم الإخوان المسلمين بالازدواجية ففي الوقت الذي تشهد فيه بريطانيا مطالبات نيابية بحظر جماعة الإخوان وتشديد الرقابة على عناصرها، إلا أن النواب يتساهلون مع منظمات وجماعات أخرى موالية لها.
في الوقت الحالي، تظل بريطانيا هي المعقل الأكثر استقراراً لجماعة الإخوان المسلمين العالمية. قد يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والقوانين البريطانية حافزاً للمجموعة للتوسع أكثر في البلاد، خاصة أن البلاد خالية من الإرشادات الأمنية للاتحاد الأوروبي التي اتاحت لدول مثل فرنسا والنمسا وهولندا وبلجيكا تضييق الخناق على الجماعات الإخوانية والإسلامية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=80420
جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات
الهوامش
1- UK home to up to 25,000 Islamist extremists who could pose threat, EU official warns
https://bit.ly/3priY58
2- “لندنستان”.. خفايا علاقة بريطانيا بالتطرف الإسلامي
https://bit.ly/3sv5wit
3- Exclusive: Ex-Labour leader Jeremy Corbyn pulls out of speech at Hamas-linked relationships with Israel
https://bit.ly/3K6smmJ
4- بريطانيا.. علامات استفهام حول علاقة زعيم العمال بمتطرفين
https://bit.ly/3C3zVrn
5- Anti Zionism Coordination (AZC) Annual Conference and Jeremy Corbyn MP
https://bit.ly/3sGa5qF
6- Lib Dem did paid work from office
https://bit.ly/35GJX5B
7- Muslim population of England passes the three million mark for the first time figures reveal
https://bit.ly/3hvOkmK
8- ?Is Prevent a waste of time
https://bit.ly/3svHPqk