الإسلام السياسي في فرنسا ـ التأثيرات وسبل المواجهة
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير “2”
ظهر القلق من قيام تيار الإسلام السياسي في فرنسا بتكوين مجتمعات وغرس أفكار متطرفة تفصلهم عن قيم الجمهورية الفرنسية. فمنذ الهجمات الإرهابية عام 2015 واجهت فرنسا سلسلة من هذه الهجمات من قبل متطرفين إسلاميين، كان آخرها حادثة المعلم “صموئيل باتي” في أكتوبر 2020. وتستحدث الحكومة الفرنسية مجموعة من القوانين والإجراءات على المدى القصير والمتوسط للتصدي لأجندات تيارات الإسلام السياسي.
أعمال عنف تشويه صورة الإسلام
استهدف تنظيم “الذئاب الرمادية” بالسلاح الأبيض مقر جمعية في ليون في 4 أبريل 2021. وقام التنظيم بكتابة تهديدات على بوابة الجمعية. كما كُتبت الأحرف الأولى لاسمي “حزب الحركة القومية” والرئيس التركي “رجب طيب أردوجان”. ورفضت في 2 أبريل 2021 التوقيع على ميثاق ضد التطرّف الإسلاموي تم التوصل إليه بتنسيق من السلطات الفرنسية. يقول الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي “ديفيد فيلهابر” في 2 أبريل 2021 أن المنظمة “هي أكثر التنظيمات الإسلامية المتطرفة تأثيرا وأحد أهم التنظيمات التي تنشط في الشتات التركي في أوروبا”. الإسلام السياسي في ألمانيا ـ المخاطر والتهديدات، بقلم بسمة فايد
حذر ” جون برنار بيناتل” المسؤول السابق في مكتب الاستخبارات والعمليات لفرقة المظلات الحادية عشرةفي 10 ديسمبر 2020، من مخاطر وتهيدات تنظيم الإخوان المسلمين على الأمن الفرنسي. وأكد “برنار” أن تنظيم ال‘خون استطاع ترسيخ صورة ذهنية سلبية في أوروبا عن المجتمع الإسلامي دون التفريق بين المسلمين السلميين والإخوان الذين لديهم أجندة سياسية.
إعاقة التوافقات حول محاربة التطرف و توسيع النفوذ السياسي
أصدرت الهيئات الثلاث المقربة من الإخوان المسلمين وهي “اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا”، و”الاتحاد الإسلامي مللي غوروش في فرنسا”، وحركة “إيمان وممارسة” المتشدّدة، بيانا مشتركا ندّدت فيه بما اعتبرته “فقرات وصياغات في النصّ من شأنها أن تضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة”. ويعمل ممثلو تيارات الإسلام السياسي المتنفذين داخل الهيئات الممثلة للمسلمين في فرنسا على إعاقة التوافقات، ومن ورائها الخطة الفرنسية لمكافحة الانفصالية.
كشف تحقيق استقصائي في 13 ديسمبر 2020 اختراق البلاد عبر شبكات وشخصيات للتأثير على المجتمع الفرنسي، ونشر التطرف والفوضى وزرع النزعات الانفصالية. وذلك عبر أذرع تركيا في فرنسا. يقول “جوليان مارتيناز” المستشار البلدي في مدينة “أويونا” أن “أحمد جيتين”فرنسي من أصل تركي معروف في الأوساط السياسية المحلية، فقد سبق له أن ترشح للانتخابات التشريعية عام 2017 والانتخابات البلدية في 2020 في المدينة، ودعا بوضوح إلى التصويت على أساس العرق والدين، مطالبا الأتراك والمسلمين بالتصويت له.
التأثير على المساجد والجمعيات والمدارس الفرنسية
تسيطر تركيا على االمئات المساجد في فرنسا، ووفقا للإحصائيات تدفع الحكومة التركية رواتب أئمة (150) مسجدا، وتدرب أنقرة الأئمة على أراضيها بهدف السيطرة على معارضي الحكومة التركية” فضلا عن التأثير على الداخل الفرنسي. كما كثفت تركيا من دورات اللغة التركية في فرنسا واستغلتها لتحويلها إلى دروس دينية يخدم مصالحها وأجندتها السياسية. وترسل تركيا مدرسين أتراك إلى المدارس العامة الفرنسية، كجزء من نظام يسمى “اليكو” ، مما يخول لها تعليم اللغة التركية في المدارس الرسمية، ويستهدف حوالى (14) ألف تلميذ في المرحلة الابتدائية.
توسعت أنشطة حزب الله في فرنسا ولم تعد تقتصر على الأفكار التي يصدرها إلى هناك فقط، بل امتدت إلى مجالات أخرى أيضا، أكثر خطورة. حيث إنما يقوم تمويل نفسه وتخزين متفجرات، وتبييض أموال. و هناك شبكة لبنانية فرنسية متهمة بغسل أموال لعصابات مخدرات في كولومبية. وهناك حضور ديني قوي لحزب الله في فرنسا عبر جوامع ومراكز ثقافية مرتبطة بحزب الله. ففي “غراند سينت”، شمالي البلاد، لطالما كان مركز الزهراء مكشوفاً في نشاطاته. كما أن مدير المركز”يحيى قواسمي” لم يخف يوماً دعمه للحزب.
يقول خبراء فرنسيون إن فرض قيود على إيفاد أئمة من دول أجنبية بهدف القضاء على خطر الانعزالية هو خطوة ضمن خطة تم إعدادها وتنفيذها منذ أكثر من عام لمحاصرة نشاط التنظيمات الدينية السياسية، وخاصة تنظيم الإخوان المسلمين الذي يعمل على التأثير في الحياة السياسية في فرنسا وأوروبا.
تفريخ الجهاديين و تشكيل دولة الخلافة
وجد أن بعض الطلاب الذين درسوا في “مدرسة الأئمة” المقربة من تنظيم الإخوان المسلمين أصبحوا جهاديين ومن بينهم “رضا حامي” الذي تم تجنيده في سوريا لاستهداف قاعة حفلات وتم القبض عليه قبل أشهر من الهجوم على مسرح “باتاكلان” في باريس في العام 2015. كما تخرجت من المعهد “إيناس مدني” التي حكم عليها بالسجن 30 سنة لمحاولتها تفجير سيارة أمام كاتدرائية نوتردام في باريس في سبتمبر 2016. فيما غادر البعض من الطلاب الآخرين فرنسا لينضموا إلى جبهات القتال في سوريا.
حذّر تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي في 12 يوليو 2020 من مؤيدي تيار الإسلام السياسي. وأكد التقرير أن هذا التيار يسعون حاليا إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل “إنشاء الخلافة”، ويُغذّون في بعض المدن “نزعة انفصالية” خطيرة. وتقول السيناتورة جاكلين أوستاش برينيو “يجب التحرك سريعا” لأن “كل مناطق فرنسا صارت متأثرة اليوم، باستثناء غرب البلاد وإلا ففي غضون سنوات قليلة، قد تخرج بعض من هذه المناطق والأحياء من الجمهورية عن السيطرة”. واقع الإسلام السياسي في أوروبا 2020
انتقادات لإجراءات الحكومة الفرنسية ضد تيار الإسلام السياسي
ما زالت شريحة كبيرة من السياسيين وقادة الرأي في فرنسا تنظر إلى هذه الإجراءات على أنها ليست كافية وأن غاياتها الأساسية انتخابية بحتة بالنسبة إلى الرئيس ماكرون رغم المجهودات الحكومية في محاربة التطرف الإسلامي وحواضنه الأيدولوجية والتي باتت أكثر صرامة على إثر ذبح المدرس “صامويل باتي” على يد متطرف من أصول شيشانية ، فيما تتبنى زعيمة اليمين المتطرف “مارين لوبان” هذه الفرضية بقوة. وانتقد وزير الخارجية الأمريكي السابق ” مايك بومبيو” في 16 سبتمبر موقف فرنسا من الفصل بين جناح سياسي وآخر عسكري لـ”حزب الله”. وتابع “للأسف؛ فرنسا ترفض أن تسمي (حزب الله) منظمة إرهابية كما فعلت سائر الدول الأوروبية”
أوصى مجلس الشيوخ الفرنسي في 17 يوليو 2020 بتعزيز شبكة الدولة للكشف عن السلوك أو الكلام “المنحرف” وتسهيل عملية إغلاق الأماكن أو الجمعيات التي على تبث الكراهية والعنف. لاسيما بعد تصاعد القلق إزاء الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة ولاسيما السلفية منها حوالي (40) ألفا في فرنسا أو الإخوان المسلمون (50). ‘إضافة إلى عدم تجديد الاتفاقات الموقعة مع دول أجنبية لتدريب الأئمة الذين يعتزمون الوعظ في فرنسا وتشديد الرقابة على المدارس غير المرتبطة باتفاقات مع الدولة وعلى ارتفاع عدد التلاميذ الذين يتلقون تعليمهم في المنزل.
التقييم
ترفض السلطات الفرنسية “استغلال” الإسلام لأغراض سياسية في حملة ضد المساجد والجمعيات المتطرفة التي تدعمها تيارات الإسلام السياسي. لم تتوقف حملة السلطات الفرنسية ضد الجماعات المتطرفة وتيار الإسلام السياسي عند بعض الإجراءات الإدارية، حيث تضمنت على عمليات ترحيل موسعة للمتطرفين وإغلاق عدد من المساجد والجمعيات التي لها صلة مباشرة بيتار الإسلام السياسي
تحاول تيارات الإسلام السياسي في فرنسا التغلغل داخل المؤسسات والتمدد داخل المجتمع عبر استغلال التعليم عبر شبكة من شبكة من المدارس تساهم في تصدير الإيديولوجية المتطرفة. يرجع تصاعد تيار الإسلامي في فرنسا إلى وأشار إلى إهمال المسئوليين الفرنسيين لهذا الملف لأكثر من عقدين، ما أدى تدهور الأوضاع إلى ما آلت عليه الآن. وتريد الجماعات المتطرفة العيش في مجتمعات منفصلة وخلق مجتم موزا في فرنسا. يستغل الإسلاميون الإسلاموفوبيا بشكل روتيني لدعم مزاعمهم بأن المسلمين يعانون في فرنسا ما يساهم تعزيز مشاعر الكراهية لدي الجماعات المتطرفة.
نجد أن هناك تسييس مفرط من تيارات الإسلام السياسي للدين في فرنسا، وأن سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة،غالبًا ما ارتكبها شبان غيرمعروفين لأجهزة الأمن ليس لديهم أي صلات بجماعات إسلاموية بشكل مباشر. هذه مشكلة متزايدة بالنسبة لفرنسا لأنها تحولت إلى التطرف الذاتي بسرعة كبيرة من خلال تأثيرات خطابات ودعاية تيار الإسلام السياسي بشكل غير مباشر. تشكل البطالة والاضطرابات النفسية والجهل أرض خصبة لتيارات الإسلام السياسي لاستفطابهم وتجنيدهم. لذلك ينبغي فرض ضوابط مالية أكثر صرامة على الأموال الأجنبية المرسلة إلى المنظمات الدينية، وضوابط أكثر صرامة على الجمعيات الدينية لمنع استيلاء المتطرفين عليها.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=77269
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
الهوامش
4 جرحى في اعتداء استهدف مقرا لجمعية كردية في فرنسا نُسب إلى تنظيم “الذئاب الرمادية”
جيل النار: كيف نحارب الإسلاميين في مالي ونسايرهم في باريس؟
“الأخطبوط التركي”.. كيف تنشر أذرع أردوغان التطرف في فرنسا؟
حزب الله ينسج شبكته في فرنسا.. تبييض أموال ومخدرات
“لوبوان”: تبييض أموال، مخدرات ونيترات الامونيوم.. حزب الله ينسج شبكته في فرنسا