المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
الإرهاب السياسي ـ انتهاكات إسرائيل في غزة ـ الأبعاد القانونية والأمنية .ملف
نسخة الملف PDF الإرهاب السياسي ـ انتهاكات إسرائيل في غزة، الأبعاد القانونية والأمنية.
المقدمة
تتصدر الحرب الإسرائيلية على غزة وما يرافقها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان واجهة الاهتمام الدولي، إذ لم يعد النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي قضية إقليمية فحسب، بل تحول إلى اختبار حقيقي للنظام الدولي وللمعايير القانونية والإنسانية التي صاغها المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية.فالأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين، والدمار الشامل للبنية التحتية، والحصار المفروض على سكان القطاع، كلها وقائع تثير تساؤلات جوهرية حول مدى احترام إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، وإمكانية توصيف ما يجري كجرائم حرب أو حتى كإبادة جماعية وتطهير عرقي.
لقد شكلت المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، ساحات رئيسية للتعاطي مع هذا النزاع. ورغم صدور قرارات تدعو لوقف إطلاق النار وتوفير الحماية للمدنيين، إلا أن غياب آليات إنفاذ فعالة وتضارب المصالح الدولية حال دون تطبيقها على أرض الواقع. وفي هذا السياق، يبرز النقاش حول المسؤولية الجنائية الفردية، خصوصًا فيما يتعلق باتهامات موجهة إلى القيادة الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاص القضاء الدولي.
أما على الصعيد الأوروبي، فإن الحرب في غزة وضعت القارة العجوز أمام امتحان قاسٍ. فمن جهة، تتبنى أوروبا خطابًا يقوم على الدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطًا سياسية واستراتيجية مرتبطة بتحالفها مع الولايات المتحدة وعلاقاتها التاريخية مع إسرائيل. وقد انعكس هذا التباين في المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، حيث اتخذت بعض الدول نهجًا متشددًا في انتقاد إسرائيل، بينما فضلت دول أخرى الصمت أو الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية.
إلى جانب البعد السياسي، ترتبت على الحرب تداعيات مباشرة على الأمن الأوروبي، تمثلت في تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وزيادة الاستقطاب المجتمعي، وارتفاع احتمالات استغلال النزاع من قبل الجماعات المتطرفة لتبرير العنف. كما يثير استمرار المأساة في غزة مخاوف من موجات نزوح جديدة قد تصل إلى أوروبا، الأمر الذي يضع الحكومات الأوروبية أمام تحديات إضافية في إدارة الهجرة والأمن الداخلي.
1 ـ الإرهاب الدولي ـ إسرائيل وانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في غزة
هاجمت حماس إسرائيل في أكتوبر 2023، مما أسفر عن مقتل نحو (1200) شخص واحتجاز (251) رهينة. شنّت بعدها إسرائيل هجومًا واسع النطاق على غزة. تفيد الإحصائيات في 22 سبتمبر 2025 عن مقتل أكثر من (65) ألف شخص في غزة، معظمهم من المدنيين، ونحو (%50) تقريبًا من النساء والأطفال. أجبرت الهجمات مئات الآلاف من الفلسطينيين على الفرار، وأفادت الأمم المتحدة أن أغلب سكان غزة البالغ عددهم (2.3) مليون نسمة أجبروا على ترك منازلهم، وأن المباني والبنية الأساسية في غزة تعرّضت لأضرار كارثية.
العنف باسم السياسة: من الإبادة الجماعية إلى الإرهاب الدولي
الإبادة الجماعية: تعني أيًّا من الأفعال المرتكبة، بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية كليًا أو جزئيًا، كقتل أعضاء المجموعة، والتسبّب في أذى جسدي أو نفسي خطير لأعضاء المجموعة، وفرض ظروف معيشية متعمّدة على الجماعة من شأنها أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، وفرض التدابير الرامية إلى منع الولادات داخل الجماعة، ونقل أطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى بالقوة.
جرائم الحرب: انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، يتحمّل مرتكبوها المسؤولية الجنائية الفردية بموجب القانون الدولي. على النقيض من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، فإن جرائم الحرب تقع دائمًا في سياق نزاع مسلح، سواء كان دوليًّا أم لا. تشمل جرائم الحرب عدة جرائم كالقتل، والتعذيب، والنهب، وتدمير البنية التحتية، كما يُعد استخدام أسلحة غير مصرّح بها بموجب الاتفاقيات الدولية، مثل الأسلحة الكيميائية، من ضمنها. وعلى النقيض من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، يمكن ارتكاب جرائم الحرب ضد مجموعة متنوعة من الضحايا، سواء كانوا مقاتلين أو غير مقاتلين، وذلك حسب نوع الجريمة.
الجرائم ضد الإنسانية: الجرائم المرتكبة كجزء من هجوم واسع النطاق موجّه ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل، والإبادة، والاستعباد، والتعذيب، والاغتصاب، أو أيّ شكل من أشكال العنف الجنسي أو العبودية الجنسية. لا يُشترط ربط الجرائم ضد الإنسانية بالنزاع المسلح. يمكن أن تحدث في أوقات السلم، كما هو الحال مع جريمة الإبادة الجماعية. يجب أن تتضمن ثلاثة عناصر “جسدي، وسياقي، وعقلي”. بخلاف الإبادة الجماعية، لا تستهدف الجرائم ضد الإنسانية بالضرورة فئة سكانية محددة، لذا يمكن توجيهها ضد أي فئة من السكان المدنيين.
الإرهاب السياسي: يُستخدم للإشارة إلى إستراتيجية يستخدمها فاعلون، سواء “دولة أو غير دولة”، بشكل متعمد لارتكاب أفعال عنف تستهدف أشخاصًا مدنيين أو غير مقاتلين، بهدف خلق الخوف أو الترهيب، أو الضغط على حكومة أو سلطة سياسية لتحقيق غايات سياسية أو أيديولوجية. يرتكز على أركان أساسية “الغاية سياسية أو أيديولوجية، ليست اقتصادية أو انتقامية فقط؛ استهداف المدنيين أو الأشخاص غير المحاربين؛ استخدام العنف أو التهديد به كوسيلة للإكراه أو التأثير”.
الإرهاب الدولي: يُشير إلى الأعمال الإرهابية التي تنطوي على عنف مقصود ضد المدنيين أو التهديد به، يكون هدفها سياسيًّا، وتُرتكب بواسطة فاعلين من دولة أو غير دولة، ويشملها عنصر عابر للحدود، سواء من حيث الفاعل أو الضحية أو التأثير أو الوسائل. العناصر المميزة له هي ” وجود عنصر دولي، يكون الهدف سياسيًّا أو أيديولوجيًّا كما في الإرهاب السياسي، لكن مع بُعد عابر للحدود، ويستهدف المدنيين أو يستخدم العنف لتحقيق تأثير يتجاوز المكان المحلي”. الاتحاد الأوروبي والعقوبات على إسرائيل، حرب غزة والاختبار الأوروبي
هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة؟
تنص اتفاقية الإبادة الجماعية في مادتها الأولى على أن جريمة الإبادة الجماعية قد تقع في سياق نزاع مسلح، دولي أو غير دولي، وكذلك في سياق حالة سلمية. ورغم أن الحالة الأخيرة أقل شيوعًا، إلا أنها لا تزال ممكنة. وتنص المادة نفسها على التزام الأطراف المتعاقدة بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. اتهمت لجنة الأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب أربعة أفعال تندرج تحت مسمى الإبادة الجماعية كما يلي:
الفئة الأولى: استشهدت اللجنة بتقارير الأمم المتحدة التي تفيد بأنه حتى 15 يوليو 2025، كان ما لا يقل عن (%46) من الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة من النساء والأطفال. كما استشهدت اللجنة، استنادًا إلى معلومات استخباراتية، بأن (%83) من القتلى في غزة كانوا مدنيين. لقد استخدمت إسرائيل ذخائر ثقيلة غير موجهة بهامش خطأ واسع في مناطق سكنية مكتظة بالسكان. إن عدد القنابل التي استخدمتها إسرائيل منذ أكتوبر 2023 غير عادي، حتى بالمقارنة بصراعات أخرى.
الفئة الثانية: سلطت لجنة الأمم المتحدة الضوء على سوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، والنزوح الجماعي لسكان غزة، الذي تسبب في أضرار جسدية وعقلية خطيرة لا يمكن إصلاحها للفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وأُجبروا على العيش في ظروف غير إنسانية صعبة.
الفئة الثالثة: أشار تقرير اللجنة إلى أن جزءًا كبيرًا من غزة أصبح شبه غير صالح للسكن، وأن أعدادًا هائلة من المخابز والمدارس والمواقع الثقافية والمعالم الدينية دُمِّرت بالكامل، وأن الهجمات على المستشفيات أدت إلى انهيار نظام الرعاية الصحية. كما سلط التقرير الضوء على إعلان مراقبين دوليين مدعومين من الأمم المتحدة عن المجاعة في أجزاء من غزة.
الفئة الرابعة: ركزت اللجنة إلى حد كبير على النسبة العالية من الضحايا الذين كانوا أطفالًا، والهجوم في ديسمبر 2023 على عيادة “البسمة” لأطفال الأنابيب، وهي أكبر عيادة للخصوبة في غزة، والتي ورد أنها دمرت نحو (4000) جنين. خلص التقرير إلى أنه “من المعقول أن نستنتج أن قوات الأمن الإسرائيلية كانت على علم بوظيفة العيادة، وكانت تنوي استهدافها وتدمير المواد الإنجابية الموجودة فيها”.
أشارت “ميلاني أوبراين”، الباحثة في القانون الدولي والإبادة الجماعية، إلى تصريحات قادة عسكريين أو مدنيين، بالإضافة إلى شخصيات بارزة من المجتمع المحلي وصحفيين وجنود، منذ أكتوبر 2023، تضمنت التصريحات نية حرمان الشعب الفلسطيني من ضروريات الحياة، وتهجيرهم قسرًا من غزة، وتدمير قطاع غزة ومحوه بالكامل”. أكد “سيرجي فاسيلييف” أستاذ القانون الدولي في الجامعة المفتوحة في هولندا: “أن قرار الامم المتحدة كشف عن أن التقييم القانوني أصبح سائدًا في الأوساط الأكاديمية، وخاصة في مجال دراسات الإبادة الجماعية”. الأمن القومي ـ الاعتراف بالدولة الفلسطينية هل يفرض الرأي العام الألماني رأيه؟
تصدّع في الموقف الأوروبي: الإبادة الجماعية بين التأييد والتحفظ
انتقدت “تيريزا ريبيرا”، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية، أوروبا لفشلها في التحرك لإقناع إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في غزة، والتي أدت إلى تدمير جزء كبير من القطاع. أضافت: “إن الإبادة الجماعية في غزة تكشف عن فشل أوروبا في التصرف والتحدث بصوت واحد، حتى في الوقت الذي تنتشر فيه الاحتجاجات في مختلف المدن الأوروبية ويدعو فيه (14) عضوًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار”. أكدت “باولا بينهو” المتحدثة الرئيسية باسم المفوضية: “ليس من اختصاص المفوضية الحكم في هذه المسألة والتعريف، بل من اختصاص المحاكم، ولم يصدر أي قرار من هيئة المفوضين بشأن هذا الموضوع على وجه الخصوص”.
أوضح “فريدريش ميرز ” المستشار الألماني: “أن أفعال إسرائيل في غزة لا تتناسب مع أهدافها المعلنة”. متابعًا: “أن ألمانيا لا تتفق مع الرأي القائل بأن هذه الأفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وأن ألمانيا لا ترى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمرٌ مطروح للنقاش”. أشار استطلاع للرأي في سبتمبر 2025 إلى أن (62%) من الناخبين الألمان يرون أن أفعال إسرائيل في غزة يمكن وصفها بالإبادة الجماعية. ويعارض (%17) هذا الرأي، رفض (21%) التعليق على هذا السؤال. يعتقد (71%) من ناخبي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، و(71%) من حزب الخضر، و (79%) من حزب اليسار على وجه الخصوص، أن الأحداث في قطاع غزة يمكن وصفها بالإبادة الجماعية. يشاركهم هذا الرأي غالبية ناخبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ولكن بنسبة أقل (60%).
أوضح “ديفيد لامي” وزير الخارجية البريطاني في سبتمبر 2025: “إن الخسائر في صفوف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، والدمار الشامل في غزة، أمرٌ مروّعٌ للغاية، ووفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية، لا تُرتكب جريمة الإبادة الجماعية إلا عند وجود نية محددة لتدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية كليًا أو جزئيًا، ولم تستنتج الحكومة البريطانية أن إسرائيل تتصرف بهذه النية”.
صرح “ديفيد فان ويل” وزير الخارجية الهولندي المؤقت في 18 سبتمبر 2025: “أن هولندا تمتنع عن وصف الحالات بالإبادة الجماعية، وأن تحديد الإبادة الجماعية هو في نهاية المطاف مسؤولية محكمة العدل الدولية، وهي عملية قد تستغرق سنوات”. أوضح “فان ويل”: “لا ينبغي اعتبار الحذر الهولندي في وصف الأوضاع بالإبادة الجماعية إنكارًا لخطورة الوضع في غزة، فالمعاناة الإنسانية غير مسبوقة، وخطورتها لا تغيب عن أذهان الحكومة”.
صرح “بيدرو سانشيز” رئيس الوزراء الإسباني في يونيو 2025: “أن غزة تعيش وضعًا كارثيًا يُشبه الإبادة الجماعية، وحثّ الاتحاد الأوروبي على تعليق اتفاقية التعاون مع إسرائيل فورًا”. تُمثل هذه التصريحات أقوى إدانة من رئيس الوزراء الإسباني، وهو منتقد صريح للهجوم الإسرائيلي، ومن أوائل القادة الأوروبيين، الذين استخدموا مصطلح “إبادة جماعية” لوصف الوضع في غزة. الاتحاد الأوروبي ـ هل يفقد تأثيره الدولي بسبب تباين مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
ارتدادات حرب غزة على الداخل الأوروبي
تزايدت المخاوف الأوروبية من النزوح من غزة والمناطق المحيطة بها، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط على الدول الأوروبية لاستقبال اللاجئين أو إدارة تدفقات الهجرة، الأمر الذي من شأنه أن يخلق توترات سياسية على المستوى المحلي. خلق الرأي العام القوي والنشاط المناهض للحرب إلى احتجاجات واسعة النطاق، وأحيانًا أخرى إلى مواجهات مع الشرطة. شكّل ذلك ضغطًا على الحكومات الوطنية في الدول الأوروبية بشأن السياسة الخارجية، وصادرات الأسلحة، والاعتراف الدبلوماسي. أدت التوترات بين المجموعات المؤيدة للفلسطينيين مقابل المؤيدة لإسرائيل إلى صراع بين تلك المجموعات في الداخل الأوروبي، ما زاد من جرائم الكراهية، و معاداة السامية أو الإسلاموفوبيا
**
2 ـ الإرهاب الدولي ـ القرارات الدولية والقضاء الدولي في مواجهة إسرائيل
تمثل الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان على مدار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اختبارًا صارمًا للأطر القانونية الدولية، ويكشف عن الفجوة بين القوة القانونية للقرارات الدولية وقدرتها على التنفيذ الفعلي. على الرغم من صدور العديد من القرارات الأممية والتحركات القضائية لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، فإن التدخلات الدولية غالبًا ما تواجه عراقيل سياسية، لا سيما في ظل الخلافات بين القوى الكبرى واستخدام حق النقض (الفيتو).
قرارات مجلس الأمن ـ العراقيل والفاعلية
يتولى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المسؤولية الرئيسية عن حفظ السلام والأمن الدوليين. ويتألف من15 عضوًا: عشرة أعضاء منتخبين وخمسة أعضاء دائمين (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، وروسيا) يتمتع كل منهم بحق النقض (الفيتو). تتطلب قرارات المجلس تصويت 9 أعضاء على الأقل دون استخدام الفيتو من الأعضاء الدائمين.
منذ بدء الحرب الاسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر 2023، أصدر مجلس الأمن أربعة قرارات ملزمة بشأن النزاع بين إسرائيل وحماس:
– 15 نوفمبر2023: دعا مجلس الأمن إلى الإفراج الفوري عن جميع الرهائن وفتح “ممرات إنسانية عاجلة وموسعة” في غزة، وامتنعت روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن التصويت.
– 22 ديسمبر 2023: طالب القرار بزيادة المساعدات، وامتنعت روسيا والولايات المتحدة عن التصويت.
– 25 مارس 2024: دعا القرار إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان والإفراج عن الرهائن، وصوّت جميع الأعضاء لصالح القرار، باستثناء الولايات المتحدة التي امتنعت، مؤكدة أن القرار “غير ملزم”.
– 4 يونيو 2025: دعا مشروع قرار إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، الإفراج عن جميع الرهائن، فتح ممرات إنسانية آمنة، إعادة الخدمات الأساسية، والإشراف على خطة إعادة الإعمار، وانسحاب القوات الإسرائيلية. حصل المشروع على تأييد 14 عضوًا، لكنه سقط بسبب فيتو الولايات المتحدة.
– 10 يونيو 2025: أشار القرار إلى حل من ثلاث مراحل، وافقت إسرائيل عليه، ودعا حماس إلى تأييد الخطة، وصوّت جميع الدول لصالحه باستثناء روسيا.
يعتبر مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تصدر قرارات ملزمة قانونياً. لكن أي مشروع قرار حول الصراع غالباً ما يُواجَه بالفيتو الأميركي الدائم دعماً لإسرائيل. هذا جعل كثيراً من القرارات المتوازنة – مثل مشروع يونيو 2025 الذي دعا لوقف إطلاق النار في غزة – تسقط رغم حصولها على تأييد شبه إجماعي.
أثبتت الوقائع، أن حتى عندما يمرر المجلس قرارات، مثل القرار 242 (1967) أو القرار 2334 (2016) الذي طالب بوقف الاستيطان، فإن التنفيذ على الأرض شبه معدوم. إسرائيل ترفض الانصياع إذا رأت القرار مناقضاً لمصالحها، ولا توجد آلية دولية قسرية لتطبيقه دون توافق القوى الكبرى.
منذ اندلاع الحرب في غزة إلى الآن، لم يتمكن مجلس الأمن من تمرير أي قرار ملزم بخصوص النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. بقيت معظم التحركات في شكل مشروعات قرارات معطلة بالفيتو، فيما اتجهت العديد من الدول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة كمنبر بديل لإصدار مواقف سياسية رمزية لا تحمل القوة القانونية نفسها لقرارات مجلس الأمن.
قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة
تتألف الجمعية العامة من جميع أعضاء المنظمة، وقراراتها غير ملزمة قانونيًا، لكنها تحمل وزنًا سياسيًا كبيرًا. ومنذ أكتوبر 2023، أجرت الجمعية العامة سبعة تصويتات رئيسية حول النزاع:
– 27 أكتوبر 2023: أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية” .
– 12 ديسمبر 2023 : أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا “يطالب” بالإفراج عن الرهائن، ووقف إطلاق نار فوري لأسباب إنسانية ، وإلزام جميع الأطراف بالقانون الإنساني الدولي.
– 18 سبتمبر 2024: أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يُذكّر بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024 والذي تضمن، من بين عناصر أخرى، أحكامًا بعدم قانونية استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة.
– 11 ديسمبر 2024: صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرارين منفصلين ، أحدهما يدعم الأونروا والآخر يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
– 19 ديسمبر 2024: صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار بإحالة مسألة التزامات إسرائيل تجاه وكالات ومنظمات الأمم المتحدة (بما فيها الأونروا) إلى محكمة العدل الدولية.
– 12 سبتمبر 2025: أقرت الجمعية العامة قراراً بعنوان “إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين”، بعد تصويت بأغلبية كبيرة: 142 دولة مع القرار، مقابل 10 معارضين، و12 امتناعاً. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن التصويت في سبتمبر 2024 كان “قرارا مشوهاً” و”يشجع الإرهاب ويضر بفرص السلام .
اُعتبر قرار “إعلان نيويورك” خطوة رمزية مهمة دولياً، إذ عبّرت الجمعية العامة من خلاله عن “إجماع دولي واسع” على استئناف مسار حل الدولتين، حيث حظر الإعلان بصورة قاطعة لا لبس فيها، مسألة الإبعاد أو التهجير القسري والاستيطان بوصفهما يمثلان انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وهذا بطبيعة الحال، يعزز حجج الجانب الفلسطيني في تحريك دعاوى أمام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية إذا توافرت الشروط اللازمة لذلك، ويشكل هذا بعدًا وقائيًا ضد أي محاولات لتبرير سياسات الاحتلال. ومن ناحية أخرى، يعيد الإعلان التأكيد على التزامات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوجوب احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية السابقة ذات الصلة بفلسطين. رغم أن القرار لا يمتلك قوة إلزامية قانونية مثل قرارات مجلس الأمن أمن دولي ـ ما أسباب التحول في موقف ألمانيا وأوروبا من انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين؟ . ملف
عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
منح تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 منظمة التحرير الفلسطينية ، وهي ائتلاف تعترف به جامعة الدول العربية والأمم المتحدة كممثل وحيد للفلسطينيين، صفة “دولة مراقب غير عضو”. ويعني هذا الوضع أن السلطة الفلسطينية تستطيع إرسال ممثل لها إلى الأمم المتحدة للمشاركة في أعمالها، دون أن يحق لها التصويت.
صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أبريل 2024، على قرار يوصي بقبول دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة. استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد القرار. وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، قائلةً: “يجب أن نركز جهودنا على ضمان وقف فوري لإطلاق النار لإدخال المساعدات وإخراج الرهائن” . وانتقدت الحكومة الإسرائيلية العضوية المقترحة، واصفةً إياها بـ “جائزة للإرهاب” .
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو 2024، قرارًا بترقية وضع بعثة المراقبين (لا يُمنح حق النقض الفيتو). وشمل ذلك حق المشاركة في رعاية المقترحات وتقديمها . كما أوصت الجمعية مجلس الأمن بإعادة النظر في منح فلسطين العضوية الكاملة.
وخلال سبتمبر 2025، اعترفت 11 بلدا جديدة بدولة فلسطين، وهي: بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال ولوكسمبورغ وبلجيكا وأندورا وفرنسا ومالطا وموناكو وسان مارينو، ليرتفع بذلك عدد المعترفين إلى 159 من أصل 193 دولة عضو بالأمم المتحدة. ومع أن نحو 80% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتت تعترف بفلسطين، إلا أن هذه الخطوة وحدها لا يمنحها العضوية الكاملة، إذ يتطلب ذلك موافقة مجلس الأمن لدولي، التي يتوقع مركز “ستراتفور” الاستخباراتي الأميركي أنها ستصطدم حتما بحق النقض (الفيتو) الأميركي.
قضية “الإبادة الجماعية” محكمة العدل الدولية 2024
تتولى محكمة العدل الدولية وهي أحد الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتقدم آراءً استشارية بشأن المسائل القانونية التي تُحال إليها من أجهزة الأمم المتحدة الأخرى المُخوّلة.
أصدرت محكمة العدل الدولية في يناير 2024، إجراءات تمهيدية (طارئة) بشأن قضية رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، متهمةً إياها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية . لم تأمر محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار، كما طلبت جنوب أفريقيا، بل حددت خطواتٍ محددةً لإسرائيل، بما في ذلك زيادة المساعدات الإنسانية لغزة واتخاذ “جميع التدابير” لمنع “ارتكاب أعمال إبادة جماعية”. وتجادل إسرائيل بأن هذه القضية “تشويه” للاتفاقية . وقد أكدت كلٌّ من جنوب أفريقيا والسلطة الفلسطينية ضرورة وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية.
أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة إضافية في 28 مارس 2024، مؤكدةً بذلك تلك الصادرة في يناير 2024 ، ومؤكدةً على ضرورة اتخاذ إسرائيل جميع الخطوات اللازمة والفعالة لضمان “توفير المساعدات الإنسانية على نطاق واسع دون عوائق”. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها تعمل على مبادرات جديدة وتوسيع المبادرات القائمة لتعزيز تدفق المساعدات إلى غزة.
أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير إضافية في 24 مايو 2024، عقب العمليات العسكرية الإسرائيلية في محافظة رفح . ومن بين هذه التدابير إعادة فتح معبر رفح، المغلق منذ 8 مايو/ 2024، أمام المساعدات. إلا أن هناك خلافًا قائمًا حول صياغة الأمر ، حول ما إذا كانت محكمة العدل الدولية تُلزم إسرائيل بوقف جميع أعمالها العسكرية، أو تلك التي قد تُلحق دمارًا ماديًا، كليًا أو جزئيًا، بالمدنيين الفلسطينيين .
ومن الناحية الإجرائية، يرى القاضي الكندي شاباس، أن القضية لم تصل إلى مرحلة النضج بعد ولا تزال في مرحلة تمهيدية للغاية، قائلا “أصدرت المحكمة 3 أوامر وبيانا كان بمثابة أمر بإجراءات مؤقتة، ولا أعتقد أن هناك أي دليل على أن إسرائيل امتثلت لهذه الأوامر”. فيما يتوقع مايكل بيكر الأستاذ في القانون الدولي لحقوق الإنسان بكلية ترينيتي في دبلن أن الحكم النهائي قد يستغرق 3 سنوات على الأقل لأن الأطراف تحصل على مدة طويلة لتقديم الحجج والشهود وإعداد البيانات المكتوبة. أمن دولي ـ أوروبا وإسرائيل، بين التضامن التاريخي والمراجعة الحقوقية
المحكمة الجنائية الدولية وطلبات إصدار أوامر الاعتقال
المحكمة الجنائية الدولية منفصلة عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية . فبينما ترفع محكمة العدل الدولية قضايا ضد الدول، تُعنى المحكمة الجنائية الدولية برفع قضايا ضد الأفراد. ولا تملك المحكمة أي هيئة تنفيذية، بل تعتمد على الدول الأعضاء في تنفيذ قراراتها. وليس جميع أعضاء الأمم المتحدة أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية . فبينما المملكة المتحدة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك “دولة فلسطين”، التي انضمت إليها عام 2014، فإن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا عضوين فيها.
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في مايو 2024، أنه سيتقدم بطلب إلى قضاة المحكمة لإصدار مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من قادة حماس واثنين من قادة إسرائيل . ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع آنذاك، يوآف غالانت. وقد قُتل اثنان من قادة حماس الثلاثة الذين طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحقهم . أما الثالث، محمد دياب إبراهيم المصري، فقد أفادت التقارير بمقتله على يد إسرائيل في غزة في يوليو 2024، لكن هذا الأمر غير مؤكد.
تُجادل إسرائيل والولايات المتحدة بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص قضائي في إسرائيل. في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صرّحت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بأن الطعن في اختصاصها في قضية مذكرات التوقيف سابق لأوانه، ويمكن النظر فيه لاحقًا. وقد انتقد سياسيون من مختلف الأطياف السياسية الإسرائيلية قرار إصدار مذكرات التوقيف ، وصرح النائب العام الإسرائيلي بأنه سيطعن فيه . ورحّبت السلطة الفلسطينية بقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل.
المواقف الأوروبية: تباين الاستجابات الأوروبية لقرارات الشرعية الدولية.
على الرغم من أن أوروبا لا تتمتع بنفوذ في إسرائيل مثل الولايات المتحدة، إلا أن سياساتها لا تزال مهمة للإسرائيليين، وهناك الكثير مما يمكن للقادة الأوروبيين فعله. تربط شبكة معقدة من المعاهدات التفضيلية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، ويمثل الاتحاد ثلث التجارة العالمية لإسرائيل في السلع (بينما تشكل التجارة مع إسرائيل أقل من 1 في المائة من تجارة الاتحاد الأوروبي). لا تزال المملكة المتحدة وألمانيا تزودان إسرائيل بالأسلحة، على الرغم من إدانتهما لعملية غزة. عدد من الدول الأوروبية هم مستقبلين لصادرات الأسلحة الإسرائيلية. علاوة على ذلك، فإن القارة هي من نواحٍ عديدة بوابة إسرائيل إلى العالم. لقد رحبت بالمشاركة الإسرائيلية في هياكلها الخاصة للرياضة والثقافة والبحث.
شهد صيف 2025 تحولاً ملحوظاً في السياسة الأوروبية تجاه غزة. فبعد أكثر من 18 شهراً من الدعم أو الصمت أو على الأقل غض الطرف عن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة، صعّدت دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة وحتى ألمانيا انتقاداتها لسياسات إسرائيل الوحشية، بما في ذلك التجويع المنظم. واتخذت دول أخرى تدابير دبلوماسية وقانونية واقتصادية، مما يشير إلى أن أوروبا بدأت في رفع الغطاء الذي وفرته للسياسات الإسرائيلية في غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
اتخذت المزيد من العواصم الأوروبية موقفًا أكثر صرامةً ضد الحملة الإسرائيلية على غزة. خلال الأسابيع الأخيرة، انضمت فرنسا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة، إلى جانب كندا ، إلى دولٍ مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج، التي لطالما كانت حاسمةً في موقفها، في الدعوة إلى إنهاء الحرب . حتى ألمانيا، التي دعمت بشدة سلوك إسرائيل في غزة في البداية، تُعرب الآن عن قلقها . ووجّهت مستشارة النمسا، وهي داعمةٌ قويةٌ أخرى، رسالةً حازمةً على غير العادة في مكالمة هاتفيةٍ أواخر مايو/أيار مع نتنياهو، وكذلك فعلت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني.
بدأ الاتحاد الأوروبي نفسه أيضًا في سحب بعض الرافعات، وإن كان بحذر. في 20 مايو 2025، صوتت أغلبية كبيرة من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على مراجعة امتثال إسرائيل لبند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة لعام 1995 التي تحكم التجارة والعلاقات الأخرى بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. إذا وجد الاتحاد الأوروبي أن إسرائيل قد فشلت في الالتزام بالتزامها باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، فيمكن للكتلة الرد باتخاذ تدابير قد تصل إلى تعليق أجزاء من الاتفاقية، مثل تلك التي تغطي التجارة الحرة والتبادل العلمي وحركة رأس المال. . ونظرًا لمعارضة دول مثل المجر والجمهورية التشيكية، فإن التعليق الكامل للاتفاقية، والذي يتطلب تصويتًا بالإجماع، أمر غير مرجح. ولكن الأغلبية المؤهلة خمسة عشر من أصل 27 دولة عضوًا، تمثل 65 في المائة على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي يمكن أن تسمح بتعليق امتيازات إسرائيل التجارية التفضيلية. أمن دولي ـ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في العلاقات الأوروبية والمواثيق الدولية (ملف)
**
3 ـ الإرهاب السياسي ـ البعد الاستراتيجي، غزة بين الاحتلال الإسرائيلي وحرب التطهير العرقي
تزامن الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة غزة، مع تحركات دولية غير مسبوقة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، وتصدرت الدول الأوروبية هذه التحركات، ما يعكس تحولاً كبيراً في الموقف الغربي تجاه دعم إسرائيل، ومجريات الحرب الراهنة التي تقترب من إتمام عامها الثاني. ورغم أن الاتحاد الأوروبي ليس طرفاً في مفاوضات وقف حرب غزة، فإن أغلب مواقف الدول الأعضاء تستهدف احتواء التصعيد والضغط على إسرائيل، بالرفض القاطع لخطة احتلال غزة وتهجير المدنيين وضم الضفة الغربية، والتي بموجبها تهدد مسار حل الدولتين وإرساء قواعد السلام بالشرق الأوسط..
إسرائيل وحجة “محاربة حماس“
منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، صدرت إسرائيل أن أهداف الحرب ترتكز على القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن، وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت في أكتوبر 2023، على رفع جميع القيود والاتجاه نحو هجوم شامل، مع الإشارة إلى استعداد بلاده للقتال لفترة زمنية طويلة. وشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في سبتمبر 2024 على استكمال المهمة دون توقف. ربط وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يسرائيل كاتس، في مارس 2025، بين استمرار الحرب وإعادة الرهائن وتحقيق الأهداف العسكرية، وتبنى وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في 2024 و2025، دعوة احتلال قطاع غزة وتهجير المدنيين. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد نتنياهو في 26 سبتمبر 2025، رفضه لمطالب التوقف عن العمليات العسكرية، موجهاً رسالة للدول التي اعترفت بفلسطين، قائلاً “قمتم بأمر خاطئ، ومنح الفلسطينيين دولة على بعد ميل واحد من القدس يشبه منح القاعدة دولة على بعد ميل واحد من نيويورك بعد 11 سبتمبر”.
أما الواقع الميداني، تسببت حرب غزة في مقتل أكثر من (65) ألف مدني، وأكثر من (160) ألف جريح، ومعاناة أكثر من (2) مليون فلسطيني ونصفهم من الأطفال في الحصول على الماء والغذاء والرعاية الطبية، نظراً لاستهداف الغارات البنية التحتية الحيوية من المنازل والمستشفيات والملاجئ والخدمات الأساسية، وتضرر أكثر من (90%) من منازل غزة، وبات نحو (1.9) مليون شخص بلا مأوى. بررت إسرائيل حجم الدمار الذي تعرضت له غزة، والخسائر في صفوف المدنيين، بأنها تمارس حقها بالدفاع عن النفس رداً على هجوم حماس، ومنع الإبادة الجماعية من وجهة نظرها بنزع النازية عن سكان غزة، الأمر الذي استند عليه المستشار القانوني لقوات الدفاع الإسرائيلية تال بيكر، للدفاع عن بلاده ضد تهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.
ترى مؤرخة الفكر السياسي كاميلا بويسن، أنه بالرجوع للقانون الدولي، فإن هجوم إسرائيل على غزة يعد عقابياً جماعياً لأنه ينتهك مبدأ التناسب، بالاعتماد على سياسة تجويع متعمدة للسكان والإنكار بأي نية للقيام بذلك، وفرض استراتيجية “الأرض المحروقة”، ما دفع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، لتوجيه اتهامات ضد قادة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وأشارت كاميلا بويسن، إلى أن الواقع الميداني حول آلية ممارسات إسرائيل بغزة لا تميز بين الهدف العسكري والمدني. وظهر تناقض إسرائيل في إنكار استهداف مستشفى المعمداني في أكتوبر 2023، وسقوط نحو (500) مدني، بينما قصفت نفس المستشفى في أبريل 2025، زاعمة أن الهدف كان مقراً لحماس.
سعت إسرائيل لإضفاء الشرعية على ممارساتها ضد المدنيين والمنظمات الأممية، بالإشارة إلى اتخاذ حماس المستشفيات والبنية التحتية كمقرات عسكرية لها، ووجهت الاتهامات إلى موظفي الأونروا بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر، عقب اعتقال بعضهم واستخدامهم كدروع بشرية، وقصفها لمدارس ومخيمات تديرها الأونروا، ما أسفر عن سقوط ضحايا في مخيمات النصيرات وجباليا والشاطئ. قراءة في كتاب حرب غزة وتداعياتها على الأمن الدولي
الموقف الفلسطيني الداخلي تجاه حرب غزة
اتخذت السلطة الفلسطينية موقفاً واضحاً تجاه هجوم حماس، معلنة رفضها لأي دور مستقبلي للحركة بالقطاع. وفي 15 يونيو 2025 قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، “نرفض قتل واختطاف المدنيين، بما في ذلك ما قامت به حماس”. وعلى مدار عامين أكدت الخارجية الفلسطينية، إدانتها للإرهاب واستهداف المدنيين. وأمام مؤتمر حل الدولتين في سبتمبر 2025، أبدى محمود عباس استعداد السلطة لتحمل مسؤولية الحكم في غزة وعدم السماح لوجود دولة مسلحة، مطالباً حماس بتسليم سلاحها.
تستهدف السلطة الفلسطينية استعادة الحكم في غزة، وتأمين دعم دولي سياسي واقتصادي لإعادة إعمار القطاع، وبناء البنية الأمنية والإدارية، لمنع فصله عن باقي الأراضي الفلسطينية. وترغب في حشد المجتمع الدولي لصالح إقامة دولة فلسطينية، لذا أكدت في كافة تصريحاتها على التبرؤ من سلوك حماس. وتضامناً مع سكان غزة، شهدت الضفة الغربية موجة من الاحتجاجات، ما أدى لشن إسرائيل حملات اعتقال ضد الفلسطينيين. وأطلقت منظمات مجتمع مدني وجامعات فلسطينية نداءات لوقف الحرب وإدخال المساعدات، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها بحق المدنيين.
كيف أصبحت غزة قضية تطهير عرقي؟
منذ اليوم الأول لحرب غزة، كشفت استراتيجية إسرائيل في إدارتها للحرب، عن أن أهدافها ليست القضاء على حماس، بل تتضمن احتلال القطاع وتدميره ومحاصرته وتهجير المدنيين. وتتطابق هذه الممارسات مع مفهوم “التطهير العرقي”، الذي يصف أي سياسات تهدف لجعل منطقة ما خالية من مجموعة قومية أو عرقية، بالترحيل القسري أو التهجير. يواجه سكان غزة بأكملهم خطر الجوع، حيث أصبحت الأسواق شبه خالية، وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، وحذر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي “IPC” من تجاوز غزة عتبات المجاعة الثلاث وهم “الجوع الكارثي، وسوء التغذية الحاد، والوفيات الجماعية”، وأشار إلى أن غزة وصلت لأسوأ سيناريو لظهور علامات تفاقم المجاعة على الأطفال، ما يعني الاتجاه نحو موت بطيء ومتعمد نتيجة الحصار والحرمان من الغذاء.
تخالف إسرائيل القانوني الدولي والإنساني، بمنع دخول المساعدات لغزة، والاكتفاء في أوقات محددة بعمليات إسقاط المساعدات، الأمر الذي لا يتناسب مع أزمة الجوع المتفاقمة، فهذه الطريقة مكلفة وغير فعالة ولا تلبي الاحتياجات العاجلة. وفي يوليو 2025 لجأت إسرائيل إلى آلية لتوزيع المساعدات، التي تنفذها مؤسسة غزة الإنسانية وشركات أمنية أمريكية، وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية من هذه الآلية، لأنها تؤدي لنزوح قسري جماعي للسكان، وتمنع الفئات الضعيفة مثل الأطفال وذوي الإعاقة من الحصول على المساعدات.
بمرور الأشهر تحولت حرب غزة لأداة في يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية، في ضوء محاكمته بتهم فساد، ولتخوفه من أن وقف الحرب يعني تحمله مسؤولية إخفاقات 7 أكتوبر. وتقول الخبيرة في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية بمجموعة الأزمات الدولية ميراف زونسزين، إن نتنياهو اعتمد على حماس كذريعة لعدم التفاوض أو التخطيط لليوم التالي.
بحسب الأمم المتحدة أصبحت غزة المكان الأكثر جوعا بالعالم، وتحولت (70%) من أراضيها لمناطق محظورة. ويوضح المحرر في موقع “لوكال كول” ميرون رابابورت، أن تدمير حماس واستعادة الرهائن ذريعة لدفع الفلسطينيين للخروج من غزة، ما يعني أن التطهير العرقي الهدف الأعمق لإسرائيل. وأشار تقرير لمنظمة “Acled” إلى أنه نحو (15) من أصل (16) قتلتهم إسرائيل منذ مارس 2025، كانوا من المدنيين، وهي أعلى معدلات مسجلة منذ بداية الحرب.
يوضح مؤسس ورئيس تحرير مجلة “”بيرلز آند إيريتيشنز” جون مينادو، أن السبب الحقيقي لإسرائيل في غزة، تهجير السكان وتدمير البنية التحتية، ضمن خطة طويلة الأمد لطرد الفلسطينيين من غزة، ويعد استكمالاً لمخطط التهجير منذ 1948، مشيراً إلى أن القضية المحورية هي التطهير العرقي والإبادة الجماعية والفصل العنصري، وليس حماس والحرب على الإرهاب. تعد قرارات محكمتي العدل والجنائية الدولية في 2024، دليلاً على أن سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين تجاوزت حق الدفاع عن النفس، حيث أقرت العدل الدولية أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، وأصدرت المحكمة الجنائية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. الأمن الدولي ـ هل تفعل ألمانيا والدول الغربية ما يكفي لإنهاء حرب غزة؟
المواقف الأوروبية تجاه حرب غزة
ألمانيا: رغم إعلان ألمانيا تضامنها مع إسرائيل، فإنها دعت لحماية المدنيين وفتح ممرات إنسانية، وتدريجياً تحول موقف برلين، لتفرض في أغسطس 2025 قيوداً على صادرات الأسلحة لإسرائيل، ما أدى لتوقف تام لهذه التصاريح. وتقول ألمانيا إن حل الدولتين وإعلان قيام دولة فلسطينية الهدف، لكنها رفضت الانضمام إلى جملة اعترافات أحادية صدرت في الجمعية العامة (80) للأمم المتحدة.
فرنسا: أصبح الموقف الفرنسي داعماً لفلسطين، واعترفت باريس في 22 سبتمبر 2025 بدولة فلسطين. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2024 و2025، لتقييد إرسال أسلحة يمكن استخدامها في غزة، وشارك في صياغة مبادرات دولية لإحياء حل الدولتين. وتضمنت تصريحات المسؤولين الفرنسيين الدعوة لوقف الحرب وإيصال المساعدات للمدنيين.
إسبانيا: أقرت الحكومة الإسبانية في 28 مايو 2024 بدولة فلسطين، مؤكدة على حل الدولتين ومنح فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة، وفي سبتمبر 2025، أعلنت إسبانيا فرض حظر على تصدير أسلحة لإسرائيل، ووقعت على بيانات مشتركة مع دول أوروبية، للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية بغزة.
بلجيكا: أعلنت الحكومة البلجيكية في 23 سبتمبر 2025 اعترافها بفلسطين، وأصدرت قرارات لوقف عبور معدات عسكرية لإسرائيل عبر موانئ بلجيكية، وأعلنت حزمة عقوبات تحظر منتجات من المستوطنات. وتتماشى مواقف بلجيكا مع الاتحاد الأوروبي، في دعم الخطوات الدبلوماسية لوقف الحرب.
بريطانيا: أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في 21 سبتمبر 2025، اعتراف بلاده بفلسطين، مؤكداً أن الاعتراف لا يعني تبرئة حماس بل جزءاً من حل الدولتين، وعلقت بريطانيا (30) ترخيص تصدير أسلحة لإسرائيل ومحادثات التجارة مع إسرائيل.
إيطاليا: قالت رئيس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إن بلادها قابلة للاعتراف بفلسطين، ولكن بشرطين هما، إطلاق سراح جميع الرهائن واستبعاد حماس من حكم غزة، وأدانت روما الاجتياح البري والانتهاكات الإنسانية في غزة.
المجر: رغم اعتراف المجر في 1988 بدولة فلسطين، فإنها تعد الحليف الأوروبي الأقرب لإسرائيل في حرب غزة، وكانت أول وجهة خارجية لبنيامين نتنياهو منذ إصدار أمر دولي باعتقاله. وتعرقل المجر كل إجراءات الاتحاد الأوروبي التي تدعو لوقف الحرب. أمن دولي ـ هل تدخل أوروبا على خط الوساطة بشأن حرب غزة؟
التداعيات الأمنية على أوروبا جراء حرب غزة
– تزايدت الهجمات الإرهابية بعد حرب غزة، وشهدت ألمانيا ارتفاع حوادث معادية السامية بنسبة (80%) في 2023، ووقع في أبريل 2024 حادث على باب كنيس في “أولدنبورغ”، وفي سبتمبر 2024 أطلق مسلح نار على قنصلية إسرائيل بميونيخ. وبالمثل سجلت فرنسا مستويات مرتفعة من الحوادث المتطرفة، وفي مايو 2024 أطلق مسلح النار على كنيس في “روان”، وفي أغسطس 2024 شن مسلح هجوماً على كنيس في “لاغراند موت”. وسجلت بريطانيا أكثر من (5500) حادثة معادية للسامية في الفترة (7 أكتوبر 2023- 30 سبتمبر 2024)، وفي 2 أكتوبر 2025، وقع هجوم أمام كنيس في “مانشستر” أسفر عن مقتل شخصين وجرح (3) أخرين.
– شهدت المجتمعات الأوروبية انقساماً بين مؤيد ومعارض لحرب غزة، حيث مارست الشعوب ضغوطاً على حكوماتها للمطالبة بوقف الدعم لإسرائيل. وتبنت المجر والنمسا والتشيك وألمانيا موقفاً داعماً لإسرائيل، بينما دعمت إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا وفرنسا فلسطين.
– يضع التصعيد الإسرائيلي موقف أوروبا على المحك، بين اتخاذ إجراءات لوقف تصدير الأسلحة، وعلاقاتها بإسرائيل الاقتصادية. وتنحاز حكومات إلى إسرائيل لشعورهم بالمسؤولية التاريخية، بينما ترى حكومات أخرى ضرورة الالتزام بالقيم الإنسانية والدفاع عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، خاصة وأن الدعم المطلق لإسرائيل يتناقض مع المصالح الاستراتيجية لأوروبا، بزيادة وتيرة الحرب دون محاسبة إسرائيل، ما يعمق من الأزمة ويطيل أمدها.
– استمرار حرب غزة والضغط على تهجير المدنيين، قد يزيد من موجات الهجرة لأوروبا، بلجوء البعض للمسارات البرية والبحرية نحو أوروبا، ما يضعها تحت ضغوط إنسانية وسياسية للتعامل مع المشهد.
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– تشكّل التطورات في غزة منذ أكتوبر 2023 تحديًا أخلاقيًا وقانونيًا وسياسيًا للمجتمع الدولي، وخاصة أوروبا، حيث لم تعد الانتهاكات بحق المدنيين تندرج فقط ضمن إطار الصراع التقليدي، بل باتت تُثير تساؤلات قانونية خطيرة حول مدى انطباق وصف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
– التقرير الأممي الذي رصد أربع فئات تُحتمل أن تشكّل إبادة جماعية، إضافة إلى تصريحات خبراء القانون الدولي، يُشير إلى تغيّر في المزاج الأكاديمي والقانوني تجاه تحميل إسرائيل مسؤوليات جنائية دولية. من جهة أخرى، يشهد الداخل الأوروبي تصدّعًا متزايدًا في التوافق السياسي تجاه حرب غزة.
– تدعو بعض الدول إلى محاسبة إسرائيل وتعليق الاتفاقات معها، بينما تتخذ أخرى موقفًا حذرًا، معتبرة أن تحديد وصف “الإبادة” من صلاحيات المحاكم الدولية. الانقسام لا يقتصر على الحكومات بل يمتدّ إلى المجتمعات الأوروبية نفسها، حيث أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والتوترات بين المكونات المجتمعية، وزيادة جرائم الكراهية.
– من المرجح أن يتزايد الضغط على المؤسسات الأوروبية لتوضيح مواقفها تجاه ما يجري في غزة، خاصة في حال صدور تقارير أممية أو قضائية إضافية تُعزّز فرضية الإبادة. داخليًا، قد تتأثر سياسات الهجرة واللجوء بشكل واضح، كما ستضطر الحكومات إلى التوفيق بين التزاماتها القانونية الدولية واعتبارات الأمن الداخلي والرأي العام.
– من المحتمل على المستوى الدولي، أن تتعزز المطالب بإصلاح آليات المساءلة الدولية، وتعزيز صلاحيات محكمة العدل الدولية في مثل هذه الحالات. بالمجمل، تشكل حرب غزة لحظة اختبار لمصداقية النظام الدولي وقوة تماسك الاتحاد الأوروبي.
**
ـ قرارات مجلس الأمن تحمل قوة قانونية نظرية لكنها ضعيفة التنفيذ بسبب الفيتو الأميركي وغياب إرادة دولية موحدة، في حين أن الجمعية العامة تخلق شرعية سياسية رمزية لا تتجاوز التأثير الإعلامي والدبلوماسي. الموقف الأوروبي يشهد تحولًا ملموسًا من الغطاء إلى الانتقاد المباشر، مما يفتح الباب أمام إمكانية زيادة الضغط على إسرائيل، سواء قانونيًا أو اقتصاديًا.
ـ الموقف الأوروبي من قرارات الشرعية الدولية بشأن فلسطين يتراوح بين دعم قوي ومطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية (جنوب وغرب أوروبا) وبين حذر أو تحفظ مع حماية المصالح الإسرائيلية (وسط وشرق أوروبا). هذا الانقسام يضعف فعالية الدور الأوروبي ويجعل تأثيره في حل الصراع أقرب إلى دعم إنساني ودبلوماسي رمزي أكثر من كونه ضغطاً سياسياً حاسماً.
ـ بات متوقعًا أن تستمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في إصدار قرارات دعم حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين، مثل إعلان نيويورك 2025، هذه القرارات لن تكون ملزمة قانونياً، لكنها ستظل توفر غطاءً سياسياً وقانونياً للدول والمجتمع المدني الفلسطيني. ستُستخدم هذه المنصة أيضاً لممارسة ضغوط دبلوماسية رمزية على إسرائيل، وتشجيع الدول الأوروبية وغيرها على الاعتراف بدولة فلسطين أو اتخاذ خطوات داعمة.
ـ مع تزايد الضغوط الدولية، من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في استخدام الفيتو ضد أي قرارات تُدين إسرائيل أو تفرض عقوبات، ما يعني استمرار العجز التنفيذي للمجلس. هذا العجز سيجعل أي تحرك قانوني دولي ضد إسرائيل يعتمد على أدوات أخرى، مثل المحاكم الدولية أو التحركات الإقليمية.
ـ من المرجح أن تتزايد الدعوات لتفعيل القانون الدولي الإنساني ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، سواء من خلال محكمة العدل الدولية بالنظر في قضايا الاحتلال والاستيطان، والمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب المحتملة في غزة والضفة الغربية. قد يؤدي هذا إلى ضغط قانوني متزايد على إسرائيل، حتى لو لم يُفضِ إلى عقوبات مباشرة، لأنه يعزّز شرعية المطالب الفلسطينية ويزيد تكلفة الانتهاكات السياسية والدبلوماسية.
ـ في المستقبل، من المرجح أن يظل القانون الدولي أداة للمواجهة السياسية والدبلوماسية أكثر من كونه وسيلة فعالة لوقف الحرب أو فرض الحلول، إلا أن زيادة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومراجعة الاتفاقيات الأوروبية قد تعزز قدرة الفلسطينيين على استخدام القانون الدولي كأداة ضغط. نجاح هذا المسار يتطلب توحيد الجهود الأوروبية والدولية، وتقليل تأثير الفيتو الأميركي على أي حل مستدام، إلى جانب توفير دعم ملموس للمدنيين الفلسطينيين.
**
– بالمقارنة بين موقف أوروبا في بداية حرب غزة وسياساتها الحالية تجاه إسرائيل، نجد تحولاً نوعياً لما تشهده العلاقات الإسرائيلية الأوروبية على مدار عقود. وفي بداية الحرب، اتجهت أغلب الدول الأوروبية إلى منح إسرائيل الحق المطلق في الدفاع عن نفسها، دون الالتفات إلى تداعيات التصعيد العسكري على المدنيين، واستغلالها لهجوم حماس لتحقيق أهداف تضر بمسار السلام بالشرق الأوسط. وتدريجياً تحول الموقف الأوروبي إلى الضغط على إسرائيل، لوقف الحرب والاتجاه نحو الحلول الدبلوماسية، مع توقف تصدير الأسلحة والتلميح إلى تعليق الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل، بجانب الاعترافات التاريخية بدولة فلسطين.
– تغير سياسات أوروبا تجاه غزة يتعلق بـ 4 عوامل:
العامل الأول: الضغوط الداخلية التي تعرضت لها حكومات أوروبا من قبل المعارضة والشعوب.
العامل الثاني: التصعيد الإسرائيلي العسكري غير المسبوق ضد المدنيين، وشعور أوروبا بضرورة اتخاذ موقف يتناسب مع قيمها ودورها الإنساني.
العامل الثالث: الخلافات الراهنة مع الولايات المتحدة، ورغبة الأخيرة في تهميش أوروبا في الصراعات الحالية، ما دفع أوروبا لاتخاذ موقف مغاير لواشنطن، خاصة وأنها الحليف الأول لإسرائيل، وبسبب دعمها غير المشروط شجعت حكومة نتنياهو على ارتكاب جرائم مخالفة للقانون الدولي.
العامل الرابع: مخاوف أوروبا من تبعات الحرب السياسية والأمنية والاقتصادية، وتجدد المواجهات المباشرة بين إسرائيل وحزب الله من جانب، وإسرائيل وإيران من جانب آخر.
– يعد اعتراف فرنسا وبريطانيا وبلجيكا بفلسطين، ورد فعل الإدارة الأمريكية على هذه الخطوة، دليلاً على تباعد موقف الجانبين الأمريكي والأوروبي، ما يشير إلى لعب أوروبا دوراً أكثر فعالية وتوازناً في القضية الفلسطينية، دون انتظار موافقة واشنطن على سياساتها. ومع تقديم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطة إنهاء حرب غزة، ستسعى أوروبا لفتح قنوات دبلوماسية مع الوسطاء وأطراف الصراع، للتشجيع على أي خطوة من شأنها وقف الحرب وتسهم في تطبيق حل الدولتين.
– رغم الانتقادات التي وجهت لأوروبا، لغياب دورها كوسيط بين إسرائيل وحركة حماس، فإن المواقف الراهنة تجاه حرب غزة، أعادت الثقة من جديد في أوروبا، لتبني موقفاً دبلوماسياً حاسماً، ومنع الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، ورفض سياسات تهجير سكان غزة وضم الضفة الغربية، ما يعني أن المرحلة المقبلة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ستكون مهمة، في ضوء خطة ترامب وموقف الوسطاء منها، ورغبة أوروبا في إنهاء الحرب بالشرق الأوسط.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=110261
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
هوامش
EU distances itself from Commissioner’s claims Israel committing genocide in Gaza
https://tinyurl.com/3en9jmwh
Merz: Germany still to decide whether to back sanctions on Israel
https://tinyurl.com/4jxhs4dp
Dutch MPs vote against Palestinian state recognition amid government fallout over Israel
https://tinyurl.com/3ssyve7w
UN commission says Israel is committing genocide in Gaza
https://tinyurl.com/yzywb3s7
**
The Israel-Hamas Conflict: International Law, Accountability, and Challenges in Modern Warfare
High-level International Conference for the Peaceful Settlement of the Question of Palestine
Which EU countries recognise Palestine amid France’s decision?
Is Israel losing the legal battle?
**
Crisis in Gaza: What to know and how to help
Civilians made up 15 of every 16 people killed by Israel in Gaza since March, data suggests
German arms exports to Israel fall to zero after embargo
UK formally recognises Palestinian State
