الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

الدفاع والأمن في ألمانيا ـ التحديات أمام تنفيذ الاستراتيجيات

rutte-merz-100-1920x1080
أكتوبر 22, 2025

بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (25)

غيّرت حرب أوكرانيا البيئة الأمنية في ألمانيا وأوروبا بشكل جذري، مما دفع الحكومة الألمانية إلى إصدار أول “استراتيجية للأمن القومي” لما بعد الحرب في 14 يونيو 2023، لتوفير إطارٍ منهجي لسياسة أمن قومي استباقية. تواجه ألمانيا تحدياتٍ متداخلة تشمل الضغوط المالية والاقتصادية، والانقسامات السياسية الداخلية، والبيروقراطية المؤسسية، مما يقلل قدرة برلين على تنفيذ برامج التحديث والمشتريات الدفاعية وبناء سلسلة توريد صناعية موثوقة.

التحديات المالية والاقتصادية

أثر التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة على الإنفاق الدفاعي: ارتفع معدل التضخم في ألمانيا إلى حوالي (5.9%) عام 2023 بعد أن بلغ ذروته عند (8.7%) عام 2022. ووفق مكتب الإحصاء الألماني في أبريل 2025، كان معدل التضخم السنوي (2.1%). هذا الارتفاع أدى إلى تآكل القيمة الفعلية للميزانية الدفاعية رغم الزيادات الاسمية التي أقرتها الحكومة. أدت أزمة الطاقة، التي تفاقمت بعد تقليص إمدادات الغاز الروسي، إلى زيادة تكاليف الوقود والكهرباء بنسبة تتجاوز (30%) مقارنة بعام 2021. هذا الارتفاع انعكس مباشرة على تكاليف تشغيل القواعد العسكرية، وتموين الأسطول الجوي والبحري، وتسخين المنشآت العسكرية. وقد أشار تقرير صادر عن وزارة الدفاع الألمانية في منتصف عام 2024 إلى أن النفقات التشغيلية ارتفعت بأكثر من (2.3) مليار يورو خلال عام واحد فقط بسبب أزمة الطاقة، مما أجبر الوزارة على إعادة جدولة بعض مشاريع التسليح وإبطاء وتيرة تحديث المعدات. فيما يتوقع قسم الأبحاث التابع لبنك “كوميرز” الألماني أن تستمر الضغوط التضخمية خلال عام 2025 بمعدل بين (3–4%)، مما يعني استمرار تراجع القوة الشرائية للإنفاق الدفاعي.

خصصت برلين (100) مليار يورو كصندوق خاص لتعزيز القوات المسلحة، لكن التضخم وارتفاع أسعار المواد الخام والمعدات الدفاعية جعلا القيمة الشرائية لهذا المبلغ أقل مما كان مخططاً له، وهو ما أشار إليه المعهد الاقتصادي الألماني في تقريره الصادر في يناير 2024، مؤكداً أن نحو (20–25%) من الصندوق فقد قيمته الفعلية بسبب التضخم العالمي. تواجه الحكومة الألمانية صعوبة في الموازنة بين متطلبات الأمن والدفاع من جهة، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية الداخلية من جهة أخرى، مثل دعم الأسر في مواجهة غلاء المعيشة وتحفيز الاقتصاد المتباطئ. وقد صرح الخبير الاقتصادي “مارسيل فراتشر”، رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية “DIW Berlin”، في مايو 2024 بأن “الارتفاع المستمر في الأسعار وتكاليف الطاقة يجعل من الصعب الحفاظ على مستويات الإنفاق الدفاعي المخطط لها دون تقليص نفقات أخرى أو زيادة الدين العام”.

ستضطر الحكومة، في ظل القيد الدستوري المعروف بـ”قاعدة الكبح المالي” التي تحدّ من العجز العام، إلى المفاضلة بين الالتزام بالسياسات المالية الصارمة وبين تمويل التزاماتها الدفاعية تجاه حلف الناتو. ويرى بعض الخبراء أن استمرار هذه المعادلة سيؤدي إلى “عسكرة بطيئة ومكلفة”، كما وصفها الخبير الأمني “كريستيان مولينغ”، معتبراً أن “الطموح السياسي يتجاوز الإمكانات الاقتصادية الراهنة”. الدفاع ـ كيف يمكن لألمانيا قيادة مشروع دفاع أوروبي مستقل؟

الجدل حول تمويل الصندوق الدفاعي الاستثنائي: أعلنت الحكومة الألمانية، في أعقاب حرب أوكرانيا، عن تخصيص صندوق دفاعي استثنائي بقيمة (100) مليار يورو، وجاء الصندوق كأداة مالية استثنائية تهدف إلى تحديث الجيش الألماني وتعزيز قدراته التقنية واللوجستية بما يتماشى مع التزامات برلين داخل حلف الناتو. إلا أن طريقة تمويل هذا الصندوق وآثاره المستقبلية أثارت جدلاً متنامياً، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتقلب وارتفاع معدلات التضخم وتكاليف الطاقة. تم تمويل الصندوق من خلال الاقتراض خارج الميزانية العامة، في خطوة استثنائية تطلبت تعديل الدستور الألماني مؤقتاً لتجاوز قاعدة “كبح الديون”. هذا التوجه فتح نقاشاً واسعاً حول مدى استدامة التمويل الدفاعي، حيث أشار تقرير لمجلة “دير شبيغل” في عام 2024 إلى أن “الاعتماد المفرط على الديون سيؤدي إلى فجوة تمويلية تُقدَّر بنحو (56) مليار يورو بحلول عام (2028)، ما لم تُرفع الميزانية الدفاعية السنوية الأساسية بشكل ملحوظ”.

أشارت تقارير بحثية، مثل تقرير معهد “كلينجندايل” الهولندي لعام 2024، إلى أن التضخم العالمي وتزايد تكاليف الفائدة على القروض تسببا في تقليص القيمة الحقيقية للصندوق إلى أقل من (87) مليار يورو فعلياً، مما يحدّ من قدرته على تحقيق الأهداف المعلنة. كذلك، أثار الصندوق نقاشاً أوسع حول علاقة الدفاع بالاقتصاد الوطني، إذ يرى بعض الخبراء أن توجيه جزء كبير من الموارد نحو التسلح قد يحدّ من الاستثمارات في مجالات حيوية مثل التعليم والطاقة المتجددة والبنية التحتية. حذر الخبير الاقتصادي “مارسيل فراتشر”، من معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني، من أن التمويل عبر الاقتراض في ظل ارتفاع التضخم وأسعار الطاقة قد يؤدي إلى زيادة الدين العام دون تحقيق نتائج ملموسة على المدى المتوسط، ما لم تُعَد هيكلة نظم المشتريات العسكرية والإدارة المالية داخل وزارة الدفاع. التجسس ـ هل تمثّل الطائرات المسيرة خطرًا أمنيًا على البنية التحتية الألمانية؟

الضغوط السياسية والداخلية

دخلت البلاد منذ تبني السياسة الدفاعية الألمانية الجديدة مرحلة جديدة من الانقسام الداخلي حول موقعها العسكري ودورها الأمني داخل أوروبا. تتمثل جذور الانقسام في تباين النظرة إلى الدور العسكري لألمانيا، والذي انعكس بشكل مباشر في المناقشات البرلمانية حول ميزانية الدفاع لعامي 2024و2025. ففي حين أصر وزير المالية السابق كريستيان ليندنر على ضرورة تخصيص أموال إضافية لتجديد القدرات العسكرية رغم العجز في الموازنة، عبّر عدد من نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي “SPD” عن مخاوفهم من أن تؤدي سياسة التوسع في التسلح إلى تقليص الإنفاق الاجتماعي، خاصة في ظل استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة والطاقة.
تأثير هذه الخلافات بدأ يظهر في استطلاعات الرأي، حيث أشار استطلاع نشره معهد فورسا في يناير 2025 إلى أن (62%) من الألمان يرون أن الأحزاب الثلاثة تفتقر إلى رؤية متناسقة بشأن التسلح، بينما عبّر (48%) عن خشيتهم من أن يؤدي ارتفاع الإنفاق العسكري إلى تقليص الاستثمارات في الرعاية الاجتماعية والتعليم.

شكّلت ألمانيا بعد انتخابات فبراير 2025 حكومة ائتلافية يقودها المستشار الألماني فريدريش ميرز بتحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي “CDU/CSU” بالشراكة مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني “SPD”، وقد وضعت من بين أولوياتها رفع الإنفاق الدفاعي وتحويل ألمانيا إلى لاعب أمني أوروبي فاعل. ومع ذلك، فإن هذه الأولوية تسببت في انقسامات داخل الائتلاف الحاكم من عدة أوجه، تتراوح بين توجهات الأحزاب، التنافس على الحصص الوزارية، وطرق تمويل التسلح.

تبنّى حزب ميرز في الاتحاد المسيحي “CDU/CSU” موقفاً حازماً، معتبراً أن التهديدات الأمنية المتزايدة في أوروبا، والتزام ألمانيا تجاه الناتو، تجبران برلين على رفع إنفاقها الدفاعي إلى مستويات أعلى. حيث أعلن وزير المالية أن الحكومة تستهدف رفع الإنفاق الدفاعي إلى (3.5%) من الناتج المحلي الإجمالي بحلول (29). كذلك، في مارس 2025 وافق البوندستاغ على تعديل دستوري يستثني الإنفاق الدفاعي فوق (1%) من الناتج المحلي من قاعدة كبح الدين الألمانية، ما أتاح تمويلاً أكثر مرونة. لكن هذا التوجه لم يكن خالياً من الاعتراضات ضمن الائتلاف ذاته، إذ اعتبر بعض نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني “SPD” أن التركيز على التسلح قد يشغل الحكومة عن أولويات اجتماعية واقتصادية، مثل مكافحة التضخم والطاقة.  الدفاع والأمن في ألمانيا ـ المفاهيم الجديدة بعد حرب أوكرانيا

العوامل البيروقراطية والمؤسساتية

يواجه النظام الإداري والعسكري الألماني صعوبات في سرعة اتخاذ القرار، وتنفيذ المشاريع الدفاعية الكبرى، والتنسيق بين المستويات الفدرالية المختلفة، وهو ما جعل الفجوة بين الإعلان السياسي والتنفيذ العملي واضحة بشكل متزايد منذ عام 2022 وحتى العام 2025. يعد التعقيد الإداري داخل وزارة الدفاع الألمانية من أبرز الإشكاليات البيروقراطية التي تعيق تنفيذ الاستراتيجية الجديدة. وفق التقارير الرسمية الحكومية الفيدرالية عام 2024، لم يتم صرف سوى (32%) من ميزانية الصندوق الدفاعي الاستثنائي الذي أُقر في عهد المستشار “شولتز”، رغم مرور أكثر من عامين على إنشائه. وتشير التقارير إلى أن السبب لا يكمن في نقص التمويل بل في بطء الإجراءات والموافقات المتسلسلة، حيث تمر كل صفقة تسليح عبر أكثر من سبع هيئات رقابية قبل توقيعها النهائي، ما يؤدي إلى تأخير تسليم المعدات والأنظمة الحيوية مثل المقاتلات والطائرات المسيّرة.

تُعد البنية المؤسسية الألمانية ذات الطابع الفيدرالي تحديًا في حد ذاته، إذ تتوزع صلاحيات الأمن والدفاع بين الحكومة الاتحادية والولايات وأجهزة التنسيق الأوروبية. هذا التداخل في الاختصاصات يولّد ما وصفه بعض الخبراء بـ”بطء القرار الدفاعي”، خاصة في حالات الطوارئ أو القرارات الاستراتيجية العاجلة. على مستوى المشتريات العسكرية، يعاني الجيش الألماني من سلسلة طويلة من العقبات الإدارية المرتبطة بالشفافية والعقود. فقد كشف تقرير في مارس 2025 أن نحو (40) مشروعًا تسليحيًا رئيسيًا ما زال قيد التقييم الإداري رغم توفر التمويل. ويعود ذلك إلى غياب التنسيق بين وزارة الدفاع ووكالة المشتريات الفيدرالية، التي تُعد من أكثر المؤسسات بطئًا وتعقيدًا في اتخاذ القرار داخل الإدارة الألمانية.

تواجه المؤسسة العسكرية الألمانية تحديات مؤسساتية أخرى تتعلق بالهيكل الداخلي والتنظيم. فسنوات طويلة من تقليص أعداد الضباط والإداريين جعلت القوات المسلحة غير قادرة على استيعاب برامج التحديث الجديدة بالكفاءة المطلوبة. إذ يعاني الجيش الألماني من نقص بنيوي في الكفاءات التقنية والإدارية القادرة على إدارة أنظمة تسليح متطورة مثل مقاتلات “F-35” أو منظومات الدفاع الجوي الأوروبية. وقد انعكس ذلك في تأخر برامج التدريب والتأهيل بنسبة تقارب (28%) عن الجدول الزمني المقرر لعام 2025. أشار تقرير المفوض البرلماني للقوات المسلحة لعام 2025 إلى أن الإصلاح المؤسسي في البنية الأمنية الألمانية يسير بوتيرة أبطأ بكثير من حجم التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها البلاد.

الضغوط الخارجية والتحالفات

برزت توترات واضحة مع إعلان حكومة “فريدريش ميرز” عن استراتيجية الأمن والدفاع الجديدة، مع شركاء ألمانيا التقليديين في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، لا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، حول أولويات الإنفاق الدفاعي وأشكال التسلح. تتمثل أبرز نقاط الخلاف مع الولايات المتحدة في السرعة والأولويات في تحديث القوات المسلحة الألمانية. فواشنطن تشدد على ضرورة أن تصل ألمانيا إلى نسبة الإنفاق الدفاعي المقررة بشكل عاجل، مع التركيز على القدرات القتالية الحقيقية مثل مقاتلات الجيل الخامس والطائرات المسيرة، بينما تميل الحكومة الألمانية بقيادة “ميرز” إلى اتباع خطة أكثر تدرجًا، تراعي الضغوط الاقتصادية الداخلية وضرورة التوازن بين التسلح والالتزامات الاجتماعية.

ارتبطت التوترات مع فرنسا بجدل حول التكامل الأوروبي في الصناعات الدفاعية وأولوية المشروعات المشتركة مثل مقاتلة المستقبل الأوروبية “FCAS” وأنظمة الدفاع الصاروخي الأوروبية. فبينما تحرص باريس على تعزيز التكتل الصناعي الدفاعي الأوروبي وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، تبدي برلين تحفظات حول التورط في مشاريع باهظة الثمن قبل أن تكتمل برامج إعادة تجهيز الجيش الوطني. التحدي الآخر يكمن في سرعة تنفيذ البرامج الدفاعية الكبرى، فقد أدى التباين بين الضغوط الأمريكية للسرعة، والمطالب الفرنسية للتنسيق الأوروبي، إلى تأجيل بعض مشاريع التسلح، مثل تحديث الأساطيل الجوية البحرية ونظم الدفاع الجوي. وفقًا لتقرير في أبريل 2025، فإن بعض البرامج المشتركة مع فرنسا ما زالت تواجه مشكلات في التمويل والإدارة المشتركة، بينما المشاريع ذات التوجه الأمريكي تواجه صعوبات إجرائية وبيروقراطية داخل وزارة الدفاع الألمانية.

الاستقرار السياسي وتأثيره على استدامة الاستراتيجية

تشكل المعوقات السياسية للحكومة الائتلافية الألمانية بقيادة “فريدريش ميرز” عاملًا مؤثرًا على قدرة البلاد على تنفيذ استراتيجيتها الدفاعية، ما يجعل كل قرار كبير بشأن الإنفاق العسكري أو تحديث الجيش عرضة للمناورات السياسية والضغوط الانتخابية. وقد أبرزت استطلاعات الرأي خلال العام 2025 أن نحو (58%) من الناخبين يعتبرون الإنفاق الدفاعي أحد القضايا المثيرة للجدل، بينما يربط (47%) من الألمان أي زيادة في الميزانية الدفاعية بالرفع المحتمل للضرائب أو تقليص الدعم الاجتماعي. هذه الأرقام تعكس حالة توتر داخل الحكومة، حيث يسعى الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى حماية التوازن الاجتماعي والاقتصادي، بينما يدفع الاتحاد المسيحي نحو تسريع برامج التسلح لمواجهة التهديدات الروسية وتلبية توقعات الحلفاء في الناتو.

يدفع استمرار المعوقات الحكومة الائتلافية وضغوط الانتخابات إلى تعديل أولويات الإنفاق الدفاعي، بحيث يركز البرلمان والمستشارية على البرامج قصيرة المدى القابلة للتنفيذ بسرعة، مع تأجيل المشاريع الكبرى المعقدة مثل تحديث الأسطول الجوي والبحري أو الأنظمة الدفاعية الصاروخية المتقدمة. من جهة أخرى، قد تؤدي الضغوط الدولية، سواء من حلف الناتو أو الشركاء الأوروبيين مثل فرنسا، إلى دفع ألمانيا نحو زيادة وتيرة التسلح والالتزام بخطط أكثر طموحًا، خاصة إذا استمر التصعيد الروسي في شرق أوروبا أو ظهرت تحديات أمنية جديدة في البحر الأسود والبلقان.

تظل العوامل الاقتصادية والبيروقراطية مؤثرة على التحول المستقبلي. فالتضخم وارتفاع تكاليف الطاقة قد يحدان من القدرة على زيادة التمويل الدفاعي بشكل مستدام، في حين أن الإصلاحات الإدارية المقترحة ضمن خطة ميرز لتحسين كفاءة القوات المسلحة الألمانية قد تسهم في تسريع تنفيذ المشاريع، لكنها تحتاج إلى وقت لتصبح فعالة. لذلك، يمكن توقع تحول تدريجي في السياسة الدفاعية الألمانية نحو استراتيجية أكثر مرونة وواقعية، تجمع بين الاستجابة للتهديدات الخارجية، والالتزام تجاه الناتو، والقدرة على التكيف مع القيود الاقتصادية والمؤسساتية. الدفاع ـ ما هو مستقبل  التجنيد الإلزامي في ألمانيا؟

تقييم وقراءة مستقبلية

– أظهرت ألمانيا بعد حرب أوكرانيا قدرة على إعادة النظر في سياستها الدفاعية، من خلال إصدار استراتيجية الأمن القومي لعام 2023، وإنشاء صندوق دفاعي استثنائي بقيمة (100) مليار يورو، ما يعكس إدراكها لضرورة تعزيز قدراتها العسكرية والتقليل من الاعتماد على الحماية الأمريكية التقليدية.

– يبدو أن قدرة ألمانيا على تحقيق أهدافها الدفاعية الطموحة ستظل رهينة الاستقرار الاقتصادي وأسعار الطاقة العالمية، فالتضخم المتواصل وتكاليف الطاقة المرتفعة لا تمثل مجرد أرقام اقتصادية، بل أصبحت محددًا رئيسيًا لمدى جاهزية الجيش الألماني وقدرته على التحول الاستراتيجي المنشود في ظل بيئة أمنية أوروبية متوترة.

– تعطل البيروقراطية في المؤسسات الألمانية والتعقيد الإداري، والهيكل الفيدرالي المتداخل، سرعة تنفيذ برامج التسلح والتحديث العسكري، على الرغم من مبادرات مثل خطة ميرز لتحديث الجيش الألماني.

– تزيد معوقات الحكومة الائتلافية وعدم استقرارها السياسي من تعقيد مهمة تنفيذ استراتيجية الأمن والدفاع الألمانية، ويبرز هذا التحدي بشكل واضح في موازنة الأولويات الداخلية والخارجية، حيث يجب على برلين أن توازن بين الحفاظ على الدعم السياسي الداخلي والاستجابة السريعة للتهديدات الأمنية الخارجية، مع الأخذ في الاعتبار تبعات الانتخابات المقبلة على استمرارية البرامج الدفاعية والتزامات ألمانيا الدولية.

– ألمانيا الموازنة بين الالتزامات الأوروبية، والتعاون الصناعي، والحفاظ على استقلالية سياساتها الدفاعية. فمن المتوقع أن تركز ألمانيا على مشاريع دفاعية قابلة للتنفيذ بسرعة، مع تأجيل تحديثات أساطيل كبيرة أو أنظمة دفاع صاروخية معقدة، لضمان تحقيق نتائج ملموسة ضمن القيود الاقتصادية والبيروقراطية.

– من المحتمل أن تضطر ألمانيا في حال استمرار التصعيد الروسي أو ضغوط الناتو إلى رفع وتيرة التسلح والالتزام بخطط أكثر طموحًا، بما في ذلك تحديث القوات البرية والجوية وتعزيز التعاون الصناعي الأوروبي. وقد تسهم الإصلاحات الإدارية مثل خطة تحديث الجيش الألماني في تسريع تنفيذ المشاريع، لكنها تحتاج وقتًا لتظهر أثرها الفعلي، فيما ستظل الضغوط الاقتصادية، والتضخم، وارتفاع تكاليف الطاقة محددات رئيسية للتمويل الدفاعي المستدام. ستظل السياسة الدفاعية الألمانية بعد 2025 قابلة للتغيير بحسب موازين القوى الداخلية والخارجية، والقدرة على إدارة التوترات بين الطموح الاستراتيجي والقيود الاقتصادية والسياسية.

رابط مختصر..  https://www.europarabct.com/?p=110806

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات 

الهوامش

Germany’s National Security Strategy: Is It Helping or Hurting the Zeitenwende?
https://2u.pw/LY0uk9

What happened to the German military’s €100 billion fund
https://2u.pw/wKiC0R

How will Germany pay for rapid rise in defence spending?
https://2u.pw/l7N3hU

German plans for fast-track defence splurge face strong resistance
https://2u.pw/6tdvo3

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...