المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
إعداد: الدكتور محمد الصالح جمال – باحث غير مقيم بالمركز الأوروبي ECCI ـ
Email: mohammedsalahdjemal@outlook.fr
المزيد على الرابط https://www.europarabct.com/?p=75946
الأمن القومي الجزائري يتجاوز الحدود الجغرافية الوطنية، والوضع السائد على الصعيد الإقليمي وما يميّزه من تحولات وتغيرات سياسية و أمنية معقدة، يقتضي بالضرورة تعزيز حماية أمن واستقرار الدولة والمشاركة في عمليات حفظ الأمن والسلم خارج الحدود.
الأمن القومي الجزائري و ارتباطه بالعمق الافريقي
في أدبيات الدراسات الأمنية ، فإن مفهوم الأمن القومي للدولة لا يقتصر على المستوى الداخلي فقط، و إنما للمفهوم امتداد إلى المستوى الخارجي لحدود الدولة في إطار اقليمها الجغرافي، و إدراك صناع القرار للمصالح الخارجية التي يجب حمايتها و الحفاظ عليها أمام تصاعد التهديدات و المخاطر الإقليمية ، و التدخلات الخارجية لبعض الأطراف و القوى الإقليمية ، و إدراك انعكاس ذلك على حالة الأمن و الإستقرار الداخلي للدولة.
الموارد و الاحتياطات الطاقوية الموجودة في القارة الافريقية تؤدي دائما الى تحريك اللعبة الدولية في الصراع و التنافس على هذه المقدرات ، الأمر الذي خلق حالة من انعدام الأمن و الإستقرار خاصة في منطقة الساحل الإفريقي باعتبارها أولا منطقة جيواستراتيجية و خزان طاقوي هائل ، ما جعلها منطقة صراع على النفوذ بين مختلف القوى الدولية، و ثانيا باعتبارها منطقة تماس حدودي مع الجزائر. في ظل الظروف الراهنة، فإن الدفاع عن الأمن القومي الجزائري يرتكز مبدئيا على مقاربتين غير منفلصتين : مقاربة الجيش الجزائري و المقاربة الديبلوماسية الجزائرية. مع تأزم الوضع السياسي و الأمني بمختلف تجلياته و تعقيداته في شمال افريقيا (الأزمة الليبية) و الساحل الافريقي، أدرك صناع القرار في الجزائر ضرورة التفكير في مضاعفة الجهود بهدف مواجهة مختلف التحديات و الرهانات التي تتزايد بوتيرة مخيفة.
في افتتاحيتها لشهر ديسمبر2020، عرجت مجلة “الجيش” الجزائرية على الأوضاع الإقليمية المتدهورة على طول الشريط الحدودي للبلاد، فضلا عن “قيام بعض الأطراف مؤخرا بتهديد أمن المنطقة، مع التنبيه إلى أن “هذه التهديدات، حتى وإن كانت غير مباشرة، تعنينا و علينا الاستعداد لمواجهتها، بل يتحتم علينا ذلك كون بلادنا لها التزامات إقليمية يفرضها دورها المحوري، إضافة إلى مبادئها التي لا تحيد عنها و المتمثلة في نصرة كل القضايا العادلة”. و في إطار أشغال الملتقى الوطني الأخير الذي أشرفت عليه وزارة الدفاع الجزائرية حول موضوع “حروب الجيل الجديد: التحديات وأساليب المواجهة” ، ذكر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أن الفريق سعيد شنقريحة قائد أركان الجيش الجزائر أكد أن “التداعيات المحتملة على أمن واستقرار الجزائر، جراء تدهور الأوضاع الأمنية في محيطنا الإقليمي، بالإضافة إلى المحاولات الخبيثة والمتكررة لضرب الانسجام الاجتماعي تفرض على الجزائريين، تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين التلاحم ورص الجبهة الداخلية”.
الجيش الجزائري.. الأقوى افريقيّا من حيث الجاهزية و القتال
بحسب مجلة “Military Watch” الأمريكية، فإن الجزائر لديها أحدث جيش والأفضل استعدادا للقتال في القارة الأفريقية. وقد تم هذا التصنيف على أساس أن الجزائر قد حصلت على دبابات تسمى T90MS والتي من المعروف أنها الأكثر كفاءة في الجيش الروسي لأنها يمكن أن تدمر هدفا يصل مداه إلى 12 كم. كما تشير المجلة إلى إمكانية حصول الجيش الجزائري على دبابات من الجيل الرابع ARMATA-T14 الذي يحق لخمسة (5) بلدان فقط في جميع أنحاء العالم الحصول عليه.
و قد احتل الجيش الجزائري المرتبة الثانية في أفريقيا والمرتبة رقم 27 بين أقوى 140 جيشا في العالم، ويصل إجمالي عدد قواته العسكرية إلى 470 ألف جندي، بينهم 150 ألف جندي قوات احتياطية. ويمتلك الجيش الجزائري 551 طائرة حربية بينها 102 مقاتلة وطائرة اعتراضية، و22 طائرة هجومية، و268 مروحية، إضافة إلى طائرات التدريب وطائرات المهام الخاصة. وتضم القوات البرية الجزائرية أكثر من ألفي دبابة و7 آلاف مركبة مدرعة و324 مدفعا ذاتي الحركة و396 مدفعا ميدانيا و300 راجمة صواريخ.
الجيش الجزائري خارج الحدود.. مهمة حفظ الأمن و السلم في العمق الاستراتيجي
بسبب التغيرات الراهنة التي تحصل في شمال افريقيا و الساحل الافريقي من ظهور تهديدات أمنية جديدة و تزايد تلك القديمة ، شهدت مقاربة الجيش الجزائري تعديلا بحيث أن المؤسسة العسكرية يمكنها إرسال وحدات عسكرية إلى الدول و المناطق التي تعرف توترات ، بهدف تعزيز مساعي الإستقرار و حفظ الأمن و السلم في افريقيا، و ذلك بعد موافقة البرلمان الجزائري و الأمم المتحدة و الاتحاد الافريقي و الجامعة العربية. معنى ذلك أن الجيش الجزائري “ستكون له كل الشرعية الداخلية و الاقليمية و الدولية ” في أي تحرك خارج حدوده، و ذلك سيغلق باب التشكيك و الاتهامات أمام الأطراف المناوئة و التي تريد مستقبليا تعطيل الدور الجديد للجيش الجزائري في أداء مهمته التي تدخل في اطار انساني ، و أيضا حمائي و وقائي لأمن واستقرار الجزائر.
القرارالأخير بإرسال الوحدات العسكرية جاء في سياق أمني اقليمي يتسّم بانتشار الجماعات الإرهابية و تصاعد تهديداتها في المنطقة، انتشار المرتزقة في ليبيا و الخوف من إعادة نشرهم في مناطق أخرى ، الجريمة المنظمة و الإتجار بالبشر في منطقة الساحل الافريقي…الخ من التهديدات و المخاطرالمعقدة. لذلك فإن صناع القرار في الجزائر أدركوا أنه لا يجب أن تكون البلاد في موقع المتفرج أمام كل هذه الأوضاع الأمنية و السياسية المتردية، و كذلك أمام تواجد قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة ، و وجود بعض الأطراف و القوى الاقليمية التي تريد الدفع بمنطقة شمال افريقيا و الساحل الافريقي إلى مزيد من الانقسامات و الصراعات.
إرسال وحدات عسكرية خارج الحدود لحفظ السلم و الأمن..آلية لتجسيد مبادئ السياسة الخارجية
تتميز العقيدة العسكرية للجيش الجزائري بأنها “عقيدة دفاعية” و لا تسعى للتعدي على سيادة الدول، و أساسها هو ردع أي تهديد قد يطال حالة الأمن و الاستقرار الداخلي للدولة. خروج الجيش الجزائري في اطار حفظ الأمن تحت غطاء دولي يتماشى مع مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية التي تركز دائما على حفظ السلم و الأمن في العالم. لذلك سيكون الجيش الجزائري “آلية” لتجسيد السياسة الخارجية للجزائر في الواقع.
وقد ذكر سابقا عضو الهيئة الإعلامية بوزارة الدفاع الوطني مصطفى مراح أن مقترح خروج الجيش خارج الحدود يأتي لثلاثة أسباب رئيسية وهي حماية الجزائر من مخاطر التنظيمات الإرهابية في الدول المتاخمة، إضافة إلى تعزيز دورها الدبلوماسي، وفاعلية سياستها الخارجية. كما أكد أيضا أن التعديل المقترح يخدم المصالح الحيوية للجزائر، من خلال بناء سياسات دفاعية تستند على اتفاقيات ثنائية مع الدول المجاورة، لا سيما في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية.
” لذلك يجب على الجزائر أن تضاعف من دورها و أن تكون الفاعل الكبير في المنطقة الافريقية، خاصة باعتبارها “عمقا استراتيجيا” لا يجب أن يترك للفراغ الذي قد تستغله أطراف و قوى معادية لتشكّل تهديدا آخر للوحدة الداخلية و المصالح الخارجية للجزائر “.
رابط مختصر…https://www.europarabct.com/?p=76053
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات