خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن القومي ـ ما هو دور الشركات الألمانية في تمويل المجهود الحربي الروسي؟
دفعت الشركات الألمانية ما يقرب من ملياري دولار (1.72 مليار يورو) ضرائب لروسيا منذ حرب أوكرانيا، وهو ما يكفي لتمويل 10 آلاف طائرة بدون طيار هجومية تستهدف المدن الأوكرانية، ومع ذلك فإن أكثر من نصف الشركات الألمانية التي عملت في روسيا قبل الحرب لا تزال تتعامل مع روسيا، ممولةً بذلك المجهود الحربي، ويدعو المنتقدون إلى انسحاب فوري. من الناحية القانونية، لا تزال نحو 250 شركة ألمانية عاملة في روسيا تمارس نشاطها دون أي مخالفات. وكثير من هذه الشركات، لا تخالف من حيث المبدأ لوائح الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يعتقد المنتقدون أن المساهمة في تمويل صندوق الحرب للكرملين هي قضية يجب معالجتها.
الشركات تدعم اقتصاد الحرب الروسي
يقول نذير سيناني، مدير منظمة B4Ukraine، وهي تحالف عالمي لمنظمات المجتمع المدني يسعى إلى منع الوصول إلى الموارد الاقتصادية لروسيا: “إن الشركات تدعم اقتصاد الحرب الروسي من خلال الضرائب التي تدفعها”. ويضيف: “إنهم، من خلال البقاء في البلاد، يساهمون بشكل مباشر في الاقتصاد الروسي، وهذا يعني أنهم متورطون في تمويل المجهود الحربي الروسي”. تابع سيناني: “أن هذه الشركات الأجنبية تواصل بوضوح المساهمة في الاقتصاد الروسي، وبالتالي دعم الحرب”. وأكد: “أن هذه ثغرة يجب سدّها”. ووفقًا لتقرير صادر عن كلية كييف للاقتصاد، ومنظمة B4Ukraine، ومبادرة “الضغط على بوتين”، دفعت الشركات الدولية التي لا تزال تعمل في روسيا ما لا يقل عن 20 مليار دولار (17.2 مليار يورو) ضرائب للدولة الروسية في عام 2024 وحده، ومن بينها شركات ألمانية.
ومنذ حرب أوكرانيا في فبراير 2022، وصل المبلغ الإجمالي إلى أكثر من 60 مليار دولار (51.8 مليار يورو). أحد الأمثلة حجم هذا الإنفاق؛ وفقًا لمنظمة B4Ukraine، تدفع روسيا نحو 18,400 دولار أميركي (16 ألف يورو) لكل عقد لتجنيد شخص واحد للخدمة العسكرية في الحرب ضد أوكرانيا. ويعادل مجموع الـ60 مليار دولار ما يقرب من نصف ميزانية الدفاع الروسية لعام 2025 (145 مليار دولار 125 مليار يورو)، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو ما يكفي لتمويل أكثر من مليون جندي روسي.
ماذا تقول الشركات الألمانية؟
تعد الشركات الألمانية ثاني أكبر دافعي الضرائب في خزائن الكرملين بعد الشركات الأميركية. وفي عام 2024، دفعت الشركات التي يقع مقرها في الولايات المتحدة 1.2 مليار دولار (1 مليار يورو) كضرائب أرباح إلى الكرملين، بينما أنفقت الشركات الألمانية 594 مليون دولار (513.5 مليون يورو)، وفقًا لتقرير KSE الذي شارك في تأليفه مع B4Ukraine ومبادرة Squeezing Putin. وتشير تقديرات بورصة كيه إس إي إلى أن الشركات الألمانية دفعت في الفترة من 2022 إلى 2024 ما يصل إلى 2 مليار دولار (1.72 مليار يورو) سنويًا في شكل ضرائب مختلفة إلى روسيا، وهي الأموال التي، وفقًا لسيناني، تموّل الصواريخ والقنابل التي تدمّر المدن الأوكرانية. ولوضع الأمر في الإطار الصحيح، باستخدام هذه الأموال تستطيع روسيا شراء نحو 10 آلاف طائرة هجومية بدون طيار من طراز “شاهد” المصممة في طهران، وهي واحدة من أكثر أدوات الإرهاب شيوعًا ضد المدن الأوكرانية وغيرها من الأهداف المدنية.
ومن أبرز الشركات شركة تصنيع الجبن هوشلاند، تدير شركة هوشلاند مواقع إضافية في جميع أنحاء أوروبا منها 4 في ألمانيا، و3 في بولندا، و2 في رومانيا، وواحد في كل من بلغاريا وبلجيكا وإسبانيا. أفادت الشركة “لدينا مسؤولية تجاه موظفينا البالغ عددهم حوالي 1800 موظف وعائلاتهم، بالإضافة إلى شركائنا القدامى في مجموعة هوشلاند في روسيا”. تملك مجموعة هوشلاند 3 مصانع في روسيا: واحد في منطقة موسكو، وواحد في قرية بروخوفكا في منطقة بيلغورود، على بعد ساعتين تقريبًا من الحدود الأوكرانية، وواحد في بيلينسكي، وهي بلدة صغيرة في منطقة بينزا. رغم الحرب، تواصل الشركة عملها في روسيا، فالانسحاب ليس خيارًا واردًا. تؤكد الشركة أنها “تدين بشدة حرب الحكومة الروسية غير المبررة ضد أوكرانيا”. ومع ذلك، لا تخطط شركة هوشلاند لبيع عملياتها الروسية، على الرغم من “انخفاض كبير في الربحية في عام 2024″، وأضافت الشركة أنه إذا انسحبت “فإن الدولة الروسية ستستفيد أكثر”، مشيرة إلى أن هوشلاند “لم يفقد الأمل بعد في عودة روسيا في نهاية المطاف إلى مجتمع القيم الغربي”.
مغادرة روسيا مسعى باهظ التكلفة
أصبحت مغادرة الشركات من روسيا أكثر تكلفة. ففي عام 2024، أعلنت روسيا أن إجراءات خروج الشركات الأجنبية ستزداد تكلفة، وفقًا لوزير المالية أنطون سيلوانوف، وارتفعت الضريبة على قيمة بيع الأعمال من 15% إلى 35%. كما رُفعت نسبة الخصم المطلوب من الشركات تقديمه عند بيع أصولها من 50% إلى 60%. وتحتاج الشركات إلى موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصفقات التي تتجاوز قيمتها 50 مليار روبل (حوالي 526 مليون دولار أميركي. وبحسب هيئة الضرائب الفيدرالية الروسية، يبلغ معدل ضريبة دخل الشركات الأجنبية هناك 25%، وهو نفس المعدل بالنسبة للشركات المحلية. لكن الشركات في روسيا لا تدفع الضرائب فحسب، بل تحقق أرباحًا . وتشير تقديرات بورصة KSE إلى أن إجمالي مبيعات الشركات الألمانية في روسيا في عام 2024 سيبلغ حوالي 21.7 مليار دولار.
أفادت بورصة كيه إس إي في يوليو 2025 أن 503 شركات دولية فقط، أو 12%، انسحبت بالكامل من روسيا عن طريق بيع أو تصفية عملياتها. أوقف ما يقرب من ثلث الشركات (33.2%، أي 1,387 شركة) عملياتها أو أعلنت عن خطط للانسحاب، في الوقت نفسه لا تزال 2,287 شركة (54.8%) نشطة في السوق الروسية. بالنسبة للشركات الألمانية، لا تزال 55% من الشركات التي كانت نشطة قبل الحرب تعمل في روسيا، وفقًا لـB4Ukraine. وأعلنت 135 شركة أخرى رسميًا أنها ستوقف عملياتها أو تقلصها مؤقتًا، ولم تُكمل سوى 74 شركة انسحابها من خلال البيع أو التصفية. حذر سيناني من أن تدخّل الشركات الألمانية يتجاوز بكثير مجرد دفع الضرائب. وأوضح قائلًا: “ببقائها في روسيا، تُخاطر هذه الشركات بالتورط في حرب البلاد”.
شركات ألمانية ترفض الاتهامات
هذا تحديدًا ما اتُّهمت به شركة كناوف. فوفقًا لبحث أجرته مجلة “مونيتور” السياسية التابعة لقناة ARD الألمانية العامة، شاركت الشركة في إعادة إعمار ماريوبول في روسيا، حيث ورد أن أحد موزعي كناوف بنى مشروعًا سكنيًا باستخدام مواد الشركة نيابةً عن وزارة الدفاع الروسية وأعلن عنه علنًا. فبعد الحصار الروسي في العام 2022، أصبحت مدينة الميناء الأوكرانية على بحر آزوف في حالة “خراب”، تُصوّر وسائل الإعلام الروسية اليوم المدينة كموقع بناء ضخم، إذ تُخطط موسكو لتحويل ماريوبول إلى مدينة روسية، وتُظهر صور مواقع البناء عادةً حقائب تحمل شعار شركة كناوف، إحدى أنشط الشركات الألمانية في روسيا. أفادت كناوف: “نحن نرفض بشكل قاطع كل الادعاءات بأننا ندعم بشكل مباشر أو غير مباشر هذه الحرب أو تسليح الجيش الروسي”. وأوضحت الشركة: “أنه ليس لدى شركة كناوف أي علاقات تعاقدية مع وزارة الدفاع الروسية أو مع أي سلطات تابعة لها”.
تُصرّ شركة كناوف على أن فروعها الروسية لا تُورّد منتجاتها إلى جهات حكومية. وتُشير الشركة إلى أن موادها روسية الصنع تُباع حصريًا تقريبًا لتجار التجزئة المستقلين في قطاع البناء، وتدّعي أنها لا تملك أي وسيلة للتحكم في العملاء الذين يبيع لهم تجار التجزئة منتجاتها بعد شرائها. في عام 2024، أعلنت شركة كناوف عن نيتها الانسحاب من السوق الروسية. ومع ذلك، أفادت الشركة: “أن المفاوضات مع مشترٍ محتمل قد فشلت للأسف”، وأضافت: “قطع شريك التفاوض المحادثات”. وتدرس الشركة حاليًا خيارات أخرى لتنفيذ انسحابها. ومنذ إعلان انسحابها، لم تجنِ مجموعة كناوف أي أرباح من عملياتها في روسيا، وفقًا للشركة. ويُدار العمل في روسيا بشكل منفصل من قِبل قيادة محلية. أكدت شركة كناوف التزامها بإعادة إعمار أوكرانيا. وتُشغّل الشركة مصنعًا في كييف يعمل به 420 موظفًا، وتُشيّد منشأتين جديدتين في غرب أوكرانيا. وأفادت الشركة: “أنها تدعم أوكرانيا من خلال التبرع بالمنتجات ومشاريع تجديد المدارس والعيادات وغيرها من المرافق”.
المساعدات الألمانية لأوكرانيا
قدمت ألمانيا، لأوكرانيا مساعداتٍ عسكريةً وإنسانيةً وماليةً بقيمة 44 مليار يورو. ومع ذلك، أشار سيناني إلى أن العديد من الشركات الألمانية التي لا تزال نشطة في روسيا تُقوّض هذا الدعم من خلال استمرار وجودها. كما أصبحت العقوبات الاقتصادية ضد روسيا أقل فعالية لأن الشركات الدولية لا تزال تغذي الاقتصاد الروسي. وأوضح: “أن الشركات تدعم الاقتصاد الحربي الروسي ليس فقط من خلال الضرائب، بل من خلال سلاسل التوريد والتكنولوجيا والتدريب التي تقدمها”. فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضخمة على روسيا منذ بدء حرب أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بالإضافة إلى العقوبات التي تم فرضها في عام 2014 بسبب ضم شبه جزيرة القرم، ودعم الحرب في دونباس، والفشل في تنفيذ اتفاقيات مينسك. وتشمل هذه التدابير فرض عقوبات على الأفراد، وقيودًا دبلوماسية وقيودًا على التأشيرات، وعقوبات اقتصادية تهدف إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على روسيا. لكن بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات، لا تزال الحرب مستمرة.
لماذا لم تُحقق العقوبات النتيجة المرجوة؟
يقول سيناني: “السبب الوحيد الذي يجعل البعض يعتقد أن العقوبات غير فعّالة هو عدم تطبيقها بالكامل”. ويرى أن الشركات غير المدرجة على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، والتي تُسهم مع ذلك في الاقتصاد الروسي، تُساهم بشكل غير مباشر في الحرب. يقول مدير منظمة B4Ukraine: “إن عدد الشركات الألمانية الداعمة للاقتصاد الروسي مرتفع بشكل غير مبرر”. ويرى بأنه لا يوجد ضغط أو دعم حكومي كافٍ لدفع هذه الشركات نحو الخروج السريع من السوق الروسية. تايع سيناني قائلًا: “منذ العام 2014، لا نرى سوى تقدم ضئيل للغاية في سحب الشركات من سوق مرتبطة بشكل مباشر بتمويل آلة الحرب الروسية”.ويدعو إلى انسحاب كامل، فهناك أمثلة كافية على كيفية قيام شركات أخرى بذلك، وهو مقتنع بأنه لا يوجد سبب لمواصلة العمل في روسيا. وختم قائلًا: “إن الثمن الذي تدفعه الشركات أعلى بكثير من تكلفة مغادرة البلاد، لأنه يُقاس بمئات الآلاف من الأرواح”.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=111254
