الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

الأمن القومي الألماني ـ لماذا باتت “الحرب المحتملة” محور تفكير الدفاع في ألمانيا؟

ger dfe
أكتوبر 22, 2025

خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات  ـ ألمانيا وهولندا ECCI

الأمن القومي الألماني ـ لماذا باتت “الحرب المحتملة” محور تفكير الدفاع في ألمانيا؟

حذّر المكتب الاتحادي للحماية المدنية والإغاثة في حالات الكوارث في ألمانيا من أن “حتى الحرب لم تعد تبدو مستحيلة كما كانت قبل بضع سنوات”، في تصريح يعكس حجم التحول في نظرة المؤسسات الأمنية والمدنية الألمانية إلى البيئة الدولية الراهنة وما تثيره من مخاطر محتملة. وللمرة الأولى منذ أكثر من (35) عامًا، يصدر المكتب الاتحادي للحماية المدنية والإغاثة في حالات الكوارث (BBK) تحذيرًا صريحًا من إمكانية اندلاع حرب تمسّ البلاد أو القارة الأوروبية. هذا التطور يعكس إدراكًا متزايدًا لدى السلطات الألمانية بضرورة الانتقال من مرحلة الطمأنينة التقليدية إلى مرحلة “التحوّط المنهجي”، بعد أن باتت الأزمات الأمنية والطبيعية والهجينة جزءًا من الواقع اليومي للأوروبيين.

أهمية تعزيز ثقافة الاستعداد والتأهب لدى المواطنين

ورغم تأكيد الوكالة الفيدرالية أن ألمانيا لا تزال من أكثر الدول أمانًا في العالم، فإنها شددت في الوقت ذاته على أهمية تعزيز ثقافة الاستعداد والتأهب لدى المواطنين. وجاء في البيان الرسمي الصادر عن المكتب أن الهدف ليس إثارة الخوف، بل بناء قدرة مجتمعية على الصمود في وجه الأزمات، سواء كانت حروبًا أو كوارث طبيعية أو أزمات تكنولوجية. وفي هذا السياق، أُعيد إصدار دليل جديد موسع حول “الاستعداد للأزمات والكوارث” يتضمن نصائح عملية وإرشادات محدثة لمواجهة الظروف الطارئة، وهو أول تحديث بهذا العمق منذ عام 1990.

الدليل لم يقتصر على القضايا التقليدية، بل تطرق للمرة الأولى إلى التهديدات العسكرية والهجينة، ومنها الهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، واستراتيجيات التضليل الإعلامي، والتخريب، وأشكال الحرب الحديثة التي تجمع بين الوسائل الرقمية والميدانية. أوضح رئيس الهيئة، رالف تيسلر، أن الحرب في أوكرانيا مثّلت نقطة تحول كبرى في الوعي الألماني، إذ دفعت المواطنين والسلطات إلى التساؤل حول مدى استعداد البلاد فعليًا لأي طارئ. وأضاف: “نشهد وضعًا عالميًا يُقلق الكثيرين، ومن خلال دليلنا الجديد نسعى إلى تقديم الدعم والتوجيه لكل من يحتاج إلى معلومات دقيقة ومنهجية حول كيفية التعامل مع الأزمات”.

يشرح الدليل طرق التعامل مع المعلومات المضللة، وسبل التحقق من الأخبار في حالات الطوارئ، وكيفية تحديد أماكن اللجوء الآمنة في حال وقوع انفجار أو كارثة. كما يتناول الدليل الجوانب النفسية للأزمات، فيقترح آليات للتعامل مع الخوف والقلق والضغوط النفسية التي تصاحب المواقف الحرجة، مؤكدًا أن إدارة المشاعر جزء أساسي من الاستعداد الفعّال.

التحول في المفهوم العام للأمن المدني

من الملاحظ أن الإصدارات السابقة لهذا الدليل، منذ عام 1990، ركزت على الكوارث الطبيعية فقط مثل الفيضانات والعواصف والانهيارات الأرضية، إلى جانب الأعطال الفنية التي قد تؤثر على خدمات الطاقة أو الاتصالات. إلا أن تجارب أوروبا الأخيرة، مثل العواصف العاتية التي ضربت إسبانيا والبرتغال في أبريل (2025)، أظهرت أن الكوارث الحديثة باتت متعددة الأبعاد وتحتاج إلى مقاربات شاملة. لذلك، جاء الدليل الجديد ليعكس هذا التحول في المفهوم العام للأمن المدني، وليضع المواطن في قلب منظومة الحماية الوطنية.

فيما يتعلق بالإجراءات العملية، يوصي الدليل بأن تكون كل أسرة في ألمانيا قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى عشرة أيام، بحيث تشمل المواد الغذائية، والمياه الصالحة للشرب، والأدوية الأساسية، ومستلزمات النظافة، وأدوات الإضاءة والتدفئة البديلة. وأوضح تيسلر أن هذه المدة تمثل الحد الأدنى المطلوب لتجاوز المرحلة الأولى من أي أزمة، ريثما تتدخل السلطات وتعيد الخدمات الأساسية إلى وضعها الطبيعي.

يقرّ تيسلر بأن الاستعدادات تختلف من أسرة إلى أخرى، نظرًا لتفاوت الظروف الاقتصادية وعدد الأفراد وأنماط المعيشة. لذلك، لا يفرض المكتب قواعد صارمة، بل يقدم إطارًا عامًا يمكن لكل مواطن تعديله بحسب احتياجاته الخاصة. وقال تيسلر: “لا توجد قواعد ثابتة فيما يتعلق بالاستعداد للطوارئ؛ فكل فرد عليه أن يحدد ذلك بنفسه وفق إمكانياته، لكن من المهم أن يبدأ بخطوة مهما كانت صغيرة، لأن كل خطوة في هذا الاتجاه تزيد من قدرتنا على الصمود كمجتمع”.

استطلاع راي يدق ناقوس الخطر

بحسب استطلاع للرأي أجرته الهيئة، تبين أن (53%) من المشاركين في ألمانيا لم يتخذوا أي احتياطات محددة حتى الآن، رغم إدراكهم لأهمية الموضوع. واعتبر تيسلر أن هذه النسبة تدق ناقوس الخطر، مؤكدًا أن “كل خطوة صغيرة في التحضير أفضل من لا شيء على الإطلاق، لأن تلك الخطوات الصغيرة العديدة تعني أنك لست عاجزًا في مواجهة الأزمات، بل قادر على التصرف بوعي ومسؤولية”.

ولمساعدة المواطنين على التخطيط بشكل عملي، أرفق الدليل قائمة تحقق شاملة تتيح للأسر حساب كمية الإمدادات المطلوبة بدقة. فمثلًا، إذا رغبت عائلة مكوّنة من الوالدين وطفلين في الاستعداد المثالي لمدة عشرة أيام، فسيتضح سريعًا أن المسألة لا تتعلق فقط بالتكلفة المالية، بل بتوفير مساحة تخزين كافية في المنزل. وتوصي الهيئة بالبدء التدريجي في جمع الإمدادات بدلاً من الشراء المكثف دفعة واحدة، لتفادي الضغط الاقتصادي ولضمان تخزين مواد غير قابلة للتلف.

ومن بين التوصيات التقنية، يحث المكتب الفيدرالي على استخدام التطبيقات التحذيرية الرسمية للحصول على المعلومات في الوقت المناسب عند حدوث أي خطر أو انقطاع في الخدمات العامة. إلا أنه يشير إلى احتمالية انقطاع التيار الكهربائي أو شبكات الاتصال في حالات الأزمات الكبرى، وهو ما يجعل الاعتماد على الوسائل الرقمية وحدها أمرًا غير كافٍ. ولهذا السبب، ينصح الدليل بامتلاك مصباح يدوي يعمل بالطاقة الشمسية أو بمقبض يدوي، وجهاز راديو يعمل بالبطارية، وموقد تخييم صغير أو موقد كحولي للطهي عند الحاجة، إلى جانب بطاريات احتياطية وأدوات إسعاف أولي.

تعزيز الشعور بالقدرة والسيطرة وليس الخوف

يشدد تيسلر على أن الهدف من هذه الإرشادات هو تعزيز الشعور بالقدرة والسيطرة وليس الخوف، موضحًا أن التحضير المسبق يمنح الأفراد ثقة في مواجهة المجهول. كما أكد أن المكتب الاتحادي للحماية المدنية لا يعمل بمعزل عن المجتمع، بل بالتعاون مع المدارس والبلديات والمنظمات التطوعية، لإدماج مفهوم “الجاهزية المدنية” في الحياة اليومية للألمان.

تأتي هذه التحذيرات والإرشادات في ظل تحول المناخ الأمني الأوروبي، حيث تتزايد المخاوف من تداعيات الحرب في أوكرانيا، ومن احتمالات التصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). كما أثرت الهجمات الإلكترونية المتكررة على المنشآت الحيوية الأوروبية، بما في ذلك محطات الطاقة وشبكات المياه، في تعزيز قناعة السلطات الألمانية بضرورة الرفع من منسوب الحذر العام.

في المحصلة، يمكن القول إن ألمانيا تدخل مرحلة جديدة من التفكير الاستراتيجي في الأمن المدني والمجتمعي. فبعد عقود من الاطمئنان النسبي، تعود البلاد لتذكير مواطنيها بأن السلام ليس أمرًا مسلمًا به، وأن الحماية الفعالة تبدأ من داخل البيوت قبل أن تكون مسؤولية الدولة. وكما أكد رالف تيسلر في ختام كلمته: “لا يمكننا أن نمنع كل أزمة، لكن يمكننا أن نكون مستعدين لها بما يكفي لنحافظ على تماسكنا وقوتنا كمجتمع”.

رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110838

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...