المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
بون ـ حازم سعيد، باحث أقدم في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن القومي الألماني ـ الطائرات بدون طيار، تحدٍّ أمنيٌّ يفوق قدرات الدفاع التقليدي
أُغلق مطار “ميونيخ” في الثاني من أكتوبر 2025 بسبب إنذار بوجود طائرة مُسيّرة، مما أدّى إلى توقّف حوالي (3000) مسافر. وتكرّرت مشاهدات الطائرات المُسيّرة الثالث من أكتوبر 2025، مما أدّى إلى تحويل مسار أكثر من (20) رحلة جوية، وتأثّر (6500) مسافر. أثارت تحليقات عديدة لطائرات مسيّرة مجهولة المصدر فوق المطارات والمنشآت العسكرية الدنماركية جدلًا واسعًا. كما رُصدت طائرات مسيّرة فوق “شليسفيغ-هولشتاين” أعلنت قيادة شرطة “فرانكفورت أم ماين”، أن طيّارًا هاويًا حلّق بطائرة مسيّرة لفترة وجيزة في منطقة حظر الطيران. واكتشف ضباط الشرطة الفيدرالية الطائرة المسيّرة، وصادفت دورية شرطة الطيّار بعد ذلك بوقت قصير. ووفقًا للمعلومات الأمنية، كان الطيّار يريد “اختبار طائرته المسيّرة التي حصل عليها حديثًا لفترة وجيزة”.
استهداف البنية التحتية لا يزال مقلقًا
أعلنت “هيئة مراقبة الحركة الجوية الألمانية” (DTC) أنها سجلت 144 رحلة غير قانونية لطائرات بدون طيار بالقرب من المطارات حتى سبتمبر 2025. وفي نفس الفترة من العام 2024، كان هناك (113) حالة، و(99) حالة فقط في العام 2023. ويُعد مطار فرانكفورت هو المطار الأكثر تضررًا، حيث بلغ عدد الحالات (35) حالة. في حال وقوع حالات مشابهة لتلك التي وقعت في الدنمارك في ألمانيا، عادةً ما يكون لدى السلطات عدة خيارات للدفاع عن نفسها ضد الطائرات المسيّرة. مع ذلك، من غير المرجح حدوث ذلك، نظرًا لعدم وجود إطار قانوني مناسب لمثل هذه الحالات.
توضح هيئة مراقبة الحركة الجوية الألمانية (DTC)، عادةً ما يُبلّغ طيارو الطائرات التي تقلع أو تهبط عن تحليق الطائرات المسيّرة قرب المطارات، كما تُرصد من برج مراقبة المطار المعني. في حالات الطوارئ، يجب إيقاف عمليات الوصول والمغادرة كإجراء احترازي. ويُحظر قانونًا تحليق الطائرات المسيّرة ضمن دائرة نصف قطرها 1.5 كيلومتر من المطارات، ويُعاقَب عليه بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات. الناتو وروسيا ـ بحر البلطيق كمنطقة استراتيجية ونقاط الاحتكاك
وزارة الداخلية: إنشاء مركز جديد للدفاع عن الطائرات المسيّرة
حدّد “ألكسندر دوبريندت” حزمة من الإجراءات التي لخّصها بثلاثية “التمكين، والتسليح، والدمج”. في هذا السياق ، يرى “دوبريندت” أن “التمكين” يعني في المقام الأول إنشاء إطار قانوني واضح، إذ يتعين تنظيم المسؤوليات والصلاحيات وآليات الرقابة بشكل واضح حتى تتمكن خدمات الطوارئ من التصرف بيقين قانوني. تهدف نقطة “التسليح “إلى تزويد الوحدات المسؤولة بالتكنولوجيا المناسبة. ويقصد بـ”الدمج” التعاون الوثيق بين سلطات الأمن والدفاع من أجل تقصير أوقات الاستجابة وتوضيح المسؤوليات.
صرّح “ألكسندر دوبريندت” في الرابع من أكتوبر 2025 في مؤتمر صحفي عُقد في ميونيخ مع عدد من نظرائه الأوروبيين: “سننشئ وحدة دفاع عن الطائرات المسيّرة مخصصة ضمن الشرطة الاتحادية، وستُمكّنها من التزود المستمر بأحدث التقنيات في هذا السباق بين تهديدات الطائرات المسيّرة والدفاع عنها”. كما أكد إنشاء مركز جديد للدفاع عن الطائرات المسيّرة، موضحًا: “سيتم إنشاء وحدة تطوير وأبحاث قادرة على فهم هذا السباق تقنيًا. وتابع “دوبريندت”: “سيكون هناك تعاون أيضًا مع إسرائيل وأوكرانيا في هذا الشأن، ونرى أنه سيكون هناك تعاون مع أصدقائنا الأوروبيين ومفوضية الاتحاد الأوروبي”. شدد “دوبريندت” على التزامه بالإسراع في وضع الأساس القانوني للجيش الألماني، إلى جانب الشرطة، للمشاركة في الدفاع ضد الطائرات المسيّرة في إطار المساعدة الإدارية المتبادلة.
حذَّر “دانييل هيجيدوس”، من صندوق “مارشال” الألماني للولايات المتحدة، بشأن مصطلح “جدار الطائرات بدون طيار”. فهو لا ينكر ضرورة تطوير ألمانيا والدول الأوروبية واقتناء قدرات دفاعية ضد الطائرات بدون طيار في أسرع وقت ممكن. لكن من المشكوك فيه “ما إذا كان برنامج أوروبي شامل هو النهج الأكثر فعالية حقًا”، كما قد تتصوره مفوضية الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء. صرّح “هيجيدوس”: “لا توجد دفاعات منيعة”، ويتناول الخبير التكاليف الباهظة لجدار الدفاع الجوي، والذي سيستغرق تشغيله من عام إلى عامين على الأقل”. ويقترح “هيجيدوس” توضيحًا للقيادة في موسكو، من منظور التكلفة والفائدة فقط، أن الهجمات الهجينة غير مجدية لروسيا من خلال اتخاذ خطوات ستكلّف روسيا غاليًا على الفور. التجسس ـ هل تمثّل الطائرات المسيرة خطرًا أمنيًا على البنية التحتية الألمانية؟
حوادث الطائرات المسيّرة تُثير حالة من عدم اليقين
يُدرك “بوريس بيستوريوس” وزير الدفاع الألماني أن حوادث الطائرات المسيّرة تُثير حالة من عدم اليقين في أوروبا لا سيما ألمانيا، ويدعو إلى تقييم الوضع بعقلانية وهدوء، عقب رصد طائرات مسيّرة بشكل متكرر فوق المطارات الألمانية. صرّح بيستوريوس: “أنه يتفهم حالة عدم اليقين، إذ لم يسبق أن طُرح مثل هذا النقاش”. وأضاف بيستوريوس: “لهذا السبب، من المهم للغاية النظر إلى الوضع بعقلانية وهدوء فحتى الآن، لم تُشكل الطائرات المسيّرة المرصودة أي تهديد ملموس”.
يرى “بيستوريوس” أن انتهاكات روسيا للمجال الجوي وتحليق الطائرات المسيّرة يهدفان أساسًا إلى خلق حالة من عدم اليقين. مضيفًا: “الأمر يتعلق بالاستفزاز، وإثارة الخوف، وإثارة نقاشات مثيرة للجدل. وتابع “بيستوريوس”: “بوتين يعرف ألمانيا جيدًا، كما نعلم جميعًا كما أنه يعرف ردود أفعالها”. أكد “بيستوريوس”: “أن ألمانيا تُحرز تقدمًا هائلًا في مجال الدفاع عن الطائرات المسيّرة، وفي الوقت نفسه، خفّف من سقف التوقعات المُتوقعة من الجيش الألماني”.
يوضح بيستوريوس: “لا يُمكن للجيش الألماني أن يتواجد في كل مكان في ألمانيا حيث تظهر الطائرات المسيّرة ويُسقطها، من الأهم بكثير أن تُطوّر قوات الشرطة الفيدرالية وقوات الشرطة المحلية القدرات اللازمة للعمل على ارتفاع مُعيّن”. كما يُشكك “بيستوريوس” في خطط وزير الداخلية الاتحادي “ألكسندر دوبريندت” لإنشاء مركز دفاع ضد الطائرات المسيّرة. تابع وزير الدفاع قائلًا: “سيكون هذا المركز مسؤولًا فقط عن أي تهديد محتمل من الطائرات المسيّرة. ومع ذلك، علينا أن نتوقع وجود سيناريوهات تهديد متعددة. لذلك، نحتاج في المقام الأول إلى وعي مشترك بالوضع على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع”.
استشهد “بيستوريوس” على سبيل المثال، بحادثة حرائق الغابات أو انقطاع التيار الكهربائي التي وقعت في وقت واحد في مواقع مختلفة بألمانيا. موضحًا: “يجب أن تتجمع جميع البيانات ذات الصلة بتقييم الوضع الأمني في ألمانيا في نقطة واحدة. عندها فقط يمكننا تحديد ما إذا كانت هناك صلة محتملة وسبب مشترك لهذه الأحداث التي تبدو معزولة”. أمن دولي ـ مفاوضات روسيا وأوكرانيا، الفرص والعقبات
مجلس الأمن القومي: تمكين الاستجابة السريعة للأوضاع الأمنية
بات من المتوقع أن يعقد مجلس الأمن القومي الجديد أول اجتماع له، ويُعزى ذلك إلى تزايد عدد مشاهدات الطائرات المسيّرة، التي شلّت مطار ميونيخ، يهدف هذا المجلس إلى تعزيز عمل السلطات الأمنية وتمكين الاستجابة السريعة للأوضاع الأمنية الراهنة. ومن المقرر أن يبدأ المجلس أعماله خلال أكتوبر 2025. لا تستطيع وكالات الاستخبارات والشرطة تأكيد أو استبعاد التورط الروسي في حوادث الطائرات بدون طيار، مضيفةً أنه في بعض الحالات لم يكن من الواضح حتى ما إذا كانت الحوادث عبارة عن طائرات بدون طيار أو طائرات صغيرة.
تعمل عدة جهات على إعداد تقرير موحّد عن الوضع، إذ تقوم هيئة الاستخبارات الفيدرالية بجمع المعلومات من الدول المجاورة، وتنسّق وزارة الداخلية الفيدرالية مع الشرطة الفيدرالية والولايات، ويساهم الجيش الألماني بمعلوماته الخاصة. شكَّل مجلس الأمن القومي من مجلس الأمن الاتحادي، ويضم أعضاؤه الدائمون المستشار الاتحادي، ورئيس المستشارية الاتحادية، بالإضافة إلى وزراء الخارجية، والداخلية، والمالية، والعدل، والشؤون الاقتصادية، والتعاون الإنمائي. يعتزم وزير الداخلية الاتحادي ألكسندر دوبريندت إنشاء وحدة دفاع عن الطائرات المسيّرة ضمن الشرطة الاتحادية.
“فرونتكس” تلعب دورًا أكبر في الدفاع عن الطائرات بدون طيار
أشار مفوض الاتحاد الأوروبي “ماغنوس برونر” إلى الأهمية الكبرى للمبادرة الأوروبية لمواجهة الطائرات المسيرة، وطرح نهجه الثلاثي الأبعاد: التكامل، والابتكار، والاستثمار. يمكن أن تلعب “فرونتكس” دورًا أكبر في الدفاع عن الطائرات بدون طيار في المستقبل. إذ يُعاد التفاوض على المسؤوليات المحددة. وأشار “برونر” إلى أن أموال حماية الحدود ستُستخدم بشكل متزايد في الدفاع عن الطائرات المسيرة والمراقبة مستقبلًا، وبالتالي يمكن لفرونتكس أن تتولى مهام جديدة. تُركّز الاستراتيجية التقنية للفترة (2023/2027) بالفعل على الطائرات بدون طيار والتقنيات ذات الصلة. وينعكس ذلك في أرقام النشر: فقد ارتفعت ساعات الطيران التي أبلغت عنها فرونتكس من 3,307 (2023) إلى 4,993 (2024) بزيادة تزيد عن (%50).
تقييم وقراءة مستقبلية
– تعكس التحركات الألمانية تجاه تهديدات الطائرات المسيّرة إدراكًا متزايدًا لطبيعة التحديات الأمنية الهجينة، والتي تتجاوز الحدود التقليدية للدفاع العسكري. إغلاق مطار ميونيخ وتعطيل آلاف المسافرين، وكذلك المشاهدات المتكررة لطائرات مسيّرة مجهولة فوق مواقع حساسة، كشفا مدى ثغرات البنى التحتية المدنية والعسكرية أمام تقنيات صغيرة، غير مكلفة، يصعب تتبعها.
– يشير إعلان وزير الداخلية “ألكسندر دوبريندت” عن تأسيس مركز جديد للدفاع عن الطائرات المسيّرة، إلى تحوّل في العقيدة الأمنية نحو تخصيص وحدات متخصصة تتمتع باستقلالية تقنية وبحثية، وتعتمد على التعاون الدولي، لا سيما مع أوكرانيا وإسرائيل، وهي دول لديها خبرة ميدانية في هذا النوع من التهديدات. يواجه هذا الطرح تحفظات من قبل شخصيات بارزة مثل وزير الدفاع “بيستوريوس”، الذي يرى أن الحل يجب أن يكون أكثر شمولية ومرتبطًا بتعزيز الوعي الأمني وتبادل البيانات بين المؤسسات.
– لا يتعلّق القلق الألماني بالتهديد الفعلي للطائرات المسيّرة، بل بطبيعة الحرب الرمزية والهجينة التي توظفها جهات معادية ـ وعلى رأسها روسيا ـ لبث الذعر وإرباك الدولة عبر رسائل نفسية أمنية. من هذا المنطلق، فإن توحيد جهود الاستخبارات والشرطة والجيش في مجلس الأمن القومي الجديد يُعدّ خطوة محورية لتجاوز حالة الانقسام المؤسساتي، وتسهيل التقييم المتكامل لأي تهديد محتمل.
– ستضطر ألمانيا إلى الموازنة بين تطوير منظومات الحماية الجوية القصيرة المدى والرصد الإلكتروني الفوري، وبين التعامل القانوني والعملي مع الاستخدام المدني للطائرات المسيّرة من قبل الأفراد. كما أن الضغط الأوروبي باتجاه بناء “جدار دفاع جوي” أوروبي سيصطدم باعتبارات الكلفة، والسيادة الوطنية، والفعالية الحقيقية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110277
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Drohnenvorfälle: Nationaler Sicherheitsrat soll beraten
https://tinyurl.com/rxeh88s6
Drohnen über Europa: Wie kann sich die EU besser wehren?
https://tinyurl.com/22eawf7b
Angriff im “Herzen Europas” – Drohnensichtungen überschatten das Munich Migration Meeting
https://tinyurl.com/2ukjzjzj
