خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن القومي الألماني ـ الطائرات بدون طيار، إجراءات مبتكرة وتدابير مضادة
تشهد ألمانيا حالة من القلق بسبب سلسلة من الاختراقات الغامضة لطائرات بدون طيار، يُعتقد أنها من روسيا، فوق قواعد عسكرية ومواقع صناعية ومطارات. في أكتوبر 2025، أكدت الحكومة الألمانية إنها ستمنح الشرطة الفيدرالية صلاحيات لإسقاطها. لكن في مهبط الطائرات بالقرب من مدينة ماغديبورغ بشرق ألمانيا، كان باحثون من المركز الألماني لأبحاث الفضاء (DLR) يختبرون خيارات أكثر دقة للتعامل مع الطائرات بدون طيار المعادية المحتملة. ستنشر ألمانيا طائرات يوروفايتر مقاتلة في قاعدة مالبورك الجوية البولندية لحماية الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ظل تنامي الاختراقات للطائرات بدون طيار. صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل : “سنساهم في حماية الجناح الشرقي برحلات دورية” .
التدابير المضادة للدفاع ضد الطائرات بدون طيار يجب أن تكون مصممة بدقة
يقول يوهان داور، الذي يقود أبحاث الطائرات بدون طيار في معهد أنظمة الطيران التابع للمركز الألماني للطيران والفضاء: “إن التدابير المضادة المستخدمة للدفاع ضد الطائرات بدون طيار تختلف اختلافًا كبيرًا، ويجب أن تكون مصممة بدقة شديدة لتناسب الموقف”. أضاف داور: “إذا كنت أريد حماية حشد من الناس على سبيل المثال في حفل موسيقي أو حدث سياسي فإنني بالطبع لا أريد أن أتسبب في تحطم طائرة بدون طيار، وذلك بالنظر إلى خطر الإصابات على الأرض”. تابع داور قائلًا: “أفضل استخدام الشباك أو طائرات الصيد بدون طيار ذات آليات الإمساك لإزالة الطائرة بدون طيار فعليًا”.
إن التحدي الذي تواجهه ألمانيا لا يقتصر على صد الطائرات بدون طيار الروسية المشتبه بها التي تقوم بعمليات مراقبة أو اختبار ردود فعل حلف شمال الأطلسي. فالهواة قد ينحرفون إلى المجال الجوي المحظور، مما يؤدي إلى إطلاق الإنذارات وربما إغلاق حركة المرور في المطارات. وأشار داور إلى أن التشويش على الإشارات والتداخل مع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) باستخدام إحداثيات “مزيفة” هي طرق أخرى للتعامل مع الطائرات بدون طيار دون إطلاق النار عليها في الهواء.
أوضح داور: “إن الحادث السيئ الذي وقع في مطار غاتويك بلندن عام 2018، والذي أدى إلى إلغاء مئات الرحلات الجوية بسبب مشاهدات لطائرات بدون طيار، ساعد في جعل دفاعات الطائرات بدون طيار قضية مدنية”. منذ ذلك الحين، تتزايد التقارير، كما قال داور: “نرى اليوم تقارير جديدة يوميًا تقريبًا، وعلينا أن ندرس عن كثب دفاعات الطائرات المسيرة”.
جهود ألمانية حثيثة
تبذل ألمانيا جهودًا حثيثة للتعامل مع غارات الطائرات بدون طيار، واقترح وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت أن الإنفاق على الدفاعات المدنية ضد الطائرات بدون طيار قد يصل إلى مئات الملايين من اليورو. يقول داور: “إن المساعدة في تحديد الأنظمة التي ينبغي لوكالات الشرطة إنفاق الأموال عليها هي جزء من مهمة البحث والتقييم الخاصة بالطائرات بدون طيا”. تضيف حظائر الطائرات والممرات المنعزلة درجة من السرية لأعمال التطوير الحساسة هناك. لكن الأهم من ذلك أن تركيز المطار على أبحاث الطائرات بدون طيار يعني أنه خالٍ نسبيًا من لوائح السلامة التي من شأنها عادة أن تقيد بشكل صارم الاختبارات التي تتضمن طائرات بدون طيار ومقاتلات اعتراضية.
يعد مطار كوخشتيدت مطارًا يعمل بكامل طاقته، حيث كانت رحلات طيران “رايان إير” تنقل الركاب إلى وجهات العطلات في البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من إلغاء تلك الرحلات منذ فترة طويلة. هذا يعني أنه يمكن الآن اختبار الطائرات بدون طيار والدفاعات المختلفة ودمجها في عمليات المطار، حسبما قال دانييل سولبيرغ، الذي يدير مركز الاختبار التابع لـ(DLR) في كوخشتيدت. تابع سولبيرغ: “إن الإذن بالتشويش والتزييف، والإذن بإطلاق أشعة الليزر على المطارات كل ما لا تريده حقًا في المطارات لأنه قد يشل العمليات موجود هنا”.
مجموعة من معدات الكشف عن الطائرات بدون طيار
استعرض سولبيرغ وداور مجموعة من معدات الكشف عن الطائرات بدون طيار”البصريات والكاميرات المتطورة، ومصفوفات الرادار وغيرها من المعدات” التي كان الباحثون يختبرونها في المنشأة. يتم شراء بعض هذه المعدات من شركات المقاولات الدفاعية والمنتجين التجاريين، ويتم تجميع المعدات الأخرى خصيصًا من قبل عشرات مجموعات البحث العاملة في كوخشتيدت. الهدف هو التوصل إلى أنظمة شاملة لاكتشاف الطائرات بدون طيار، وتحديد ما إذا كانت تشكل تهديدًا، ونشر التدابير المضادة المناسبة.
يكمن التحدي الرئيسي في تحديد أفضل عائد على الاستثمار يمكن نشره على نطاق واسع دون إحداث انفجار في ميزانيات الدفاع المدني. وتأتي بعض الأنظمة المتطورة بأسعار باهظة، مما يحد من جاذبيتها للاستخدام على نطاق واسع. يزيد من التحدي السرعة التي تتغير بها تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، وهو أمر يتجلى بوضوح في ساحات القتال في أوكرانيا، حيث ينخرط الجانبان في سباق مميت لتطوير أسلحة جديدة والتوصل إلى تدابير مضادة.
يقول داور: “نشهد تطورًا وابتكارًا هائلين في مجال التهديدات، وبالطبع يجب على أنظمة الدفاع الجوي المسيّر مواجهة هذا الأمر وتقديم الحلول المناسبة”. أضاف داور: “هذا يعني، من ناحية، أننا نتعرض لقدر من الضغط للابتكار ويجب علينا أن نحقق تقدمًا سريعًا، وفي الوقت نفسه، يتعين علينا أن نحافظ على فعالية التكلفة، فالطائرات بدون طيار التي نقاتلها غالبًا ما لا تكون باهظة الثمن لذلك يجب ألا تكون الحماية مكلفة للغاية”.
النتائج
تعكس التجارب الألمانية في مطار كوخشتيدت تحولًا استراتيجيًا مهمًا في التعامل مع التهديدات الجوية غير التقليدية، خصوصًا الطائرات بدون طيار التي باتت تمثل أحد أبرز ملامح الحرب الحديثة والهجمات الهجينة. فبعد أن كانت تلك التقنيات تُستخدم للأغراض التجارية والترفيهية، أصبحت اليوم أداة للتجسس والتخريب وحتى الهجمات الموجهة، وهو ما دفع برلين إلى إعادة تعريف مفهوم الأمن الجوي المدني والعسكري معًا.
من الناحية الأمنية، يشير تخصيص الحكومة الألمانية ميزانيات ضخمة لتطوير دفاعات ضد الطائرات المسيّرة إلى إدراك متزايد بأن التهديدات المستقبلية قد تأتي من السماء بوسائل غير تقليدية. كما أن إشراك المركز الألماني لأبحاث الفضاء (DLR) في هذه الجهود يرمز إلى الدمج بين البحث العلمي والتطبيق الميداني، في خطوة تهدف إلى إيجاد حلول دقيقة وغير تدميرية، تحافظ على السلامة العامة وتحد من الأضرار الجانبية.
أما سياسيًا، فإن تصاعد الحوادث المنسوبة لروسيا سواء كانت تجسسًا أو اختبارًا لردود فعل حلف الناتو يعكس واقعًا جديدًا في الصراع الأوروبي الروسي، حيث تتجاوز المواجهة الخطوط العسكرية التقليدية لتصل إلى مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني والطائرات الذكية. وهذا يضع ألمانيا في موقع حساس بوصفها القوة الصناعية والعسكرية المحورية في القارة الأوروبية، ما يجعلها هدفًا مباشرًا ومحطة اختبار لتكتيكات الحرب الرمادية.
اقتصاديًا، يمثل تطوير منظومات الدفاع المدني ضد الطائرات المسيّرة تحديًا مزدوجًا؛ فمن جهة تتطلب هذه الأنظمة استثمارات ضخمة في التكنولوجيا، ومن جهة أخرى يجب أن تكون قابلة للتطبيق على نطاق واسع وبكلفة معقولة. لذا، من المتوقع أن تتجه ألمانيا إلى دعم الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا الكشف والتشويش، وتكثيف التعاون مع الاتحاد الأوروبي لتوحيد المعايير الدفاعية.
مستقبلاً، سيزداد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وأنظمة الرصد الذكي لتمييز الطائرات المعادية عن المدنية، فيما قد تشهد ألمانيا إنشاء “درع جوي مسيّر” متكامل يربط بين الجيش والشرطة المدنية. ومع ازدياد التهديدات الروسية والهجمات الإلكترونية، يبدو أن سماء ألمانيا ستتحول إلى مختبر دائم لتجارب الأمن الجوي الرقمي في أوروبا.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110626
