خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن القومي الألماني ـ الحرب الهجينة، كيف تستفيد موسكو من تكتيكات داعش؟
تنظيم داعش وروسيا يستخدمان أساليب متشابهة: الدعاية، والتضليل، والتجنيد المستهدف للفئات الهشة. كانت هذه الأساليب تُستخدم في الماضي ضمن ما يُعرف بالإرهاب، أما اليوم فهي جزء من “الحرب الهجينة” وكلاهما يهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات. في بيانه الحكومي في أكتوبر 2025، اتهم المستشار الألماني فريدريش ميرتس موسكو بشن حرب هجينة ضد الغرب. تجمع الحرب الهجينة بين التكتيكات العسكرية والسياسية والاقتصادية والسيبرانية، لتطمس الخط الفاصل بين الحرب والسلام. وبالمقارنة، اتُّهم تنظيم داعش بممارسة شكل من أشكال الحرب الهجينة، من خلال استخدام الإنترنت لتجنيد الناس وزعزعة استقرار المجتمعات الغربية.
يوضح كاسبر رينكاويك، الباحث البارز ومدير البرامج في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT): “هناك تصور بأن الحرب الهجينة تعني فقط مجرد التضليل الإعلامي، لكنها تشمل جوانب أخرى كثيرة مثل الجريمة المنظمة.” وأضاف: “إذا نظرنا إلى العقيدة العسكرية الروسية، وإلى ما يمكن تسميته بالإرهاب بين الدول أي من دولة ضد دولة نجد أن روسيا تدرك تمامًا أن الحرب الهجينة أداة يمكنها استخدامها.” وأوضح: “أن النهج الروسي يقوم على فكرة واحدة: تجنيد أشخاص ذوي خلفيات مشبوهة لأنهم أكثر مرونة وأسهل في التلاعب بهم”. “هؤلاء هم الحلفاء الطبيعيون لروسيا”، على حد قوله.
هذا النهج يسمح لموسكو بشن حرب هجينة باستخدام المجرمين كوكلاء في أوروبا، تمامًا كما كان تنظيم داعش يُجنّد المجرمين الأوروبيين لتنفيذ عملياته العنيفة. يرى الخبراء تشابهًا بين الطرفين: فأساليب التجنيد والتشغيل لدى الاستخبارات الروسية تشبه تلك التي استخدمها داعش، الذي سعى منذ تأسيسه في أبريل 2013 إلى إقامة دولة شمولية تستند إلى تفسير متشدد للغاية. يُعرف داعش بتكتيكاته الخطيرة التي تُنفّذ غالبًا لتحقيق أكبر أثر إعلامي ممكن، مستهدفًا كل من يعتبره معادياً لإيديولوجيته. ووفقًا لجهاز الاستخبارات الداخلية الألماني، فإن أكبر تهديد يأتي من الأفراد المنفردين أو المجموعات الصغيرة التي تتأثر بدعاية التنظيم.
أوجه التشابه
يعتمد كلٌّ من روسيا وداعش على دعاية مشحونة أيديولوجيًا. كان داعش يستهدف الشباب المسلمين المهمشين حول العالم من الرجال والنساء مقدّمًا لهم إحساسًا بالانتماء والغاية. بين عامي 2012 و2017، أصبحت بعض المساجد في ألمانيا مراكز رئيسية للتجنيد، لا سيما مسجد فوسيلِت 33 في حي موابيت ببرلين. ووجدت دراسة صادرة عن مؤسسة كونراد أديناور أن الخطباء هناك روّجوا للأفكار المتطرفة وأقاموا صلات مع المقاتلين الأجانب في سوريا. في البداية، حثّ هؤلاء الأئمة أتباعهم على الانضمام إلى جماعات مثل جنود الشام، ثم تحولوا لاحقًا إلى دعم تنظيم داعش. ويُعتبر المسجد أهم مركز لتجنيد عناصر داعش في ألمانيا.وكما استخدم داعش بين عامي 2013 و2019 دعايته لاستهداف فئات محددة، تستخدم روسيا رسائل أيديولوجية موجهة سواء دينية أو قومية لبناء الولاء والاستعداد للعمل.
هل تجنّد روسيا من داخل الطوائف الروسية في ألمانيا؟
تستهدف روسيا ليس فقط القوميين، بل أيضًا أولئك المهمشين اجتماعيًا. أوضح الدكتور هانز جاكوب شيندلر، رئيس مشروع مكافحة التطرف (CEP): “أن العميل من المستوى المنخفض المثالي هو من لديه دافع أيديولوجي أو يبحث عن أمان مالي”. وأضاف: “على عكس الجماعات المتطرفة التقليدية، لا يتحرك هؤلاء بدافع الأيديولوجيا وحدها، فالحوافز المالية تلعب دائمًا دورًا. الظروف الاقتصادية الصعبة إلى جانب الميل الأيديولوجي تشكل المزيج الأمثل للتجنيد.” وأشار تقرير صادر عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT) إلى أن روسيا تجنّد بشكل نشط أفرادًا من الفئات المهمشة، وغالبًا من المتحدثين بالروسية في أوروبا، لاستخدامهم كوكلاء في عمليات الحرب الهجينة. وتستغل موسكو نقاط الضعف داخل مجتمعات معينة لخدمة أهدافها الجيوسياسية. يرى المراقبون أنه من الممكن أن تمتد عمليات التجنيد الروسية إلى الجاليات الناطقة بالروسية في ألمانيا.
الفرق يكمن في رد الفعل
يعتمد كل من روسيا وداعش على الدعاية الموجهة والتضليل الإعلامي لإضعاف المجتمعات. استراتيجياتهما متشابهة إلى حد كبير، إذ تمزج بين العنف المباشر ووسائل التخريب غير المباشر. لكن الفرق يكمن في رد الفعل. يوضح رينكاويك: “كنا جميعًا متفقين على أن داعش شر مطلق، أما بالنسبة لروسيا فالوضع مختلف. لهذا السبب فإن رد الفعل تجاه الحرب الهجينة الروسية أقل وضوحًا بكثير. الناس يتحدثون عن استهداف مجموعات معينة أو عن أعمال تخريب، لكنهم لا يصنفونها كلها تحت مسمى واحد. في الواقع، يتقبل الكثير من الخبراء والسياسيين في الغرب مصطلح الحرب الهجينة لأنها في نظر العامة لا تبدو كالإرهاب تمامًا.”
يرى الدكتور كريستوفر نهرينغ، مدير معهد الاستخبارات السيبرانية وخبير التضليل الإعلامي: “الهجمات الهجينة تستهدف بالدرجة الأولى نفسية المجتمع.” وأضاف: “من الطبيعي أن يكون الأمر مقلقًا عندما يتعرض أشخاص لأذى مثل حرائق متعمدة على يد عملاء منخفضي المستوى لكن استراتيجيًا، على مستوى الدولة، هذا لا يغيّر المعادلة كثيرًا.” متابعاً: “يجب حماية سلامة الأفراد قدر الإمكان، لكن لا ينبغي أن يحدد ذلك استراتيجيتنا. فمع الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الجيش الأحمر (RAF) أو داعش، كان الرعب نفسه جزءًا من استراتيجيتهم الإعلامية: الإرهاب فظيع، لكن لا ينبغي أن يسيطر علينا.” واختتم نهرينغ بالقول: “الأمر ذاته ينطبق على روسيا. الحوادث الصغيرة لا يجب أن تخيفنا، لكن علينا بناء مناعة نفسية جماعية والتواصل بفعالية. من الواضح أن مستوى الحماية الحالي لا يزال غير كافٍ.”
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=111100
