خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن السيبراني ـ ما هو التهديد السيبراني “الأكثر تأثيرًا” في الاتحاد الأوروبي؟
أكدت وكالة الأمن السيبراني التابعة للاتحاد الأوروبي إن مجموعات القرصنة الماكرة المدعومة من دول معادية استهدفت بشكل متزايد المؤسسات العامة الأوروبية بحملات تجسس إلكتروني في العام 2024. أشارت وكالة الأمن الأوروبية (ENISA) في تقريرها السنوي عن التهديدات السيبرانية في أوروبا إلى أن المؤسسات العامة كانت النوع الأكثر استهدافًا من المنظمات، حيث شكلت 38% من نحو 5 آلاف حادثة تم تحليلها. أضافت أن الاتحاد الأوروبي نفسه هدفٌ دائم. وذكرت وكالة الأمن الإلكتروني أن مجموعات القرصنة التابعة لدولٍ ما “كثّفت عملياتها ضد منظمات الاتحاد الأوروبي بشكل مطرد”، مضيفةً: “أن هذه المجموعات شنّت حملات تجسس إلكتروني على هيئات عامة، وسعت في الوقت نفسه إلى التأثير على الرأي العام من خلال التضليل والتدخل”. ركز التقرير على الحوادث التي وقعت في الفترة من 1 يوليو 2024 إلى 30 يونيو 2025.
من هي الدول المعادية؟
أكدت عدة دول أوروبية في أغسطس 2025 إنها تأثرت بحملة القرصنة والتجسس واسعة النطاق “سولت تايفون”، والتي يُعتقد أن الصين تديرها. وفي مايو 2025، نسبت هولندا حملة تجسس إلكتروني إلى روسيا، وأدانت الحكومة التشيكية الصين لتنفيذها هجومًا إلكترونيًا ضد وزارة خارجيتها، مما أدى إلى الكشف عن آلاف رسائل البريد الإلكتروني غير السرية. وقد أكدت هذه الحوادث كيف أصبحت الحكومات والمنظمات الأوروبية تعاني بشكل متزايد من الاختراقات والاضطرابات السيبرانية.
رغم تزايد التجسس الإلكتروني المدعوم من الدول المعادية، أكدت وكالة الأمن والحماية الأوروبية إن التهديد “الأكثر تأثيرًا” في الاتحاد الأوروبي هو برامج الفدية، وهو نوع من الاختراق حيث يتسلل المجرمون إلى نظام ما، ويغلقونه ويطالبون بالدفع للسماح للضحايا باستعادة السيطرة على تكنولوجيا المعلومات الخاصة بهم. ذكرت وكالة الأمن الإلكتروني أن نوعًا آخر من الهجمات، يُعرف باسم هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS)، كان الأكثر شيوعًا. وتُستخدم هذه الهجمات غالبًا من قِبَل نشطاء الإنترنت.
التأثير المتزايد للمعلومات المضللة
في استطلاع للرأي تم نشره في 23 أغسطس 2025، وشمل أكثر من 31 ألف بالغ في 25 دولة حول العالم، تبيّن أن انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت والإرهاب يُعدّان من أبرز التهديدات التي تواجه الأمن الوطني في العديد من الدول، وخصوصاً في أوروبا. وأظهر الاستطلاع، الذي نُفذ من قبل مركز بيو للأبحاث، تصاعد القلق العام في أوروبا إزاء التأثير المتزايد للمعلومات المضللة، لا سيما في ظل الانتخابات والأحداث السياسية الكبرى.
يرى جاكوب بوشتر، المدير المساعد للأبحاث في مركز بيو للأبحاث بالولايات المتحدة: “أن الانتخابات الأخيرة في بعض البلدان الأوروبية قد لعبت دوراً رئيسياً في تعميق هذه المخاوف”. وأوضح قائلاً: “الانتخابات الأخيرة في بلدان مثل ألمانيا وبولندا ربما عززت من شعور الأوروبيين بخطورة المعلومات المضللة”. ويُعتقد أن الحملات الانتخابية في ألمانيا في فبراير 2025، وفي بولندا في يونيو 2025، كانت هدفاً لحملات تضليل إعلامي يُرجح أنها جاءت من مصادر روسية، ضمن سياق أوسع من الحرب المعلوماتية التي تُستخدم فيها الأخبار الزائفة لتقويض الثقة في الديمقراطية والتأثير على نتائج التصويت.
النتائج
يشير تقرير وكالة الأمن والحماية الأوروبية (ENISA) إلى تحول مقلق في بيئة التهديدات السيبرانية التي تواجه الاتحاد الأوروبي. يُظهر التقييم أن الهجمات لم تعد مجرد حوادث عشوائية، بل أصبحت أداة استراتيجية تستخدمها الدول المعادية، مما يرفع مستوى التهديد من مجرد جرائم إلكترونية إلى صراع جيوسياسي سيبراني.
ما يلفت الانتباه هو تحول المؤسسات العامة لتكون الهدف الأكثر استهدافاً (38%)، بما في ذلك مؤسسات الاتحاد الأوروبي نفسها. هذا التركيز يؤكد أن الهدف الأساسي هو التجسس الإلكتروني وجمع المعلومات، بالإضافة إلى محاولات التأثير على الرأي العام الأوروبي عبر التضليل. إن إدانة دول كالصين وروسيا بالوقوف وراء حملات مثل “سولت تايفون” وهجمات على وزارات الخارجية تؤكد حقيقة التدخل السيبراني المدعوم من الدولة.
على الرغم من خطورة التجسس الحكومي، صنفت ENISA برامج الفدية (Ransomware) كـ “التهديد الأكثر تأثيراً”. هذا يشير إلى ازدواجية التهديد فبينما يمثل التجسس الحكومي خطراً استراتيجياً على الأمن القومي، تظل برامج الفدية الخطر الأكثر ضرراً من الناحية الاقتصادية والتشغيلية على الشركات والخدمات الحيوية.
من المرجح أن تستمر وتيرة الهجمات بالتصاعد، مدفوعة بالتنافس الجيوسياسي المتزايد. ومع استمرار استراتيجية “التأثير المزدوج” ستكثف الدول المعادية جهودها لتجميع البيانات الاستخباراتية بالتوازي مع شن حملات تضليل إلكتروني للتأثير على الانتخابات والسياسات الداخلية الأوروبية. سيتم دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في هجمات التجسس وبرامج الفدية، مما يجعلها أكثر تعقيداً وقدرة على التهرب من آليات الدفاع التقليدية.
من المحتمل أن تظل هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS)، التي يستخدمها نشطاء الإنترنت، الأكثر شيوعاً كأداة احتجاج رقمية، مما يتطلب من الاتحاد الأوروبي تحسين قدرة خدماته على الصمود. ستُجبر هذه التهديدات، الاتحاد الأوروبي على تسريع وتيرة التعاون السيبراني المشترك وتوحيد المعايير الأمنية عبر الدول الأعضاء، وتخصيص موارد أكبر لوكالات مثل ENISA لردع الهجمات المنسقة واكتشافها بشكل أسرع. سيصبح التحدي الأكبر هو الموازنة بين الدفاع ضد التجسس الاستراتيجي الذي قد يستهدف البنية التحتية ومكافحة برامج الفدية الإجرامية التي تسبب شللاً اقتصادياً.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110564
