خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن الدولي ـ هل أصبح التنسيق العسكري الأمريكي الإسرائيلي عاملًا حاسمًا في احتواء إيران؟
انطلقت سبع قاذفات شبح أمريكية من طراز بي-2 سبيريت (B-2 Spirit) من قاعدة وايتمان الجوية في ولاية ميزوري الأمريكية في 20 يونيو 2025، لتنفيذ عملية هجومية سرية استهدفت منشآت نووية إيرانية تحت الأرض. ووفقاً لتصريحات القائد الأمريكي جوش فيتالي، أحد كبار القادة المشاركين في التخطيط والإشراف على العملية، فقد شارك في العملية حوالي 4000 عنصر من أفراد القاعدة الجوية، مما يعكس تعقيدها الكبير وتحضيرها المسبق بعناية.
استغرقت المهمة 30 ساعة من التحليق المتواصل، حيث اخترقت القاذفات الشبحية الأجواء الإيرانية دون أن يتم رصدها من قبل الدفاعات الجوية الإيرانية، والتي كانت قد تعطلت جزئياً بسبب هجمات إلكترونية وهجمات جوية إسرائيلية سابقة. ألقت القاذفات ما مجموعه 13.6 طنًا من القنابل، من بينها 12 قنبلة خارقة للتحصينات موجهة إلى منشآت نووية في فوردو الواقعة تحت جبل وعلى عمق 90 مترًا، بالإضافة إلى قنبلتين أخريين استهدفتا منشآت نووية في نطنز.
قنابل أمريكية ضخمة خارقة للتحصينات
العملية مثّلت أول استخدام فعلي في ميدان القتال لقنابل أمريكية ضخمة خارقة للتحصينات تُعرف باسم “G57 Massive Ordnance Penetrators”، وهي قنابل يبلغ وزن الواحدة منها 13.6 طنًا، صُممت خصيصًا لاختراق المنشآت في أعماق الأرض. صرّح فرانك إسبينوزا، مدير الأسلحة في الوحدة 509 المسؤولة عن قاذفات بي-2 في قاعدة وايتمان: “أن هذه القنابل كانت تُخزن وتُصان باستمرار، وجاهزة للاستخدام الفوري في حال صدور الأوامر”. وأوضح أن العمل على تطوير واختبار هذه القنابل استمر لأكثر من 15 عامًا، ما يجعلها من أكثر الأسلحة الأمريكية تطورًا وتعقيدًا.
أشار إسبينوزا إلى أن: “الجنود المسؤولين عن تحميل هذه القنابل على القاذفات يخضعون لبرنامج تدريبي صارم يمتد على 21 يومًا للحصول على الشهادة اللازمة، كما يتلقون تدريبات شهرية منتظمة لضمان الجاهزية. وأوضح إسبينوزا: ” أن القنابل تُحمّل باستخدام اتصالين فولاذيين لضمان الثبات والأمان خلال عمليات الطيران، وأن كل خطوة من العملية تخضع لإجراءات دقيقة جدًا للحفاظ على السلامة والدقة”.
اختيار نخبة الطيارين وتنفيذ المهمة
بحسب القائد فيتالي، تم اختيار 14 طيارًا فقط من بين العشرات من الطيارين المدربين على قيادة قاذفات بي-2، حيث كانت الخبرة والكفاءة القتالية عاملين حاسمين في عملية الاختيار. وصرّح قائلاً: “هذا الفريق أكمل عددًا لا يُحصى من التدريبات والمناورات، وبدا واضحًا أنهم استعدوا لهذه اللحظة منذ سنوات. كنت أراقب استعداداتهم وأتساءل: كم مرة تدربوا على هذا السيناريو؟ وكم من الوقت تطلب إعدادهم؟ إنهم يتمتعون بخبرة لا تُقدّر بثمن”. أكد فيتالي: “أن الطيارين نفذوا المهمة بنجاح تام، حيث أصابت 14 قنبلة أهدافها بدقة كاملة، مضيفًا: “هذا تنفيذ مثالي بكل المقاييس، ولم تُسجل أي انحرافات عن الخطة”.
التحدي الأكبر: التزود بالوقود جوًا
أحد أبرز التحديات الفنية التي واجهتها العملية كان التزود بالوقود جوًا، وهي عملية بالغة الدقة والحساسية. تتطلب عملية الزود بالوقود تحليق قاذفات بي-2 بجانب طائرات التزود بالوقود لمسافة محددة بدقة. أوضح القائد فيتالي: “أن كل قاذفة تلقت نحو 75 طنًا من الوقود، في عملية استغرقت ما بين 15 إلى 30 دقيقة، وتُعد هذه الخطوة شديدة الخطورة، خصوصًا بالنظر إلى حجم القاذفات وتعقيد مسار الرحلة الممتد عبر قارات متعددة”.
أطول المهمات الجوية في تاريخ القوات الجوية الأمريكية
أشار فيتالي إلى أن: “هذه العملية تُعد من بين أطول المهمات الجوية في تاريخ القوات الجوية الأمريكية، على غرار المهمة القتالية الجوية التي نُفذت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي استمرت لأكثر من 44 ساعة واستهدفت تنظيم القاعدة وحركة طالبان”. تابع فيتالي: “مع ذلك، فإن عملية يونيو 2025 ضد إيران تميزت بمستوى أعلى من التنسيق والتكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى استخدام أسلحة جديدة تُستعمل لأول مرة”.
دور إسرائيل في العملية
الهجوم الأمريكي جاء بعد عامٍ من التصعيد في السلوك الإيراني، بحسب تقارير استخباراتية إسرائيلية، والتي رصدت توجهًا متزايدًا لدى طهران نحو التوسع في الأنشطة النووية ذات الطابع العسكري. وعلى ضوء هذه المعطيات، وضعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية السيناريوهات الخاصة بمواجهة البرنامج النووي الإيراني على رأس أولوياتها، مؤكدين أن أي ضربة يجب أن تكون مباغتة ومُربكة للردع الفوري.
بالفعل، نفذت إسرائيل سلسلة من الهجمات السيبرانية والضربات الجوية الدقيقة ضد مواقع إيرانية حساسة قبل بدء العملية الأمريكية، ما أدى إلى تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية جزئيًا، ومهد الطريق أمام القاذفات الأمريكية للتحليق بأمان نسبي داخل المجال الجوي الإيراني. يقول إيان ليسر، زميل ومستشار رئيس صندوق مارشال الألماني: “هناك احتمال أن تحتفظ إيران ببعض القدرة على تطوير أسلحة نووية، وستعتبر ذلك سبيلًا للمضي قدمًا”. مضيفًا: “لكن ذلك لن يُسمح به قد تكون هناك خلافات حول الاستراتيجية والسياسة الإسرائيلية، ولكن بشكل عام، إسرائيل وشركاؤها الغربيون غير مستعدين لقبول إيران مسلحة نوويًا”.
اتفق جيفري لويس، خبير الأسلحة وأستاذ في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، الذي راجع عن كثب صور الأقمار الصناعية التجارية لمواقع الضربات، مع التقييم القائل بأن الهجمات لا يبدو أنها أنهت البرنامج النووي الإيراني. تابع لويس، في إشارة إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران: “جاء وقف إطلاق النار دون أن تتمكن إسرائيل أو الولايات المتحدة من تدمير العديد من المنشآت النووية الرئيسية تحت الأرض، بما في ذلك بالقرب من نطنز وأصفهان وبارشين”.
النتائج
تشير هذه العملية إلى تصعيد كبير في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، وتحمل في طياتها رسائل واضحة لكل من طهران والمجتمع الدولي حول الخطوط الحمراء التي تفرضها واشنطن فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. كما تُوجّه رسالة إلى دول أخرى (مثل كوريا الشمالية أو الصين) مفادها أن التكنولوجيا الأمريكية قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف معقدة، حتى في عمق أراضي الدول المعادية.
يُظهر الدور الإسرائيلي في ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية قبل الهجوم الأمريكي درجة عالية من التكامل العملياتي والاستخباراتي بين واشنطن وتل أبيب. ومن المرجّح أن يكون التنسيق قد شمل تبادلًا استخباراتيًا دقيقًا حول مواقع الأنفاق ومستويات التحصين تحت الأرض.
تعكس الأحداث تطور القدرات التكنولوجية الأمريكية في تنفيذ ضربات دقيقة وعميقة، حتى ضد الأهداف الأكثر تحصينًا. وبالنظر إلى التوتر المتصاعد في المنطقة، فإن هذه العملية قد تمثل نقطة تحول استراتيجية في العلاقة بين إيران والغرب، وتعيد رسم قواعد الاشتباك المستقبلية في الشرق الأوسط.
استهداف منشآت نووية تحت رقابة جزئية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يُقوّض الثقة في الأنظمة الرقابية الأممية، ويطرح أسئلة حول جدوى الالتزام بالاتفاقيات الدولية طالما أن الدول قد تُهاجم رغم الالتزام الجزئي أو الكلي بها.
قد تستثمر واشنطن نجاح العملية عسكريًا في الضغط السياسي والدبلوماسي لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أكثر صرامة، تشمل ليس فقط تخصيب اليورانيوم، بل أيضًا برامج الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109407
