خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن الدولي ـ كيف يمكن لصواريخ “توماهوك” أن تُغيّر مسار الحرب في أوكرانيا؟
يدرس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إرسال صواريخ “توماهوك كروز” بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وهي الخطوة التي حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنها قد تُدمّر علاقات واشنطن مع موسكو، لكنها قد تُحدث فرقًا حقيقيًا في المجهود الحربي لأوكرانيا، وتُرسل إشارة سياسية قوية إلى الكرملين. ألمح نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، في سبتمبر 2025 إلى أن الولايات المتحدة قد توافق على طلب أوكرانيا تزويدها بصواريخ توماهوك البحرية، التي يُقدّر مداها بنحو 1550 ميلًا. أما روسيا، فتعادلها تقريبًا بصواريخ “كاليبر” كروز، التي أطلقتها مرارًا على أوكرانيا.
غير أن جهود ترامب لتأمين وقف إطلاق النار في دول أوروبا الشرقية لم تُسفر عن نتائج ملموسة، وبدا أكثر استعدادًا لإثارة انزعاج روسيا. أكد ترامب: “إنه قد يُرسل الصواريخ”، مضيفًا: “ربما أقول انظروا، إذا لم تتم تسوية هذه الحرب فسوف أرسل لهم صواريخ توماهوك”. وتابع: “قد لا نفعل ذلك، لكننا قد نفعله. أعتقد أن من المناسب طرحه”. تقول روسيا إنها ستتضرر من قرار كهذا، وإنه سيُشكّل “تصعيدًا” للصراع، لأن كييف ستحتاج إلى مساعدة أمريكية لاستخدام صواريخ كروز. لا يبدو أنه تم اتخاذ أي قرار، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صرّح: “أنه تحدث مع ترامب، وناقش تعزيز القدرات الأوكرانية، بما في ذلك قدراتها بعيدة المدى”.
الصواريخ من شأنها أن تُكمل ترسانة أوكرانيا من الأسلحة
يقول الخبراء: “إن الصواريخ من شأنها أن تُكمل ترسانة أوكرانيا من الأسلحة الهجومية، ولكن لا يمكن لأي صاروخ في حد ذاته أن يُشكّل عامل تغيير حاسم في جهود كييف الحربية”. قامت أوكرانيا بتخزين كميات كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى محلية الصنع، مثل صاروخ “نبتون” المضاد للسفن وصاروخ “فلامنغو” المجنح الأرضي، في ظل نفاد مخزونات الأسلحة الغربية، والشروط التقييدية المفروضة على كيفية استخدام الأسلحة المُقدّمة. لكن كييف لا تزال بحاجة إلى القدرة على استخدام الأسلحة الغربية أيضًا، وفقًا لما ذكره أوليكساندر ميريزكو، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني وعضو حزب زيلينسكي.
أكد ميريزكو: “نحن بحاجة إلى صواريخ توماهوك، لا أؤمن بالحلول السريعة، لكن قد يكون ذلك بالغ الأهمية”. يوضح ويليام فرير، الباحث في الأمن القومي في مجلس الجيوستراتيجية في المملكة المتحدة: “إن أوكرانيا ستستفيد استفادة كبيرة من امتلاك صواريخ توماهوك لضرب أهداف في عمق روسيا”. وأضاف: “الولايات المتحدة تمتلك عدة آلاف من صواريخ توماهوك، ورغم أنها سترسل على الأرجح عددًا صغيرًا منها إلى أوكرانيا خشية الحاجة إليها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإنها ستعزز موقف كييف”.
يرى دان رايس، المساعد السابق للقائد العام الأوكراني: “أن عدد الصواريخ التي ستحصل عليها أوكرانيا يجب أن يظل غامضًا لثني روسيا عن شن مزيد من الهجمات الصاروخية”. يقول جون فورمان، الملحق الدفاعي البريطاني السابق في موسكو وكييف: “إن صواريخ توماهوك ستكون إضافة عظيمة لترسانة الصواريخ الأوكرانية، إذ تتيح لها ضرب أهداف عسكرية روسية داخل روسيا على مدى أكبر”. لطالما شكّلت هجمات أوكرانيا عبر الحدود إلى روسيا قضيةً شائكة في علاقتها مع واشنطن، على الرغم من أن إدارة جو بايدن أعطت الضوء الأخضر لاستخدام كييف صواريخ نظام “ATACMS” التكتيكي عند انتهاء ولايتها عام 2024، والذي يبلغ مداه نحو 190 ميلًا.
الإشارات السياسية
يقول فورمان: “إن ترامب يأمل في استغلال احتمال استخدام صواريخ توماهوك لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات”، مضيفًا: “روسيا تُدرك ذلك”. تُوفر الصواريخ لترامب أداةً للضغط على بوتين للتفاوض “بجدية”، كما اتفق ميريزكو. وأضاف فرير: “إذا نُقلت صواريخ توماهوك إلى أوكرانيا، فسيُرسل ذلك إشارةً سياسية قوية مفادها أن روسيا ربما أضاعت فرصةً سانحة للضغط على كييف من واشنطن”.
ورغم عقد قمة شخصية مع بوتين في ألاسكا في أغسطس 2025، لم يُحقق ترامب وعده بإنهاء أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية خلال 24 ساعة كما وعد أثناء حملته الانتخابية. ولا تزال إدارته تقاوم فرض عقوبات قاسية على موسكو، لكن بوتين صرّح في أكتوبر 2025: “أن إرسال الولايات المتحدة صواريخ توماهوك يعني تدمير علاقاتنا”. يقول ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي،: “إن تسليم هذه الصواريخ قد ينتهي بشكل سيئ للجميع، والأهم من ذلك كله بالنسبة لترامب نفسه”.
النتائج
يمثل الحديث عن احتمال تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” الأمريكية نقطة تحوّل محتملة في مسار الحرب، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا واستراتيجيًا. فالصواريخ التي يتجاوز مداها 1500 ميل قادرة على ضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية، ما يعني توسيع نطاق الصراع إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2022.
من الناحية العسكرية، ستمنح هذه الصواريخ أوكرانيا قدرة هجومية نوعية، تُمكّنها من استهداف مراكز القيادة الروسية ومنشآت اللوجستيات الحيوية وبنى الاتصالات بعيدة المدى. ومع ذلك، فإن امتلاك أوكرانيا لصواريخ توماهوك لن يُحدث انقلابًا استراتيجيًا في موازين القوة بمفرده، إذ إن فعالية هذه الصواريخ تتوقف على حجم الدعم الأمريكي، والقدرات التقنية الأوكرانية في دمجها ضمن منظومتها الحالية، فضلًا عن المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي تتطلبها عمليات الإطلاق الناجحة.
سياسيًا، يُعدّ التهديد باستخدام توماهوك رسالة أمريكية مزدوجة: فهي إشارة إلى الكرملين بأن واشنطن مستعدة للتصعيد إذا لم تُستأنف المفاوضات، وإلى أوروبا بأن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على قيادة الردع الغربي رغم الضغوط الداخلية على ترامب. كما أن هذا القرار، إن تمّ، سيُعيد رسم حدود “الخطوط الحمراء” بين موسكو وواشنطن، ويختبر مدى استعداد روسيا للمغامرة بمواجهة مباشرة.
أما على المدى المتوسط، فمن المرجّح أن يؤدي إدخال هذه الصواريخ إلى تصعيد روسي مضاد، سواء عبر هجمات أوسع ضد البنية التحتية الأوكرانية أو بمحاولات لردع واشنطن من خلال التحرك في مناطق نفوذ أخرى، كالبحر الأسود. وقد يُسهم ذلك في إطلاق مرحلة جديدة من “حرب الإرادات” بين القوتين العظميين، حيث يتحول الميدان الأوكراني إلى مختبر لتوازنات القوة العالمية.
في المقابل، يمكن للتهديد بتسليم توماهوك أن يُستخدم كورقة ضغط دبلوماسية تدفع موسكو إلى مفاوضات مشروطة، خصوصًا إذا شعر بوتين بأن الهامش الأمني لروسيا بدأ يضيق. بناءً على ذلك، فإن مستقبل الحرب الأوكرانية سيعتمد إلى حدّ كبير على ما إذا كانت واشنطن ستُحوّل توماهوك من ورقة تفاوض إلى واقع ميداني، أو تظلّ مجرّد تهديدٍ سياسيّ محسوب.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110624
