خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
الناتو وتحديات مواجهة الطائرات المٌسيرة
أعلنت وزارة الدفاع في موسكو، في 12 سبتمبر 2025: “انطلاق المناورات الاستراتيجية المشتركة للقوات المسلحة الروسية والبيلاروسية”. أوضحت موسكو أن المناورات تُجرى في كلا البلدين، بالإضافة إلى بحر البلطيق وبحر بارنتس. تُجرى المناورات المُخطط لها في توقيتٍ بالغ التوتر، بعد إسقاط طائراتٍ مُسيّرة يُشتبه بأنها روسية فوق بولندا.
أكد الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا، قبل انطلاق مناورات “زاباد 2025”: “أنه لا يتوقع هجومًا على بلاده”، موضحًا: “لقد اتخذنا إجراءات، وليس لدينا أي معلومات تشير إلى إمكانية استخدام هذه المناورات للهجوم على ليتوانيا”. بالإضافة إلى ذلك، تُجرى مناورات عسكرية موازية مختلفة في دول حلف شمال الأطلسي. ففي ليتوانيا، تُجرى مناورة عسكرية بمشاركة 17 ألف جندي. وتشمل التدريبات العسكرية، المخطط لها حتى نهاية أكتوبر 2025، أربع مناورات أصغر حجمًا، بالإضافة إلى مناورات سنوية للجيش الليتواني.

ممر سووالكي معرض لهجوم روسي محتمل بالطائرات المسيّرة
كثيرًا ما يُوصف “ممر سووالكي” بأنه نقطة ضعف حلف الناتو، ولكن لماذا يُعد هذا المكان بهذه الخطورة؟ مع انطلاق المناورات العسكرية البيلاروسية الروسية “زاباد 2025″، عاد ما يُسمى بممر سووالكي إلى دائرة الضوء. ووفقًا لرئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك: “ستُحاكي المناورات عملية احتلال تلك الثغرة”. تُعتبر هذه المنطقة نقطة ضعف لحلف الناتو، وقد تكون الهدف الأول لهجوم روسي محتمل بالطائرات المسيّرة.
تحدّ ليتوانيا بيلاروسيا، وهي دولة حليفة لروسيا، وجيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق. ويُعد ممر سووالكي ممرًا ضيقًا لحلف شمال الأطلسي يمتد بين البلدين. وهناك مخاوف من أن روسيا قد تعزل دول البلطيق عن بقية أراضي حلف شمال الأطلسي بالاستيلاء عليه.
أفاد تقرير للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية: “من المرجّح جدًا أن تشير مناورات العام 2025 إلى كيفية توقع موسكو لتطورات الحرب ضد الناتو”. وأضاف التقرير: “مع عدم وجود خطر تصعيد حاد، ستوفر المناورات لحلف الناتو دروسًا مهمة حول مفهوم روسيا للحرب المستقبلية”.
يقول لانس لاندروم، الفريق المتقاعد في القوات الجوية الأميركية وزميل بارز في مركز تحليل السياسات الأوروبية: “الهدف هو أن يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إظهار أنه لا يزال قويًا، وأن الحرب في أوكرانيا لم تؤثر على روسيا”.
ما هي خيارات تعزيز الدفاع الجوي لحلف الناتو؟
تعمل بولندا وأوكرانيا على تعزيز تعاونهما العسكري، في أعقاب انتهاك 19 طائرة روسية بدون طيار للمجال الجوي البولندي. يتوجه أفراد من الجيش البولندي إلى أوكرانيا للمشاركة في تدريب ضد الطائرات بدون طيار. كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن تعبئة 3 طائرات “رافال” للمساهمة في حماية المجال الجوي البولندي والجناح الشرقي لأوروبا.
أكد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي: “أن المملكة المتحدة ستدرس خيارات تعزيز الدفاع الجوي لحلف الناتو في بولندا”. وأكد دبلوماسي رفيع المستوى في حلف شمال الأطلسي: “أن مساهمات الحلفاء قد لا يتم الإعلان عنها علنًا”، مضيفًا: “أن الدعم قد يأخذ شكل أنظمة دفاع جوي، ولكن أيضًا المراقبة أو الاستخبارات”.
تسلّط هذه الحسابات الضوء على الحكمة وراء سعي حلف شمال الأطلسي إلى دفع أعضائه إلى شراء طائرات بدون طيار أرخص وأسهل في الاستبدال. تفكر بروكسل بنفس المنوال. ففي خطابها السنوي عن حالة الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2025، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن خطط لمبادرة جديدة تُسمى “مراقبة الجناح الشرقي”، لتزويد الدول المجاورة لروسيا بـ”مراقبة فضائية آنية”، فيما يُسمى “جدار الطائرات المسيّرة” يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود.
تحاول بعض شركات الدفاع العملاقة في أوروبا التكيّف مع سباق التسلح السريع بالطائرات بدون طيار. في أغسطس 2025، قدّمت شركة “ساب” السويدية صاروخًا منخفض التكلفة يُدعى “نيمبريكس”، مُصممًا لتحييد الطائرات المسيّرة الصغيرة منخفضة الارتفاع. كما طلبت وكالة شراء الأسلحة الفرنسية (DGA) عرضًا لنظام ليزر مضاد للطائرات المسيّرة من مجموعة شركات، منها (MBDA)، و(Safran)، و(Thales)، و (Cilas).
يوضح تشارلي سالونيوس باستيرناك، الرئيس التنفيذي لمؤسسة “نورديك ويست أوفيس” البحثية ومقرها هلسنكي: “أن تعديل استجابة حلف شمال الأطلسي للمعدات الروسية منخفضة التكلفة والتي يتم إنتاجها بكميات كبيرة أمر متأخر للغاية”.
ما هي تكلفة حماية الأجواء الأوروبية من الطائرات بدون طيار؟
لا يملك الحلفاء تدابير مضادة فعالة من حيث التكلفة للتعامل مع الهجمات الروسية الرخيصة. أفاد تقرير أن 5 طائرات مسيّرة انطلقت في مسار طيران مباشر نحو قاعدة تابعة لحلف الناتو، قبل أن تعترضها مقاتلات “إف-35” الهولندية من طراز “لوكهيد مارتن”. كما ورد بالتقرير أن طائرة تزويد بالوقود تابعة لحلف الناتو، وطائرة مراقبة إيطالية، ونظام دفاع جوي ألماني من طراز “باتريوت”، شاركت في العملية. وهذا يعني أن هناك مليارات الدولارات من المعدات اللازمة لمواجهة طائرات “جيربيرا” الروسية الرخيصة.
استخدمت عملية التصدي لطائرات روسيا المسيّرة طائرات مقاتلة بملايين اليورو. أوضح وزير الدفاع البلجيكي، ثيو فرانكين: “إن تكلفة الطائرات بدون طيار تبلغ نحو 100 ألف يورو لكل منها، في حين من المتوقع أن يكون سعر الصاروخ المقاتل أعلى 5 إلى 10 أضعاف على الأقل”. تابع فرانكين: “هذا أمر غير مستدام، فمثل أوكرانيا، نحتاج إلى امتلاك قدرات مضادة للطائرات بدون طيار، سريعة وبأسعار معقولة، تواكب التطورات”.
تقول أولريك فرانك، زميلة السياسة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “هناك تناقض بين المعدات الروسية منخفضة التكلفة والرد العسكري الباهظ لحلف الناتو”، مضيفةً: “ماذا سنفعل؟ هل نُرسل طائرات إف-16 وإف-35 في كل مرة؟ هذا ليس حلًا مستدامًا، علينا أن نُجهز أنفسنا بأنظمة مضادة للطائرات المسيّرة بشكل أفضل”.
مواجهة الناتو للطائرات بدون طيار: التحديات والصعوبات
يواجه حلف شمال الأطلسي تحديين رئيسيين عندما يتعلق الأمر بالدفاع ضد الطائرات بدون طيار. الأول هو أن نظامًا واحدًا لن يكون قادرًا على صد جميع التهديدات. سيحتاج إلى دفاع متعدد الطبقات، يتضمن تدابير مضادة إلكترونية وحركية. أما الثاني، فهو سرعة تطور التكنولوجيا؛ فكل من أوكرانيا وروسيا تُكيّف طائراتها المسيّرة الهجومية والدفاعية باستمرار في دوّامة تكنولوجية.
هذا هو نهج أوكرانيا، فهي تستخدم وسائل إلكترونية مضادة، بالإضافة إلى إنتاج آلاف الطائرات الاعتراضية المسيّرة شهريًا. تستطيع أوكرانيا مواجهة مئات الطائرات المسيّرة باستمرار، ويدمر المدافعون الغالبية العظمى منها. وبالنسبة للجيوش الأوروبية، سيتطلب ذلك تغييرًا في أنماط الشراء التقليدية التي تعتمد على دفعات صغيرة من الأسلحة الباهظة الثمن، وفقًا لما أكده رئيس أركان الدفاع الفرنسي السابق الجنرال بوركارد تييري ، في أغسطس 2025.
أضاف تييري قائلًا: “بالنسبة لبعض المعدات، يُفضّل شراؤها على دفعات من 10 أو 15 أو 20، أو ربما 50 قطعة. لا يهم إن كانت الشركة المُطوّرة غير قادرة على صيانتها لمدة 20 عامًا، لأنه بعد عام، ستكون هذه المعدات إما معطلة في ساحة المعركة أو قديمة الطراز”.
النتائج
تُظهر مناورات “زاباد 2025″ تصعيدًا روسيًا محسوبًا في بيئة استراتيجية متوترة، تؤكد فيها موسكو حضورها العسكري والإقليمي، بينما يراقب الناتو والدول الأوروبية بعين الحذر والاستعداد.
على الرغم من الطابع المعلن للمناورات باعتبارها تدريبات دفاعية، إلا أن التوقيت والمواقع المختارة لا سيما قرب ممر سووالكي يوحيان برسائل جيوسياسية تتعدى الجانب العسكري التقليدي.
تعكس ردود الفعل الغربية، سواء من ليتوانيا أو بولندا أو فرنسا وبريطانيا، استعدادًا متزايدًا لمواجهة التهديدات الروسية غير المتناظرة، خاصة من الطائرات المسيّرة.
التحدي الأكبر ليس في الرغبة السياسية، بل في كفاءة الوسائل، إذ لا تزال منظومات الناتو مُكلفة ومعقدة مقارنة بالوسائل الروسية منخفضة التكلفة. يشير ذلك إلى خلل هيكلي في توازن الردع، ما يستدعي تحولًا في عقيدة الدفاع الأوروبية.
في المستقبل القريب، ستتسارع الجهود الأوروبية لبناء ما يُسمى بـ”جدار الطائرات المسيّرة” وربما لابتكار منظومات دفاع جوي أكثر مرونة، رقمية، ولا مركزية، قادرة على التعامل مع التهديدات دون اللجوء إلى طائرات متطورة في كل مرة.
من المرجح أن تشهد الصناعات الدفاعية طفرة في الاستثمارات في تقنيات الليزر، الحرب الإلكترونية، والطائرات الاعتراضية منخفضة التكلفة. من جانب آخر، فإن محاكاة روسيا لسيناريوهات عزل دول البلطيق خلال مناوراتها، تعكس رؤية استراتيجية لفرض وقائع جديدة في حال اندلاع صراع.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109098
