خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن الدولي ـ كيف تُعيد ألمانيا ومصر رسم خريطة السلام في الشرق الأوسط من بوابة غزة؟
دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى مصر لحضور اتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، و”قبل المستشار بامتنان” الدعوة. حيث أجرى المستشار الألماني فريدريش ميرتس اتصالًا هاتفيًا بالرئيس المصري السيسي في 10 أكتوبر 2025، وشكره على “وساطته لإنهاء الحرب في غزة”، وأشاد بدوره كمضيف لمفاوضات السلام. ذكرت مصادر حكومية أن المستشار الألماني أكد خلال المحادثة: “أن ألمانيا ستعمل مع مصر من أجل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، والتوصل إلى وقف إطلاق نار مستقر، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة إعمار قطاع غزة”.
بالإضافة إلى المستشار ميرتس، من المتوقع حضور رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. وخلال الزيارة، يعتزم رؤساء الدول والحكومات التوقيع رسميًا على اتفاق السلام. وكان ميرتس قد تعهد بالفعل باستعداد ألمانيا للعمل من أجل تغيير السلطة، ووقف إطلاق نار مستقر، وإعادة إعمار قطاع غزة. وبالإضافة إلى دعم قدره 29 مليون يورو للسكان المدنيين الفلسطينيين، ستُقدَّم مساعدات للرهائن الإسرائيليين المُفرَج عنهم.
مناقشات لإعادة إعمار غزة مع دول أوروبية وعربية في باريس
ناقشت ألمانيا إعادة إعمار غزة مع دول أوروبية وعربية في باريس، إلا أن دور الأوروبيين في هذا المشروع الممتد على مدى أجيال لا يزال غامضًا إلى حد ما. وفقًا لوزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، يجب البدء فورًا في تقديم المساعدات لسكان قطاع غزة. ويوضح السياسي من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU): “نحن مستعدون لتقديم مساعدات إنسانية فورية إلى قطاع غزة”. وكان فادفول يشارك في مؤتمر عُقد على عجل في العاصمة الفرنسية، ضمّ عددًا من وزراء خارجية الدول الأوروبية والعربية. وأضاف فادفول: “إن هناك حاجة إلى تحرك سريع، لأن الآلاف والآلاف من الناس ما زالوا مهددين هناك”.
ولحضور مؤتمر باريس، اضطر فادفول مجددًا لتغيير خطط سفره، إذ غادر مؤتمر غرب البلقان في بلفاست بأيرلندا الشمالية قبل الموعد المقرر وتوجّه إلى العاصمة الفرنسية. وأثناء وجوده في بلفاست، أكد، في إشارة إلى اقتراحه الذي طرحه في أكتوبر 2025 بعقد مؤتمر مشترك لإعادة الإعمار مع مصر: “لكن يجب أن يكون هذا المؤتمر أوسع نطاقًا سياسيًا، مؤتمرًا يحدد الإطار السياسي لقطاع غزة، ويضع نصب عينيه، بالطبع، أن النتيجة النهائية يجب أن تكون حل الدولتين”.
فادفول: “يجب أن تكون إسرائيل هناك!”
دعا فادفول إلى تفويض من الأمم المتحدة لمتابعة التطورات في قطاع غزة، قائلًا: “نحتاج إلى إطار قانوني لكل ما يجري في قطاع غزة”. وحتى قبل الاتفاق المفاجئ بين إسرائيل وجماعة حماس بشأن تبادل الرهائن والسجناء وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، كان فادفول قد بادر إلى إعادة بناء المنطقة الساحلية المدمرة على البحر الأبيض المتوسط. وقد مدّد الوزير الألماني جولته في الشرق الأوسط في أكتوبر 2025 لتشمل إسرائيل ومصر، وفي القاهرة صرّح باستعداد ألمانيا لبدء مؤتمر لإعادة الإعمار مع مصر.
“ساعدوا في إعادة إعمار غزة لأسباب تتعلق بالدولة”
في برلين، اتفق معه سياسيون من أحزاب الائتلاف (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي CDU/CSU، والحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD). وصرّح يورغن هاردت، خبير السياسة الخارجية في الحزب: “لدى ألمانيا أسبابٌ متعددة للمساعدة في صياغة إعادة إعمار غزة: سياسة الهجرة، والسياسة الأمنية، والإنسانية، وأهمها أسبابٌ تتعلق بالدولة”. وتعني “سياسة الدولة” الألمانية، وهو مفهومٌ يصعب فهمه، التزام ألمانيا غير المشروط بوجود إسرائيل وأمنها، انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية تجاهها.
اقترح المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي للشؤون الخارجية، أديس أحمدوفيتش، في برلين: “أن تساهم ألمانيا بشكل خاص في بناء ملاجئ مؤقتة، وإزالة الأنقاض، واستعادة إمدادات المياه، وبناء مرافق الصرف الصحي”. وكانت وزيرة التنمية الألمانية قد قدّمت بالفعل مقترحات مماثلة خلال زيارة إلى إسرائيل في أغسطس 2025.
الخطط الملموسة غامضة إلى حد ما
لكن الخطط الملموسة لإعادة الإعمار لا تزال غامضة إلى حد ما، بطبيعة الحال، حتى في برلين. وأجاب المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارتن جيزه، ردًا على سؤال من DW: “لا أستطيع إعطاؤكم أي تفاصيل أخرى في هذه المرحلة، باستثناء أن المؤتمر سيُعقد. السياق واضح: يتعلق الأمر بإعادة إعمار غزة، ولكن بالطبع بحلول طويلة الأمد لاستقرار المنطقة، بما في ذلك حماية إسرائيل. مؤتمر باريس هو إشارة البداية لذلك”.
النتائج
يشير المشهد إلى مرحلة انتقالية دقيقة في مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث تتجه الجهود الدولية، بقيادة مصر، نحو إرساء وقف إطلاق نار دائم وتحويل الصراع إلى مسار سياسي قابل للتطبيق. قبول المستشار الألماني فريدريش ميرتس دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار يمثل اعترافًا أوروبيًا بدور القاهرة المركزي في الوساطة، ويعيد تثبيت مصر كفاعل إقليمي لا غنى عنه في إدارة ملفي غزة والأمن الإقليمي.
التحرك الألماني، سواء عبر ميرتس أو وزير الخارجية فادفول، يُظهر طموح برلين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط من بوابة “الدبلوماسية الإنسانية” وإعادة الإعمار. غير أن الطابع الغامض للخطط الأوروبية يعكس تردد الاتحاد الأوروبي في خوض التزامات سياسية وأمنية عميقة في المنطقة دون وجود توافق أمريكي ـ إسرائيلي واضح. فحديث فادفول عن الحاجة إلى “تفويض أممي” و”إطار قانوني” يشي بمحاولة لتدويل عملية الإعمار كي لا تتحول إلى رهينة التجاذبات الإقليمية.
على المدى المتوسط، يُتوقع أن تشكّل مؤتمرات القاهرة وباريس نواة لتفاهمات أوسع بين الدول الأوروبية والعربية، تضع تصورًا أوليًا لـ”غزة ما بعد الحرب”، يقوم على إعادة الإعمار مقابل الاستقرار السياسي، وربما فتح الطريق أمام عودة تدريجية للنقاش حول “حل الدولتين”. ومع ذلك، تبقى العقبات كبيرة: انعدام الثقة بين الأطراف، هشاشة الترتيبات الأمنية، وغياب رؤية فلسطينية موحدة.
في المستقبل القريب، قد تتحول ألمانيا، بالتنسيق مع مصر وفرنسا، إلى محور دبلوماسي رئيسي في جهود إعادة الإعمار، مستندة إلى ثقلها الاقتصادي ومفهومها السياسي الخاص بـ”مسؤولية الدولة” تجاه أمن إسرائيل. إلا أن نجاح هذه المبادرات سيعتمد في النهاية على قدرتها على تجاوز البعد الإنساني إلى بلورة إطار سياسي مستدام يُعيد تعريف العلاقة بين أوروبا والشرق الأوسط في حقبة ما بعد غزة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110503
