خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الأمن الدولي ـ “الترويكا الأوروبية”، جورجيا بوابة إيران للتحايل على العقوبات الدولية
ما يقرب من 13 ألف شركة إيرانية مسجلة في جورجيا في عدد قليل فقط من العناوين مما يثير مخاوف من أن طهران قد تستخدم دولة جنوب القوقاز هذه للتحايل على العقوبات الدولية. تشمل الشركات الإيرانية المسجلة في جورجيا مجالات متعددة مثل البناء والخدمات اللوجستية والضيافة وحتى النوادي الليلية. شهد عدد الشركات الإيرانية المسجلة في جورجيا ارتفاعًا كبيرًا خلال العقد الماضي، بالتزامن مع فرض العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. تقيّد هذه الإجراءات الأفراد والشركات والحكومات الأجنبية من إرسال أو تلقي الأموال من إيران، ومن يخالفها قد يتعرض لعقوبات شديدة أو ملاحقة جنائية. في يوليو، نشرت منظمة جورجية غير حكومية تُدعى “الفكرة المدنية” تحقيقًا اتهمت فيه حزب “الحلم الجورجي” الحاكم بالسماح للشركات الإيرانية بعضها مرتبط بالقوات المسلحة الإيرانية باستخدام جورجيا كـ”نقطة عبور استراتيجية” لتجاوز العقوبات الدولية وتحويل الأموال إلى طهران.
التجارة والعقوبات وجاذبية جورجيا
في يونيو 2025، تم تسجيل أكثر من 12,800 شركة إيرانية في جورجيا، وفقًا للسجلات العامة، ومعظمها مملوك بالكامل لإيرانيين. لكن العدد الدقيق للشركات التي لا تزال تعمل في البلاد غير واضح. بدأ نشاط الشركات الإيرانية في جورجيا حوالي عام 2009، وشهدت الفترة بين عامي 2012 و2019 طفرة كبيرة في تسجيل الشركات، تزامنًا مع تطبيق العقوبات الدولية المشددة على طهران. ربطت تقارير بعض هذه الشركات بـ”الحرس الثوري الإيراني” وهو فرع قوي من القوات المسلحة الإيرانية يلعب دورًا اقتصاديًا واسعًا مما يشير إلى أن هذه الكيانات منحت طهران وصولًا غير مباشر إلى الأسواق الغربية.
شدّدت جورجيا لاحقًا القواعد المصرفية على الإيرانيين وعلّقت مؤقتًا نظام الإعفاء من التأشيرات، لكن الاستثمارات الإيرانية عادت للارتفاع بعد توقيع الاتفاق النووي لعام 2015 بين طهران والقوى العالمية، خاصة في قطاعات العقارات والنقل والبناء. ولم تؤدِّ إعادة فرض واشنطن للعقوبات الصارمة على إيران عام 2018 إلى تثبيط المستثمرين الإيرانيين في جورجيا.
تزامن ارتفاع الاستثمارات الإيرانية مع نمو التجارة بين تبليسي وطهران
بين عامي 2022 و2024، ارتفع حجم التبادل التجاري الثنائي بنسبة 23%. بلغت الواردات من إيران نحو 30 مليون دولار في عام 2024، معظمها من المنتجات الزراعية والغذائية. وتمتلك إيران حصصًا كبيرة من السوق الجورجية في بعض القطاعات، مثل 13% من واردات الزبدة، و45% من الزبيب، و85% من التمور. كما تضاعفت قيمة واردات النفط والمنتجات البتروكيميائية الإيرانية تقريبًا ثلاث مرات، من 683 ألف دولار في عام 2020 إلى نحو مليوني دولار في عام 2024، ولم يُلاحظ أي تباطؤ خلال العام 2025 رغم تحذير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2025 من أن أي دولة تتاجر في النفط الإيراني ستواجه عقوبات ثانوية. تشجع مواقع التجارة والاستشارات الإيرانية المتاحة علنًا رجال الأعمال على تسجيل شركات في جورجيا، خصوصًا بالقرب من الموانئ، لتقليل التكاليف وإعادة توجيه الصادرات. وبعضها يشرح استراتيجيات لإعادة تصنيف البضائع الإيرانية على أنها “صُنعت في جورجيا” قبل شحنها إلى الأسواق الغربية.
عناوين مشبوهة
تم تسجيل آلاف الشركات الإيرانية في جورجيا على عدد محدود جدًا من العناوين، سواء في العاصمة تبليسي أو في قرى نائية، وفقًا للسجلات الرسمية. فمثلًا، تم تسجيل نحو 700 شركة إيرانية في مبنى سكني واحد في تبليسي من دون أي نشاط فعلي في الموقع. وتشمل أنشطتها المعلنة مجالات مثل الخدمات اللوجستية والسياحة والمجوهرات وتربية الماشية وتكنولوجيا المعلومات، رغم عدم وجود أدلة مادية على وجود هذه الشركات. ويظهر نمط مشابه في قرية “دونتا” الصغيرة الواقعة في غرب جورجيا، التي لا يتجاوز عدد سكانها 100 نسمة، ومع ذلك تُسجّل فيها نحو 800 شركة إيرانية. وتعمل العديد منها في قطاع النقل البري، وحصل بعضها على تصاريح شحن دولية من السلطات، وفقًا للسجلات العامة.
في قرية “أونتسا” الواقعة في جنوب غرب جورجيا، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 300 شخص، تم تسجيل أكثر من 800 شركة إيرانية أيضًا. وتشير السجلات إلى أن بعض العناوين في القرية استخدمها مهاجرون روس للاستفادة من النظام الضريبي الميسر في جورجيا. كما حصلت بعض الشركات الإيرانية على عقود حكومية جورجية. فقد باعت شركة “قفرينا” (Qafrina LLC)، المسجلة عام 2018 والمملوكة للإيراني “فرزاد نوري”، أنظمة مراقبة (CCTV) إلى البنك الوطني الجورجي ومحاكم في مدينة كوتايسي ومجلس مدينة تبليسي، وفقًا لسجلات المناقصات. وشركة أخرى مملوكة لإيرانيين تُدعى “جيو تك” (Geo Tech) زودت وزارة الدفاع والسكك الحديدية الجورجية وشركة النقل في تبليسي وعددًا من المؤسسات العامة بمنتجات النظافة، بما في ذلك ورق التواليت.
النتائج
تسلّط ظاهرة ازدياد تسجيل الشركات الإيرانية في جورجيا الضوء على واحدة من أكثر قضايا العقوبات الدولية تعقيداً في جنوب القوقاز، حيث تتحول تبليسي تدريجياً إلى “منطقة رمادية” تسمح لطهران بالالتفاف على القيود المفروضة عليها منذ أكثر من عقد. فالتقارير تشير إلى أن ما يقرب من 13 ألف شركة إيرانية، كثير منها مسجلة في عناوين وهمية أو متكررة، تعمل كواجهات لأنشطة اقتصادية يصعب تتبعها، ما يثير تساؤلات حول فاعلية الرقابة الجورجية، ومدى قدرة الغرب على رصد شبكات التحايل المالي العابرة للحدود.
تظهر أنماط التسجيل الكثيف في عناوين محدودة دلالة على وجود شبكات منظمة لتبييض الأموال أو إعادة تصدير البضائع الإيرانية بعد “تغيير هويتها الجغرافية”، وهي ممارسة معروفة في الالتفاف التجاري على العقوبات. اللافت أن بعض هذه الشركات حصل على عقود رسمية من جهات حكومية جورجية، ما يعني أن النشاط لم يعد سرياً أو هامشياً، بل متغلغلاً في الاقتصاد المحلي. ويعكس ذلك تساهلاً سياسياً من جانب حزب “الحلم الجورجي” الحاكم، الذي يوازن بين مصالحه الاقتصادية مع إيران وضغوط الغرب المتزايدة، خاصة من واشنطن التي حذّرت من العقوبات الثانوية في حال التعاون مع الاقتصاد الإيراني النفطي.
اقتصادياً، يشير الارتفاع المستمر في التجارة الثنائية بنسبة 23% خلال ثلاث سنوات، إلى أن جورجيا أصبحت منفذاً مهماً لإيران نحو الأسواق الأوروبية، خصوصاً في قطاعات الزراعة والنقل والبتروكيماويات. كما أن سهولة تأسيس الشركات والمزايا الضريبية الجورجية تشكّل بيئة مثالية للتهرب التجاري، إذ يستغلها الإيرانيون لإعادة تصدير بضائعهم تحت علامة “صُنعت في جورجيا”.
يبدو أن الغرب سيكثف مراقبته لأنشطة طهران في القوقاز، خصوصاً مع تصاعد التوترات الإقليمية وتوسع الدور الإيراني في البحر الأسود. وقد تواجه تبليسي ضغوطاً أمريكية وأوروبية لتشديد رقابتها المصرفية والجمركية، وربما مراجعة تراخيص الشركات المشبوهة. غير أن اعتماد جورجيا الاقتصادي على الاستثمارات الإيرانية، ورغبتها في البقاء على الحياد بين المحاور الدولية، قد يحدّ من قدرتها على اتخاذ خطوات حازمة. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تتحول جورجيا إلى محور اقتصادي بديل لإيران، بما يعقّد جهود تطبيق العقوبات ويمنح طهران شبكة تكيّف جديدة ضمن نظام اقتصادي موازٍ للعقوبات الغربية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110925
