المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
الأمن الدولي: اجتماع تحالف الراغبين في باريس و مصير الضمانات الأمنية لأوكرانيا
وسط تصاعد التوترات في أوروبا، تتجه الأنظار نحو باريس، يوم الرابع من سبتمبر 2025 حيث يسعى تحالف من الدول الراغبة في تعزيز الأمن الجماعي لتقديم ضمانات استراتيجية، في خطوة قد تعيد رسم ملامح الردع في المنطقة. وبين التحديات العسكرية والسياسية المستمرة، يبرز السؤال الأكبر:
إلى أي مدى يمكن لهذه المبادرات أن تثبت الاستقرار في مواجهة النزاعات المستمرة؟
ناقش الأوروبيون يوم الرابع من سبتمبر 2025 وعود الحماية المقدمة لأوكرانيا، تدخل الحكومة الألمانية المحادثات بخطط ملموسة، لكنها تريد تجنّب تقديم التزامات بمشاركة “البوندسفير” الجيش الألماني.مرّ أسبوعان ونصف فقط على القمة الأوكرانية التاريخية في البيت الأبيض، والآن يبحث الأوروبيون ، في مسألة الضمانات الأمنية لكييف. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستضيف نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قصر الإليزيه.
الاتصال مباشر مع الرئيس الأميركي ترامب
شهدت قمة “تحالف الراغبين” في باريس تحضيرًا لاتصال مباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث اتفق القادة الأوروبيون والأوكرانيون على عقد مكالمة بعد انتهاء اجتماعات الإليزيه. ووفقًا للمصادر، جرى تنسيق اجتماع تمهيدي قبل بدء الاتصال، بمشاركة المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف. ويهدف هذا الاتصال إلى بحث الضمانات الأمنية التي يسعى الأوروبيون لتقديمها لأوكرانيا في حال وقف إطلاق النار، مع التأكيد على أن أي ترتيبات أمنية أوروبية تحتاج إلى دعم أميركي ملموس. وقد شدد قادة مثل ماكرون وستارمر خلال القمة على أن غياب واشنطن عن هذه الجهود قد يضعف مصداقيتها، في حين يأمل الأوكرانيون أن يترجم الاتصال مع ترامب إلى التزامات عملية تدعم مساعيهم في مواجهة روسيا.
مخرجات قمة باريس ـ ثلاثة خطوط رئيسية للضمانات الأمنية لأوكرانيا
أسفرت قمة باريس لتحالف الراغبين عن تحديد ثلاثة خطوط رئيسية للضمانات الأمنية لأوكرانيا في حال اتفاق على وقف إطلاق النار، شملت: نشر قوة الطمأنينة، تنفيذ دوريات جوية، وإقامة قوة لإزالة الألغام البحرية. كما أكد القادة المشاركون على أهمية اختبار السيناريوهات العسكرية المختلفة لضمان جاهزية القدرات الدفاعية، مع مشاركة 34 دولة معظمها أوروبية، إضافة إلى كبار مسؤولي الناتو والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية. ورغم ذلك، ظهرت مواقف متباينة حول نطاق الدعم، إذ أكدت ألمانيا على شروطها الأساسية المتعلقة بمشاركة الولايات المتحدة، واستمرار المفاوضات مع روسيا، وتوافق الأحزاب الألمانية، بينما سعى الرئيس الفرنسي ماكرون لإظهار نتائج إيجابية وسط ضغوط سياسية داخلية، ما يعكس التحديات الكبرى في تحقيق توافق أوروبي شامل حول الضمانات الأمنية لأوكرانيا.
الضمانات التي خرجت بها قمة باريس
ـ تعزيز الجيش الأوكراني على المدى الطويل عبر التسليح والدعم المالي والتدريب.
ـ نشر قوات أوروبية داخل أوكرانيا بمهام تدريب وإزالة ألغام، لا قتال مباشر محل خلاف أوروبي.
ـ تأمين المجال الجوي الأوكراني عبر قواعد في بولندا ورومانيا، مع اعتماد كبير على الغطاء الأميركي.
ـ تطهير البحر الأسود من الألغام لضمان الملاحة وتصدير الحبوب، بدور محوري لتركيا.
وفدا فرنسيا بريطانيا يتوجه إلى أوكرانيا
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد قمة تحالف الراغبون في باريس ، وفدا فرنسيا بريطانيا سيتوجه “في الأيام المقبلة إلى أوكرانيا” لتحضير “ما سيكون عليه شكل الجيش الأوكراني” بالاضافة إلى انتشار محتمل لقوات من دول حليفة لكييف في حال التوصل إلى اتفاق سلام. وأكد ماكرون في تصريحات أدلى بها عقب قمة في باريس ضمت تحالف دول داعمة لأوكرانيا أن الحلفاء “اتفقوا بالإجماع على وجوب عدم رفع العقوبات المفروضة على موسكو”. وأضاف أنه ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر “سيقودان” جهود هذا التحالف.
المؤتمر الصحفي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب قمة “تحالف الراغبين” في باريس:
ـ إرسال وفد فرنسي – بريطاني إلى أوكرانيا: ماكرون أعلن أن وفدًا مشتركًا من باريس ولندن سيتوجه إلى كييف “في الأيام المقبلة” للتحضير لشكل الجيش الأوكراني المستقبلي، ولبحث ترتيبات انتشار محتمل لقوات حليفة في حال التوصل إلى اتفاق سلام.
ـ القيادة الفرنسية – البريطانية للتحالف: شدد ماكرون أن فرنسا وبريطانيا ستقودان جهود “تحالف الراغبين”، معتبراً أن وحدة الموقف الأوروبي أساسية لدعم أوكرانيا ومنع أي تراجع أمام روسيا.
ـ الإجماع على العقوبات ضد موسكو: أكد أن جميع الحلفاء اتفقوا بالإجماع على عدم رفع العقوبات المفروضة على روسيا، حتى في حال التوصل إلى وقف إطلاق نار، ما يشير إلى تمسك الأوروبيين بالضغط الاقتصادي كأداة استراتيجية.
ـ فكرة “قوة الطمأنينة”: تحدث ماكرون عن أن الضمانات الأمنية يجب أن تشمل قوة ردع وانتشار ميداني لطمأنة أوكرانيا وردع روسيا، وهو تصور أولي لقوات أوروبية على الأرض بعد أي اتفاق.
ـ رسالة لواشنطن: أشار ضمنيًا إلى أن أي مبادرة أوروبية تحتاج إلى دعم الولايات المتحدة، خصوصًا في المجالين الاستخباراتي والجوي، وأن الأوروبيين أظهروا استعدادهم لتحمل المسؤولية بانتظار التزام أميركي واضح.
ـ الضغط الداخلي في فرنسا: بدا ماكرون حريصًا على إظهار أن فرنسا ليست فقط في موقع المبادرة، بل في قلب القيادة الأوروبية، وهو ما فُسر على أنه محاولة لتعزيز موقعه السياسي داخليًا بعد أزمات حكومته.
مؤشرات تشاؤم قوية
قمة باريس لـ“تحالف الراغبين” عكست تباينًا واضحًا في التوقعات بين القادة الأوروبيين بشأن فرص السلام أو استمرار الحرب. أظهر الأوروبيين استعدادهم لتحمل مسؤوليات أكبر بدل الاعتماد المطلق على واشنطن، إضافة إلى الانفتاح على سيناريو وقف إطلاق النار. لكن في المقابل، برزت مؤشرات تشاؤم قوية : فالموقف الألماني بقي مشروطًا بمشاركة الولايات المتحدة وبمفاوضات مع روسيا، بينما عبّرت برلين عن قلق من استعجال ماكرون في دفع الأوروبيين نحو التزامات مبكرة. كما أن غياب التوافق الروسي–الأميركي حول أي إطار للتسوية يجعل الضمانات الأوروبية أقرب إلى إعلان نوايا منها إلى اتفاق عملي. وبالتالي، يمكن القول إن القمة لم تفتح بابًا مباشرًا للسلام، بل أكدت أن احتمالات استمرار الحرب تبقى أكبر من فرص إنهائها، على الأقل في المدى القريب، مع إدراك الأوروبيين أن أي اتفاق لن ينجح من دون واشنطن وموسكو على حد سواء.
رغم الأجواء التي أحاطت بقمة باريس لـ”تحالف الراغبين”، برزت عدة شواهد تُشير إلى أن احتمالات استمرار الحرب في أوكرانيا أكبر بكثير من فرص التوصل إلى سلام قريب.
أسباب التشاؤم
ـ رغم الأجواء التي أحاطت بقمة باريس لـ”تحالف الراغبين”، برزت عدة شواهد تُشير إلى أن احتمالات استمرار الحرب في أوكرانيا أكبر بكثير من فرص التوصل إلى سلام قريب. أول هذه الشواهد هو غياب الإرادة السياسية لدى روسيا والولايات المتحدة؛ إذ لم يضع أيٌّ من الرئيسين بوتين أو ترامب شروطًا واضحة لوقف إطلاق النار، ما يعني عمليًا ترك الأوروبيين والأوكرانيين وحدهم في الميدان من دون غطاء دولي متماسك.
ـ تُظهر المواقف الألمانية المتحفظة أن هناك انقسامًا داخل أوروبا نفسها حول جدوى تقديم ضمانات أمنية واسعة، حيث اشترطت برلين مشاركة واشنطن ومفاوضات مع موسكو وتوافقًا برلمانيًا داخليًا، وهو ما يعكس صعوبة الانتقال من الدعم العسكري إلى التزامات أمنية مباشرة.
ـ تُعد الاعتبارات الميدانية دليلًا إضافيًا على أن الحرب ستستمر، إذ تواصل روسيا شن ضربات صاروخية وجوية على المدن الأوكرانية، بينما يسعى الغرب إلى تعزيز القدرات الدفاعية لكييف لا إلى فرض هدنة.
ـ أن الدعم العسكري المعلن في القمة، سواء عبر أنظمة دفاع جوي إضافية أو تعزيز إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة، يُؤكد أن التركيز منصب على إطالة أمد الصراع بدل تهيئة الظروف لتسوية سياسية.
ـ أن قمة باريس نفسها كشفت التباين الأوروبي الداخلي: في حين يسعى الرئيس الفرنسي ماكرون إلى إظهار إنجاز سياسي وسط أزماته الداخلية، يرى قادة آخرون، خصوصًا في برلين، أن النقاش سابق لأوانه وأن الأوروبيين يتعجلون تقديم التزامات غير محسوبة. هذه الفجوة في المواقف، مقرونة بغياب موقف أميركي ـ روسي مشترك، تعني أن أي حديث عن “وقف إطلاق النار” يظل أقرب إلى المناورة الدبلوماسية منه إلى مسار جدي نحو السلام.
“تحالف الراغبين”
المدعوون هم أعضاء “تحالف الراغبين”، وهو تحالف غير رسمي يضم أكثر من 30 دولة داعمة لأوكرانيا، تقوده فرنسا وبريطانيا. وأوضح مستشار لماكرون أن الأوروبيين يؤكدون أنهم “مستعدون” لمنح أوكرانيا ضمانات أمنية، وأنهم الآن ينتظرون “دعماً ملموساً” من الأميركيين. الرسالة السياسية الأساسية ستكون أن “نحن لا نملك فقط الإرادة والقدرة، بل نحن أيضًا مستعدون”. رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين رفعت سقف التوقعات. فقد صرّحت بأن العواصم الأوروبية تعمل على “خطط دقيقة إلى حد كبير” بشأن احتمال نشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا، مشيرةً إلى وجود “خريطة طريق واضحة”. لكن فورًا جاء اعتراض حاد من الحكومة الألمانية.
تفاصيل الضمانات “سرية جدا”
قال الرئيس الفرنسي أن الأوروبيين “مستعدون لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا وللأوكرانيين، في اليوم الذي يتم فيه توقيع اتفاق سلام”، مضيفا أن تفاصيل الضمانات “سرية جدا” لكن “التحضيرات استكملت”. وقال الرئيس الفرنسي في تصريح صحافي بقصر الإليزيه يوم الرابع من سبتمبر إن “أوروبا حاضرة، وللمرة الأولى بهذا المستوى من الالتزام والجدية”.وأضاف: “السؤال الآن هو مدى صدق روسيا والتزامها المتكرر عندما عرضت السلام على الولايات المتحدة الأمريكية”. وشكك ماكرون مرارا في تصريحات بوتين لترامب بشأن رغبته في السلام. وتكتم الزعماء الأوروبيون على طبيعة الضمانات التي من المتوقع أن تشمل نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، وتدريب الجيش الأوكراني، فيما ستضطلع الولايات المتحدة بدور داعم. أمن دولي ـ هل تحالف الراغبين مستعد لتقديم ضمانات أوروبية أمنية لأوكرانيا؟
إن استمرار الصراع كمسرح ضغط دولي، يجعل أوروبا وأوكرانيا بحاجة دائمة إلى التنسيق مع واشنطن، وترك روسيا تتحرك بحرية جزئية دون أي اتفاق شامل يحدد معالم التسوية.
ماذا عن لقاء بوتين وزيلنسكي؟
أعرب الرئيس الروسي عن استعداده لإجراء محادثات مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، شرط أن يقوم الأخير بزيارة موسكو. وأضاف: “يبقى أن نرى ما إذا كان مثل هذا الاجتماع مجدياً. لم أستبعد أبدًا إمكانية عقد مثل هذا اللقاء، ولكن السؤال هو: هل هناك جدوى منه؟” قال زيلينسكي “لا نرى مؤشرات على رغبة روسيا بوقف الحرب في أوكرانيا”. وأوضح زيلينسكي “للأسف لم نرَ بعد مؤشرات من جانب روسيا تظهر أنها ترغب في وضع حد للحرب”، معربا عن ثقته بأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ستساند كييف في “زيادة الضغط على روسيا للتقدم نحو حل دبلوماسي”. ورغم الانفتاح الظاهري، لم يُبدِ بوتين أي استعداد لتقديم تنازلات بشأن مطالبه، والتي تشمل تخلي أوكرانيا عن أي طموح للانضمام إلى حلف الناتو، والتراجع عن ما وصفته موسكو بـ”التمييز ضد الناطقين بالروسية والروس العرقيين”، فضلاً عن السيطرة الكاملة على منطقة دونباس في شرق أوكرانيا على الأقل.
لا يزال زيلنسكي يضغط من أجل عقد لقاء مع بوتين، رغم أن الموقفين لا يزالان متباعدين، كما يحاول الاستعانة بواشنطن لتسجيل خروقات. يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحاول التوسط لتسوية سلمية، أشار إلى رغبته في جمع الزعيمين، وتحدث عن فرض عقوبات ثانوية على روسيا، لكنه لم يفرضها حتى الآن. وأوضح القصر الرئاسي الفرنسي أن الجزء الأكبر من العمل التقني، الذي انطلق عقب الاجتماع الأول للتحالف في منتصف فبراير، قد أوشك على الانتهاء. وتتركز هذه الجهود على ضمان قدرة أوكرانيا على ردع أي عدوان مستقبلي في أعقاب وقف إطلاق النار، وتشمل تعزيز القوات المسلحة الأوكرانية على المدى الطويل، فضلًا عن التخطيط لنشر قوة دولية للطمأنة في مناطق حظر الاشتباك المنتشرة عبر البلاد. وأكد الإليزيه أن الرسالة الأساسية التي ستُطرح خلال اجتماع الخميس تتمثل في أن الشركاء الأوروبيين “مستعدون، قادرون، وحريصون على المضي قُدمًا”.
وأعلن الإليزيه أن أحد أهداف الاجتماع، الذي سيحضره نحو ثلاثين قائدًا، معظمهم من أوروبا، هو إظهار التزام الحلفاء بتعهداتهم، ودفع الإدارة الأمريكية إلى الوفاء بتهديداتها، بما في ذلك فرض عقوبات على روسيا إذا لم تلتزم بمسار التهدئة.
الضمانات الأمنية ـ ردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجددًا
تهدف هذه الضمانات إلى ردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجددًا بعد انتهاء الحرب، سواء من خلال وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام دائم. يقول مسؤولون غربيون إن أهم عنصر في الضمانات سيكون استمرار الدعم القوي للقوات المسلحة الأوكرانية، ولكن من المتوقع أيضًا أن تشمل الإجراءات قوة دولية لطمأنة كييف. وقد أوضح القادة الأوروبيون أن مثل هذه القوة لن تكون ممكنة إلا بدعم الولايات المتحدة. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وعد بذلك الشهر الماضي، لكن واشنطن لم توضح بعد ما هي مستعدة للمساهمة به.
وصرح ماكرون أن مساهمات تحالف الدول الراغبة في أوكرانيا ما بعد الحرب ستركز على تعزيز جيشها لمعرفة من وكيف سيتم تدريبه وتمويله وتجهيزه. كما تنظر في إنشاء “قوة طمأنة” تحدد الدول التي ستكون مستعدة لإرسالها وبأي قوة، سواءً كانت برية أو بحرية أو جوية. وهناك عنصر أخير يتمثل في قوات دعم متمركزة في الدول المجاورة لأوكرانيا. قال الأمين العام لحلف (الناتو)، مارك روته، إنه يتوقع وضوحًا في قمة حلفاء أوكرانيا، بشأن الضمانات الأمنية التي يمكن أن تقدمها أوروبا لكييف بعد انتهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. وأضاف: “هذا يعني أنه يمكننا التواصل بشكل مكثف، أيضًا مع الجانب الأمريكي، لمعرفة ما يريدون تقديمه من حيث مشاركتهم في الضمانات الأمنية”.
مصير الضمانات الأوروبية وعلاقات ترامب مع بوتين في حالة استمرار الحرب
في حال استمرار الحرب الأوكرانية ـ الروسية دون أي اتفاق، ستدخل الضمانات الأوروبية مرحلة حالة الانتظار والتحجيم. هذه الضمانات، التي تشمل تدريب الجيش الأوكراني، تجهيز القوات، وربما نشر قوات أوروبية رمزية في مناطق حظر الاشتباك، ستظل نظرية في الغالب طالما لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق نار أو اتفاق سلام. بمعنى آخر، أوروبا ستبقى مستعدة على الورق، لكنها لن تتمكن من تنفيذ الضمانات بشكل كامل على الأرض دون إشارة واضحة من موسكو، لتجنب أي تصعيد مباشر مع روسيا. أن استمرار الحرب سيجعل دور أوروبا مرتبطًا بالولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى. أي قوة أوروبية دولية لن تكون فعالة إلا بمشاركة أمريكية فعلية، سواء عبر التمويل أو الدعم العسكري أو العقوبات الموجهة ضد موسكو. وهذا يعني أن أوروبا ستظل في موقف انتظار وتنسيق مستمر، مع التركيز على تقوية الجيش الأوكراني وقدرته على الردع، بينما تظل الضمانات “معلقة” حتى إشعار آخر.
لقاء زيلينسكي ـ بوتين: سيناريوهات معلّقة بين الحرب والسلام
أعاد الرئيس الروسي بوتين يوم الثالث من سبتمبر 2025 خلط أوراق الأزمة الأوكرانية بإعلانه الاستعداد للتفاوض، لكن بشرط أن يحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى موسكو. شرط بدا للبعض مستحيل التحقيق، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام سيل من التكهنات حول احتمالات اللقاء المباشر بين الطرفين وسيناريوهات مفتوحة:
ـ رفض مطلق : السيناريو الأول، وربما الأكثر واقعية، أن يرفض زيلينسكي الدعوة رفضًا قاطعًا، معتبرًا الحضور إلى موسكو خضوعًا لشروط المعتدي. خطوة كهذه ستبقي الوضع على حاله، وتدفع الغرب إلى تعزيز دعمه لكييف حتى لا تُتهم بالعجز عن التفاوض.
ـ قبول مشروط، السيناريو الثاني يقوم على قبول مبدئي، ولكن بشروط: نقل اللقاء إلى دولة محايدة مثل تركيا أو سويسرا، أو عقده تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. بهذا ينجح زيلينسكي في الحفاظ على صورته كقائد لا يرفض السلام، مع منح أوروبا ورقة ضغط دبلوماسية جديدة.
ـ حضور إلى موسكو، السيناريو الثالث، وهو الأضعف احتمالًا، يتمثل في قبول زيلينسكي الذهاب إلى موسكو. خطوة كهذه ستُعد “تنازلاً تاريخياً” قد يهز شرعيته داخليًا، فيما ستوظفها موسكو كورقة دعائية لإظهار كييف في موقع الضعف. مقابل ذلك، قد يُفتح باب اتفاق لوقف إطلاق النار، لكنه سيكون مشروطًا بتنازلات جغرافية وسياسية باهظة الثمن.
ـ مفاوضات بالوكالة : هناك أيضًا يقوم على العودة إلى المفاوضات غير المباشرة، عبر وفود تفاوضية كما جرى في إسطنبول عام 2022. هذه الصيغة تمنح الطرفين هامش مناورة، وتقلل من المخاطر السياسية على زيلينسكي، مع إبقاء خيار اللقاء الرئاسي كمرحلة نهائية.
تبدو زيارة زيلينسكي إلى موسكو شبه مستحيلة، فيما يظل الخيار الأكثر ترجيحًا هو رفض الشرط الروسي مع ترك الباب مواربًا أمام وساطات دولية أو لقاء في بلد ثالث. وبين حسابات الحرب والسلام، تبقى هذه التصريحات جزءًا من لعبة شد الحبال السياسية أكثر من كونها عرضًا حقيقيًا للتسوية.
مصير علاقات ترامب مع بوتين في حال فشل المفاوضات؟
إن استمرار الحرب بدون اتفاق يعقد المشهد السياسي الأمريكي. ترامب، الذي يحاول تقديم نفسه كوسيط، سيجد نفسه في موقف حساس بين الدعوة إلى السلام من جهة والحاجة للضغط على روسيا من جهة أخرى. إن غياب اتفاق نهائي سيعني أن روسيا لن تضطر لتقديم تنازلات، وبالتالي سيُنظر إلى أي وساطة من ترامب على أنها خطوة رمزية أو دعائية أكثر من كونها فعلاً وسيلة لحل الأزمة. في هذا السيناريو، يمكن توقع أن:
ـ ترامب سيحافظ على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو، مستغلاً استمرار الحرب كأداة دبلوماسية للضغط على أوروبا وأوكرانيا أو لتعزيز صورته السياسية داخليًا. روسيا ستستفيد من هذا الوضع لتعزيز موقعها التفاوضي مستقبلاً، لأنها ستظل الطرف القادر على فرض شروطه جزئيًا أو تحديد وتيرة العمليات العسكرية.
وستبقى العلاقة بين ترامب وبوتين مرنة ومتكيفة مع واقع الحرب: اتصال دائم لكن دون التزام بتسوية حقيقية، حيث ستكون كل المبادرات مرتبطة بالجدوى السياسية الأمريكية والضغط الغربي على روسيا. بعبارة أخرى، استمرار الحرب يعني: ضمانات أوروبية معلقة ومرهونة بالقرارات الأمريكية، وليس تنفيذها الكامل على الأرض. إن علاقات ترامب مع بوتين قائمة لكنها رمزية ومرنة، مع استمرار دور الحرب كأداة ضغط سياسية ودبلوماسية.أمن دولي ـ الضمانات الأمنية لأوكرانيا والخلاف الأوروبي، قراءة تحليلية
قراءة مستقبلية
ـ الضمانات الأمنية مازالت غامضة: تؤشر التصريحات الأخيرة من باريس وموسكو إلى استمرار لعبة الرسائل السياسية أكثر من وجود نية فعلية للتسوية. الأوروبيون يطرحون فكرة ضمانات أمنية لأوكرانيا، لكنها ما زالت غامضة، ومشروطة بوقف إطلاق النار أو اتفاق سلام لاحق، مع اعتماد واضح على الغطاء الأمريكي. بالنسبة لروسيا، دعوة بوتين لزيلينسكي لزيارة موسكو ليست سوى ورقة تهدف إلى إظهار كييف في موقع الرافض للحوار. أما أوكرانيا فترفض الشروط الروسية، لكنها تبقي الباب مواربًا أمام وساطات دولية للحفاظ على دعم الغرب.
تقليص التدخل الأمريكي : تميل الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، إلى تقليص تدخلها المباشر ودفع الأوروبيين لتحمل العبء الأمني والمالي، مع استخدام ورقة العقوبات كأداة تفاوض لا أكثر. النتيجة المتوقعة: سلام ناقص أو تجميد للنزاع، مع بقاء جذور الأزمة قائمة، ما يعني احتمالية تجدّد المواجهة في المستقبل خصوصًا في دونباس والقرم.
ـ الصراع الأوكراني الروسي بلا حل: إن غياب أي احتمال للقاء مباشر بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأوكراني زيلينسكي يعكس طبيعة الصراع الراهنة: الحرب لن تنتهي في المدى القريب، ولن يكون هناك تسوية شاملة. الشرط الروسي بأن يزور زيلينسكي موسكو يجعل أي لقاء شبه مستحيل، وهو ما يعني أن مسار التفاوض المباشر مغلق عمليًا. في هذا السياق، من المتوقع أن يستمر الصراع. روسيا قد تواصل الضغط العسكري على الجبهات الشرقية، خصوصًا في دونباس، بهدف فرض واقع جديد على الأرض دون المخاطرة بتصعيد شامل مع الغرب. من جانبها، ستواصل أوكرانيا الاعتماد على الدعم العسكري والغربي لتعويض عدم وجود حوار مباشر مع موسكو، مع الحفاظ على استعدادها الدفاعي. أمن دولي ـ الضمانات الأوروبية ومفاوضات أوكرانيا، الانقسامات والسيناريوهات المحتملة
ـ الأبعاد الإقليمية والدولية لهذا الوضع واضحة: أوروبا والولايات المتحدة ستستمر في دعم أوكرانيا، سواء عبر التدريب أو التمويل أو نشر قوات محدودة، لكن أي تدخل مباشر سيظل محدودًا لتفادي المواجهة المفتوحة مع روسيا. في المقابل، روسيا ستبقى تفرض شروطها الجزئية، مستغلة الغموض في الضمانات الغربية لتثبيت مكاسبها دون الخوض في تنازلات استراتيجية.
ـ أستمرار الصراع : النتيجة المتوقعة لهذا الوضع هي أن الصراع سيستمر على عدة سنوات مع استمرار الخطر على مناطق النزاع الأساسية مثل دونباس والقرم. أي اتفاقيات محتملة ستظل مؤقتة وهشة، ولن تعالج جذور الأزمة، ما يجعل الصراع عنصرًا مستمرًا في السياسة الأوروبية والدولية لسنوات قادمة. إن غياب لقاء بوتين ـ زيلينسكي يصعد استمرار النزاع، وتحويل الحرب إلى حالة مستمرة من الضغط العسكري والدبلوماسي، مع اعتماد أوكرانيا على الدعم الغربي للحفاظ على موقفها واستقرارها النسبي، وترك المجال مفتوحًا لأي تصعيد مستقبلي.
ـ أن قمة باريس نفسها كشفت التباين الأوروبي الداخلي: في حين يسعى الرئيس الفرنسي ماكرون إلى إظهار إنجاز سياسي وسط أزماته الداخلية، يرى قادة آخرون، خصوصًا في برلين، أن النقاش سابق لأوانه. أظهرت قمة “تحالف الراغبين” في باريس أن الحلفاء الأوروبيين يسعون إلى الانتقال من مستوى الدعم العسكري والاقتصادي التقليدي لأوكرانيا إلى صياغة ترتيبات أمنية أكثر ديمومة، من خلال الاتفاق على إرسال وفد فرنسي–بريطاني إلى كييف لوضع تصور لشكل الجيش الأوكراني المستقبلي، والبحث في سيناريو انتشار قوات حليفة بعد أي اتفاق سلام.
ـ عكست القمة إجماعًا واضحًا على الإبقاء على العقوبات المفروضة على موسكو كأداة ضغط مستمرة، إلى جانب تأكيد ماكرون وستارمر على قيادة المبادرة الأوروبية، مع إدراك الحاجة الماسة إلى دعم أميركي لضمان فعاليتها. ورغم الطابع العملي للمخرجات، فإن التحفظات الألمانية والتباينات الداخلية بين العواصم الأوروبية، إضافة إلى غياب موقف مشترك من واشنطن وموسكو، تجعل هذه الضمانات أقرب إلى خطوة سياسية رمزية تعكس تصميم الأوروبيين على الاضطلاع بدور أكبر، أكثر منها تحولًا فعليًا نحو إنهاء الحرب.
ـ برزت مؤشرات تشاؤم قوية : فالموقف الألماني بقي مشروطًا بمشاركة الولايات المتحدة وبمفاوضات مع روسيا، بينما عبّرت برلين عن قلق من استعجال ماكرون في دفع الأوروبيين نحو التزامات مبكرة.
إن استمرار الصراع كمسرح ضغط دولي، يجعل أوروبا وأوكرانيا بحاجة دائمة إلى التنسيق مع واشنطن، وترك روسيا تتحرك بحرية جزئية دون أي اتفاق شامل يحدد معالم التسوية.
رابط نشر.. https://www.europarabct.com/?p=108650
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
