المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
إعداد: اكرام زيادة، باحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الأزمة الأوكرانية – المقاتلون الشيشان ، الأدوار والمخاوف
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأ الحديث عن الزج بالمقاتلين الأجانب في الصفوف الأمامية لجبهة القتال سواء في صفوف القوات الروسية أو الأوكرانية. وكانت أوكرانيا السباقة للإعلان عن تجنيد مقاتلين أجانب في صفوف الجيش. وقام الرئيس فولوديمير زيلينسكي بتوجيه دعوة عابرة للحدود والقارات للدفاع على أوكرانيا والوقوف في وجه “الغازي” الروسي. المقاتلون الأجانب في أوكرانيا ـ النشأة، القيادات، الأيدلوجيا والمخاطر الأمنية. بقلم حازم سعيد
تركز الحديث الإعلامي والبحث الاستخباراتي منذ البداية عن مقاتلين ملتحقين من اليمين المتطرف. فيما تم إيلاء قدر أقل من الاهتمام لمشاركة الجهات الفاعلة التي تعتبر غريبة مسبقاً عن النزاع. من بينهم مقاتلون من الشيشان يتم تجنيدهم الآن على كلا الجانبين. تحاول هذه الدراسة التطرق لهم من حيث الأدوار المزدوجة والمخاوف من توظيفهم.
المقاتلون الشيشان إلى جانب روسيا
بمجرد إعلان روسيا عن انطلاق عمليتها العسكرية في أوكرانيا ، سارع القائد الشيشاني “رمضان قديروف” ، حليف بوتين الأساسي في المنطقة، إلى إرسال قوات خاصة إلى أوكرانيا ، ولم يكف الرئيس الشيشاني عن الحديث عن إنجازات رجاله كما حدث حينما أعلن في 3 مارس 2022 عن احتلال قواته قاعدة عسكرية كبرى كانت تابعة لـ”قوميين متطرفين أوكرانيين”. وفي 13 مارس 2022، أعلن قديروف أنه على بعد كيلومترات قليلة من كييف، وفي اليوم التالي نشر فيديو عبر حسابه بالعربية على تويتر يزعم أنه في قبو داخل كييف حيث يخطط مع قواته للسيطرة على العاصمة.
ولا يعرف عدد المقاتلين الشيشان الذين تم نشرهم في أوكرانيا على وجه اليقين، لكن بعض التقارير الصحفية تحدثت عن عشرة آلاف مقاتل وفقاً لـ “BBC” في 5 مارس 2022. بينما أكد قديروف في 17 مارس 2022 أن ألف متطوع شيشاني في طريقهم للانخراط في صفوف القوات الروسية التي غزت أوكرانيا.
وفي حين أن عدد القوات الشيشانية غير واضح، فمن المتوقع أن تستخدم موسكو القوات الشيشانية في قتال الشوارع المُحتمل أن يصاحب الاستيلاء على كييف أو غيرها من المدن. حيث تقول تقارير إن القوات الشيشانية تخوض معارك شرسة في مدن الساحل الأوكراني الاستراتيجية، إذ نجحت القوات الروسية بمعاونة قوات قديروف في الاستيلاء على ميناء ماريوبول يوم 18 مارس 2022، كما أعلنت وزارع الدفاع الأوكرانية. أزمة أوكرانيا ـ التقدم العسكري على الأرض يفرض أجندة التفاوض. بقلم الدكتور خالد ممدوح العزي
وتثير مشاركة الشيشانيين في الحرب في أوكرانيا تساؤلات بشأن السبب الذي دعا بوتين لزجهم في الغزو الروسي في ظل امتلاكه لترسانة عسكرية؟. وفي تقرير نشرته مجلة “فورن بوليسي” الأميركية في 26 فبراير2022 يتناول أسباب نشر قوات شيشانية في أوكرانيا، ذكرت الصحيفة أن موسكو تحاول “إرهاب” كييف بصور الجنود الشيشان المنتشرين على أراضيها. ويؤكد التقرير أن “روسيا تستغل الصور النمطية للوحشية الشيشانية لاستخدامها كسلاح نفسي ضد الأوكرانيين وإجبار كييف على الاستسلام.
رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في 18 مارس 2022، أن “قديروف وبوتين يتبادلان المنافع عبر نشر القوات الشيشانية في أوكرانيا. وأوضحت أنه من خلال دعمه لبوتين، يقدم قديروف رسالة للداخل الشيشاني ومعارضيه على أنه متحالف بعمق مع الدولة الروسية، لتذكيرهم بأنه يمتلك القوة القتالية لردعهم.
من جهة أخرى، فإن (85%) من ميزانية الجمهورية الشيشانية تأتي من الحكومة الروسية. وقد أدى شبه الاعتماد هذا على الكرملين للحصول على المال في المقابل إلى تأمين السلام إلى حد كبير في الشيشان. في المقابل ، لكي يحصل قاديروف على بعض الامتثال من بوتين ، كان عليه أن يثبت ولائه باستمرار من خلال تحقيق المهام التي تم تكليفه بتنفيذها بنجاح، وفقاً لـ” المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية”.
كتائب شيشانية تقاتل القوات الروسية
لم يقتصر الحضور الشيشاني في الحرب الأوكرانية على قاديروف ورجال جيشه الموالين لموسكو، ففي جانب آخر من المشهد، ظهر مقاتلون شيشانيون آخرون في أوكرانيا، لم يسامحوا قاديروف على دعمه موسكو في 1999-2000 وعلى سحق مطالبهم بالاستقلال عن روسيا. فوجدوا في الحرب الدائرة على أراضي أوكرانيا فرصة للقتال ضد روسيا التي يعتبرونها عدوهم الأول.
بعد يومين من الغزو الروسي، سارع القائد الشيشاني المعادي لروسيا، أحمد زكاييف – والذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الشيشان إشكيريا ، قبل أن يتولى رئاسة الحكومة في المنفى لعدة سنوات- لدعوة المقاتلين الشيشان من جميع أنحاء أوروبا للذهاب للقتال من أجل أوكرانيا وصد عدوان روسيا. المقاتلون الأجانب فى مخيمات وسجون سوريا والعراق.. المخاطر والمعالجات
على الجانب الأوكراني، يمكن حالياً العثور على كتيبتين مكونتين إلى حد كبير من قدامى المحاربين في الحرب الشيشانية. وكلاهما نشط منذ عام 2014. فيما يدور الحديث عن ما بين (300 إلى 500) شيشاني يقاتلون إلى جانب الأوكرانيين، و من الصعب التحقق من الأرقام الحالي، لحسب موقع ” nationalia ” بتاريخ 10 مارس 2022. وهاتان الكتيبتان هما:
- كتيبة “الشيخ منصور”
سميت الكتيبة بهذا الاسم نسبة إلى الإمام منصور الشيشاني، الذي قاد المقاومة ضد القوات الروسية في القوقاز أواخر القرن الثامن عشر مدة تسع سنوات، قبل أن يُؤسر ويُقتل في السجن.
وتضم الكتيبة مقاتلين شيشانيين مسلمين معارضين لروسيا كانوا قد تفرقوا إثر نجاح روسيا في إسقاط جمهورية الشيشان وضمها إلى أراضيها. سافر بعضهم إلى سوريا لقتال القوات الروسية هناك، ثم قرروا الانضواء في كتيبة تابعة للجيش الأوكراني لمحاربة الانفصاليين شرقي أوكرانيا عام 2014. وبرز اسم الكتيبة في الحرب الأخيرة بعد نشر مقطع فيديو لأفرادها وهم يقاتلون القوات الروسية على حدود العاصمة الأوكرانية، وهم يكبّرون ويهلّلون.
قدمت هذه الكتيبة الإسلامية تطوراً مفاجئاً في العلاقة بين الجماعات اليمينية المتطرفة والإسلاموفوبيا ، إذ أقامت كتيبة الشيخ منصور تحالفاً غير متوقع مع ” القطاع الأيمن” Right Sector ، وهي حركة شبه عسكرية أوكرانية يمينية متطرفة. كما تقاتل أيضاً إلى جانب كتيبة آزوف ، وهي قوة موالية لكييف تتبي وجهات نظر النازيين الجدد. فبينما في أماكن أخرى في أوروبا يشكل الإسلاميين والنازيين أعداء طبيعيين ، لكن في الحالة الأوكرانية ولد الكراهية المشتركة لروسيا تحالفه بينهم.
يقول قائد الكتيبة “مسلم تشيبرلوف” في حوار سابق مع موقع “VICE” الأمريكي : “لدينا علاقة جيدة للغاية مع كتائب المتطوعين الأوكرانية، ، نحن نقاتل معاً على الجبهة، ونتشارك في العديد من الصداقات، ولا نجادل أبداً حول العرق أو الدين”.
- كتيبة “جوهر دوداييف”
نسبة إلى اسم أول رئيس للشيشان، والذي اغتيل عام 1994. أسّس الكتيبة القائد العسكري الشيشاني “عيسى موناييف”، الذي قاتل الروس أثناء حرب الشيشان الثانية عام 1999، وبعد اندلاع القتال شرقي أوكرانيا، شكل موناييف الكتيبة من مئات المتطوعين تحت قيادته، لكنه قُتل خلال إحدى المعارك عام 2015. ويقود الكتيبة منذ ذلك الوقت “آدم عثماييف”، وهو أوكراني من أصول شيشانية.
تشارك الكتيبة حاليا في القتال ضد القوات الروسية. في 27 فبراير، تعهّد زعيم كتيبة جوهر دوداييف آدم عثماييف القتال إلى جانب أوكرانيا ، وقال عثماييف ، في مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي ، في إشارة إلى جنود قديروف: “أعزائي الأوكرانيين ، من فضلكم لا تنظروا إلى هؤلاء الناس على أنهم شيشان”. “إنهم خونة .. دمى في يد روسيا… الشيشان الحقيقيون يقفون معكم، ينزفون معكم ، كما فعلوا في السنوات الثماني الماضية”.
التقييم
تجد الحكومات والجيوش في كثير من الأحيان أنه من المناسب السماح لجماعات مسلحة غير نظامية بالقتال نيابة عن جيوشها وبالتالي خفض العدد الرسمي للخسائر بين جنودها النظاميين للمساعدة في الحفاظ على الدعم الشعبي لنزاع طويل الأمد. وفق سياسة “خصخصة الحروب”، و “الحرب بالوكالة” الذي يسود العالم حالياً. وبالنسبة للأزمة الأوكرانية، فإن الشيشان من كلا الجانبين هم المرشحون الرئيسيون لتنفيذ غارات خطيرة ومهام استطلاع خلف خطوط العدو ، وهي تكتيكات شحذت أثناء القتال مع روسيا.
تختبر الحرب في أوكرانيا انتماءات الشيشان المسلمين في روسيا وخارجها أيضاً. كما تهدد بفتح ملفات قديمة، أبرزها الحرب الروسية في القوقاز في التسعينيات. فالحضور العسكري الشيشاني يعطي فرصة لنشوب حرب انتقامية في أوكرانيا بين فئتين من الشيشانيين المتخاصمين، يناصر بعضهم الرئيس قديروف فيما يعارضه الطرف الآخر، إذ يستغل الطرفان الأزمة الأوكرانية لتصفية الحسابات والأحقاد السياسية العالقة بينهما.
الحرب الانتقامية قد لا تقتصر على الشيشان المسلمين فيما بينهم، الوضع الراهن يفتح الباب أمام تشابك الحرب بين المسيحيين والمسلمين من أصول عرقية وقومية مختلفة وتوجهات دينية متنافسة، وقد يؤدي كل هذا قريباً إلى تأجيج العداوات الأيديولوجية والطائفية في أوكرانيا وروسيا والمنطقة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=81110
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
1- Putin Turned to a Chechen Warlord to Intimidate Ukraine. It Hasn’t Worked
https://on.wsj.com/3r3oCva
2- Meet ‘Muslim’: The Chechen Commander Battling Russia With Some Unlikely Allies
https://bit.ly/3x4ZrvS
3- مع من يقاتل المسلمون الشيشان والتتار في أوكرانيا؟
https://bit.ly/3x4bERy
4- Russia Tries to Terrorize Ukraine With Images of Chechen Soldiers
https://bit.ly/35EwwDI
5- Why Putin Turned to Chechen Warlord Kadyrov to Intimidate
https://bit.ly/37h7XwV
6- رمضان قديروف: الصوفي والجندي المخلص لبوتين
https://bbc.in/3NK1NX4
7- We have only one enemy — this is Russia’: the Chechens taking up arms for Ukraine
https://bit.ly/3DNQite
8- Chechen ‘civil war’ unfolds in Ukraine
https://bit.ly/37fYpTc