بون ـ جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي ورئيس المركز الأوروبي ECCI
استخبارات ـ رئيس الشاباك ضد نتنياهو: توتر المؤسسة الأمنية في إسرائيل
جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”
النشأة والتأسيس : أضفى على “الشاباك” الصفة الرسمية في 18 فبراير 1949، واستمرّ التكتم على وجوده حتى عام 1957. أسسه “ديفد بن غوريون” وترأس الجهاز بدايةً “إيسار هرئيل”. يتبع جهاز “الشاباك” مباشرة لسلطة وأوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي وينتشر في منطقة القدس والضفة الغربية، والمنطقة الشمالية، والمنطقة الجنوبية. في أعقاب اختطاف طائرة تابعة لشركة “إلعال” عام 1968 وقتل الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ 1972 شكل جهاز الأمن العام منظومة حراسة عالمية لحماية الأهداف الإسرائيلية من الإرهاب.قررت إدارة جهاز الأمن العام في العام 1988 المبادرة إلى اعتماد تشريعات تنظم عمل الجهاز قانونيا، فباشر جهاز الأمن العام نفسه بإجراءات واسعة النطاق استمرت حتى عام 1994، حيث أُحيلت الصيغة القضائية التى طرحها الجهاز إلى وزير العدل فى حينها. وفي فبراير 2002 سنّ الكنيست “قانون جهاز الأمن العام” وهي خطوة بادر اليها جهاز الأمن وواكبها طوال مراحل صياغة القانون. يعد جهاز الأمن الداخلي الشاباك هو أصغر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية وبالرغم من ذلك يملك “الشاباك” حضورا وتأثيرا في صناعة القرار السياسي والعسكري في إسرائيل. يتعامل “الشاباك” مع قضايا الأمن الداخلي وفي طليعتها مكافحة المؤامرات السياسية والإرهاب، وينقسم الشاباك إلى ثلاثة أجنحة مسؤولة عن الشؤون العربية، والشؤون غير العربية، والأمن الوقائي.
الواقع السياسي والأمني في إسرائيل يشهد تصعيدًا غير مسبوق
يشهد الواقع السياسي والأمني في إسرائيل تصعيدًا غير مسبوق في التوتر بين القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية، بعد أن قدّم رئيس جهاز “الشاباك” بار إفادة خطية إلى المحكمة العليا يتّهم فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمطالبته بالولاء الشخصي، وبمحاولة توظيف الجهاز الأمني لمراقبة المتظاهرين والتدخل في مجريات محاكمته الجارية بتهم الفساد. هذه التطورات جاءت في سياق محاولات الحكومة لإقالة بار، ما اعتبره مراقبون خطوة نحو تسييس أجهزة الدولة وتفكيك التوازن بين السلطات. الإفادة كشفت عن أزمة ثقة حادة داخل بنية الحكم في إسرائيل، وفتحت الباب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل الحكومة واستقرار النظام الديمقراطي في ظل التوتر المتصاعد بين نتنياهو والمؤسسات السيادية. استخبارات ـ الشاباك الإسرائيلية المهام وخطط مستقبلية لمحاربة حماس
اتهم رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمطالبته بالولاء الشخصي، وبإصدار أوامر بمراقبة المتظاهرين المناهضين للحكومة. وفي إفادة خطية قدّمها إلى المحكمة العليا، كشف بار عن تعرضه لضغوط للتدخل في محاكمة نتنياهو الجارية بتهم الفساد، وانتقد محاولات الحكومة لعزله من منصبه.الرئيس الحالي لجهاز الشاباك، والذي تسعى الحكومة إلى إقالته، اتهم يوم 21أبريل 2025 نتنياهو بمطالبته بالولاء الشخصي، ويأمره بالتجسس على المحتجين المناهضين للحكومة. وتُعد هذه الاتهامات، التي جاءت في إفادة خطية للمحكمة العليا، أحدث تطور في ملحمة قانونية وسياسية تتصاعد بين نتنياهو وبار. وكانت الحكومة قد أعلنت الشهر الماضي مارس 2025 عن إقالته، مما أثار احتجاجات جماهيرية واسعة في إسرائيل.
وقد تم الطعن في قرار الإقالة من قِبل المستشارة القانونية للحكومة والمعارضة، اللتين اعتبرتا الخطوة مؤشراً على ميل متزايد نحو الحكم السلطوي. وبعد جلسة استماع مطولة، دعت المحكمة العليا في 8 أبريل 2025 الحكومة والمستشارة القانونية إلى التوصل إلى تسوية في المسألة، وأمهلتهما حتى انتهاء عطلة عيد الفصح اليهودي، والتي انتهت مؤخراً. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن بار قد يقدّم استقالته قريباً.وتتضمن الوثيقة، وهي إفادة خطية قدمها رئيس الشاباك إلى المحكمة يوم 21 أبريل 2025، عدة اتهامات ضد نتنياهو، من بينها أنه طلب من بار الولاء الشخصي. وكتب بار في الوثيقة التي نشرتها المستشارة القانونية: “كان واضحًا أنه في حال وقوع أزمة دستورية، يُتوقع مني أن أطيع نتنياهو وليس المحكمة العليا”.
كما قال رئيس الجهاز الأمني إن نتنياهو أبلغه “في أكثر من مناسبة” أنه يتوقع من الشاباك اتخاذ إجراءات ضد المواطنين الإسرائيليين المشاركين في التظاهرات المناهضة للحكومة، “مع تركيز خاص على مراقبة الجهات الممولة للاحتجاجات”. وأكد بار أيضاً ما ورد في تقارير إعلامية بأن نتنياهو طلب مساعدته في تأخير الإدلاء بشهادته في محاكمة الفساد الجارية ضده.ونفى أيضاً الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء ومساعدوه بأن جهاز الشاباك فشل في تحذير نتنياهو وبقية الأجهزة الأمنية في الوقت المناسب من هجوم 7 أكتوبر 2023. وعقب جلسة الاستماع في 8 أبريل 2025 ، قضت المحكمة العليا بأن بار “سيواصل أداء مهامه حتى إشعار آخر”.وأضافت المحكمة: “لا مانع من إجراء مقابلات مع مرشحين للمنصب، دون الإعلان عن تعيين رسمي”.
أسباب الخلاف بين البار ورئيس الحكومة الإسرائيلية؟ ولماذ التوقيت الان؟
ـ مطالبة بالولاء الشخصي لنتنياهو وفقًا لإفادة بار، طلب منه نتنياهو أن يكون ولاؤه الشخصي له، لا للدولة أو النظام الديمقراطي. وهذا يتعارض مع مهام الشاباك كمؤسسة مهنية يجب أن تكون محايدة وتخضع للقانون وليس لرغبات سياسية.
ـ طلب التجسس على المحتجين، كشف بار أن نتنياهو طلب منه مراقبة المتظاهرين المناهضين للحكومة، والتركيز بشكل خاص على من يمولهم. وهو أمر غير قانوني ويشكل خرقًا واضحًا لحقوق المواطنين الإسرائيليين وحرية التعبير.
ـ الضغط للتدخل في محاكمة الفساد، أفاد بار أن نتنياهو حاول استغلال موقعه للضغط عليه كي يساعد في تأخير شهادته في محاكمته الجارية بتهم الفساد، مما يُعد تدخلاً مباشرًا في النظام القضائي.
ـ محاولة عزله من منصبه، الحكومة أعلنت نيتها إقالة بار، في خطوة نادرة وغير مسبوقة تجاه رئيس جهاز الشاباك، وهو ما فُسّر كمحاولة للسيطرة على جهاز أمني حساس عبر تعيين شخصية أكثر ولاءً لرئيس الوزراء.
ـ تحميل الشاباك مسؤولية تقصير أمني، نتنياهو ومحيطه حاولوا تحميل الشاباك جزءًا من المسؤولية عن فشل الدولة في التنبؤ بهجوم 7 أكتوبر 2023، في حين ينفي بار هذه التهمة ويعتبرها محاولة للتملص من المسؤولية السياسية والعسكرية.
الإعلان جاء مباشرة
الإعلان جاء مباشرة بعد إعلان الحكومة نيتها عزله، ما يُفسَّر بأنه خطوة دفاعية ورسالة للمحكمة والرأي العام أن دوافع الإقالة سياسية لا مهنية. بار أدلى بشهادته ضمن وثيقة رسمية للمحكمة العليا، لتكون جزءًا من سجلات قانونية، بهدف التأثير على قرار المحكمة بشأن شرعية إقالته. التوقيت جاء لحماية الجهاز الأمني من التسييس، في وقت تتصاعد فيه مؤشرات تحوّل نتنياهو إلى نمط حكم سلطوي، بحسب خصومه. أما التوقيت السياسي فقد جاء تماماً بعد انتهاء عيد الفصح.
المحكمة العليا أمهلت الأطراف حتى نهاية عطلة الفصح اليهودي، وهي لحظة حرجة سياسيًا وشعبيًا، وفيها تعود الحياة السياسية والإعلامية للنشاط، مما يجعل التوقيت مثاليًا لتسليط الضوء على القضية. في الأيام الأخيرة، شنّ معسكر نتنياهو حملة اتهامات ضد بار تتعلق بفشله في منع هجوم 7 أكتوبر، ويبدو أن بار اختار الرد بالمستندات لإثبات استقلاليته ونزاهته.
ما تاثير إعلان بار؟
ـ ربة سياسية وأمنية، خطوة بار ليست مجرد خلاف شخصي أو وظيفي، بل تشكل ضربة سياسية وأمنية مباشرة لحكومة نتنياهو في لحظة حرجة. أبرز التداعيات المحتملة لهذه الخطوة على استمرار الحكومة: تصعيد الأزمة بين نتنياهو والمؤسسات الأمنية، إفادة بار العلنية والخطية تكشف للعلن ما يُعتبر عادة من “الخطوط الحمراء” داخل الدولة العميقة في إسرائيل. وهذا من شأنه تعميق فقدان الثقة بين الحكومة وجهاز الشاباك، وربما أيضًا الجيش والموساد الذين يُتوقع أن يتضامنوا بصمت مع بار. أكد بار أن نتنياهو أمر بمراقبة المتظاهرين، هذه المعلومة تفضح محاولة لقمع الحريات وقد تؤدي إلى تجدد زخم الاحتجاجات، بل وربما موجة غضب شعبي أوسع. المعارضة ستستخدم هذه الإفادة لتأكيد أن نتنياهو يقوّض الديمقراطية، ما يعزز مطالبتها بعزله أو إسقاط الحكومة.
ـ أزمة دستورية صامتة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، المحكمة العليا الآن في وضع حساس، إن وافقت على إقالة بار، فستبدو وكأنها خضعت للضغط السياسي؛ وإن رفضت، فستصعّد من المواجهة مع نتنياهو. هذا يفتح الباب أمام أزمة دستورية صامتة بين السلطتين التنفيذية والقضائية. هناك أطراف يمينية متشددة داخل ائتلاف نتنياهو قد تعتبر خطوة بار “تمردًا”، وتطالب بإجراءات أكثر تشددًا ضد المؤسسة الأمنية والقضائية. بالمقابل، بعض أعضاء الليكود المعتدلين قد يرون أن استمرار نتنياهو بات عبئًا سياسيًا وأمنيًا. هذه الشهادة تؤكد اتهامات سابقة ضد نتنياهو بمحاولة السيطرة على القضاء والأجهزة الأمنية. قد تؤثر سلبًا على العلاقات مع شركاء إسرائيل الغربيين، خاصة الولايات المتحدة، التي تتابع ملف “استقلال المؤسسات” في إسرائيل عن كثب.
ـ عرقلة للعدالة، إذا ثبت أن نتنياهو حاول الضغط على رئيس الشاباك للتدخل في المحاكمة، فقد يُنظر إلى الأمر باعتباره عرقلة للعدالة، ما يهدد مستقبل الحكومة قانونيًا وليس فقط سياسيًا. إن كشف رئيس جهاز الشاباك، بار ممكن أن تهدد استقرار الحكومة على عدة مستويات داخليًا بتصعيد أزمات مؤسساتية، شعبيًا وتصاعد الغضب، وسياسيًا ،انقسام الائتلاف. قد لا تؤدي فورًا إلى سقوط حكومة نتنياهو، لكنها بالتأكيد تسرّع من تآكل شرعيتها وتزيد من احتمالات انتخابات مبكرة أو تغيير داخلي في القيادة.