بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
الانتخابات الألمانية المقرر لها 25 فبراير 2025 محطة حاسمة في تحديد مستقبل البلاد، حيث ستُسفر عن رئيس جديد للحكومة الألمانية خلفًا للمستشار أولاف شولتز. هذه الانتخابات تحمل في طياتها تحديات كبيرة نظرًا للتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية، والتحديات التي تفرضها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى التحولات المناخية والاجتماعية التي تواجه ألمانيا. وفي هذا السياق، تبرز ثلاثة أحزاب رئيسية لها مرشحون محتملون لرئاسة الحكومة: الاتحاد الديمقراطي المسيحي (الاتحاد الاجتماعي المسيحي)، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر. ستتناول هذه الدراسة خلفيات أبرز المرشحين، برامجهم الانتخابية، ومواقفهم من القضايا الأساسية مثل الاقتصاد، البيئة، السياسات الاجتماعية، والسياسة الخارجية.
مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي (الاتحاد الاجتماعي المسيحي)
يتصدر القائمة في الاتحاد الديمقراطي المسيحي (الاتحاد الاجتماعي المسيحي) زعيم الحزب فريدريش ميرتس. يُعرف ميرتس بخلفيته الاقتصادية القوية وخبرته في القطاع الخاص حيث عمل في مجال التمويل قبل العودة إلى السياسة. يُعتبر من المحافظين التقليديين الذين يركزون على تعزيز دور السوق الحر وتقوية المؤسسات الألمانية. ويركز برنامجه الانتخابي على:
القضايا الاقتصادية: يركز ميرتس على تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة كجزء من خطة شاملة لمواجهة التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي.
قضايا البيئة والطاقة: يدعو ميرتس إلى تحول طاقوي تدريجي يعتمد على التكنولوجيا الجديدة والابتكار، مع تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية.
السياسات الاجتماعية: يسعى إلى تحسين نظام التعليم من خلال توسيع البرامج المهنية وتعزيز الكفاءات الرقمية.
السياسة الخارجية: يتبنى مواقف صارمة تجاه روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا ويدعو إلى تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة النفوذ الصيني.أمن قومي ـ أهمية مشاركة دولة الإمارات العربية في معارض الصناعات الدفاعية والأمنية الدولية
مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي
يُتوقع أن يكون أولاف شولتز، المستشار الحالي، هو المرشح الرئيسي للحزب الاشتراكي الديمقراطي. شولتز يتمتع بخبرة طويلة في المناصب الحكومية ويُعرف بقدرته على إدارة الأزمات، كما ظهر خلال جائحة كورونا وحرب أوكرانيا. ويشمل برنامجه الانتخابي على ما يلي:
القضايا الاقتصادية: يُركز شولتز على سياسات تهدف إلى زيادة الضرائب على الأثرياء لتمويل البرامج الاجتماعية، مع تقديم دعم مباشر للعائلات ذات الدخل المحدود لمواجهة التضخم.
قضايا البيئة والطاقة: يلتزم بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2045 ويُعزز الاستثمار في الطاقات المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
السياسات الاجتماعية: يسعى إلى تحسين نظام الرعاية الصحية وتقليل الفجوات في التعليم من خلال زيادة الإنفاق الحكومي.
السياسة الخارجية: يؤكد شولتز على ضرورة تقوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتطوير سياسة خارجية أكثر استقلالية لأوروبا مع الحفاظ على العلاقات التجارية مع الصين.
مرشح حزب الخضر
يتصدر قائمة حزب الخضر روبرت هابيك، نائب المستشار ووزير الاقتصاد الحالي. يتميز هابيك بخلفيته الأكاديمية ككاتب وفيلسوف، كما يُعتبر شخصية كارزمية تمتلك رؤية واضحة حول القضايا البيئية والاجتماعية. ويشمل برنامجه الانتخابي:
القضايا الاقتصادية: يركز هابيك على تحفيز الاقتصاد الأخضر من خلال الاستثمار في التكنولوجيا المستدامة وتشجيع الابتكار.
قضايا البيئة والطاقة: يتبنى سياسات طموحة تهدف إلى إنهاء استخدام الفحم بحلول 2030 وزيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 80% بحلول 2035.
السياسات الاجتماعية: يدعو إلى تحسين سياسات الهجرة وجعل التعليم أكثر شمولية من خلال زيادة الدعم الحكومي.
السياسة الخارجية: يطالب بسياسات أكثر حزمًا تجاه روسيا، مع تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات الجيوسياسية.أمن قومي ـ قوات حفظ سلام ألمانية في أوكرانيا ؟
ما أبرز القضايا في البرامج الانتخابية؟
تمثل القضايا الاقتصادية محورًا رئيسيًا في برامج الأحزاب الثلاثة. الاتحاد الديمقراطي المسيحي يركز على خفض الضرائب ودعم الشركات الصغيرة، بينما يُفضل الحزب الاشتراكي الديمقراطي سياسات إعادة توزيع الثروة عبر الضرائب. أما حزب الخضر، فيرى في التحول إلى اقتصاد أخضر فرصة لتجاوز الأزمات الاقتصادية. ويُعد التحول الطاقوي القضية الأكثر أهمية في ألمانيا. ميرتس يدعو إلى تحول تدريجي يعتمد على الابتكار، بينما يركز شولتز على الاستثمار في الطاقات المتجددة. أما هابيك، فيتبنى أكثر البرامج طموحًا، مع التركيز على إنهاء استخدام الوقود الأحفوري بشكل سريع.
تُظهر الأحزاب اختلافات في سياساتها الاجتماعية؛ فميرتس يركز على تحسين التعليم المهني، وشولتز يدعو إلى تعزيز الرعاية الصحية، بينما يُولي هابيك أهمية خاصة لسياسات الهجرة والتعليم الشامل. تتفق الأحزاب الثلاثة على أهمية دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، لكن تختلف مواقفها تجاه العلاقات مع الصين. ميرتس يُفضل شراكة تجارية حذرة، بينما يسعى شولتز إلى الحفاظ على العلاقات الاقتصادية. أما هابيك، فيرى ضرورة تقليل الاعتماد على الصين.أمن قومي ـ الشرطة الألمانية تحظى بثقة الألمان
السياسات الخارجية للمرشحين: رؤى متباينة تجاه التحديات العالمية
السياسات الخارجية تُعد جزءًا محوريًا من برامج المرشحين الثلاثة لرئاسة الحكومة الألمانية، إذ تواجه ألمانيا تحديات جيوسياسية معقدة تشمل الحرب في أوكرانيا، العلاقات مع الصين، وتعزيز دور الاتحاد الأوروبي. فريدريش ميرتس، مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي، يتبنى موقفًا حازمًا تجاه روسيا، مشددًا على أهمية تعزيز العقوبات الاقتصادية ضد موسكو ودعم أوكرانيا بالموارد اللازمة لمواجهة العدوان الروسي. كما يدعو إلى إعادة النظر في العلاقات التجارية مع الصين، محذرًا من الاعتماد المفرط على الاقتصاد الصيني، خاصة في القطاعات الحيوية. يؤمن ميرتس بتقوية التحالفات التقليدية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لضمان أمن أوروبا.
أما أولاف شولتز، مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمستشار الحالي، فإنه يدعو إلى سياسة خارجية متوازنة. يؤكد شولتز على ضرورة استمرار الدعم لأوكرانيا، لكنه يفضل اعتماد نهج ديبلوماسي يسعى إلى التهدئة والحوار مع موسكو. في العلاقة مع الصين، يدافع عن الحفاظ على الشراكات الاقتصادية دون إغفال الحاجة إلى تقليل الاعتماد التدريجي عليها. كما يشدد شولتز على أهمية استقلالية الاتحاد الأوروبي في القرارات الدولية وتعزيز قوته الاقتصادية والسياسية. يقدم روبرت هابيك، مرشح حزب الخضر، رؤية أكثر تقدمية. يدعو إلى تعزيز العقوبات على روسيا وتقديم دعم شامل لأوكرانيا، بما في ذلك الاستثمار في إعادة إعمارها. يركز هابيك على ضرورة تقليل الاعتماد على الصين في التجارة العالمية، مع السعي لتعزيز العلاقات مع الديمقراطيات الآسيوية الأخرى. كما يدعو إلى استخدام السياسة الخارجية كأداة لتعزيز التحول الأخضر عالميًا، من خلال التعاون مع الدول المتقدمة والنامية لتحقيق أهداف المناخ.
تقييم وقراءة مستقبلية
ــ الانتخابات الألمانية القادمة تمثل نقطة تحول رئيسية في السياسة الخارجية للبلاد، حيث تواجه ألمانيا العديد من التحديات الجيوسياسية التي تتطلب اتخاذ قرارات استراتيجية. مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر مع روسيا، ستلعب الحكومة القادمة دورًا محوريًا في تحديد مستقبل العلاقات الألمانية-الروسية ومدى انخراطها في دعم أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا. كما أن العلاقات مع الصين تمثل تحديًا معقدًا في ظل التوترات التجارية والتكنولوجية، وهو ما سيضع السياسات الخارجية لألمانيا تحت المجهر الدولي. نجاح المرشح المنتخب في صياغة سياسة خارجية متوازنة وفعالة سيعزز من مكانة ألمانيا كقوة قيادية داخل الاتحاد الأوروبي وعلى الساحة العالمية.
ــ فريدريش ميرتس، بمواقفه الصارمة تجاه روسيا والصين، يُمكن أن يعزز من التحالفات التقليدية لألمانيا مع الولايات المتحدة وحلف الناتو. ومع ذلك، قد تُثير هذه المواقف توترات مع الشركاء الأوروبيين الذين يفضلون حلولًا دبلوماسية أكثر مرونة. رؤية ميرتس قد تؤدي إلى زيادة التوترات مع الصين إذا تم تنفيذ سياسات تقليل الاعتماد الاقتصادي بسرعة كبيرة. من جهة أخرى، سياساته قد تجعل ألمانيا أكثر قوة واستقلالية في مواجهة التحديات الأمنية، خاصة إذا تمكن من تعزيز الاستثمارات في القدرات الدفاعية الوطنية.
ــ تعكس البرامج الانتخابية للمرشحين الثلاثة تحديات ألمانيا في الفترة المقبلة، مع تنوع الرؤى بين التركيز على الاقتصاد التقليدي، التحول الاجتماعي، أو البيئة. الانتخابات القادمة لن تكون مجرد سباق سياسي بل فرصة لإعادة تشكيل مستقبل ألمانيا في ظل المتغيرات العالمية. ستحدد الخيارات التي يتبناها الناخبون الألمان الاتجاه الذي ستسير فيه البلاد خلال السنوات المقبلة.
ــ أولاف شولتز يسعى لتبني نهج أكثر توازنًا يجمع بين الدعم لأوكرانيا والحفاظ على الشراكات الاقتصادية مع الصين. إذا استمر شولتز في السلطة، فمن المحتمل أن تتبع ألمانيا سياسة خارجية تُركز على تحقيق الاستقرار الإقليمي وتجنب التصعيد مع القوى الكبرى. هذا النهج قد يحقق نجاحًا على المدى القصير في حماية المصالح الاقتصادية لألمانيا، لكنه قد يواجه انتقادات لعدم تبنيه مواقف أكثر وضوحًا تجاه القضايا الجيوسياسية. مستقبل سياسة شولتز الخارجية سيعتمد على قدرته على تحقيق توافق داخلي وأوروبي، خاصة في ظل تزايد الضغوط من حلفائه السياسيين والاقتصاديين.
ــ رؤية روبرت هابيك، التي تجمع بين الاستدامة البيئية والسياسات الحازمة تجاه الأنظمة السلطوية، قد تُحدث تغييرًا كبيرًا في السياسة الخارجية الألمانية. إذا وصل هابيك إلى السلطة، فمن المتوقع أن تُعزز ألمانيا دورها القيادي في مكافحة التغير المناخي على الساحة الدولية. ومع ذلك، فإن مواقفه المتشددة تجاه روسيا والصين قد تؤدي إلى اضطرابات في العلاقات التجارية، خاصة أن الاقتصاد الألماني يعتمد بشكل كبير على التصدير. مستقبل سياسة هابيك سيعتمد على قدرته على تحقيق التوازن بين أهدافه البيئية والطموحات الجيوسياسية، مع الحد من المخاطر الاقتصادية التي قد تترتب على سياساته.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=100147
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
German election 2025: Who’s ahead in the polls?
German election promises in a nutshell
Elections to the German Bundestag
German Parties’ Vision for Development Policy: 2025 Federal Elections