بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
تواجه دول الاتحاد الأوروبي تحديات متزايدة على صعيد الأمن القومي، خاصة في ظل تنامي تهديدات الإرهاب والتطرف. على الرغم من الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لتعزيز الأمن الداخلي، فإن المخاطر التي تشكلها التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة ما زالت تتطلب اتخاذ تدابير جديدة وفعالة لمواجهتها. في هذا السياق، أطلقت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إصلاحات تشريعية وأمنية متجددة تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف، بما في ذلك عبر الإنترنت، وتعزيز العقوبات ضد تمويل الإرهاب ودعمه اللوجستي. كما قامت بتطوير سياسات أمنية تهدف إلى تحسين التعاون بين الوكالات الأمنية المحلية والدولية، مع التركيز على إنشاء وحدات متخصصة لمكافحة التطرف.
ما التحديات الراهنة التي تواجه الأمن القومي الأوروبي؟
أمن الاتحاد الأوروبي يعكس تحديات متنوعة ومعقدة تواجه الدول الأعضاء في مختلف المجالات. من أبرز هذه التحديات، الإرهاب الذي لا يزال يشكل تهديدًا رئيسيًا، خصوصًا بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في بعض العواصم الأوروبية مثل باريس وبرلين ومانشستر. هذه الهجمات ساهمت في دفع الدول الأوروبية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية وتعزيز تدابيرها الوقائية. يشمل الأمن القومي في الاتحاد الأوروبي الدفاع عن الحدود وحماية المواطنين من الهجمات الإرهابية ووقف انتشار التطرف. بالإضافة إلى الإرهاب، تعاني دول الاتحاد الأوروبي من تهديدات أخرى مثل الهجمات الإلكترونية والهجرة غير الشرعية التي تتطلب استراتيجيات شاملة تدمج كل جوانب الأمن القومي. على صعيد الأمن الداخلي، تم تعزيز مراقبة الحدود البرية والبحرية، مع توسيع دور الاستخبارات الأوروبية في جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية.ملف أمن قومي ـ توظيف الذكاء الاصطناعي داخل اجهزة الاستخبارات وداخل الجماعات المتطرفة
ما التدابير والسياسات الجديدة لمحاربة التطرف والإرهاب؟
أقرت دول أوروبا العديد من التدابير التشريعية لمكافحة الإرهاب أبرزها سن قوانين جديدة لمكافحة التطرف والتشدد عبر الإنترنت. هذه القوانين تهدف إلى الحد من استخدام الإنترنت من قبل الجماعات الإرهابية والداعمين لها لترويج أفكارهم المتطرفة، وتحفيز الأعمال الإرهابية. في هذا السياق، تم تعزيز قوانين مكافحة الإرهاب في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، حيث تم تضمين إجراءات لرفع مستوى الرقابة على المنصات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وتكثيف الرقابة على المحتوى الذي يُنشر بهدف التحريض على العنف. كما تشمل الإصلاحات التشريعية فرض عقوبات مشددة ضد الأشخاص الذين يروجون للتطرف عبر الإنترنت أو يشاركون في تمويل أنشطة إرهابية. تم اتخاذ خطوات لتطوير آليات رقابة أكثر فعالية على منصات الإنترنت لتسريع حجب المحتوى الإرهابي، ما يساهم في تقليل مساحة التعبير المتطرف عبر الشبكة.
تعزيز العقوبات ضد تمويل الإرهاب
يمثل التمويل غير المشروع للجماعات الإرهابية تحديًا رئيسيًا أمام الأجهزة الأمنية الأوروبية، حيث تعتمد هذه الجماعات على شبكات مالية معقدة تشمل التبرعات الفردية، والجمعيات الخيرية، والاستثمارات غير المشروعة، والعملات الرقمية. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي شدد قوانين مكافحة غسيل الأموال، إلا أن تطوير طرق جديدة لتمويل الإرهاب يجعل من الضروري تحديث الأدوات الرقابية بشكل مستمر.
توسعت دول أوروبا بعمليات المراقبة المالية على التحويلات الدولية، خاصة تلك القادمة من مناطق النزاع، مع فرض عقوبات أشد على المؤسسات والأفراد المشتبه في تورطهم في تمويل الإرهاب. كما سيؤدي الاستخدام المتزايد للعملات المشفرة إلى إجبار الدول الأوروبية على تطوير تشريعات أكثر صرامة لضبط استخدام هذه الأصول الرقمية في المعاملات المالية غير المشروعة. ومع ذلك، فإن فعالية هذه السياسات تعتمد على مدى تعاون الدول الأوروبية مع الدول الأخرى، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تنشط بعض الجماعات الإرهابية التي تعتمد على شبكات مالية دولية.
فرض قوانين أكثر صرامة لمعاقبة تمويل الإرهاب ودعمه اللوجستي من السياسات التشريعية الهامة في الاتحاد الأوروبي، وقد تم تعزيز قوانين مكافحة غسيل الأموال، إضافة إلى إجراءات مشددة لمنع تمويل الجماعات الإرهابية عبر البنوك والمنظمات الخيرية. يُتوقع من هذه الإجراءات أن تحد من قدرة الجماعات الإرهابية على جمع الأموال واستخدامها لتنفيذ أعمال عنف. تشمل هذه الإصلاحات إنشاء سجل لاحتياجات الشفافية المالية في الاتحاد الأوروبي لتحديد مصادر التمويل المشتبه بها وتتبعها.
مواجهة التطرف عبر الإنترنت
يعد التطرف عبر الإنترنت واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه الحكومات الأوروبية، حيث تستغل الجماعات المتطرفة منصات التواصل الاجتماعي ومنتديات الإنترنت لنشر أفكارها واستقطاب الأفراد. على الرغم من تنفيذ قوانين أكثر صرامة لمراقبة المحتوى المتطرف، مثل توجيه الاتحاد الأوروبي لمكافحة خطاب الكراهية الإلكتروني، فإن التطورات التقنية السريعة تسمح للمتطرفين بتغيير أساليبهم بسهولة.
تعمل الحكومات الأوروبية على توسيع التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل ميتا (فيسبوك سابقًا) وجوجل لتعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على رصد المحتوى الإرهابي وحذفه بشكل فوري. كما سيتم التركيز على تطوير استراتيجيات وقائية تستهدف الفئات الأكثر عرضة للتطرف، مثل الشباب والمهاجرين الجدد، عبر برامج تعليمية وتوعوية تهدف إلى تفكيك السرديات المتطرفة وتقديم بدائل فكرية تتماشى مع القيم الديمقراطية الأوروبية. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد تثير جدلاً حول قضايا الحريات الشخصية وحقوق الخصوصية، مما يتطلب إيجاد توازن بين الأمن القومي واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين.أمن قومي . الذكاء الاصطناعي نقطة تحول في مفاهيم الأمن القومي
السياسات الأمنية وتعزيز التعاون بين الوكالات
بهدف تحسين استجابة قوات الأمن الأوروبية للتحديات الأمنية، تم إنشاء وحدات متخصصة في مكافحة التطرف والتشدد في عدة دول عضو في الاتحاد الأوروبي. هذه الوحدات تعتمد على خبراء مختصين في علم الاجتماع وعلم النفس لدراسة دوافع التطرف، وكذلك في محاربة التطرف عبر الإنترنت. تم تطوير استراتيجيات جديدة لدمج تلك الوحدات مع الوكالات الأمنية المحلية والإقليمية لتقديم استجابة متكاملة للتهديدات. وتعتبر هذه الوحدات حجر الزاوية في توجيه الجهود المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة التطرف بشكل فعال. من خلال هذه الوحدات، يتم تعزيز تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة المحلية، بالإضافة إلى تقديم برامج لإعادة تأهيل الأفراد الذين تورطوا في الأنشطة الإرهابية.
يعد التعاون الأمني بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أحد المحاور الأساسية لتعزيز الاستقرار الداخلي، إلا أن التفاوت في الأولويات الأمنية لكل دولة قد يشكل عقبة أمام تحقيق تكامل أمني شامل. على الرغم من الجهود الرامية إلى تعزيز التنسيق عبر أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية، مثل وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) والوكالة الأوروبية لحرس الحدود (فرونتكس)، لا تزال هناك تحديات تتعلق بتبادل المعلومات وفعالية العمليات المشتركة.أمن قومي ـ قوات حفظ سلام ألمانية في أوكرانيا ؟
تعزيز التعاون مع الوكالات الأمنية الدولية
تعتبر الوكالات الأمنية الدولية مثل الإنتربول ويوروبول من الشركاء الرئيسيين في الحرب ضد الإرهاب. الاتحاد الأوروبي زاد من تعاونه مع هذه الوكالات، حيث يتم تبادل البيانات والمعلومات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية وأفراد الجماعات المتطرفة. يتم تنظيم عمليات مشتركة بين الوكالات الأمنية على مستوى دولي لتدريب وتعليم الأفراد على تقنيات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك العمل على ملاحقة الشبكات الإرهابية عبر الحدود. تعزيز التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة ومع الوكالات الدولية من جهة أخرى أدى إلى تحسين سرعة الاستجابة للأحداث الإرهابية والتحقيقات في الهجمات التي قد تحدث في أي وقت. بالإضافة إلى ذلك، ساعد التعاون الدولي في تبادل الخبرات حول مكافحة التطرف العنيف ودعم الاستقرار في المنطقة.
تقييم وقراءة مستقبلية
– مع التزايد المستمر للتهديدات الإرهابية والتحديات الأمنية في الاتحاد الأوروبي، من المهم أن تُستمر الجهود لتحديث السياسات والتدابير الأمنية. في المستقبل، يتوقع أن تزداد حدة التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي والوكالات الأمنية الدولية لتبادل المعلومات بشكل أسرع وأكثر فعالية. ينبغي أن تُركز الجهود على تحسين التنسيق بين البلدان الأعضاء، خاصة في مجال استجابة القوات الأمنية للهجمات الإرهابية.
– من المتوقع أن تعمل المفوضية الأوروبية على تطوير استراتيجيات أكثر انسجامًا لتوحيد القوانين والإجراءات الأمنية بين الدول الأعضاء، بما في ذلك توسيع نطاق صلاحيات الوكالات الأمنية الأوروبية وتعزيز القدرات التقنية لمراقبة التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة. كما أن الحاجة إلى إنشاء نظام أمني متكامل يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة ستزداد، مما سيحسن من القدرة على التنبؤ بالتهديدات الأمنية واتخاذ إجراءات وقائية أكثر دقة وسرعة.
– يجب العمل على تعزيز التعاون الرقمي للحد من انتشار التطرف عبر الإنترنت، وحماية أنظمة الدفع الإلكترونية من محاولات تمويل الإرهاب.
– التحديات الأمنية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي تتطلب اهتمامًا مستمرًا بتحليل الاستراتيجيات المتبعة وتعديلها وفقًا للظروف المتغيرة. سياسة الأمن القومي يجب أن تكون مرنة ومتكاملة، وأن تركز على تحصين المجتمعات الأوروبية من تأثيرات التطرف والعنف.
– التعاون الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي وتعزيز التشريعات، بالإضافة إلى خلق وحدات متخصصة لمكافحة التطرف، يمثل نقلة نوعية في مسار الأمن الأوروبي لمواجهة تهديدات العصر.
– مع استمرار التهديدات الأمنية المتنوعة، سيكون على الاتحاد الأوروبي إيجاد توازن دقيق بين تعزيز الأمن القومي وضمان الحقوق المدنية للمواطنين. في السنوات المقبلة، من المتوقع أن يتم التركيز بشكل أكبر على تعزيز القدرات التكنولوجية للأجهزة الأمنية، مع اعتماد أدوات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط السلوك المشبوه والتنبؤ بالهجمات الإرهابية قبل وقوعها.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=100497
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
Fight against terrorism and violent extremism: Council approves conclusions on reinforcing external-internal links
Council of Europe pays respects to the victims of terrorism
OSCE strengthens inter-regional co-operation between women professionals from Central Asia and South-Eastern Europe addressing violent extremism and terrorism
مكافحة الإرهاب في أوروبا ـ تدابير وتشريعات أساسية.