المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون – إعداد : إكرام زيادة باحثة في المركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
أمن دولي – مؤتمر ميونيخ للأمن 2023.. ازدواجية معايير الحيادية والانسانية
اختتمت أعمال الدورة الـ (59) من مؤتمر ميونيخ للأمن (17 – 19) فبراير 2022 ، الذي يعد الأكبر والأهم من نوعه في العالم وشارك فيه عشرات من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية والدفاع والمسؤولين الأمنيين والعسكريين من قرابة (96) دولة.
المؤتمر الذي استبعد في دورته لهذا العام كلاً من روسيا وإيران قد ركز في غضون ثلاثة أيام على الرؤى الغربية لحرب أوكرانيا التي تحل ذكراها السنوية الأولى، وعلى آليات تقديم الأسلحة والذخائر لأوكرانيا، الأمر الذي يشير إلى أن أوروبا تسير باتجاه تبعية أكبر للولايات المتحدة، ومحاولات فرض الولايات المتحدة نفسها كقطب أوحد على رأس النظام الدولي .
جرائم ضد الإنسانية .. اتهام أميركي خطير لروسيا يؤجج التوترات
ذهبت الحكومة الأميركية إلى خطوة جديدة في تأزيم العلاقات مع روسيا والأمن الدولي، بعد أن أعلنت رسمياً إلى أن القوات الروسية ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا تحت توصيف ” جرائم ضد الإنسانية”. وقالت نائب الرئيس هاريس إنه ردا على ذلك، “يجب تحقيق العدالة” و “يجب محاسبة الجناة”.
وأفادت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة أحصت ووثقت منذ بدء الغزو أكثر من (30600) حالة من جرائم الحرب يشتبه بأن القوات الروسية في أوكرانيا ارتكبتها وقال وزير الخارجية الأميركي في بيان صدر في المؤتمر: “نحتفظ بتحديد الجرائم ضد الإنسانية لأبشع الجرائم”. ورد السفير الروسي الأميركي أناتولي أنتونوف بأن الأميركيين يحاولون “شيطنة روسيا”.
تسعى الولايات المتحدة من خطوتها هذه للتمهيد لمحاكمة القادة الروس كمجرمي حرب بالقانون الدولي، وفي حال صدور هذه القرارات الدولية التي تعتبر قرارات أممية تسقط الحصانة عن الرئيس بوتين ونظامه. كما حصل في القضايا مثل رواندا وطوكيو ويوغسلافيا السابقة، وأيضا عمر البشير في السودان الذي أدين بقرار دولي وأممي أنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية وتم التعميم عليه بإلقاء القبض عليه في أي دولة كانت وليس عليه حصانة”.
إضفاء “الطابع الرسمي” حول تصريحات هاريس سيضاعف التوترات المتفاقمة بالفعل مع روسيا في عدد من المجالات، أبرزها محادثات معاهدة الحد من التسلح النووي بين القوتين العظميين، المعروفة باسم “ستارت الجديدة”. أمن دولي – مؤتمر ميونخ للأمن 2023 والنظام الدولي الجديد
أوروبا تلتزم بالمزيد من الأسلحة لأوكرانيا ومزيد من التبعية لأميركا
لم تظهر أوروبا في المؤتمر أي علامات على النأي بنفسها عن الولايات المتحدة أو التراجع عن الدعم العسكري لأوكرانيا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الدول الأعضاء يجب أن تعمل مع صناعة الدفاع لزيادة إنتاج الذخائر لأوكرانيا التي، وفقا للأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ ، تستخدمها بشكل أسرع مما يمكن لأوروبا استبدالها.
حث المستشار الألماني أولاف شولتس أوروبا على منح أوكرانيا دبابات أكثر حداثة. منوهًا أن بلاده ستتخذ إجراءات في هذا المسار من خلال تدريب جنود أوكرانيين وتعويض مخزونات السلاح بجانب توفير المواد اللوجستية، وتابع “بالنسبة لي، هذا مثال على نوع القيادة الذي يتوقعه الناس من ألمانيا”.
الموقف ذاته أكده الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي دعا في كلمته الأوروبيين إلى “معاودة الاستثمار بشكل كبير” في مجال الدفاعات، مشددًا على أن “الوقت اليوم ليس للحوار” مع روسيا، وقال: “علينا تكثيف دعمنا لأوكرانيا للمضي نحو مفاوضات ذات مصداقية”، ملمحًا إلى ضرورة الاستعداد لنزاع طويل الأمد في أوكرانيا. ورفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرة إجراء محادثات سلام فورية مع الكرملين.
اقترحت إستونيا أن تساهم الدول الأعضاء بمبلغ 4 مليارات يورو في مرفق السلام الأوروبي (EPF) لشراء مليون قذيفة عيار 155 ملم ، وفقا لمصادر دبلوماسية. ودعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك حلفاء أوكرانيا إلى “مضاعفة” دعمهم. فيما صرح رئيس الوزراء البولندي مورافيتسكي أن بلاده مستعدة لدعم أوكرانيا بطائراتها المقاتلة من طراز ميغ، ولكن فقط إذا تم تشكيل تحالف أوسع مع الولايات المتحدة كقائد: “نحن مستعدون لذلك … لكن بولندا لا يمكن أن تكون سوى جزء من تحالف أكبر بكثير، مع الولايات المتحدة كقائد”. في ما يحتمل أن يكون ذلك تحولاً حاسماً في شدة الصراع
ورغم تشديد جميع المشاركين في المؤتمر على ضرورة دعم القوات الأوكرانية بأسلحة متطورة، فإن تلبية ملف طلب كييف بتزويدها بطائرات من طراز “إف-16” (F-16) الأميركية لم يشهد انفراجة بعد، حيث أكد وزير الدفاع البريطاني بن والاس أن هذا الأمر بعيد المنال نظرًا لما يحتاجه من وقت طويل لتدريب طياريين أوكرانيين. أمن دولي ـ مؤتمر ميونيخ للأمن 2023، تصدع النظام الدولي. جاسم محمد
الصين تلتزم بالسلام في الصراع الأوكراني، ولكن بشروط بكين
خصص كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي معظم خطابه للصراع في أوكرانيا، مؤكدا أنه “قلق للغاية” بشأن “التأثير طويل الأجل لهذه الحرب” وحذر من عودة “عقلية الحرب الباردة”. ودعا وانغ إلى إجراء محادثات سلام وأكد أن “بعض القوى” ليس لديها مصلحة في رؤية الحرب تنتهي قريبا بسبب “أهداف استراتيجية أكبر من أوكرانيا”. ولم يوضح من يقصد، لكن الرسالة تتناغم مع مزاعم روسيا بأن حلف شمال الأطلسي غير مستعد للدخول في محادثات سلام. ومع ذلك، بدا أنه أصدر تحذيرا لموسكو، من خلال تكرار إدانة شي جين بينغ الأخيرة لأي شخص يوجه تهديدات نووية.
حذرت الصين في الوقت نفسه، من التدخل الدولي في قضية تايوان. بعد أن أشار الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ “ما يحدث في أوروبا اليوم يمكن أن يحدث في آسيا غدا”. لم يفعل وزير الخارجية الصيني وانغ يي شيئاً يناقض هذه الرواية، وقال وانغ في المؤتمر: “اسمحوا لي أن أؤكد للجمهور أن تايوان جزء من الأراضي الصينية” عندما سئل عن خطط بكين بشأن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي. تايوان “لم تكن أبداً دولة ولن تكون أبداً”.
تغييب روسيا وعزل إيران .. فقدان الحيادية
هذا العام، ولأول مرة منذ التسعينيات، لم يتلق المسؤولون الروس دعوات لحضور المؤتمر. وبدلاً من ذلك، عرض على منتقدي الكرملين البارزين – بمن فيهم قطب النفط المنفي ميخائيل خودوركوفسكي، وبطل الشطرنج غاري كاسباروف، ويوليا نافالنايا، زوجة السياسي المعارض المسجون أليكسي نافالني – مقاعد واضحة.
كما استبعد المنظمون مسؤولي الحكومة الإيرانية من حضور المؤتمر، وبالتالي خسارة فرصة قد تكون ضرورية لإجراء نقاشات متحررة من القيود الرسمية بين المسؤولين الإيرانيين والغربيين بما يتعلق بالملف النووي الإيراني والذي يشكل محور هام بالأمن الدولي. في المقابل، يشارك ولأول مرة في مؤتمر ميونيخ للأمن نشطاء إيرانيون محسوبون على المعارضة بدلًا من دعوة النظام الإيراني، حيث وجهت الدعوة لكل من رضا بهلوي ومسيح علي نجاد ونازنين بنيادي، فيما سمح بتجمعات عدد من المعارضين الإيرانيين خارج مكان انعقاد المؤتمر دعمًا للانتفاضة الشعبية في بلادهم، رافعين شعارات ضد النظام، أحيوا بها ذكرى ضحايا الاحتجاجات في إيران.
وشهدت فعاليات اليوم الأول من المؤتمر دعوات للضغط على طهران لمنعها من امتلاك السلاح النووي وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال: “عندما نتحدث عن منع إيران من الحصول على سلاح نووي، يجب أن نطرح كل الوسائل الممكنة، أكرر، جميع الوسائل الممكنة على الطاولة”، مضيفًا “إيران تجري حاليّاً مناقشات لبيع أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيرة وذخيرة دقيقة التوجيه، إلى ما لا يقل عن 50 دولة”
جرت العادة كما هو معروف أن مؤتمر ميونيخ للأمن يشجع الحوار، حتى بين الخصوم. لكن رئيس المؤتمر لهذا العام كريستوف هويسغن يقول إنه لا يريد أن يكون المؤتمر منبرا للدعاية الروسية. لكن من الواضح أن المؤتمر أصبح نادياً أحادي الجانب، وفاقداً لحياديته السياسية، وقد ينتهي الأمر بالمؤتمر إلى فقدان هويته كملتقى أمني دولي جامع. أمن دولي ـ إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، هل يمكن ان تُغير مسار الحرب؟ جاسم محمد
التقييم
– استقطب مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي يطلق عليه اسم دافوس الدفاع، رؤساء الدول والجنرالات ورؤساء الاستخبارات وكبار الدبلوماسيين من جميع أنحاء العالم. وبالتالي يعتبر أكبر منصة عالمية للعصف الذهني العالمي بشأن المخاطر الأمنية التي يتعرض لها العالم، مع احتشاد هذا الكم من الرؤساء ورؤساء الحكومات.
– هذا العام، جعلت الولايات المتحدة وجودها في التجمع محسوسا مع عدد قياسي من المندوبين، بما في ذلك تمثيل كبير من الحزبين والمجلسين من الكونغرس لتؤكد على أنها على رأس النظام الدولي الجديد ذو القطب الواحد بعد إقصاء روسيا وتوحيد أوروبا خلفها من جديد.
– رغم عدم مشاركة روسيا في المؤتمر إلاّ أنّها حضرت بقوة في فعاليات المؤتمر لتصبح الغائب الحاضر عن المؤتمر.
– من الواضح أن هناك إصرارًا غربيًا لا رجعة فيه على تقزيم موسكو وتقليم أظافرها من خلال استمرار الضغط عليها ودفعها لمزيد من التوريط في الوحل الأوكراني لأطول فترة ممكنة من خلال إطالة أمد الحرب وتقديم الدعم لكييف لإحداث التوازن وعدم حسم المعركة سريعًا، وفي المقابل استمالة بكين عبر فتح قوات اتصال معها ومحاولة زحزحتها رويدًا رويدًا بعيدًا عن الفلك الروسي لإضعافه.
– العديد من الدول دعت إلى تزويد أوكرانيا بالأسلحة لهدف وحيد وهو عدم السماح لروسيا بالانتصار، وحتمية فوز أوكرانيا، لكن لم يحن الوقت لإجراء مفاوضات سلام. فبينما دعا وانج يي إلى السلام في أوكرانيا دون توضيح كيفية تحقيقه أو ما يعنيه السلام في المنطقة، التزم زعماء أوروبا باستثمار المزيد في الأسلحة.
– هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها واشنطن موسكو علنا بارتكاب جراشم ضد الانسانية منذ بداية الغزو الشامل لأوكرانيا. والذي يبدو أنه تمهيد لمقاضاة روسيا أمام محاكم حقوق الإنسان. وفي حين أن تقرير الجرائم الأخيرة ضد الإنسانية مهم، إلا أنه يظل رمزيًا إلى حد كبير في الوقت الحالي. ولا يؤدي على الفور إلى أي عواقب محددة، كما أنه لا يمنح الولايات المتحدة القدرة على مقاضاة الروس المتورطين في ارتكاب جرائم.
– لم تظهر أوروبا في المؤتمر أي علامات على النأي بنفسها عن الولايات المتحدة أو التراجع عن الدعم العسكري لأوكرانيا. كانت الرسالة هي أن أوروبا تقف بحزم بجانب الولايات المتحدة ضد روسيا .
– إطالة أمد الحرب في صالح روسيا، لأن روسيا تعرف أن استمرار الحرب حتى الآن نتيجة الدعم الأوروبي لأوكرانيا، وبمجرد وقف هذا الدعم ستنهار مقاومة أوكرانيا، ولا يمكن بأي حال أن يكون مرور الوقت في صالح الطرف الذي يقوم بالدفاع والمقاومة.
– الأشخاص الوحيدون الذين يبتسمون في مؤتمر الأمن هذا العام هم مقاولو الدفاع. مبيعات الأسلحة تزدهر بكل المقاييس. من المتوقع أن هذه الحرب ستشهد في الأسابيع والأشهر المقبلة تصعيدا لا سيما في ظل معلومات عن أن روسيا تعد لهجوم موسع في الربيع المقبل.
– إن الغرب الذي نجح في إيصال المساعدات العسكرية، بعضها أسلحة ثقيلة، لأوكرانيا، الواقعة بشكل شبه كامل تحت الحصار الروسي، ويتفنن على مدار عام كامل في إدخال كل ما يريد للجانب الأوكراني رغم إحكام الروس قبضتهم على كثير من منافذ الدخول، يدعي اليوم عدم قدرته على إدخال المساعدات للمنكوبين في شمال سوريا، ضحايا الزلزال المدمر، متعللًا بعرقلة نظام بشار الأسد مرور تلك المستلزمات الإغاثية العاجلة، في مشهد متناقض يعكس الازدواجية الفجة لمدعي الإنسانية في العالم.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=86593
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
هوامش
Munich Security Conference: Allies call for military aid to Ukraine to be stepped up
https://bit.ly/3Z7zPcR
Putin’s shadow looms large at Munich Security Conference
https://bit.ly/41cDQi2
Munich Security Conference: Discussions about the future of Europe
https://bit.ly/4197XXh
Munich Security Conference: More support for Kyiv and crimes against humanity
https://bit.ly/3YGX79n
بعد اتهام موسكو بارتكابها في أوكرانيا.. ما هي “الجرائم ضد الإنسانية”؟
https://arbne.ws/3YGXaSB
مؤتمر ميونخ للأمن.. الصين تعلن استعدادها لتقديم خطة سلام لإنهاء “الحرب” في أوكرانيا
https://cnn.it/3SdzPFQ