بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)
تُعد قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، المعروفة باسم “يونيفيل”، واحدة من أبرز قوات حفظ السلام في المنطقة، حيث تم نشرها منذ عام 1978 بهدف تعزيز الاستقرار والأمن على الحدود اللبنانية مع إسرائيل. تتولى اليونيفيل مهمة مراقبة وقف إطلاق النار، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية، وضمان حماية المدنيين في مناطق النزاع. ورغم مرور عقود على وجودها، لا تزال قوات اليونيفيل تواجه تحديات جسيمة، تتراوح بين التوترات المستمرة على الحدود والمخاطر الأمنية المتزايدة.
ما هي قوات حفظ السلام في لبنان ـ اليونيفيل ـ ؟
أنشأ مجلس الأمن الدولي بعثة اليونيفيل في مارس عام 1978 في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان، ولتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان،واستعادة السلم والأمن الدوليين، ومساعدة لبنان على استعادة سلطتها الفعلية في المنطقة. حددت الأمم المتحدة خط انسحاب بطول (120) كيلومترا يعرف باسم الخط الأزرق، تقوم بمراقبته وتسيير دوريات على طول الخط الأزرق بشكل محايد . عزز مجلس الأمن البعثة بقرار مُحدّث هو قـرار مجلس الأمن رقم 1701، بعد تصعيد الصراع بين حزب الله وإسرائيل عام 2006.
كلفت اليونيفيل بمرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية أثناء انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان. وتعمل قوات حفظ السلام في منطقة تبلغ مساحتها (410) ميل مربع بين الخط الأزرق ونهر الليطاني في جنوب لبنان. وتشغل (50) موقعا، ويقع مقر اليونيفيل في الناقورة في جنوب غرب لبنان.
عديد قوات اليونيفيل :يساهم نحو 50 بلدا بقوات في البعثة، تساهم إندونيسيا وإيطاليا والهند ونيبال وغانا وماليزيا بأكبر عدد من القوات. كما تشارك إسبانيا والصين وأيرلندا وفرنسا أيضًا بقوات كبيرة. تساهم بعض الدول بقوات واحدة فقط في اليونيفيل، مثل المملكة المتحدة وبيرو ونيجيريا. تعد إندونيسيا أكبر مساهم بأكثر من (1200) فرد نظامي. يعمل في البعثة ما يقرب من (11000) شخص، بما في ذلك حوالي (10,000) عنصر عسكري، فضلا عن حوالي (550) موظفا مدنيا محليا و(250) موظفا مدنيا دوليا.
الميزانية والمهام : تبلغ الميزانية السنوية لليونيفيل حوالي نصف مليار دولار. تساعد قوات حفظ السلام في لبنان على تجنب التصعيد غير المقصود، وتدريب الجيش اللبناني والمساهمة في تعزيز انتشاره في جنوب لبنان حتى يتمكن في نهاية المطاف من تولي المهام الأمنية التي تؤديها حاليا قوات حفظ السلام. تدعم اليونيفيل المجتمعات المحلية والسكان المدنيين المحليين وتوفر الحماية لهم عندما تتطلب الحاجة عبر وصول الجهات الإنسانية الفاعلة إليهم، ومن خلال المشاريع والتبرعات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية وغيرها. رغم أن اليونيفيل هي بعثة لحفظ السلام، إلا أن قواتها تستطيع استخدام القوة في ظروف معينة، بما في ذلك الدفاع عن النفس
عملت قوات حفظ السلام أيضًا كحلقة وصل بين لبنان وإسرائيل. كانت اليونيفيل تجلس مرة واحدة شهريا تقريبا مع ممثلي الجيشين الإسرائيلي واللبناني للتحدث عن قضايا التوتر، ومحاولة تهدئة التصعيد، ووضع آليات للتوسط بين السلطتين على الحدود، ولا تتواصل قوة الأمم المتحدة بشكل مباشر مع حزب الله. أمن دولي ـ ما أهمية الزيارة الرسمية لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الولايات المتحدة ؟
قوة بحرية الأولى من نوعها
تمتلك اليونيفيل قوة بحرية، هي الأولى من نوعها في بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، لدعم البحرية اللبنانية لمراقبة المياه الإقليمية، ومنع دخول الأسلحة غير المصرح بها ساهمت تلك القوة في رفع إسرائيل حصارها البحري عن لبنان عام 2006، تتكون القوة البحرية التابعة لليونيفيل من (5) سفن. وهناك (6) طائرات هليكوبتر تدعم عمل البعثة. ويقوم الجيش الألماني بتزويد االبارجة الحربية بحوالي (60) من أفراد الطاقم و(40) جنديا في معسكر مقر الأمم المتحدة لصالح القوة البحرية لمهمة اليونيفيل.
تصدت السفينة الحربية “Ludwigshafen am Rhein”، المنتشرة كجزء من قوة الأمم المتحدة اليونيفيل قبالة الساحل اللبناني، لطائرة بدون طيار قادمة وسط تصاعد التوترات في المنطقة. أكد متحدث باسم قيادة العمليات في الجيش الألماني في 16 أكتوبر 2024، إنه تم إسقاط الصاروخ غير المأهول بطريقة مسيطر عليها باستخدام نظام دفاعي قبالة الساحل اللبناني. أمن دولي ـ ما أهمية الزيارة الرسمية لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الولايات المتحدة ؟
المخاطر التي تواجه اليونيفيل في لبنان
أكدت الأمم المتحدة إن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على قوات حفظ السلام التابعة لها، ودخل قاعدتها بالقوة، وأوقف العمليات اللوجستية وأصاب أكثر من (10) من جنودها في جنوب لبنان في 14 أكتوبر 2024. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” إلى إخراج قوات حفظ السلام “على الفور”. وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة إن الهجمات على قوات حفظ السلام “قد تشكل جريمة حرب”، وأن “اليونيفيل ومقارها لا ينبغي استهدافها أبدًا”، وأكدت الأمم المتحدة إن قواتها لا تزال في لبنان على الرغم من الهجمات.
بسبب الهجمات المتعددة على مواقع حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، تواجه القوات التابعة المتحدة لاسيما القوات من الجيش الألماني خطرا كبيرا. وأوضح متحدث باسم قيادة العمليات أنه “وفقا للتقييم المحلي، هناك خطر متزايد بالنسبة للقوات الموجودة في الموقع، والذي سيتم تقليله قدر الإمكان من خلال إجراءات الحماية المناسبة من قبل القوات”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل لإطلاق النار، فقد قُتل عدد من جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل أثناء أداء واجبهم. على سبيل المثال، وجهت محكمة عسكرية لبنانية العام 2023 اتهامات إلى خمسة رجال مرتبطين بحزب الله بقتل جندي إيرلندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كما أصيب جندي إيرلندي آخر من قوات حفظ السلام بجروح خطيرة في الحادث.
يحق لقوات اليونيفيل الرد على الهجوم من الناحية الفنية، على الرغم من أنها لا تفعل ذلك عمليا. وباعتبارها بعثة لحفظ السلام، تقول قوات اليونيفيل إن “أفرادها يحق لهم ممارسة حقهم الطبيعي في الدفاع عن النفس” ويحق لهم استخدام “القوة بشكل متناسب وتدريجي” لحماية المدنيين المعرضين للخطر الوشيك.
ما الهدف من الهجمات الإسرائيلية
يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” إلى سحب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في ظل تصعيد إسرائيل لهجماتها على جنوب لبنان. ربما يرجع السبب إلى أن هذا يهدف إلى سحب المراقبين الدوليين الذين يمكنهم الاحتفاظ بسجلات عن تصرفات إسرائيل في لبنان، والذي سيجعل من المستحيل رصد انتهاكات القانون الدولي. تريد إسرائيل منع هذه القوات من القيام بدورها سعياً منها لإصدار قرار جديد من مجلس الأمن يناسب أهدافها، وربما استبدالها بقوات متعددة الجنسيات تمتد مهامها لمراقبة الحدود السورية – اللبنانية، وإبعاد قوات حفظ السلام شمالاً حتى نهر الليطاني كي يتسنى للقوات الإسرائيلية احتلال المنطقة وفرض أمر واقع جديد على الحدود اللبنانية الجنوبية.
يقول “روب جايست بينفولد” المحاضر في السلام والأمن الدوليين بجامعة دورهام: “إذا تمكنوا من إقناع المدنيين بالمغادرة، بما في ذلك قوات حفظ السلام، فيمكنهم البقاء طالما أرادوا حتى يحصلوا على صفقة يريدونها”. وأضاف “روب جايست بينفولد” أن هذه التسوية قد تكون عبارة عن تسوية سياسية تشهد انسحاب حزب الله شمال نهر الليطاني، مشيراً إلى أن إسرائيل تنظر إلى وجود قوات اليونيفيل باعتباره “عائقاً” أمام تقدمها. ويرى “ريتشارد جووان” مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، إن إسرائيل كانت منذ فترة طويلة “محبطة لأن اليونيفيل لم تمنع حزب الله من إقامة مواقع قوية” جنوب نهر الليطاني. أمن الطاقة و الذكاء الاصطناعي ـ الاستراتيجية المزدوجة لدولة الإمارات العربية المتحدة
انتقادات دولية للهجوم الإسرائيلي على اليونيفيل
أكد مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” في 17 أكتوبر 2024 أن الأمم المتحدة تتعرض لهجوم من إسرائيل على كل الجبهات. وقال “بوريل” إن هجوم إسرائيل على منظمات الأمم المتحدة غير مقبول، معربا عن أمله بأن “يندد مجلس الاتحاد بالهجمات الإسرائيلية على اليونيفيل”.عتبر أن مهمة هذه القوات في جنوب لبنان يجب أن تستمر، مشيرا إلى أن (20%) من سكان لبنان أرغموا على النزوح
قدمت (40) دولة على الأقل في أكتوبر 2024 دعمها الكامل لقوة الأمم المتحدة المؤقتة المنتشرة في جنوب لبنان يونيفيل ، وحثّت على حماية عناصرها الذين أصيب أفراد منهم وأكدت هذه الدول المساهمة في اليونيفيل “نحثّ جميع أطراف النزاع على احترام وجود اليونيفيل، وهو ما يستدعي ضمان أمن وسلامة جميع موظفيها، في كل الأوقات”.
أعلنت ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا أن هجمات إسرائيل على قوات اليونيفيل في 14 أكتوبر 2024 تتعارض مع القانون الدولي الإنساني ويجب أن تتوقف على الفور وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في برلين إن “جميع أطراف النزاع، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، ملزمون بتوجيه عملياتهم القتالية فقط ضد الأهداف العسكرية للطرف الآخر في النزاع”. وأضاف أن برلين تنتظر بشكل عاجل توضيحاً شاملاً وأنها تجري محادثات مع الجانب الإسرائيلي بهذا الشأن.
تقييم وقراءة مستقبلية
– يبقى دور اليونيفيل محوريًا في تعزيز السلام والأمن، مما يجعل من الضروري تقييم تأثير وجودها والتحديات التي تواجهها في سياق الأحداث المتسارعة في المنطقة.
– تهدف إسرائيل من استمرار تهديداتها لليونيفيل بأن تحصل على تفويض أكثر قوة للتعامل مع حزب الله أو، بدلاً من ذلك، يجب نشر قوة جديدة غير تابعة للأمم المتحدة لتأمين الجنوب البناني.
– – يعتمد مستقبل اليونيفيل على دعم المجتمع الدولي. إذا استمرت الدول الكبرى في دعم لبنان ومؤسساته، فسيكون لذلك أثر إيجابي على وجود اليونيفيل، بينما أي تراجع في هذا الدعم قد يعقد مهامها.
– من المحتمل أن يضغط المجتمع الدولي ويفرض عقوبات على إسرائيل، كتلويح الولايات المتحدة الأمريكية بقطع الدعم العسكري لإسرائيل، والذي سيؤثر بدوره أيضا على قرارت رئيس الوزراء الإسرائيلي في المنطقة.
– بات متوقعا أن تتصاعد المخاطر تجاه اليونيفيل مع استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل. وأن تُعيد الهجمات النظر في استراتيجية اليونيفيل ودورها في المنطقة، وقد تسعى إسرائيل للضغط على قوات حفظ السلام لتكون أكثر انحيازًا أو تقبل الرواية الإسرائيلية بشأن الوضع الأمني.
– يُتوقع أن تستمر قوات حفظ السلام في لبنان لفترة معينة، لكن مستقبلها يعتمد على ديناميات الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. ومما لا شك فيه أن تداعيات مثل هذا الصراع سوف تقع على السكان والبنية الأساسية ومرافق الإنتاج التي كانت محمية من قِبَل قوات حفظ السلام، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية كبيرة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=97864
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
What is UNIFIL, the peacekeeping force on the Israel-Lebanon border?
https://tinyurl.com/ycymr6r6
German warship serving UNIFIL downs drone off Lebanon
https://tinyurl.com/ycyk7ww9
Middle East: US gives Israel 30 days to boost Gaza aid
https://tinyurl.com/bdfnhe2m
What is Unifil and why has Israel been firing on its positions in Lebanon?
https://tinyurl.com/35wfk2ed