بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)
انخرطت إيران في دعم النظام السوري السابق قبل انهياره في ديسمبر 2024 بعد تغيّر النظام، وستُعيد الدول الأوروبية تقييم دور إيران في سوريا. وقد تزيد الدول الأوروبية من الضغوطات على إيران إذا استمرت في دعم الجماعات المسلحة أو محاولة الحفاظ على نفوذها في سوريا. وقد يفتح الاتحاد الأوروبي الباب لتحسين العلاقات مع إيران إذا قررت تقليل انخراطها العسكري والسياسي في منطقة الشرق الأوسط.
ما هي رؤية الاتحاد الأوروبي حول إيران بعد سقوط النظام السوري؟
تتضمن رؤية الاتحاد الأوروبي حول سوريا تعزيز الاستقرار المحلي والأقليمي، وذلك عبر تقويض التدخلات الإيرانية السابقة، وذلك من خلال التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية. ورحب الأوروبيون في الثامن من ديسمبر 2024 بسقوط النظام السوري وسيطرة الجماعات المسلحة على الحكم، مشيرين إلى ضعف الداعمين الدوليين له روسيا وإيران. كذلك تسعى دول الاتحاد الأوروبي منذ سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر 2024 إلى الحصول على ضمانات جدية من القادة الجدد في سوريا بأنهم سوف ينأون بأنفسهم عن روسيا وإيران ويعملون من أجل مستقبل سلمي لسوريا.
أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “كايا كالاس” في كلمة وجهتها إلى زعماء سوريا الجدد: “روسيا وإيران ليستا صديقتين لكم”. ويريد الاتحاد الأوروبي مستقبلاً سياسياً مستقراً وسلمياً وشاملاً لسوريا، خالياً من نفوذ الجماعات المتطرفة والقوى الأجنبية مثل روسيا وإيران.
أوضح وزير الخارجية الإسباني “خوسيه مانويل ألباريس” في يناير 2025 أن “القادة الجدد في سوريا يجب أن يفهموا أن الاتحاد الأوروبي لديه خطوط حمراء يجب احترامها قبل رفع العقوبات عن البلاد”. وأضاف وزير الخارجية الإسباني: “يتعين علينا التأكد من عدم وجود أي تدخل أجنبي ـ روسيا وإيران ـ”.
يقتصر المجال المتاح لأوروبا لمساعدة ودعم سوريا على المساعدات الإنسانية ودعم الانتقال السلمي والسياسي الذي من شأنه أن يسمح لملايين اللاجئين في الدول الأوروبية بالعودة إلى ديارهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن أوروبا لديها الفرصة لبذل المزيد من الجهد. أمن دولي ـ الإطار النظري للنظام الدولي الجديد وسياق التطرف والإرهاب
ماذا يعني سقوط النظام السوري لإيران وأوروبا؟
استخدمت إيران سوريا كمعبر لإيصال معدات لوجستية وأسلحة لحزب الله في لبنان، ما جعلها تحافظ على “محور المقاومة” وتمتلك إمكانيات ردع أمنية خارج حدودها الجغرافية. يؤدي إسقاط النظام السوري السابق إلى إضعاف محور المقاومة الإيراني بعد تقويض حزب الله في لبنان، حيث لم يتبق لإيران سوى الحوثيين وبعض الجماعات الموالية لها في العراق.
يعني ذلك فقدان إيران القدرة على الوصول البري إلى لبنان، الأمر الذي يجعل حليفها حزب الله أكثر عرضة للهجمات الإسرائيلية. ولكن هذا لا يعني نهاية حزب الله ولا يجعل وقف إطلاق النار في لبنان أكثر أمناً. بل على العكس من ذلك، فمن المرجح أن يشجع إسرائيل أكثر من خلال مساعدة الدول الغربية والأوروبية استخباراتياً وعسكرياً وسياسياً، ما قد يجبر إيران على تغيير استراتيجيتها في المنطقة.
يقول “جوناثان بيرو” مؤرخ ومتخصص في الشؤون الإيرانية بمعهد “إيتوبيا” ببروكسل في التاسع من ديسمبر 2024: “المنصة التي كانت تمثلها سوريا والتي كانت تسمح لإيران أن تصل إلى البحر الأبيض المتوسط، انهارت ولم تعد موجودة، وقد تعجل بصناعة السلاح النووي لكي تحمي أراضيها وتضمن بقاء واستمرارية نظامها”.
إلى أي مدى ستستغل أوروبا سقوط النظام السوري كورقة ضغط على إيران بشأن الاتفاق النووي؟
أصبح الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التفاوض عليه بين إيران وروسيا والصين والقوى الغربية والأوروبية، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أو JCPOA، في خطر بعد سقوط النظام السوري. حيث كثفت طهران بالفعل برنامجها لتخصيب اليورانيوم بشكل كبير.
أوضح “رافائيل جروسي” مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ربما ضاعفت أربع مرات مخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة (60%) ــ ويتطلب اليورانيوم المستخدم في صنع القنابل تخصيباً بنسبة (90%) ــ وأنها بنت أجهزة طرد مركزي من الجيل الجديد.
ترى فرنسا في السادس من يناير 2025 أن الغرب يجب أن يكون لديه رؤية واضحة للسلطات الجديدة في سوريا بعد الإطاحة بالنظام السوري السابق. لا سيما أن إيران تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة خاصة. سرعت إيران من وتيرة تطوير برنامجها النووي ودعمها لروسيا ضد أوكرانيا، ما دفع الدول الأوروبية للتفكير في إعادة فرض العقوبات على إيران إذا لم يتم تحقيق أي تقدم.
تشير التقارير إلى احتمالية اغتنام الاتحاد الأوروبي لسقوط النظام السوري السابق كورقة ضغط على إيران، لتحقيق تقدم في الاتفاق النووي. حيث كان الاتفاق النووي مع إيران هو النجاح الرئيسي للاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية. ومن الممكن أن تشمل المفاوضات الأوروبية الإيرانية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.
يعتقد “لورانس نورمان” من صحيفة “وول ستريت جورنال” أن من المرجح “أن تكون هناك جولة أخرى من الاتصالات بين مجموعة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي وإيران في يناير 2025، وربما مرة أخرى في جنيف. ولم يتضح بعد ما إذا كانت ستتم قبل أو بعد تنصيب دونالد ترامب في 20 يناير 2025”.
هل من ضغوطات أوروبية على إيران لوقف دعمها لروسيا؟
ينظر الاتحاد الأوروبي إلى الدعم العسكري الإيراني لروسيا في حرب أوكرانيا والذي يشمل الطائرات المسيرة والصواريخ على أنه تهديد مباشر لأمن أوروبا ولهذا السبب، فإن أحد التغييرات الأساسية في السياسة الأوروبية بعد سقوط النظام السوري، هو الرغبة في تعاون أوثق مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، وقد تواجه إيران في المستقبل القريب تحالفا قويا يضم الولايات المتحدة وأوروبا. ويقول تشارلز ليستر، وهو زميل بارز ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط في 19 ديسمبر 2024: “الجميع، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، يتحولون للتكيف مع الحقائق الجديدة في سوريا”. أمن دولي ـ البلطيق منطقة توتر بعد حرب أوكرانيا
كيف تحافظ أوروبا على الشراكات الاستراتيجية مع دول الخليج لمواجهة نفوذ إيران؟
بدأ “كير ستارمر” رئيس الوزراء البريطاني في الثامن من ديسمبر 2024 أول زيارة له إلى الخليج منذ توليه منصبه، تشمل الإمارات والسعودية، لتعزيز التعاون الأمني والدفاعي. كما استضافت بروكسل في أكتوبر 2024 قمة تجمع الاتحاد الأوروبي بدول مجلس التعاون الخليجي، ناقشت القمة تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي في ظل ما تشهده المنطقة من توترات متزايدة.
بحثت القمة الأوروبية الخليجية سبل تعزيز التعاون لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات المتطرفة، وضمان أمن الملاحة البحرية ومواجهة التهديدات السيبرانية. كما أكد مبعوث الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2024 أن العلاقات الوثيقة بين دول الخليج تشكل مفتاحا لمعالجة محور روسيا وإيران وأزمة الشرق الأوسط.
دعمت فرنسا دول الخليج في مواقفها السياسية ضد إيران فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية مثل اليمن وسوريا والعراق. وذلك لممارسة ضغوط على إيران للحد من تدخلاتها في شؤون الدول في المنطقة وحرب أوكرانيا. وتُنسق فرنسا ودول الخليج معا في مجال التدريب العسكري، وتقديم الدعم التقني في مجال الدفاع، كتوفير التدريب والتكنولوجيا العسكرية لعدة دول خليجية مثل السعودية والإمارات، لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات المحتملة من إيران.
رحب الاتحاد الأوروبي باتفاق تطبيع العلاقات بين دول خليجية وإيران في العام 2023، وأعرب عن أمله في أن يؤدي ذلك لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية، في فبراير 2022، عن البدء في تفعيل اتفاقية التعاون والدفاع المشترك بين الإمارات وفرنسا وذلك لـ”مواجهة المحاولات الإرهابية لاستهداف دولة الإمارات العربية المتحدة”. وتنفيذ مهمات جوية في الأجواء الإماراتية رداً على الهجمات التي تلقتها أبوظبي من جانب الحوثيين. مكافحة الإرهاب ـ خريطة الجماعات المتطرفة في سوريا ومناطق النفوذ
تقييم وقراءة مستقبلية
– يسعى الاتحاد الأوروبي منذ سقوط النظام السوري إلى الحصول على ضمانات جدية من القادة الجدد في سوريا بعدم التعاون مع إيران وحلفائها في المنطقة. خاصة أن إيران تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي للأوروبيين في الشرق الأوسط.
– يمكن القول أن الرأي العام في الدول الأوروبية سيؤثر بشكل كبير على سياسات الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية تجاه سياسات إيران في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
– بات متوقعا أن تدفع الضغوطات الأوروبية إيران على المستوى الإقليمي لترتيب الأوراق الجيوسياسية من جديد في الشرق الأوسط، فمع إضعاف “محور المقاومة”، وجدت إيران نفسها معزولة دوليا أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يرغمها على إعادة النظر في سياستها الأمنية وتدخلاتها في المنطقة.
– من المحتمل أن يعتمد التعامل الأوروبي مع إيران بعد تغيير النظام السوري على طبيعة التغيير في سوريا وتأثيره على النفوذ الإيراني وسياسات إيران، كذلك مدى استعداد إيران للتعاون على المستوى الدولي بشأن القضايا الدولية كحرب أوكرانيا والاتفاق النووي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=99907
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
EU foreign policy chief: ‘No place for extremism, Russia, or Iran in Syria’s future’
https://tinyurl.com/2msy8p9c
Assad’s downfall — the winners and losers
https://tinyurl.com/346h73y9
EU should ease Syria sanctions in return for ‘positive steps’, top diplomat Kallas says
https://tinyurl.com/ynbezb9x
Assad’s exit opens a chance to rein in his backer Iran. Europe must seize it
https://tinyurl.com/dnk26ec6