خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
قال مسؤول عسكري هولندي كبير إن بحر الشمال “غير محمي إلى حد كبير” وعُرضة لمحاولات التخريب الروسية المحتملة للبنية التحتية البحرية الحيوية التي تعتمد عليها دول حلف شمال الأطلسي بشكل كبير. أكد الأميرال البحري بول فلوس، أحد الأعضاء المؤسسين لمركز تجارب أمن قاع البحار المتعدد الجنسيات (SeaSEC) الذي أُنشئ في لاهاي لحماية البنية التحتية تحت الماء: “إن وجود موسكو في بحر الشمال قد زاد، وبالتالي فإن التهديد زاد بشكل كبير”.
وأضاف فلوس: “أن بحر الشمال معرّض بشكل كبير للخطر بسبب النشاط الروسي، وقال: “إنهم ليسوا هناك لأنهم يحبون مياهنا”.
البنية التحتية الحيوية تحت الماء
قال مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، في بداية عام 2025: “إن ما يقرب من 1.3 مليون كيلومتر من الكابلات أي ما يعادل حوالي 800 ألف ميل تُستخدم في معاملات مالية بقيمة 10 تريليونات دولار يومياً”. وأضاف: “أن الكابلات البحرية تنقل أكثر من 95% من إجمالي حركة الإنترنت”.
لكن هذه الشبكات معرضة للخطر، وهناك عدد كبير للغاية من الكابلات وخطوط الأنابيب لا يمكن حمايتها في أي وقت، كما يقول لورانس روش، من مركز أبحاث وتجارب البحرية التابع لحلف شمال الأطلسي ومقره إيطاليا. وقال روش: “حماية البنية التحتية الحيوية تحت الماء أمر صعب للغاية”.
ففي عام 2024، أنشأ الحلف مركزًا جديدًا مقره المملكة المتحدة، مُكلَّفًا تحديدًا بوضع استراتيجيات لحماية الشبكات البحرية، ويرفع تقاريره إلى القيادة البحرية للناتو. ثم أطلق الحلف مبادرة “حارس البلطيق” لتتبع السفن العابرة لبحر البلطيق، بعد تضرر أو قطع العديد من الكابلات وخطوط الأنابيب أواخر عام 2023.
كما أطلقت المملكة المتحدة سفينة بروتيوس، وهي أول سفينة مراقبة من نوعها، لمراقبة الأنشطة تحت الماء والسيطرة على المركبات غير المأهولة، وذلك منذ ما يقرب من عامين.
بحر الشمال وبحر البلطيق
يُعرف بحر البلطيق أكثر من بحر الشمال بتسليطه الضوء على هشاشة البنية التحتية البحرية الحيوية للحلف. ويُطلق عليه أحيانًا اسم “بحيرة الناتو”، إذ تحيط به مياه دول الحلف وكالينينغراد، الجيب الروسي الذي يضم قاعدة عسكرية هائلة وأسطول موسكو في بحر البلطيق.
سجلت دول الناتو سلسلة من الحوادث التي طالت بُنى تحتية حيوية تحت الماء خلال 2023,2025، ويُعزى معظمها إلى أعمال تخريبية يُشتبه في أنها روسية، في أعقاب حرب أوكرانيا. قد تقع أضرار عرضية، وكثيرًا ما تحدث، لكن المسؤولين يتحدثون بشكل متزايد عن هجمات تُحمَّل موسكو مسؤوليتها.
تشمل الحوادث الأبرز إتلاف كابل كهرباء وخطي اتصالات في بحر البلطيق في 25 ديسمبر 2024. وسارعت السلطات إلى إلقاء الشكوك على ناقلة النفط إيجل إس، التي ترفع علم جزر كوك، والتي يُعتقد أنها جزء من “أسطول الظل” الروسي من السفن المستخدمة للالتفاف على العقوبات.
وأعلنت السلطات الفنلندية في يونيو 2025 أنها اختتمت تحقيقًا جنائيًا وتشتبه في أن كبار الضباط على متن السفينة ارتكبوا “أعمالًا إجرامية مشددة وتدخّلًا مشددًا في الاتصالات السلكية واللاسلكية” فيما يتصل بسحب مرساة. وأفاد مكتب التحقيقات الوطني في هلسنكي في بيان إن المدعي العام في البلاد يدرس توجيه الاتهامات.
ذكر مسؤولون استخباراتيون غربيون لم يُكشف عن هويتهم لوكالة أسوشيتد برس في يناير 2025، إن الأضرار الأخيرة التي لحقت بالبنية التحتية تحت سطح البحر ربما تكون ناجمة عن جرّ المراسي عن طريق الخطأ على سفن متهالكة ومزودة بطاقم ضعيف.
ووفقًا لمركز راند للأبحاث، قد تُكلّف كابلات الجهد العالي التي تربط أنظمة الكهرباء بين الدول، في حال انقطاعها، حوالي 14 مليون دولار يوميًا. وفي يونيو 2025، أفادت المؤسسة إن إجمالي فاتورة انقطاع خطوط أنابيب النفط والغاز لأشهر قد يصل إلى عشرات المليارات.
صرح الأدميرال السير توني راداكين، أعلى مسؤول عسكري في المملكة المتحدة، في العام 2022 بـ”زيادة هائلة” في النشاط الروسي تحت الماء خلال العقدين الماضيين، حيث تمكنت موسكو من “استغلال نظام المعلومات العالمي الحقيقي، وهو الكابلات البحرية التي تمتد حول العالم”. كما صرّح وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس، الذي بقي في منصبه حتى عام 2023، بأن الغواصات الروسية سلكت “مسارات غريبة لا تسلكها عادة”، بما في ذلك في بحر الشمال.
تابع فلوس إن بحر البلطيق وبحر الشمال يتشابهان نسبيًا في ضحالة المياه، لكن بحر الشمال أكثر رمليّة، بينما بحر البلطيق صخري. وأضاف: “لذلك، غالبًا ما يكون تدمير الكابلات في بحر البلطيق أسهل منه في بحر الشمال”.
قال سيدهارث كوشال، وهو باحث كبير في مجال القوة البحرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره المملكة المتحدة: “إن أعمال التخريب مثل سحب المراسي لا يمكن استخدامها إلا في أماكن معينة من العالم بسبب ضحالة المياه، كما هو الحال في بحر البلطيق”.
أوضح وزير الدفاع البريطاني جون هيلي في العام 2025: “إن السفينة الروسية يانتار، التي تم رصدها في بحر الشمال، كانت سفينة تجسس في مهمة لجمع المعلومات الاستخباراتية ورسم خريطة لشبكة قاع البحر في المملكة المتحدة”.
رُصدت السفينة يانتار في نوفمبر 2024 وهي “تحوم فوق البنية التحتية البحرية الحيوية للمملكة المتحدة”، وفقًا لما ذكره هيلي. وردّت السفارة الروسية في لندن على هذه التصريحات، مُصرّحة في يناير 2025 بأن هذه المزاعم “لا أساس لها من الصحة على الإطلاق”. وأضافت السفارة أن “روسيا لم تشكّل مثل هذه التهديدات على الإطلاق”.
تُعد يانتار واحدة من السفن التي تديرها المديرية الرئيسية لأبحاث أعماق البحار في روسيا، أو GUGI، وهي فرع غامض من الجيش يُقدّم تقاريره مباشرة إلى وزير الدفاع الروسي، وفي نهاية المطاف إلى الرئيس فلاديمير بوتين.
يحتوي أسطول GUGI على مجموعة من الغواصات والسفن السطحية، مثل غواصة بيلغورود، التي يمكنها حمل طوربيدات مسلحة نوويًا والتحكم في غواصات صغيرة قادرة على الغوص عميقًا تحت الماء في الوقت ذاته.
وقال كوشال: “إن شركة GUGI تؤدي مجموعة متنوعة من الأدوار لصالح الكرملين، بدءًا من وضع أجهزة استشعار على قاع البحر إلى المراقبة والتجسس ووظائف استراتيجية أكبر”. وأضاف: “بدلًا من الاعتماد على سحب المرساة في بحر الشمال، يمكن لـGUGI استخدام السفن مثل يانتار لاكتشاف البنية التحتية الحيوية قبل نشر المركبات غير المأهولة أو المركبات التي يتم تشغيلها عن بُعد”.
تابع كوشال: “أن المنظمة تضم ضمن صفوفها روّادًا بحريين، وهم أفراد متخصصون يجتازون معايير دخول لتوجيه الغواصات في أعماق سحيقة. ويتم اختيار هؤلاء الرواد من الفرقة الروسية التاسعة والعشرين للغواصات المنفصلة، المتمركزة في مركز الغواصات في جادجييفو، شمال غرب منطقة مورمانسك، بالقرب من مقر الأسطول الشمالي”.
من المسؤول عن حماية الكابلات وخطوط الأنابيب؟
قال هيلي، وزير الدفاع البريطاني، للمشرعين في يناير 2025: “نراكم. نعرف ما تفعلونه”. أما فلوس فأقل يقينًا، إذ قال: “لا أحد يعلم ما يفعلونه هناك، وهذا هو التحدي”.
وعلى الرغم من قدرة الجيوش الحليفة على رصد مواقع روسيا في بحر الشمال، فإن أهدافها غامضة، لكن هناك “أدلة قوية جدًا على استخدامها أيضًا غواصات مسيّرة”، بحسب فلوس. وأشارت تقارير بريطانية في العام 2025 إلى أن الجيش البريطاني عثر على طائرات روسية مسيّرة بالقرب من بنى تحتية حيوية تحت الماء.
وقال كوشال: “الجيوش الغربية على دراية جيدة بسفن المراقبة غير المسلحة مثل يانتار، مما يجعل هذا النوع من السفن أسهل بكثير في التتبع من بعض الغواصات الروسية المتقدمة”. وأشار فلوس إلى تحسّن سريع في ما يمكن للحلف رصده من نشاط روسيا في بحر الشمال، حتى منذ بداية العام 2025. وأضاف: “لم نعد غافلين”. كما أشار كوشال إلى أن التعاون بين الدول الحليفة قد تحسن خلال العام 2024، لا سيما في مجال تعزيز الفهم لكيفية استخدام الكرملين للسفن المدنية وسفن الدعم.
لكن يبقى سؤال مهم: من المسؤول عن صدّ اهتمام روسيا بالبنية التحتية البحرية الحيوية في بحر الشمال؟ الكابلات وخطوط الأنابيب، في الغالب الأعم، مملوكة لشركات خاصة.
سأل فلوس: “هل يتحمّل مالكو الأصول المسؤولية؟ هل تتحمل الدول المسؤولية؟ هل يتحمل خفر السواحل المسؤولية؟”. وأضاف: “الأمر معقّد للغاية”، مشيرًا إلى أن المحادثات لا تزال جارية.
وأكد حلف شمال الأطلسي على ضرورة إقامة اتصالات سريعة مع الشركات الخاصة والجهات الصناعية للكشف بشكل أكثر فاعلية عن التهديدات التي تتعرض لها خطوط الأنابيب والكابلات، فضلًا عن صيانة البنية التحتية.
أكد فلوس: “علينا تعزيز تعاوننا مع الصناعات على جميع المستويات”. وأضاف أن من الضروري تعزيز الثقة بين الحكومات والجيوش والقطاع الصناعي.
ويبدو أن هناك إجماعًا متزايدًا داخل حلف الناتو على أن حماية البنية التحتية التي يستخدمها أعضاؤه “مسؤولية عسكرية جماعية”، كما أضاف كوشال. لكنه أشار إلى أن الصلاحيات المتاحة لمنع السفن المشبوهة من العمل في المياه الدولية غالبًا ما تكون غامضة.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=105624