بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)
شهدت استراتيجية الإدارة الأمريكية تجاه إيران تغيرًا ملحوظًا، إذ انتقلت من السياسة التي اتسمت بالعقوبات والتهديدات العسكرية في ظل ولاية ترامب الأولى، إلى الدبلوماسية لإحياء المفاوضات النووية للحد من برنامج التخصيب الإيراني دون تصعيد عسكري. تعكس هذه الاستراتيجية محاولة إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الموازنة بين التحالفات الإقليمية، خصوصًا مع دول الخليج وإسرائيل، وسط مشاركة قوى دولية كروسيا والصين في المفاوضات وتراجع الدور الأوروبي.
لماذا تحولت سياسة “دونالد ترامب” تجاه إيران؟
أعطى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” فريقه الضوء الأخضر للدبلوماسية المتجددة مع إيران بدلاً من إحياء سياسة الضغط القصوى التي انتهجها خلال ولايته الأولى. بل وحتى رفض رغبة إسرائيل في شن ضربات عسكرية ضد طهران. وأوضح “ستيف ويتكوف” المبعوث الأمريكي للشؤون الخارجية بأن “برنامج التخصيب في إيران خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة”. وألمح “ويتكوف” إلى إمكانية السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات منخفضة، لكن في الوقت نفسه، هدد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إيران بالتحرك العسكري إذا لم تتوصل إلى اتفاق.
تقول “سينا توسي” من مركز السياسة الدولية: “إن خطاب ترامب في الرياض يمثل تحولًا واضحًا وذا دلالة مهمة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط”. وتابعت: “فبالنظر إلى أن ترامب في عام 2018، انسحب من جانب واحد من الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران، وقد فرض هذا الاتفاق، الذي تم التفاوض عليه خلال رئاسة أوباما، قيودًا على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات”. وأضافت: “بدلاً من ذلك، لجأ ترامب إلى سياسة تضمنت تشديد الخناق المالي على إيران من خلال تشديد العقوبات، مع إصدار تهديدات عسكرية ضمنية. لكن هذا النهج فشل في تعطيل البرنامج النووي الإيراني”.
ما هي الضغوط الداخلية التي تواجه “دونالد ترامب”؟
جعلت التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن التخصيب المحادثات النووية موضع شك. فمن بين العقبات المتبقية رفض طهران شحن كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج، أو الدخول في مناقشات بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية. وأشار استطلاع للرأي في فبراير 2025 إلى أن (72%) من الناخبين الديمقراطيين و(82%) من الجمهوريين يؤيدون “تدمير المنشآت النووية الإيرانية”.
يعتقد “جيفري فيلدز” أستاذ ممارسة العلاقات الدولية في كلية “دورنسيف” بجامعة جنوب كاليفورنيا: “أن ترامب لديه فرصة فريدة ليس فقط لإعادة العمل باتفاق نووي مماثل لذلك الذي رفضه، بل ولصياغة اتفاق أكثر شمولًا، وتعزيز العلاقات الأفضل مع إيران في هذه العملية”. ويرى “فيلدز”: “أن هناك دلائل حقيقية تشير إلى أن صفقة محتملة قد تكون في الأفق، لكن التوصل إلى اتفاق ليس مؤكدًا بأي حال من الأحوال”. مشيرًا إلى “أن أي تقدم نحو اتفاق سيواجه تحديات بسبب عدد من العوامل، أبرزها الانقسامات الداخلية والمعارضة داخل إدارة ترامب، وتشكك البعض في إيران”.
ما احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي جديد؟
استأنف المفاوضون الإيرانيون والأمريكيون المحادثات في 23 مايو 2025 في روما لحل النزاع بشأن الطموحات النووية الإيرانية، على الرغم من تحذير إيران من أن التوصل إلى اتفاق جديد ربما يكون مستحيلًا وسط خطوط حمراء متضاربة. وتريد إيران التخلص من العقوبات المفروضة على اقتصادها المعتمد على النفط. وأفادت تقارير أن إيران مستعدة لقبول بعض القيود على تخصيب اليورانيوم، الذي تؤكد أنه مخصص لاستخدامات الطاقة النووية المدنية فقط، لكنها تحتاج إلى ضمانات قاطعة بأن واشنطن لن تتراجع عن اتفاق نووي مستقبلي.
يتعرض الرئيس الإيراني “مسعود بزشكيان” لضغوط داخلية شديدة بسبب تدهور الاقتصاد الإيراني، ومعالجة هبوط العملة، والبطالة الهائلة بين الشباب، وانقطاع التيار الكهربائي. وتؤكد الدكتورة “سنام فاكيل” من مركز “تشاتام هاوس” البحثي في لندن: “هناك معسكرات داخل إيران تُفضل المفاوضات، وهناك معسكرات ترى في التسلح النووي أفضل فرصة لإيران لحماية أمنها”. وأضافت “فاكيل”: “إن الثقة في إدارة ترامب أصبحت قليلة للغاية، قد رأوا نهجه المتقلب تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومقترحاته المتقلبة بشأن غزة، ولا يريدون أن يُوضعوا في هذا الموقف”. أمن دولي ـ المسار الألماني تجاه حل الدولتين في ظل حكومة فريدريش ميرتس
كيف تستفيد موسكو من مشاركتها في المفاوضات؟
ناقش الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في مايو 2025 العلاقات الثنائية واستعادة الاتفاق النووي الإيراني مع نظيره الإيراني “مسعود بزشكيان”. وأكد “بوتين” استعداد روسيا لتسهيل الاتصالات بين إيران والولايات المتحدة بهدف التوصل إلى اتفاق عادل يرتكز على مبادئ القانون الدولي. تستفيد روسيا من مشاركتها في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث تصبح موسكو جهة فاعلة وضرورية في التوصل إلى اتفاق جديد. ومن أهم المزايا التي ستعود على روسيا، المشاركة في إدارة أو مراقبة مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، وقد اقترح ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية ترتيبًا محتملًا يتم بموجبه وضع مخزون إيران من اليورانيوم في دولة ثالثة، مثل روسيا، ما يزيد من نفوذ موسكو. أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
ما هو الدور الصيني في المفاوضات؟
أكد “وانغ يي” وزير الخارجية الصيني لنظيره الإيراني “عباس عراقجي” في أبريل 2025: “أن الصين تؤيد إجراء إيران محادثات بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، وتعارض استخدام القوة والعقوبات الأحادية غير القانونية في محاولة لحل النزاع”. وأضاف “وانغ يي” لنظيره الإيراني خلال محادثات في العاصمة الصينية: “إن بكين مستعدة لتعزيز التنسيق والتعاون مع طهران في الشؤون الدولية والإقليمية”. أوضح “تونغ تشاو” الزميل البارز في مؤسسة “كارنيغي للسلام” الدولي في واشنطن في مارس 2025: “إن الصين لديها دافع متزايد لتعميق مشاركتها في المفاوضات النووية الإيرانية لحماية مصالحها وتوسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز صورتها كقوة عالمية وشريك موثوق به”. وتابع “تشاو”: “إن الصين تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الأساليب غير الغربية في حل التحديات العالمية”.
هل يسمح “ترامب” لإسرائيل بتوجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية؟
أشار تقرير استخباراتي في 20 مايو 2025 إلى أن واشنطن حصلت على معلومات تفيد بأن إسرائيل تستعد لضرب المنشآت النووية الإيرانية، بالتزامن مع سعي إدارة “ترامب” إلى التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع طهران. يُحذّر المسؤولون من أنه لم يتضح بعد ما إذا كان القادة الإسرائيليون قد اتخذوا قرارًا نهائيًا، بل إن هناك خلافًا عميقًا داخل الحكومة الأمريكية حول احتمالية اتخاذ إسرائيل قرارًا في نهاية المطاف. وقد أظهر استطلاع للرأي في 30 أبريل 2025 أن (45%) من الإسرائيليين يؤيدون توجيه إسرائيل ضربة لإيران، بينما يعارضها (41.5%). تمثل الضربة توترًا كبيرًا مع “ترامب”، وتُنذر بصراع إقليمي أوسع في الشرق الأوسط.
تشير التقديرات إلى أن قرار إسرائيل بشن ضربات، وكيفية تنفيذها، يعتمد على رأيها في المفاوضات الأمريكية مع طهران بشأن برنامجها النووي. أكدت إيران أنه في حال وقوع هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية، فإن طهران سوف تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها شريكة في الهجوم من الناحية القانونية، وستجعلها تتحمل التبعات. يقول “جوناثان بانيكوف” مسؤول الاستخبارات المتخصص في شؤون المنطقة: “وُضعت إسرائيل بين المطرقة والسندان، حيث يتعرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضغوط لتجنب اتفاق أمريكي إيراني لا تراه إسرائيل مُرضيًا، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع ترامب، الذي سبق أن اختلف معه في قضايا أمنية رئيسية في المنطقة”. أمن أوروبا ـ كيف تستعد أوروبا للحرب العالمية الثالثة؟
هل تؤيد دول الخليج الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية؟
تشعر دول الخليج بالقلق من أن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يتسبب في كارثة في المنطقة ويجرّها إلى حرب إقليمية أوسع. وفي الوقت ذاته، تعتقد دول الخليج أن تنامي قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي قد يُطلق سباق تسلح نووي إقليمي. تأمل دول الخليج في الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع الرئيس “دونالد ترامب” لتوفير جسر دبلوماسي لإيران للوصول إلى البيت الأبيض، وتأمين مقعد على طاولة المفاوضات من أجل صفقة جديدة محتملة. ويرى المسؤولون في دول الخليج أن المشهد الإقليمي يمثل فرصة لتهدئة التوترات مع إيران وتحسين العلاقات، ويصرون على أنهم لا يريدون أن يكونوا جزءًا من أي مواجهة أمريكية أو إسرائيلية مع إيران.
تقييم وقراءة مستقبلية
– يواجه نهج ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية، والذي يعتمد على عقد الصفقات، اختبارًا صعبًا مع بدء استعداده للسعي إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.
– تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة استراتيجية، إما القبول بصفقة نووية غير مرضية لمخاوفها الأمنية، أو شن ضربات على إيران، وهو خيار محفوف بالتبعات الإقليمية والدبلوماسية، خاصة في ظل عدم دعم الإدارة الأمريكية لهذا الخيار.
– تدرك دول الخليج أن امتلاك طهران لسلاح نووي قد يفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمي نووي . بات متوقعا أن تستمر دول الخليج في لعب دور الوسيط للحوار بين طهران وواشنطن لتجنب سيناريوهات التصعيد العسكري في المنطقة.
– من المحتمل أن تُعيد روسيا والصين تموضعها كوسيط محوري بين طهران وواشنطن. مايُعزز نفوذهما في الشرق الأوسط كجهة “ضامنة”، وذلك بالتزامن مع تراجع الدور الأوروبي في هذا الملف.
– قد يتجه الملف النووي الإيراني نحو مزيد من التعقيد في ظل إدارة أمريكية متشددة، مع تصاعد احتمالات الانهيار الكامل للاتفاق النووي، ومخاطر انزلاق نحو مواجهة مفتوحة، خاصة إذا اقتربت إيران من “العتبة النووية”.
رابط مختصر. https://www.europarabct.com/?p=104660
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
Trump reshapes US Mideast policy. Can deals work instead?
https://tinyurl.com/3hduwt4w
China backs Iran’s nuclear talks with US, opposes ‘illegal’ sanctions
https://tinyurl.com/3bdp9ar2
High stakes as Iran nuclear issue reaches crunch moment
https://tinyurl.com/34x9rsda
Israel preparing to strike Iran fast if Trump’s nuclear talks break down
https://tinyurl.com/4k7ndz28