بون ـ جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي https://x.com/jassim__press
تشهد العلاقة مابين روسيا والناتو الكثير من التصعيد على مستوى عسكري استراتيجي ونووي تكتيكي وسياسي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الأن. وتبقى أوكرانيا هي “صلب” الموضوع”. فهل كان الناتو وراء حرب أوكرانيا لجر روسيا في حرب استنزاف تدريجي لتصل الأن على حافة الحرب المباشرة وفرض الولايات المتحدة سيطرتها من جديد على أوروبا؟
يٌذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا خلال زيارته الرسمية إلى ألمانيا يوم 27 مايو 2024، إلى السماح لأوكرانيا بضرب أهداف عسكرية في روسيا بأسلحة غربية. ودعا حلف (الناتو) دوله الأعضاء إلى السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية ضد أهداف عسكرية في روسيا. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن الوقت قد حان لرفع بعض القيود المفروضة على استخدام الأسلحة المقدمة وتعارض ألمانيا العملية حتى الآن. يأمل الرئيس ماكرون في تشكيل تحالف من الدول “الراغبة” التي ترغب في تقديم الدعم العسكري لكييف بطريقة مماثلة. سترسل فرنسا في البداية عددًا صغيرًا ومحدودًا من الأفراد العسكريين إلى أوكرانيا، وفي وقت لاحق، سيتم إرسال عدة مئات من المدربين “المزعومين” إلى أوكرانيا. وتخشى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – بما في ذلك الحكومة الألمانية ، أن يؤدي إرسال أفراد عسكريين من حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا إلى زيادة احتمالات نشوب حرب مباشرة مع روسيا. ويصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضًا وجود القوات المسلحة الفرنسية النظامية في أوكرانيا على أنه خطوة نحو صراع عالمي. أمن دولي ـ التسلح النووي ومخاوف أوروبية من خسارة حماية الناتو
كيف سيكون رد فعل بوتين
نشرت وزارة الدفاع الروسية ورقة بحثية : الحدود البحرية مع الجيران في بحر البلطيق مبنية على “خرائط قديمة” ــ وبالتالي فقد تم تصحيحها الآن. وفي اليوم التالي اختفىت نصف العوامات التي كانت تميز الأراضي الإستونية على النهر الحدودي بين إستونيا وروسيا، حيث قام حرس الحدود الروسي بإزالت العوامات.
ويقول الرئيس بوتن لا نحتاج إلى السماح لطوابير الدبابات الروسية بالمرورعبر حدود الناتو. وتابع بوتين يوم 28 مايو 2024 أمام الكاميرات وهدد دول الناتو الأوروبية في أوروبا، والعديد منها بالقول أنها ” دول صغيرة جدًا ومكتظ بالسكان” : ” إذا إذا حدث شيء ما هناك، فإن العواقب ستكون فظيعة. التحذير واضح: لا تبحثوا عن صراع مع روسيا! يمكننا أن نضرب، ثم لا يبقى منكم ومن مدنكم إلا الغبار، مع خالص التقدير، فلاديمير.”
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم 29 مايو 2024، إن بلاده ليس لديها أي خطط تجاه أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ولن تهاجم بولندا أو دول البلطيق أو التشيك، لكنه هدد في الوقت نفسه بأنه إذا زود الغرب أوكرانيا بمقاتلات “إف-16” “فستقوم القوات الروسية بإسقاطها”. وحسب نص الخطاب الذي أصدره الكرملين، أضاف بوتين: “ليس لدينا أي نوايا عدائية تجاه هذه الدول”. وأضاف: “تصوُّر أننا سنهاجم دولة أخرى، بولندا أو من دول البلطيق، والتشيك خائفة أيضا، هي محض هراء، إنه مجرد هذيان”. وذكر بوتين أن مقاتلات “إف-16” يمكنها أيضا حمل أسلحة نووية، مضيفا: “بالطبع، إذا انطلقت من مطارات دولة ثالثة، فستصبح أهدافا مشروعة لنا أينما كانت”.
قال الرئيس الروسي بوتين يوم 13 مارس 2024 إن روسيا مستعدة من الناحية العسكرية والفنية لحرب نووية، لكن “ليس كل شيء يدفع باتجاهها” في الوقت الحالي. وأضاف بوتين في تصريحات نقلتها عنه وسائل إعلامية روسية رسمية قوله إنه إذا دخلت قوات أمريكية أوكرانيا فإن روسيا ستعاملها على أنها جهات دخيلة.
والسؤال الحاسم هنا هو كيف سيكون رد فعل بوتين: هل يجرؤ على التصعيد؟ ما الذي يتعين على أنصار أوكرانيا أن يخاطروا به وأين يتعين عليهم أن يرسموا الخط بدافع الحذر؟ ليس من المستغرب أن تقدم الحكومات الغربية صورة مختلطة عند الإجابة على هذا السؤال وسواء كان ذلك في المناقشات الدائرة حول تسليم الدبابات والطائرات المقاتلة، أو صواريخ كروز مثل صواريخ توروس، أو حظر استخدام الأسلحة الغربية ضد أهداف على الأراضي الروسية : فلا أحد يستطيع أن يقرأ مافي ذهن بوتن.
روسيا تعتبر مقاتلات “إف-16” تهديد نووي
صرحت وزيرة الخارجية البلجيكية حجة لحبيب بأن سلطات بلادها سترسل 30 مقاتلة “إف-16” إلى أوكرانيا بحلول عام 2028، ومن المقرر وصول أولى المقاتلات عام 2024. ومن المتوقع أن تحصل أوكرانيا على أكثر من 60 طائرة “إف-16″، ستقدمها النرويج والدنمارك وهولندا وبلجيكا. وانتقد السياسي البلجيكي المعارض، رئيس حزب العمال البلجيكي راؤول هديبو قرار سلطات بلاده إرسال حوالي 30 مقاتلة “إف-16” إلى أوكرانيا، وهو ما قد يؤدي إلى “حرب عالمية ثالثة”. وقال هديبو في مقابلة مع قناة RTL التلفزيونية البلجيكية: “أعتقد أننا نتجه نحو حرب عالمية ثالثة، في البداية قيل لنا إننا سنرسل الأموال إلى أوكرانيا، ثم الأسلحة، ثم مقاتلات “إف-16″، والآن نريد إرسال العسكريين، كما يقول الرئيس ماكرون. أنا اعتبر أنه من الضروري التوصل إلى وقف التصعيد”.
أعلنت وزارة الخارجية الروسية يوم 07 مايو 2024، أن روسيا ستعتبر مقاتلات “إف-16″ التي تظهر في أوكرانيا، حاملات لأسلحة نووية والجانب الروسي مراراً، لا يمكننا تجاهل حقيقة أن هذه الطائرات تنتمي إلى منصات مزدوجة التجهيز نووية وغير نووية”.وأشار البيان إلى أن الطائرات من هذا النوع بالذات شكلت لسنوات عديدة أساس أسطول الطائرات الذي يستخدم في ما يسمى “المهام النووية المشتركة” لحلف شمال الأطلسي. وأضاف البيان: “بغض النظر عن التعديل المحدد الذي سيتم توفيره لهذه الطائرات، فإننا سنعتبرها حاملة للأسلحة النووية ونعتبر هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي بمثابة استفزاز متعمد”.
أوكرانيا ومحاولات جر الناتو للمواجهة مع روسيا
تتقدم الحكومة في كييف حاليًا بمطالب واسعة. وكما حاولت أوكرانيا في بداية الحرب توريط الناتو في حرب جوية مع روسيا من خلال “منطقة حظر الطيران”، يريد زيلينسكي الآن، بشكل مختلف قليلاً، أن تقوم الطائرات المقاتلة التابعة للحلف بإسقاط الصواريخ الروسية على أوكرانيا. ومن هنا لم تعد هناك سوى خطوة صغيرة نحو تبادل الضربات المباشرة مع طياري روسيا، لكن الالتزام باستخدام الأسلحة الغربية فقط على الأراضي الأوكرانية قد عفا عليه الزمن.
تنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا
يجتمع وزراء خارجية الدول الـ 32 الأعضاء لحلف الناتو في براغ يومي 30 ـ 31 مايو 2024 لمناقشة كيفية تنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ومن المتوقع أن يحاول الوزراء إحراز تقدم في المحادثات بشأن خطة بقيمة 100 مليار يورو (108 مليارات دولار) لنقل المسؤولية عن المساعدات المشتركة من مبادرة غير رسمية تقودها الولايات المتحدة إلى الهياكل الرسمية لحلف شمال الأطلسي نفسه. واقترح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الخطة أبريل المقبل. وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن إدارة الرئيس جو بايدن سوف “تتكيف وتتأقلم” مع تطور الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلا أنه لم يؤكد صراحة تأييد بلاده لاستخدام أسلحة أمريكية لشن ضربات داخل روسيا.
ما هي الدول التي توجد فيها أكبر المخاوف بشأن هجوم روسي؟
يرى خبراء الأمن الغربيون خطراً حقيقياً من داخل روسيا. أحدهم هو الخبير العسكري بافيل لوزين يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وهو زميل كبير في “برنامج المرونة الديمقراطية” في مركز تحليل السياسات الأوروبية، يقول لوزين: “تعلن روسيا صراحة عن نيتها تدمير النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب الباردة، وتريد روسيا نظاما عالميا جديدا”. تمثل البلاد تهديدًا عسكريًا لحلف شمال الأطلسي وجميع الدول الأوروبية. أمن دولي ـ الردع النووي والردع المضاد، تصعيد لخفض التصعيد (ملف)
هل تتعرض ألمانيا بالفعل للهجوم؟
يقول أندريه بوديمان هو فريق في الجيش الألماني، وقائد القيادة الإقليمية والمسؤول عن الدفاع عن ألمانيا في حالة الحرب: “مرحلة لم ندخل فيها بعد في حالة حرب، ولا حتى من الناحية القانونية، لكننا لم ننعم بالسلام لفترة طويلة لأننا نتعرض للتهديد كل يوم”. يحدد بوديمان أربع فئات من التهديدات المحتملة الذي يحدث حاليًا ضد ألمانيا: الهجمات السيبرانية، والمعلومات المضللة المستهدفة (خاصة عبر الشبكات الاجتماعية)، والتجسس (على سبيل المثال من خلال سفن التجسس الروسية في بحر البلطيق) والتخريب. وفي الحالة الأخيرة، يستشهد بالهجمات على خطوط السكك الحديدية وحفر أنابيب الغاز الطبيعي المسال كأمثلة.
ما هي الدول التي توجد فيها أكبر المخاوف بشأن هجوم روسي؟
يقول كريستيان مولينج من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية: “ينطبق هذا على بولندا، وينطبق على دول البلطيق، ولكنه ينطبق أيضًا على جمهورية التشيك ودول أخرى”. على سبيل المثال، يعتقد وزير الدفاع الدنماركي ترويلز لوند بولسن أن روسيا قادرة على مهاجمة إحدى دول الناتو في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.
ما مدى واقعية توجيه ضربة نووية من جانب روسيا؟ وما هي السيناريوهات التي تراها الاستخبارات؟
توصل أحدث تقرير استخباراتي سنوي صادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية (ODNI) في الولايات المتحدة “لم يٌنشر” في فبراير2024 إلى نتيجة واضحة: إن روسيا ستواصل “أنشطتها غير المتكافئة” في جميع أنحاء العالم. يشير هذا إلى الحرب الهجينة، مثل القرصنة أو أنشطة التجسس أو حملات التضليل لكن،يكاد يكون من المؤكد أن روسيا لا تريد صراعاً عسكرياً مباشراً مع قوات الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي وسوف تستغرق القوات المسلحة في موسكو سنوات للتعافي من الخسائر الفادحة في المعدات والأفراد خلال حرب أوكرانيا. وذكر تقرير المخابرات أنه خلال هذه الفترة، ستعتمد موسكو بشكل أكبر على قدراتها النووية للردع الاستراتيجي. أمن دولي – سيناريوهات استخدام روسيا والناتو للأسلحة النووية
متى يصبح استخدام الأسلحة النووية خياراً بالنسبة لموسكو؟
قدمت الوثائق التي نشرتها صحيفة فايننشال تايمز في فبراير2024 نظرة ثاقبة حول مدى نظر روسيا إلى ترسانتها النووية باعتبارها حجر الزاوية في سياستها الدفاعية. وفي الوثائق السرية المتاحة ، ورد أن عتبة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أقل بكثير مما عرضته روسيا علنًا في السابق. كشفت الملفات العسكرية، بين عامي 2008 و2014، معايير محددة بشأن متى ستستخدم موسكو الأسلحة النووية التكتيكية: يمكن أن يكون أحد الأسباب، على سبيل المثال، هو قيام عدد كبير من قوات الناتو بغزو الأراضي الروسية أو خمس الغواصات العسكرية الروسية، يتم تدميرها.
النتائج
ـ من المرجح أن يتخذ الرئيس بوتن خطوات أكثر خطورة، ولن ينظر بعد الآن إلى دول حلف شمال الأطلسي الواقعة على الحدود الشرقية للحلف باعتبارها دولاً لا يمكن المساس بها. فهو يعتبرها صغيرة ومكتظة بالسكان ومهددة بالانقراض، وهذا يعني على الناتو والغرب أن ياخذ تهديدات الرئيس بوتن مأخذ الجد.
ـ يبدو ان المواجهة المباشرة مابين روسيا والناتو اصبحت اقرب من اي وقت وهذا ماعكسته تصريحات الرئيس الروسي بوتن وتصريحات الناتو، أما التحفظ الأمريكي في الوقت الحاضر بعدم توجيه ضربات للعمق الروسي باسلحة غربية، ربما يتعلق بالانتخابات الأمريكية القادمة في غضون ستة اشهر.
ـ هناك تدرج مدروس من قبل الناتو لتصعيد المواجهة ضد روسيا مباشرة، فقد اختلفت لهجة الناتو كثيراً وتغيرت تصريحات الرئيس الفرنسي رأس على عقب، إلى حد إرسال جنود فرنسيين إلى أوكرانيا. يبدو أن الموضوع لايتعلق بأوكرانيا بقدر مايتعلق بتغيير في موازين القوى والخارطة الجيوسياسية دوليا بإدرة الناتو والولايات المتحدة، تدعمها دول البلطيق وربما بعض دول أوروبا الشرقية التي كانت في وقت سابق تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي.
ـ التصعيد الحالي تدفع ثمنه باقي دول أوربا خاصة ألمانيا. بات متوقعاً أن تشهد دول أوروبا أزمات أكثر وحالة عدم من الأستقرار أكثر في ضوء تصعيد الأنفاق العسكري والتحضير لحرب مقبلة ضد روسيا بقيادة الولايات المتحدة والتي يمكن ان لا تكون إلا بعد خمس سنوات.
ـ إن خسارة أوكرانيا والناتو على الأرض تدفع الناتو ربما إلى استخدام السلاح الغربي لشن ضربات داخل روسيا.
ـ تبقى صفقات تسليم طائرات أف 16 التي ستصل إلى أوكرانيا من دول الناتو، موضوع رئيسي لتصعيد المواجهة بين روسيا ودول الناتو ويعود السبب إلى ان منصات هذه الطائرات ممكن ان تحمل اسلحة نووية.من المرجح ان يكون الرد الروسي محدود ضمن الأراضي الأوكرانيا عند وجود هذه الطائرات، والتهديد باستهداف المطارات التي توجد فيها، وحتى ضرب اي دولة ثالثة ممكن ان تنطلق منها. وهذا يعني إن روسيا سوف تتأقلم مع هذه الطائرات كما تأقلمت مع تقديم الغرب اسلحة متطورة وفتاكة إلى أوكرانيا ومنها القنابل العنقودية وقنابل منضبة باليورانيوم.
ـ ليس من المستبعد أن تستخدم روسيا السلاح النووي التكتيكي،عندما يكون الأمن القومي الروسي في خطر وفقاً للعقيدة العسكرية والنووية الروسية، كذلك ليس مستبعد ان توجه روسيا ضربة عسكرية إلى بعض دول أوروبا، التي تمثل مصدر تهديد رئيسي لروسيا من داخل أوكرانيا.
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
رابط نشر مختصر. https://www.europarabct.com/?p=94160