أمن دولي ـ ما هي تداعيات وقف إطلاق النار في البحر الأسود على أوكرانيا؟

خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات  ـ ألمانيا وهولندا ECCI

لوّحت واشنطن بوقف إطلاق النار المقترح في البحر الأسود كدليل على أن إدارة ترامب قادرة على تغيير موازين الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن كييف وحلفاءها ربما يشعرون بالقلق من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قد يخرج من الاتفاق منتصرا.

بعد المحادثات في السعودية، بمشاركة وفود أمريكية وأوكرانية وروسية، صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن الولايات المتحدة تُقيّم شروط روسيا بعد موافقة موسكو “مبدئيًا” على اتفاق وقف إطلاق النار. وتشمل هذه الشروط وقف استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية، لكن الكرملين يُطالب برفع العقوبات في المقابل.

لكن اثنين من الساسة الأوكرانيين صرحا بأن الاتفاق لم يقدم أي وضوح بشأن ما إذا كانت الموانئ الأوكرانية ستكون محمية، في حين أكد خبير بحري إن الاتفاق قد يلغي كل المكاسب التي حققتها كييف بضرباتها لأسطول روسيا في البحر الأسود.

فعقب محادثات الرياض، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تفاؤله بأن وقف إطلاق النار في البحر الأسود قد يُمهّد الطريق لمزيد من الخطوات نحو اتفاق سلام طويل الأمد. لكن أوكرانيا وحلفاءها يخشون أن تستغل روسيا ضغط إدارة ترامب لإحراز تقدم دبلوماسي سريع.

ففي مارس 2025، وافقت أوكرانيا على وقف إطلاق نار كامل لمدة 30 يومًا اقترحته الولايات المتحدة، وهو ما رفضته روسيا. وانتهت المحادثات السعودية بخطط لتسهيل الشحن في البحر الأسود ووقف الهجمات بعيدة المدى على البنية التحتية للطاقة.

صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، بأن التركيز منصبّ على وقف إطلاق نار بحري، ليتمكن البلدان من استئناف تجارة الحبوب والوقود. وأشار بوتين إلى تفضيله إحياء مبادرة حبوب البحر الأسود، التي انسحبت منها موسكو. ولكن أوكرانيا نجحت بالفعل في إنشاء طريق تجاري يتطلب من السفن الإبحار بالقرب من سواحلها تحت إشراف البحرية الأوكرانية، وبالتالي إعادة تأسيس طريق تصدير الحبوب الرئيسي والتجارة إلى مستويات تقترب من مستويات ما قبل الحرب.

أوكرانيا قد تتخلى عن نفوذها في البحر الأسود

ربما يتعين على كييف أن تتخلى عن نفوذها في البحر الأسود حيث أدت ضرباتها الصاروخية والطائرات بدون طيار إلى طرد البحرية الروسية من قاعدتها في سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم. يقول نائب الأدميرال الأمريكي المتقاعد “يتعين علينا أن نعترف بالنجاح غير المعلن ولكن الملحوظ الذي حققته أوكرانيا في الفوز بمعركة البحر الأسود وإبقاء البحرية الروسية والأسطول التجاري معرضين للخطر هناك”.

أكد موريت، نائب مدير معهد جامعة سيراكيوز للسياسة الأمنية والقانون، “ليس من المستغرب أن تسعى موسكو إلى التوصل إلى اتفاق يسمح لها بالعمل بحرية أكبر في مواجهة النجاح الأوكراني المستمر في العمليات البحرية”. وأعرب مسؤولون من رومانيا وبلغاريا عن مخاوفهم من أن يؤدي الاتفاق بين الولايات المتحدة وموسكو إلى توسيع منطقة عمليات البحرية الروسية، واستعادة نفوذها في المياه التي تطل على شواطئ الدول الثلاث.

وقد يؤدي هذا إلى خسارة أوكرانيا ورقة مساومة في محادثات السلام المستقبلية قبل التوصل إلى أي اتفاق بشأن وقف إطلاق النار على نطاق أوسع. أوضح يوروك إيشيك، رئيس شركة الاستشارات “بوسفور أوبزرفر” ومقرها إسطنبول، إن محادثات الرياض لم تسفر عن اتفاق بل عن “وثيقة استسلام لنقاط الحديث التي يطرحها الكرملين”.

تابع يوروك إيشيك: “هذا يمنح روسيا فرصةً لنشر أسطولها البحري في بقية البحر الأسود، وسيُعيد كل المكاسب التي حققتها أوكرانيا إلى وضعها السابق. هذا يعني أن المواقع العملياتية الأوكرانية ستكون في أي لحظة تحت التهديد الروسي مجددًا”.

قد يتم تخفيف العقوبات على روسيا

حتى لو اقترح بوتن أنه يؤيد إحياء صفقة الحبوب، فإن روسيا تريد الكثير في المقابل، وخاصة تخفيف العقوبات على منتجي الأغذية والمصدرين والمؤسسات المالية ــ بما في ذلك بنك روسيلخوز. وتريد موسكو إعادة ربطها بنظام الدفع SWIFT الذي تم طردها منه في بداية حرب أوكرانيا في فبراير 2022.

لكن هذه العقوبات التي قادها الغرب كانت تهدف إلى عزل روسيا عن النظام المالي العالمي لخنق تمويل آلتها الحربية. هناك بالفعل معركة طاحنة لكبح صادرات روسيا النفطية المقيدة، والتي تستمر بوتيرة متسارعة عبر أسطول سري، وكييف وجماعات الضغط التابعة لها لا تريد أي خطوة من شأنها أن تحرم روسيا من هذه الإجراءات.

علاوةً على ذلك، لا يُقدم وقف إطلاق النار في البحر الأسود وضوحًا يُذكر بشأن أمن الموانئ الأوكرانية. وصرح أوليكسي غونتشارينكو، النائب الأوكراني وعضو الوفد الأوكراني في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بأنه لكي يكون الاتفاق عادلًا، يجب أن يمتد إلى ما وراء مدينة أوديسا المستهدفة بشكل متكرر، ليشمل ميناءي خيرسون وميكولايف، اللذين أغلقتهما روسيا وزرعت فيهما الألغام.

يرى جونشارينكو: “إن وقف إطلاق النار في البحر الأسود مهم بالنسبة لأوكرانيا ونحن سعداء بأن الولايات المتحدة تبذل جهودا لتحقيقه ولكن هناك بعض المخاوف بشأن التفاصيل”. واتفقت نائبة أوكرانية أخرى، كيرا روديك، زعيمة حزب هولوس الأوكراني، على أن السؤال الحاسم لا يزال قائما حول ما إذا كانت الموانئ الأوكرانية ستكون محمية من الهجمات الروسية وأنه ليس هناك يقين بشأن ما إذا كانت موسكو ستلتزم بأي اتفاق. ذكرت إن بوتن قد يستخدم الاتفاق ببساطة لكسب الوقت على أمل الاستفادة في ساحة المعركة.

إضرابات البنية التحتية للطاقة

تضمنت خطة وقف إطلاق النار التي اتفق عليها الطرفان وقفًا للضربات بعيدة المدى على البنية التحتية للطاقة، إلا أن هذا يبدو أقل تنازلًا من جانب موسكو. ويرجع ذلك إلى أن ضربات كييف غالبًا ما تستهدف منشآت النفط الروسية المرتبطة بمجهودها الحربي، بينما تهدف الضربات الروسية على منشآت الطاقة الأوكرانية إلى تثبيط معنويات السكان في الشتاء.

يقول هاين جومانز، الخبير في إنهاء الحروب والنزاعات الإقليمية من جامعة روتشستر، إن اتفاقية البحر الأسود في شكلها الحالي “لا تعني الكثير حقًا”. وأضاف أن “الاتفاق سيكون معقولاً إذا كانت واشنطن مستعدة لتطبيقه. ولا ينبغي لأوكرانيا أن تعتقد أن هذا الاتفاق ذو مصداقية بأي شكل من الأشكال إذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للالتزام بالعقوبات في حال تراجعت روسيا عن التزاماتها، وهو ما ستفعله”. وتابع “لم تُساوم روسيا على أي بند. ربما سيسمح هذا لأوكرانيا بتصدير حبوبها، لكن الكثير من الأمور سارت بسلاسة بالفعل”.

يقول النائب الأوكراني ياروسلاف جيليزنياك لوكالة إنترفاكس أوكرانيا للأنباء: “شيء ما يخبرني أن هذا أكثر فائدة للعدو”. أكدت النائبة الأوكرانية كيرا روديك: “حتى الآن، تستمر هجمات روسيا على مدننا المسالمة، وليس لدينا أي تأكيد بأن روسيا مستعدة للسلام أو مستعدة لتنفيذ الأمور التي اتفقوا عليها في الرياض”.

واستقبل المسؤولون الروس المحادثات بتفاؤل، وأكد زيلينسكي إنها بداية جيدة، لكن عدم اليقين بشأن تفاصيل اتفاق البحر الأسود يشير إلى أن الطريق إلى الهدنة قد يكون طويلاً ومعقدًا.

رابط مختصر..  https://www.europarabct.com/?p=102635