خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
بون ـ حازم سعيد، باحث اقدم في المركز الأوروبيECCI
عاد حلف شمال الأطلسي منذ حرب أوكرانيا إلى الأساسيات وسبب وجوده المتمثل في الدفاع الجماعي. لكن هذا لا يعني أن التحالف يستطيع أن يتجاهل التزامه بالتعامل مع الحوادث والأزمات الناشئة قبل أن تتحول إلى صراعات عسكرية تهدد الحلف. يقول القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا الجنرال “كريس كافولي” مؤخرا للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، “إن حلف شمال الأطلسي ليس تحالفا يقوم على مشكلة واحدة”.
وبينما تظل أولويته القصوى هي ردع روسيا والدفاع ضدها، فإن الفشل في الحفاظ على قدراته على إدارة الأزمات يمثل مخاطر أمنية خاصة به. وينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يسعى إلى تعزيز جهوده في إدارة الأزمات من خلال الوقاية المستهدفة، والاستعداد المعزز، والشراكات الاستراتيجية لمعالجة التهديدات الأمنية في جميع أنحاء العالم.
لقد تطور تعريف إدارة الأزمات في حلف شمال الأطلسي على مر السنين. ففي تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ارتبطت في المقام الأول بعمليات حفظ السلام والاستقرار خارج المنطقة.
يمكن الان أن تنشأ الحاجة إلى عمليات إدارة الأزمات من مجموعة واسعة من الأحداث ــ من العدوان العسكري إلى الكوارث الإنسانية إلى الاضطرابات التكنولوجية. إن الخطوط الفاصلة بين مهام الدفاع بموجب المادة الخامسة وإدارة الأزمات أصبحت أكثر ضبابية ــ ما يسمى بالحرب الهجينة التي تستغل المنطقة الرمادية بين السلام والحرب هي مثال واضح على ذلك ــ وهذا يعني أن الناتو لا يمكن أن يكون مستعدا على النحو الأمثل لأي من المهمتين دون أن يكون مستعدا لكليهما.
يحاول الناتو التكيف مع الطوارئ المستقبلية. فبدلا من إدارة الأزمات عند ظهورها، يركز المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو لعام 2022 على منع الأزمات التي “من المحتمل أن تؤثر على أمن الحلفاء” والاستجابة لها، ويؤكد إعلان القمة الأخير لعام 2024 على هذا الهدف.
يهدف هذا النهج إلى ضمان قدرة الناتو على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بشكل أفضل من خلال منع الخصوم من استغلال الحوادث البسيطة لتعزيز عدم الاستقرار لتحقيق مكاسب جيوسياسية. إلى جانب الوثائق الاستراتيجية الجديدة للحلف، يجري إجراء تغييرات في القوة والقدرات للتكيف مع بيئة حيث الأزمات هي القاعدة وليس الاستثناء.
كشف الناتو عن نموذج جديد للقوة في قمة مدريد لعام 2022 لتعزيز حالة الاستعداد والتكيف المتزايدة لمعالجة الأزمات الناشئة قبل أن تنتشر. إن نموذج القوة هذا يرتكز على “قوات عالية الجاهزية في مختلف المجالات” متضمنة في قوة الرد المتحالفة الجديدة، والتي تتألف من خمسمائة ألف جندي مخطط لها، وتدعم مفهوم التحالف الجديد للردع والدفاع عن منطقة اليورو الأطلسية. والهدف هو تعزيز موقف الردع وقدرات التحالف على إدارة الأزمات دون المساس بالاستعداد العام.
ماذا يعني هذا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي على المستوى العملياتي؟
في الأمد القريب، من المرجح أن تظل مهام إدارة الأزمات النشطة عملياتية، وإن كانت بمستويات محدودة مقارنة بالجهود السابقة مثل قوة المساعدة الأمنية الدولية، التي أجرت تدريبات عسكرية وجهود إعادة البناء في أفغانستان. وينبغي للجهود المستقبلية أن تستعين بالمبادرات القائمة لحلف شمال الأطلسي والتي تركز على جانب منع الأزمات في إدارة الأزمات.
ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك قوة كوسوفو، التي نشطت في البلقان في عام 1999 وشاركت في تطوير منظمات الأمن المحلية لكوسوفو. ومن الأمثلة الأخرى توسيع مهمة حلف شمال الأطلسي في العراق، وهي مهمة استشارية غير قتالية وبناء القدرات تهدف إلى مساعدة العراق على بناء مؤسسات أمنية أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد ومكافحة الإرهاب.
في حين قد ينظر البعض إلى هذه الجهود باعتبارها تعاوناً أمنياً وبناء مؤسسات وليس إدارة أزمات، فإن كلتا المهمتين تهدفان إلى تعزيز الاستقرار في البلدان لنزع فتيل الأزمات قبل أن تتطلب تدخلاً أكبر.
وتمتد عمليات إدارة الأزمات التي ينفذها حلف شمال الأطلسي أيضاً إلى المجال البحري مع القوات البحرية الدائمة للحلف، كما توضح مهمة شرطة البلطيق الجوية في أوروبا والتعاون الجاري مع الاتحاد الأفريقي التركيز الشامل لحلف شمال الأطلسي على الأمن. وفي حين أصبحت هذه المجالات أكثر محدودية فيما يتصل بجهود الدفاع الجماعي، والتي من المرجح أن يستمر في ممارستها.
لا تزال مهام إدارة الأزمات الجديدة خارج أراضي حلف شمال الأطلسي غير مرجحة، حيث قد تحد ندوب أفغانستان وتدهور الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل من المشاركة في هذه المناطق، حتى مع بقاء الإرهاب تهديداً رئيسياً.
هذا يجعل منع الأزمات قبل وقوعها أكثر أهمية. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يتركز التركيز في جنوب حلف شمال الأطلسي في المقام الأول على الحوار وبناء الشراكات والتدريب والتعاون الأمني بشأن القضايا المشتركة مع الحد من المشاركة العسكرية على الأرض، كما تشير الجهود العملياتية والسياسية الأخيرة.
ما الذي ينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يفعله في تعزيز إدارة الأزمات؟
يشكل تفاعل حلف شمال الأطلسي مع المنظمات المتعددة الأطراف الأخرى أهمية بالغة. فالتعاون مع كيانات مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية أمر بالغ الأهمية. إن المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا قادرة على تعزيز القدرة الجماعية على الاستجابة للأزمات المعقدة والناشئة. وينبغي أن يشمل هذا التعاون أدوات سياسية ومدنية وعسكرية.
كما ينبغي للتعاون بين حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة أن يركز على تبادل الدروس المستفادة وأفضل الممارسات والمعايير، بما في ذلك في مجالات رئيسية مثل السلام والأمن وحماية المدنيين. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يفكر في متابعة الشراكات الاستراتيجية حتى مع المنظمات دون الإقليمية مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا.
ومن الممكن أن تكون التدريبات المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وخطط الاستجابة المنسقة مع هذه الشراكات دون الإقليمية مثمرة. ومع الاتحاد الأوروبي، يمكن أن ينصب التركيز على التنسيق العملياتي في جهود إدارة الأزمات وتقاسم الموارد، بينما مع الاتحاد الأفريقي، يمكن أن يؤدي التركيز على قضايا مثل بناء القدرات والتدريب إلى الارتقاء بالطبيعة الموضوعية للشراكة.
وأخيراً، يمكن أن يوفر تعاون حلف شمال الأطلسي مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا منصة للحوار وحل النزاعات في المناطق التي يمكن فيها تجنب التدخل العسكري نظراً للخبرة التكميلية التي تتمتع بها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في الدبلوماسية الوقائية ومنع الصراعات.
ومع انتقال التحالف إلى نموذج قوة الاستجابة المتحالفة الجديد، يتعين عليه أن يواصل تطوير قوات عالية الجاهزية قادرة على الاستجابة لمحاربة الأزمات التقليدية وغير التقليدية. وعلى جانب تطوير القوات، ينبغي أن ينصب التركيز على التدريب والمناورات، وخاصة التدريبات التي تتم دون إخطار مسبق، لضمان وجود معيار جاهزية على مستوى التحالف لمواجهة الطوارئ في حالات الأزمات.
والأمر الأكثر أهمية هو أن الحلفاء ينبغي لهم أن يبذلوا جهوداً هادفة لإعادة تعريف إدارة الأزمات في بيئة جيوسياسية متغيرة. وينبغي أن تتضمن المراجعة السنوية لنظام الاستجابة للأزمات في حلف شمال الأطلسي التركيز على المزيد من أنشطة الوقاية، ودمج الدروس المستفادة في إدارة الأزمات من سياقات مثل أوكرانيا أو جهود مكافحة تنظيم “داعش”، مع توقع سيناريوهات الأزمات المستقبلية. وينبغي أن يقترن هذا بتحديث ضروري للغاية للمنشورات المشتركة للحلفاء بشأن عمليات الاستجابة للأزمات.
إن انعدام الأمن والهشاشة في البلدان المجاورة التي تغذي الهجرة والإرهاب أو الهجمات على البنية الأساسية الحيوية، سواء على أراضي الحلفاء أم لا، كلها لديها القدرة على التأثير على أمن أعضاء التحالف دون العبور إلى سيناريوهات الدفاع الجماعي. إن تعزيز جدول تدريبات حلف شمال الأطلسي للتعامل مع حالات طوارئ أكثر قوة وواقعية وفهم السيناريوهات المحتملة للعمل من شأنه أن يساعد حلف شمال الأطلسي على أن يكون أكثر استعداداً.
إن الالتزام المعزز بإدارة الأزمات في عصر جديد من التنافس بين القوى العظمى من شأنه أن يضع حلف شمال الأطلسي في وضع أفضل لتعزيز الاستقرار من خلال منع الأزمات الناشئة من أن تتحول إلى صراعات عسكرية كاملة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=95477