المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
ملف أمن دولي ـ ما أسباب التحول في موقف ألمانيا وأوروبا من انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين؟
1 ـ أمن دولي ـ ألمانيا وإسرائيل من “المسؤولية التاريخية” إلى مراجعة الدعم المشروط
تشهد العلاقات الإسرائيلية الألمانية تحولات منذ بدء حرب غزة في 2023. لطالما اعتبرت ألمانيا أمن إسرائيل “مصلحة وطنية”، مدفوعة بمسؤوليتها التاريخية عن الهولوكوست، ما انعكس في دعم سياسي وعسكري غير مشروط امتد لعقود. تجد ألمانيا نفسها أمام معضلة أخلاقية وسياسية، بعد تزايد التقارير الحقوقية والدولية بشأن انتهاك إسرائيل القانون الدولي بشكل ممنهج في قطاع غزة، بما في ذلك من خلال بناء مستوطنات جديدة، وهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، وعدم إيصال المساعدات.
أمن إسرائيل “غير قابل للتفاوض بالنسبة لألمانيا
أوضحت “أنغيلا ميركل” المستشارة الألمانية السابقة في مارس 2008 داخل الكنيست أنَّ “كل حكومة ألمانية اتحادية وكل مستشار قبلي كانوا ملتزمين بمسؤولية ألمانيا التاريخية الخاصة عن أمن إسرائيل، ومسؤولية ألمانيا التاريخية هذه هي جزء من أمن بلدي الوطني”. وهذا يعني بحسب تعبيرها أنَّ أمن إسرائيل “غير قابل للتفاوض بتاتا”
ورد في الاتفاق الائتلافي الحكومي السابق بقيادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD ) لعام 2021 ما يلي: “أمن إسرائيل مصلحة وطنية بالنسبة لنا”. سلطت تعليقات المستشار الألماني “فريدريش ميرز” الضوء على دعم ألمانيا لإسرائيل، حيث أكّد “ميرز”: “أن أمن إسرائيل جزء من مصلحة ألمانيا، وأضاف: “نشعر بالفزع إزاء مصير السكان المدنيين ومعاناتهم في غزة”. لا يزال سبب هذا التغيير الحاد في موقف ميرز تجاه إسرائيل غير واضح.
يعتقد “بيتر لينتل” المحلل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية والمتخصص في العلاقات الألمانية الإسرائيلية: “أن ميرز أراد تولي منصبه، وبدء محادثات مع القادة الإسرائيليين، وفهم مسار الأمور قبل تحديد موقفه”. وتابع لينتل: “الاستنتاج الذي توصلت إليه معظم دول العالم هو أنها حرب مروعة لم يعد هدفها واضحا”. وأضاف: “من الواضح أنها تغيير في لهجة الحكومة الألمانية وموقفها”. أمن دولي ـ مفاوضات روسيا وأوكرانيا، الفرص والعقبات
موقف الأحزاب الألمانية من إسرائيل
يقول “رالف شتيجنر” من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) في 26 مايو 2025 “يجب أن تنتهي الكارثة الإنسانية التي يعاني منها المدنيون الفلسطينيون، وانتهاك حكومة نتنياهو للقانون الدولي، فورا، ويجب ألا يستمر هذا الانتهاك بالأسلحة الألمانية”. وتابع: و”قد استثنت الحكومة الألمانية لأسباب وجيهة، إسرائيل من قاعدة عدم توريد الأسلحة إلى مناطق النزاع، فالأسلحة تخدم أمن إسرائيل ودفاعها”. وأضاف: “لا مجال للشك في ذلك في قطاع غزة والضفة الغربية”.
انتقد “أرمين لاشيت” رئيس لجنة الشؤون الخارجية الوضع في قطاع غزة، ووصف “لاشيت” تصرفات إسرائيل، في ظل بطء إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، بأنها “انتهاك للقانون الدولي”. وأضاف: “يجب إيصال المزيد من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة أكثر من ذي قبل، إن عدم القيام بذلك يعد انتهاكا للقانون الدولي”.
وصف وزير الخارجية الألماني “يوهان فادفول” الوضع في غزة بأنه “لا يُطاق”. تابع السياسي من الحزب الديمقراطي المسيحي: “من جهة، ندعم دولة إسرائيل، ونتحمل مسؤوليتها، ومن جهة أخرى، ندعم، بطبيعة الحال، القيم الإنسانية الأساسية، ونلمس معاناة هؤلاء الناس”. وأضاف: “يجب أن يكون هناك إيصال سريع وفعال للمساعدات”. وفي الوقت نفسه، أقر قائلا: “هذا وضع بالغ الصعوبة بالنسبة لنا”.
تقول رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وهي من المحافظين الألمان مثل ميرز، إن مقتل الأطفال في حرب غزة كان “مثيرا للاشمئزاز”، مما يعكس مدى القلق في الدوائر النخبوية الألمانية. أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
كيف ساهمت حرب غزة في تحول الرأي العام في ألمانيا؟
تتعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة بسبب فالوضع الكارثي ي قطاع غزة. ووفقا للأمم المتحدة، فإن جميع سكان القطاع مهددون. وقد حال الحصار الإسرائيلي دون وصول المساعدات، وهي الآن لا تصل إلى المنطقة إلا ببطء. ووفقا للمتحدث باسم الحكومة الألمانية “ستيفان كورنيليوس”: “شدّد ميرز على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية و السماح فورا بدخول مساعدات إنسانية كافية إلى قطاع غزة وضمان توزيعها بشكل آمن على السكان المدنيين”.
استنكرت ألمانيا إعلان الحكومة الإسرائيلية سماحها ببناء (22) مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، وترفض الحكومة الألمانية إنشاء مستوطنات إسرائيلية جديدة هناك، معتبرة ذلك غير قانوني بموجب القانون الدولي. كما ساهمت حرب غزة في حدوث تحول واضح في الرأي العام الألماني. وقد فرض هذا التحول معضلة على “ميرز”، الذي وعد “بنيامين نتنياهو” عند فوزه في الانتخابات الوطنية في فبراير 2025 بأنه سيساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي على تحدي مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية إذا زار ألمانيا.
أظهر مسح أجرته مؤسسة “بيرتلسمان” في مايو 2025 أن (36%) فقط من الألمان ينظر إلى إسرائيل بشكل إيجابي، و(38%) ينظرون إليها بشكل سلبي. ويعكس هذا المسح تغييرا ملحوظا عن الاستطلاع الأخير الذي أُجري عام 2021، إذ كان (46%) من الألمان لديهم رأي إيجابي تجاه إسرائيل، بينما لا يُقر سوى (%25) الألمان بمسؤولية خاصة تجاه إسرائيل.
يقول “ألكسندر شوارتز” المحامي وعضو المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان: “الأدلة دامغة، فقد خلصت العديد من المحاكم الدولية وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن إسرائيل تنتهك القانون الإنساني الدولي بشكل ممنهج في قطاع غزة، بما في ذلك من خلال هجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، والتي تُشكل جرائم حرب”. وأضاف شوارتز: “عادة ما أكون حذرا للغاية في مثل هذه التقييمات، ولكن في هذه الحالة، الوضع يكاد يكون جليا”. أمن أوروبا ـ كيف تستعد أوروبا للحرب العالمية الثالثة؟
ما احتمالية استمرار الدعم الألماني لإسرائيل؟
تظل ألمانيا أكبر شريك تجاري لإسرائيل في أوروبا، فضلا عن وقوفها إلى جانب إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. لاتزال ألمانيا داعم دبلوماسي وعسكري مهم لإسرائيل، فمنذ عام 2020 إلى غاية عام 2023، استحوذت ألمانيا على حوالي ثلث إمدادات الأسلحة الصادرة إلى إسرائيل، ومعظمها فرقاطات بحرية وطوربيدات. وقد أثار وزير الخارجية الألماني جدلا بتصريحاته حول إسرائيل، ووعد بمزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل.
صرّح “زين حسين” الباحث في معهد “ستوكهولم الدولي” لأبحاث السلام: “إسرائيل اعتمدت على ألمانيا في مجال القدرات البحرية وأن إسرائيل لديها طلبية لشراء غواصات من ألمانيا. وشملت إمدادات الأسلحة الألمانية لإسرائيل مركبات مدرعة وشاحنات وأسلحة مضادة للدبابات وذخيرة. ومن غير المرجح أن يتغير هذا الوضع، على الرغم من دعوات إسبانيا لفرض حظر”.
أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “سيفي” في مايو 2025 أن (%51) من الألمان يعارضون تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وأظهر الاستطلاع أن النسبة ترتفع بشكل ملحوظ بين أصحاب التوجهات اليسارية، حيث عبّر نحو (%80) المشاركين من ذوي الميول اليسارية عن معارضتهم الصريحة لإرسال الأسلحة من ألمانيا إلى إسرائيل. وأظهر الاستطلاع كذلك أن (%34) من ناخبي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، الذي ينتمي إليه المستشار “فريدرش ميرز” يعارضون تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. في المقابل يرى (48%) من أنصار الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، الشريك في الائتلاف الحاكم، أن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل قرار خاطئ.
هل ستشارك ألمانيا في فرض عقوبات على إسرائيل؟
تدين ألمانيا ودول أوروبية أخرى روسيا لانتهاكها القانون الدولي بغزوها لأوكرانيا، وفرضت عقوبات غير مسبوقة على موسكو، سعيا للحصول على الدعم لعزلها عن دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل ولكن القوى الغربية لم تتخذ نفس النهج تجاه إسرائيل وسط اتهامات مستمرة من جانب جماعات حقوق الإنسان والإنسانية بانتهاك القانون الدولي في إدارتها للحرب في غزة، مع مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين، والدمار الواسع النطاق للبنية الأساسية، وتزايد خطر المجاعة في ظل الحصار الإسرائيلي.
يقول “تيم أسمان” المحلل والخبير في الشأن الألماني الإسرائيلي: ” هل ستُقيّد الحكومة الألمانية شحنات الأسلحة إلى إسرائيل مستقبلا؟، هل ستشارك ألمانيا في فرض عقوبات، على سبيل المثال، على المستوى الأوروبي، أم أنها لن تمنعها؟”. وتابع “أسمان”: “يبدو أن الحكومة في برلين لا تزال ترغب في تجنب مثل هذه الخطوات. وهي تُكثّف الضغط على القيادة الإسرائيلية من خلال تصريحات عامة أكثر صرامة، على أمل التراجع عن موقفها بشكل قاطع”.
**
2 ـ أمن دولي ـ أوروبا وإسرائيل، بين التضامن التاريخي والمراجعة الحقوقية
تشهد الساحة الأوروبية تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة التحولات السياسية والدبلوماسية تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحولت مواقف القادة الأوروبيين من مجرد الإدانة وتصريحات الشجب إلى تحركات ملموسة تهدد بتغيير ملامح العلاقات مع تل أبيب. وفي ضوء هذا التحول، برزت في الخطاب الأوروبي دعوات صريحة لفرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وتقليص الامتيازات التجارية، بل وتطبيق قرارات المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة. وفي الوقت ذاته، تصاعد النقاش حول الاعتراف بدولة فلسطين كخطوة رمزية وإستراتيجية للضغط على إسرائيل وإعادة إحياء مسار حل الدولتين.
الاتحاد الأوروبي وإسرائيل – شراكة استراتيجية عميقة
شكّلت العلاقة بين دول أوروبا الغربية وإسرائيل في إطار من الشراكة الاستراتيجية الخاصة، تأسّس على خلفية اعتبارات سياسية وتاريخية، تتعلّق بما تعرض له اليهود من اضطهاد في أوروبا، خصوصًا “المحرقة” خلال الحرب العالمية الثانية، والتحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على مستوى الشرق الأوسط، إضافة إلى مصالح متشابكة في مجالات التجارة والدفاع والتكنولوجيا. وعلى امتداد عقود، التزمت الدول الأوروبية بموقفٍ داعم لـ “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، متجنبًة اتخاذ مواقف واضحة إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
إن الأساس القانوني للعلاقات هو اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2000. وتشمل هذه الاتفاقية أحكاماً بشأن الحوار السياسي المنتظم، وحرية التأسيس وتحرير الخدمات، وحرية حركة رأس المال وقواعد المنافسة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي. أنشأ هذا الاتفاق نظاماً شاملاً ومتكاملاً يغطي معظم مجالات التجارة، إلى جانب مجالات أخرى سياسية، اجتماعية، وثقافية. وقد اعتُبرت الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي على مدى عقود الركيزة الأساسية في علاقات إسرائيل مع الاتحاد، سواء من حيث التبادل التجاري أو من حيث الانخراط في المشاريع الأوروبية في مجالات البحث والعلوم والتعليم.
الاتحاد الأوروبي يُعدّ الشريك التجاري الأكبر والأقرب جغرافياً لإسرائيل. ووفقاً لمعطيات رسمية، فقد بلغ حجم الواردات من دول الاتحاد الأوروبي في العام 2023 نحو (44) مليار دولار، وهو ما يشكّل (48%) من مجمل الواردات التي بلغت (91.8) مليار دولار. أما الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي فقد بلغت نحو (23) مليار دولار، ما يشكّل (36%) من مجمل الصادرات للخارج، . بذلك، فإن إجمالي حجم العلاقات التجارية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي يصل إلى قرابة (67) مليار دولار، أي ما يعادل مرتين ونصف حجم العلاقة التجارية بين إسرائيل والولايات المتحدة في العام 2023، وفي عام 2024، بلغت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد نحو (15.9) مليار يورو، مقابل واردات أوروبية بنحو 26.7 مليار يورو، تتصدرها المواد الكيميائية والآلات. أما بالنسبة للعلاقات التجارية مع بريطانيا، فقد بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إليها في 2023 نحو (2.1) مليار دولار، في حين بلغ حجم الواردات نحو (2.9) مليار دولار.
يشكّل اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل الأساس القانوني لمجموعة من الاتفاقيات الإضافية التي تربط الطرفين، من أبرزها اتفاق “الأجواء المفتوحة”، وبرامج تبادل الطلاب ضمن إطار برنامج “إيراسموس”، والتعاون العلمي ضمن برنامج “هورايزن” الذي يُعتبر من أكبر برامج البحث والتطوير العلمي المتاحة أمام الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات الإسرائيلية. ومنذ انضمام إسرائيل إلى برنامج الإطار الأوروبي عام 1996، حصل حوالى (4100) جهة بحثية إسرائيلية على تمويل. ويبلغ إجمالي قيمة المنح التي حصلت عليها هذه الجهات نحو (1.25) مليار يورو. بالإضافة إلى ذلك، تم استثمار (550) مليون يورو أخرى في شركات إسرائيلية وصناديق رأس مال مخاطر، من خلال أدوات تمويلية مختلفة أتاحها البنك الأوروبي للاستثمار في إسرائيل. أمن دولي ـ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في العلاقات الأوروبية والمواثيق الدولية (ملف)
الموقف الأوروبي من إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023
تجلّى الانحياز الأوروبي لإسرائيل أكثر، بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023؛ إذ صدرت عن العواصم الأوروبية الرئيسة مواقف متقاربة إلى حدّ التطابق مع الموقف الأميركي، تمثّلت في إدانة الهجوم والوقوف بقوة وراء العمليات العسكرية الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على قوة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحكمها في غزة، ويمكن تصنيف المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل إلى اتجاهين:
أولاً: الدعم المطلق لإسرائيل
تمثل ألمانيا جوهر هذا الاتجاه، استنادًا إلى “التزامها التاريخي والأخلاقي” تجاه إسرائيل، وهو حجر الزاوية في “مصلحتها الوطنية العليا”. ووفقًا لاحصائيات منشورة في أبريل 2025، بلغت الصادرات العسكرية الألمانية إلى إسرائيل حوالي (33% ) من إجمالي واردات الأسلحة الإسرائيلية. مما يجعل ألمانيا أكبر مورد أوروبي للأسلحة إلى إسرائيل بفارق كبير. وبالمثل، صدرت المملكة المتحدة إلى إسرائيل معدات عسكرية وقطع غيار طائرات وأنظمة رادار بقيمة تقارب (18) مليون جنيه إسترليني في عام 2023. وعلى الرغم من الاحتجاجات الداخلية واسعة النطاق ضد الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة، رفضت الحكومة البريطانية لعدة أشهر الدعوة إلى وقف إطلاق نار كامل، واكتفت بدعم “فترات توقف إنسانية مؤقتة”.
إلى ذلك، حافظت دول مثل النمسا وجمهورية التشيك والمجر على دعمها الثابت لإسرائيل، مدفوعة بخلفياتها المحافظة اليمينية وشراكاتها الاقتصادية والأمنية. تمثل هذه الدول الخط المتشدد داخل الاتحاد الأوروبي ضد أي إجراءات عقابية ضد إسرائيل وامتنعت مرارًا وتكرارًا عن التصويت على قرارات تدين العدوان أو تطالب بهدنة، مؤكدة على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
ثانياً: انتقاد الممارسات الإسرائيلية ضد حقوق الإنسان
على النقيض من المعسكر المؤيد لإسرائيل، برز محور من الدول الأوروبية التقدمية تميزت بمواقفها الأكثر انتقادًا للسياسات الإسرائيلية، واتخاذها خطوات عملية، بما في ذلك تعليق صادرات الأسلحة، والاعتراف بدولة فلسطين، ودعم الإجراءات القانونية أمام محكمة العدل الدولية.
تتصدر إسبانيا المعسكر الأوروبي الرافض لسياسات إسرائيل في غزة، بعد أن علّقت جميع الصادرات العسكرية إلى إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وألغت عقودًا قائمة لاستيراد الذخيرة الإسرائيلية.وفي مايو 2024، اعترفت إسبانيا رسميًا بدولة فلسطين، وانضمت لاحقًا إلى العملية القضائية في لاهاي كما اتبعت أيرلندا والنرويج نهجًا مشابهًا، وعلّقتا التعاون العسكري مع إسرائيل، ودعمتا جميع جهود الأمم المتحدة الداعية إلى وقف إطلاق النار، واعترفتا بدولة فلسطين في إطار مبادرة مشتركة. انضمت سلوفينيا لاحقًا إلى هذه المبادرة.
أما الموقف الفرنسي والإيطالي فقد تطور تدريجيًا من الدعم المطلق للهجوم الإسرائيلي، والذي شمل دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل “تحالف دولي” ضد حماس، إلى موقف انتقادي حاد للسياسات الإسرائيلية، فيما كشفت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني للبرلمان في أكتوبر 2024 أن حكومتها جمّدت فعليًا جميع تراخيص تصدير الأسلحة الجديدة إلى تل أبيب منذ اندلاع الحرب.
وفي ظل الانقسام العميق بين الحكومات الأوروبية بشأن القضية الفلسطينية والإسرائيلية، عجز الاتحاد الأوروبي عن تشكيل جبهة موحدة لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة و لحماية آفاق حل الدولتين. وكثيراً ما لعبت أوروبا دوراً ثانوياً في الدبلوماسية، وتجلّى ذلك خلال العام 2024 خلال محادثات وقف إطلاق النار التي قادتها الولايات المتحدة ودول عربية. أمن دولي ـ واقع علاقات وتعاون دول أوروبا مع إسرائيل
تحولات جوهرية في السياسة الأوروبية تجاه اسرائيل
أدت مجريات الحرب على غزة، التي دخلت شهرها العشرين، ولا سيما بعد خرق إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار واستئناف العدوان في 18 مارس 2025، وانتهاجها سياسة التجويع الجماعي ومنع المساعدات، إلى انكشاف واسع للجرائم في حق المدنيين؛ ما شكل عوامل ضغط على المواقف الرسمية للحكومات الأوروبية، فأخذت تتشكّل تدريجيًا مواقف أوروبية متباينة تجاه إسرائيل، يمكن تصنيفها في اتجاهين رئيسين.
كانت بداية عاصفة المواقف المنددة والمهددة في 19 مايو 2025، حين أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس وزراء كندا مارك كارني، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه أنهم لن يقفوا “مكتوفي الأيدي” إزاء “الأفعال المشينة” التي ترتكبها حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، في قطاع غزة. ولوّح القادة الثلاثة باتخاذ “إجراءات ملموسة”، ضمنها عقوبات فعلية، إذا لم تبادر إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية، وتفسح المجال لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وكافٍ. كذلك، طالب وزراء خارجية 22 دولة، بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، يوم الاثنين الماضي، إسرائيل بـ”السماح بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري” إلى قطاع غزة، تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
أعلنت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في 20 مايو 2025، أن الاتحاد الأوروبي سيبدأ مراجعة المادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تُلزم الاتفاقية باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. وهي خطوة قد تفتح الطريق لتعليق بعض الامتيازات التجارية والعلمية التي تتمتع بها إسرائيل، كما تستعد بروكسل أيضا لمناقشة خيارات جديدة خلال اجتماع وزراء الخارجية يوم 23 يونيو2025.
وعلى المستوى الثنائي، أوقفت المملكة المتحدة “مؤقتا” مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطنين متشددين، .، كما علقت بريطانيا بعض التراخيص العسكرية. فيما صوّت البرلمان الإسباني مساء الثلاثاء لصالح مشروع قانون لمنع بيع الأسلحة إلى إسرائيل.
أما ألمانيا -التي طالما عرفت بدعمها القوي لإسرائيل، فقد صرّح المستشار فريدريش ميرتس بعدم فهمه لما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة، مشيرًا إلى أن حجم الأذى اللاحق بالمدنيين لم يعد قابلًا للتبرير. كما أعلنت برلين تعليق تصدير أي سلاح قد يُستخدم في خرق القانون الإنساني. وصف وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول الوضع في غزة بأنه “لا يطاق”، مضيفاً أنه “حيث نرى مخاطر الضرر، فإننا سوف نتدخل بطبيعة الحال وبالتأكيد لن نزود بالأسلحة حتى لا يكون هناك المزيد من الضرر”، وهو ما يشكل سابقة جديدة في العلاقات مع إسرائيل.
واستدعت السويد، السفير الإسرائيلي في ستوكهولم بسبب نقص دخول المساعدات إلى غزة، وطالب رئيس وزرائها، أولف كريسترسون، بفرض عقوبات أوروبية على تل أبيب. وتدرس النرويج أيضاً فرض تدابير اقتصادية لمواجهة انتهاكات “إسرائيل”، في الوقت الذي تحشد هولندا الدعم اللازم داخل الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاقية الشراكة مع تل أبيب.
دعوات أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية كأداة للضغط على إسرائيل
برز الاعتراف بدولة فلسطين كأداة ضغط سياسي وخطوة رمزية متزايدة في الوقت الحالي، مع تلويح دول عدة باتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه. ولذلك تستعد فرنسا لاستضافة مؤتمر دولي في الأمم المتحدة لتعزيز حل الدولتين، وهذا التحرك يعد تحديا لحكومة نتنياهو التي ترفض هذا الحل..
وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 30 مايو 2025 أن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس “مجرد واجب أخلاقي، بل مطلب سياسي”. كما أكد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو 6 يونيو 2025 “تصميم” باريس على الاعتراف بدولة فلسطينية، لكنه شدد على أنها لن تقوم بذلك بمفردها، قبل مؤتمر بهذا الشأن في الأمم المتحدة.
أكد وزير الخارجية البريطاني خلال كلمته في مجلس العموم في الأول من مايو 2025 أن الاعتراف بدولة فلسطين هو الحل، مضيفاً: “الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكون أهم قرار تتخذه بريطانيا، ومن المهم اختيار التوقيت الصحيح”، مؤكداً أن “توسيع إسرائيل العملية العسكرية في غزة لا يمكن تبريره أخلاقياً ويأتي بنتائج عكسية”، داعياً إلى “وقف ما يحدث هناك”.
ورغم أن الاعتراف الأوروبي لا يكفي لتغيير واقع غزة على الأرض، فإنه يحمل رسالة سياسية قوية ويشكل ضغطا معنويا على إسرائيل، وتبقى الفكرة أن الاعتراف يجب أن يترافق مع خطوات واقعية لوقف الحرب وكبح التوسع الاستيطاني، وليس مجرد إعلان رمزي معزول، حسب ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات. أمن دولي ـ موقف ألمانيا من الشعب الفلسطيني وحق إقامة دولته
**
3 ـ أمن دولي ـ ما تأثير الرأي العام الأوروبي على المواقف السياسية بشـأن فلسطين؟
تحولت مواقف أغلب حكومات الدول الأوروبية مؤخراً تجاه إسرائيل بشكل لافت، ما طرح فكرة مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، ودعت بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي إسرائيل إلى وقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، هذا التغيير غير المسبوق من جانب أوروبا، جاء نتيجة لتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية، والضغط في الداخل الأوروبي على الحكومات، لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه إسرائيل، الأمر الذي يشير إلى درجة تأثير الرأي العام الداخلي الأوروبي، في صياغة سياسات الدول الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية الفترة المقبلة.
ما دور الرأي العام والمجتمع المدني بأوروبا في تغيير السياسات تجاه فلسطين؟
منذ بداية هجمات 7 أكتوبر 2023، ظهر تباين في المواقف الرسمية والشعبية بأوروبا تجاه حرب غزة، ودعمت حكومات أوروبا في البداية إسرائيل بمبرر حق الدفاع عن النفس، ودعم الرأي العام الأوروبي حق سكان غزة في الحياة.
انطلقت مظاهرات في 5 نوفمبر 2023، في المدن الكبرى للمطالبة بوقف إطلاق النار بغزة، ونظم متظاهرون في لندن وباريس وبرلين، احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين ومطالبة بوقف حرب غزة، مرددين هتافات داعمة لفلسطين ورافضة لممارسات إسرائيل. استمرت هذه المظاهرات في شوارع المدن الأوروبية خلال العام الأول من الحرب، خاصة في ظل استمرار الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل من الحكومات.
في 6 و7 أكتوبر 2024، انطلقت مسيرات ومظاهرات ضخمة مؤيدة لفلسطين في المدن الأوروبية الكبرى، بالتزامن مع مرور عام على حرب غزة. ورغم الحظر الذي فرضته السلطات الإيطالية على التظاهر، خرج آلاف الأشخاص في روما دعماً لغزة. وبالمثل خرج الآلاف لشوارع لندن ومدريد وهامبورغ وبلغراد تضامناً مع الفلسطينيين ورفضاً لمواقف حكوماتهم تجاه الحرب.
أوضحت منظمات أوروبية غير حكومية، أنه حدث تقدم ضئيل في وقف قمع المحتوى المؤيد لفلسطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة وأنه تم تسجيل أكثر من (1350) حالة رقابة على منصات “ميتا” و”يوتيوب” و”إكس” و”تيك توك” خلال العام الأول للحرب، بتقييد وإزالة المنشورات المؤيدة لغزة.
بمجرد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في 19 يناير 2025، تجاوب الأوروبيون مع القرار بتنظيم مظاهرات في العواصم، مطالبين أن تتحول الخطوة إلى سلام دائم بالشرق الأوسط، حيث تجمع أنصار الرهائن الإسرائيليين في باريس وتظاهر نشطاء بمدريد، وانطلقت مظاهرات في لشبونة ولندن.
حرص الفلسطينيون والنشطاء الأوروبيون، في 15 مايو 2025، على إحياء ذكرى النكبة، التي تسببت في بداية النزوح القسري للفلسطينيين، وخرجت مظاهرات في ستوكهولم ولندن وبرلين وأمستردام وأثينا، للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة، وتضمنت لأول مرة الاحتجاجات عبارات هجومية ضد إسرائيل.
اتخذت منظمات المجتمع المدني، مبادرات قانونية لمقاضاة الجنود الإسرائيليين بتهم جرائم حرب، حتى نشرت المنظمات والائتلافات العاملة في ملف التغير المناخي بأوروبا، في يونيو 2024، بياناً تضامنياً مع غزة، عقب انطلاق احتجاجات واسعة في جامعات بريطانيا والدنمارك وفرنسا والنرويج وبلجيكا وإسبانيا وألمانيا، للتنديد بسياسات الحكومات الأوروبية تجاه غزة.
طالبت أكثر من (60) منظمة غير حكومية ونقابات عمالية ومجتمع مدني، في 25 يوليو 2024، الاتحاد الأوروبي بحظر العمل والتجارة مع المستوطنات الإسرائيلية بفلسطين.أمن أوروبا ـ ما هو دور الاتحاد الأوروبي في تشكيل مستقبل غزة؟
كيف تحول الرأي العام الأوروبي بشأن فلسطين؟
كشف استطلاع “يوروتراك” أن ربع المشاركين بالاستطلاع في فرنسا وألمانيا يعتبرون أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة غير مبررة، مقارنة بـ (18%) ببريطانيا و(9%) بإيطاليا.
أوضح استطلاع رأي لمؤسسة “يوجوف” في 16 أبريل 2024، في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد، أنه ما لا يقل عن نصف الأشخاص في سن التصويت يريدون حظر تجارة الأسلحة مع إسرائيل، وبلغت في إيطاليا (65%) و(62%) في بلجيكا و(50%) بالسويد و(51%) بفرنسا و(49%) بألمانيا. ويرى (49%) بإيطاليا و(46%) بالسويد و(43%) في بلجيكا (34%) بفرنسا و(33%) بألمانيا، أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
أظهر الاستطلاع، أن الشباب (14-18) عاماً أكثر وعياً بتقويض حقوق الفلسطينيين من قبل إسرائيل، ودعموا حظر تجارة الأسلحة مع إسرائيل، ما يؤكد على أن عامل السن مؤثر في مسألة التعاطف مع فلسطين. ويتوافق (62%) بإيطاليا و (61%) في بليجكا و(51) في فرنسا وألمانيا و(49%) بالسويد على ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
أشار استطلاع رأي آخر لمؤسسة “يوجوف” في 3 يونيو 2025، إلى أن الدعم الشعبي لإسرائيل في أوروبا الغربية في أدنى مستوياته.
أوضح أن معدل التأييد لإسرائيل في ألمانيا بلغ (-44)، وفي فرنسا (-48)، والدنمارك (-54)، وهي نسبة تعد الأدنى منذ 2016، بينما بلغت في إيطاليا (-52) وإسبانيا (-55) وهي النسبة الأدنى منذ 2021، ووصل في بريطانيا إلى (-46).
كان لدى ما بين (13-21%) من المشاركين في الاستطلاع وجهة نظر إيجابية تجاه إسرائيل، مقارنة بنحو (63%- 70%) آرائهم غير إيجابية.
رأى (29%) بإيطاليا و(40%) بألمانيا و(38%) ببريطانيا أن إسرائيل كانت محقة في إرسال قواتها لغزة، ولكنها بالغت ما تسبب في سقوط ضحايا مدنيين. بينما رأي (12%) بألمانيا و(24%) بإيطاليا و(15%) ببريطانيا، أنه ما كان ينبغي لإسرائيل دخول القطاع.
ما دور البرلمانات المحلية بأوروبا في تبني سياسات داعمة لفلسطين؟
فرض الاتحاد الأوروبي في 21 أبريل 2024، عقوبات على (4) مستوطنين إسرائيليين وجماعتين إسرائيليتين، نظراً لأعمال العنف ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، وفي 15 يوليو 2024، فرض التكتل عقوبات على (5) أفراد و(3) كيانات إسرائيلية، ليرتفع أعداد المشمولين بالعقوبات إلى (14).
تؤيد الأحزاب اليسارية داخل البرلمان الفرنسي الاعتراف بدولة فلسطين، لذا قرر (27) نائباً في 21 أبريل 2025 زيارة الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، الأمر الذي قوبل برفض إسرائيلي وإلغاء تأشيرات دخولهم.
عقد البرلمان البريطاني في 20 مايو 2025، جلسة تاريخية حول الأوضاع بفلسطين، وألقى نواب كلمات منددة بحصار غزة واستمرار الحرب، في أعقاب انتقادات وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، لتوسع العملية العسكرية في غزة، وتعليقه لمفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل.
ظهرت أصوات بالبرلمان الألماني مؤيدة لفلسطين، وفي 4 يونيو 2025 قاطعت ناشطة مؤيدة لفلسطين، كلمة لوزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول حول استمرار الدعم لإسرائيل.
أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في 22 مايو 2025، أن الاتحاد يعد عقوبات ضد مستوطنين إسرائيليين متورطين بأعمال عنف، إضافة إلى أن أغلب الأعضاء أيدوا إعادة النظر في اتفاقية الشراكة مع إسرائيل. أمن أوروبا ـ ما هو الدور الذي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعبه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ؟
ما دور الإعلام الأوروبي في تناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
تناول الإعلام الغربي حرب غزة من جانب الرواية الإسرائيلية فقط في بداية الحرب، وتأثرت التغطية في وسائل الإعلام التقليدية بعوامل سياسية و تنظيمية ومؤسسية، وأصبح التناول منحازاً لرؤية إسرائيل، بالاعتماد على التقارير الرسمية الإسرائيلية دون إتاحة الفرصة للتحقق من المعلومات، وتجاهل الصور والفيديوهات المنقولة عن الجانب الفلسطيني بشأن المعاناة الإنسانية.
بررت كبرى الصحف هذه الثغرات في التغطية، لمحدودية وصول الصحفيين الدوليين لتغطية الحرب، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة، والمخاوف من تعرضهم للخطر، خاصة وأن إسرائيل حرصت على تصوير نفسها كضحية، واختزال الصراع بينها وبين حماس دون إضفاء الطابع التاريخي على الأزمة.
بقدر ما كانت وسائل التواصل الاجتماعي منحازة للمحتوى المؤيد لإسرائيل، فإن الأصوات المؤيدة لفلسطين بذلت مجهوداً لإيصال الحقائق عن الحرب عبر “فيسبوك وانستغرام وإكس”، بنشر صور وفيديوهات مصحوبة بوسوم، لزيادة الوعي عبر الحدود الجغرافية.
نشر الصحفيون بغزة حقائق الممارسات الإسرائيلية، ما شكل الرأي العام الأوروبي عقب التأكد من المعلومات والتحقق من الصور والفيديوهات، ودشنوا حملات إلكترونية لتنبيه الحكومات والمؤسسات الأوروبية للرواية الفلسطينية، الأمر الذي انعكس على تناول الصحف الغربية تدريجياً، بالحديث عن حرب الإبادة والتهجير القسري لسكان غزة.
تعد ألمانيا نموذجاً لهذا التحول، وأشار استطلاع رأي “باروميتر السياسة”، الذي تنظمه القناة الألمانية الثانية ZDF في 30 مايو 2025، إلى أن (80%) من الألمان لا يرون مبرراً للعمليات الإسرائيلية، وأشار أحد أبرز الإعلاميين ماركوس لانز بنفس القناة، إلى أن أغلب السياسيين الذين يستضيفهم ينتقدون سياسات إسرائيل. ونشرت صحيفة “تاجس شبيجل”، استطلاع رأي يفيد بأن (51%) من الألمان يرفضون تصدير الأسلحة لإسرائيل.
كيف كانت حملات المقاطعة في أوروبا مؤثرة في المواقف بشأن فلسطين؟
عادت حملات المقاطعة “BDS” في أوروبا لنشاطها مع حرب غزة، وتراوحت بين مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات العاملة معها، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بهدف الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها بحق الفلسطينيين. وساهمت هذه الحملات في زيادة وعي الأوروبيين بحقيقة الوضع بغزة، وسحبت بعض الشركات العالمية عملها بالسوق الإسرائيلي.
امتدت حملات المقاطعة إلى الجامعات، وقدمت في 10 يوليو 2024 “لجنة الأخلاقيات في جامعة جينت في بلجيكا” بتوصية بإنهاء كل أشكال التعاون البحثي مع المؤسسات الإسرائيلية. وزادت المبادرات السياسية والقانونية ضد الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع التحركات في المحكمتين العدل والجنائية الدولية، وأصبحت المشاركة الإسرائيلية ببرامج البحث العلمي بأوروبا، ومشاركة الإسرائيليين بالمؤسسات الثقافية والمعارض الدفاعية غير مرحب بها.
ما فرص تحول الحراك الشعبي بأوروبا لقرارات رسمية تجاه فلسطين؟
أظهرت المواقف الأوروبية الأخيرة إلى احتمالية اتخاذ قرارات حاسمة ضد إسرائيل، بعد أكثر من عام ونصف العام من الضغط الشعبي على الحكومات، وطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إحياء مشروع حل الدولتين والاعتراف بفلسطين، ما يعني تغير الخطاب تماماً تجاه إسرائيل. وتحدث رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حول خطورة ممارسات إسرائيل ورفض بلاده للحصار المشدد على غزة، وطالب سياسيون في بريطانيا وإسبانيا وفرنسا بحظر الأسلحة عن إسرائيل، وقالت السويد إنها ستفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين لتوسع الاستيطان بالضفة الغربية.
أصدرت فرنسا وبريطانيا وكندا في مايو 2025، بياناً هددت إسرائيل بفرض عقوبات، إذا لم توقف توسعها في الضفة الغربية، ولوحت باتخاذ إجراءات إن لم تضع حداً لعملياتها العسكرية بغزة.
غيرت ألمانيا من لهجتها تجاه إسرائيل، وكرر المستشار الألماني فريدريش ميرتس انتقادات للوضع الإنساني في غزة، محملاً إسرائيل المسؤولية لتوسع عملياتها.محاربة التطرف في أوروبا ـ تدابير وسياسات في أعقاب حرب غزة
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– تبنت ألمانيا موقفا داعما لإسرائيل انطلاقا من مسؤوليتها عن “الهولوكوست”، تتجسد في أن “أمن إسرائيل مصلحة وطنية لألمانيا” وأن “أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض”.
– أثرت مجريات حرب غزة على الرأي العام في ألمانيا حيث يرفض غالبية الشعب الألماني ممارسات إسرائيل في قطاع غزة، بما في ذلك نقص إمدادات المساعدات، حتى بعض الأحزاب الألمانية تدعو إلى وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
– يمكن القول أن هناك معايير مزدوجة في التعامل مع القانون الدولي، يتمثل ذلك في رد الفعل الأوروبي الصارم تجاه روسيا مقارنة بالتراخي مع إسرائيل في سياق القانون الدولي. ما قد يضعف مستقبلا من مصداقية برلين داخليا وخارجيا.
– يُلاحظ تصعيد في اللهجة الخطابية الألمانية تجاه تل أبيب دون تغيير فعلي في سياسات الدعم الألماني، وهي استراتيجية “احتواء سياسي”. وقد تُضطر برلين على المدى القريب لاتخاذ خطوة رمزية تحت ضغوطات الرأي العام.
– تمر العلاقة الألمانية الإسرائيلية بمرحلة إعادة ضبط تدريجي، فمن المستبعد حدوث قطيعة بين البلدين، لكن من المرجح أن يتحول الدعم الغير مشروط إلى دعم مشروط باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
**
ـ شكّلت العلاقة التقليدية بين دول أوروبا وإسرائيل في إطار من الشراكة الاستراتيجية الخاصة، والتحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على مستوى الشرق الأوسط، إضافة إلى مصالح متشابكة في مجالات التجارة والدفاع والتكنولوجي.
ـ شهد مايو 2025 منعطفًا حاسمًا في الخطاب الأوروبي؛ إذ بدأت الدول الأوروبية الكبرى تتحدث بلهجة أكثر صرامة مع إسرائيل ، مطالبةً بوقف الحصار على قطاع غزة فورًا، وتسهيل دخول المساعدات، ومهددةً باتخاذ إجراءات عقابية. وسجلت الساحة الأوروبية أيضًا تحركات لافتة مثل استدعاء السفراء، ومراجعة اتفاقيات التجارة والتعاون، وحتى مناقشة سحب الامتيازات الجمركية والتأشيرات التي تحظى بها إسرائيل في السوق الأوروبية.
ـ تُعدّ خطوات الدول الأوروبية الأخيرة، التي تُعتبر تقليدياً صديقة لتل أبيب، بمثابة المرة الأولى التي يبادر فيها الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف هجومي ضد إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، مستغلًا كونه الشريك التجاري الأكبر لها للضغط والمطالبة بتغيير السياسات الإسرائيلية. ق
ـ ان أوروبا رغم كونها ليست صاحبة التأثير الحاسم المنفرد على القرار الإسرائيلي، فإن مواقفها الأخيرة تفتح الباب أمام تحولات جوهرية في العلاقات مع إسرائيل، وتمنح المجتمع الدولي خيارات ضغط إضافية قد تسهم في وقف الحرب أو الحد من تداعياتها الإنسانية والسياسية، شريطة أن تقترن الأقوال بالأفعال والإجراءات الملموسة على الأرض.
ـ يمكن القول إن ما يحدث اليوم داخل القارة الأوروبية هو تآكل تدريجي في الإجماع الغربي التقليدي الذي منح إسرائيل حصانة سياسية ودبلوماسية لعقود. إذ بدأت بعض الحكومات الأوروبية بالانفصال عن الخط الأميركي ولو جزئيًّا، تحت ضغط الواقع الأخلاقي والإنساني، لكن هذا الانفصال لم يتحول بعد إلى سياسة أوروبية موحدة أو أدوات ضغط حقيقية.
ـ إذا استمرت الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في غزة، واستمر غياب الحل السياسي، من المرجح أن تجد الدول الأوروبية ستجد نفسها أمام اختبار جديد: إما تحويل المواقف الرمزية إلى إجراءات عملية، أو الانكفاء مجددًا خلف لغة البيانات والتحذيرات، وهو ما سيحدد إن كان هذا التحول مرحلة عابرة أم بداية لمسار جديد يعيد الاعتبار للقيم التي تتغنى بها أوروبا منذ عقود.
ـ بالرغم من بدء المراجعة الأوروبية لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل ، لا يزال التأخير والغموض يُحددان استجابة المؤسسات الأوروبية. لا يوجد جدول زمني مُعلن، ولا معايير واضحة للتقييم، ولا يُشير إلى موعد ظهور عواقب ملموسة.
**
– بلا شك أن المساندة الأوروبية لإسرائيل لم تعد كما كانت في بداية حرب غزة، وهذا الأمر يتعلق بتدهور الوضع الإنساني بغزة وتصعيد إسرائيل المتزايد وخرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، وعرقلتها لمسألة المفاوضات من جديد لإنهاء الحرب، ما يزيد من الضغوط على حكومات أوروبا لتبني موقفاً أكثر اتزاناً ودعماً للقضية الفلسطينية، والابتعاد عن دائرة حلفاء إسرائيل في الوقت الراهن، خشية من أن يتم تحميل أوروبا المسؤولية القانونية والإنسانية والسياسية، بشأن تفاقم الوضع الإنساني بالأراضي الفلسطينية.
– يمثل الرأي العام الأوروبي عنصراً رئيسياً في تحول مواقف الدول تجاه إسرائيل، ولأول مرة تكتسب القضية الفلسطينية زخماً واسعاً على المستوى الدولي، وباتت من اهتمامات الشارع الأوروبي خاصة الشباب وطلاب الجامعات والعاملين بمجال حقوق الإنسان، نظراً لأن هذه الفئات اعتادت على معارضة الحكومات، والبحث عن الحقائق في الموضوعات الشائكة، ما جعلهم يتبنون آراء مختلفة تماماً عن الحكومات، ومغايرة للصورة النمطية التي بثتها وسائل الإعلام التقليدية.
– تعد حرب غزة دليلاً واضحاً على قوة الضغط الشعبي الأوروبي، في تغيير مواقف الحكومات، وكانت فرنسا أول مثال على هذا التغيير، حيث انتقلت من دعم إسرائيل إلى المطالبة بوقف الحرب وصولاً إلى رفض التهجير القسري والدعوة للاعتراف بفلسطين، خاصة وأن المظاهرات في شوارع فرنسا انطلقت منذ أكتوبر 2023، للتنديد بالتصعيد الإسرائيلي على غزة.
– كشفت استطلاعات الرأي حجم التحول الذي حدث في الموقف الشعبي لأوروبا، والذي انعكس على الموقف الرسمي تدريجياً، نتائج آراء الألمان تشير إلى انحسار التعاطف مع إسرائيل بصورة غير معهودة، وتحول التأييد إلى الفلسطينيين، وربما يصبح هذا النموذج ظاهرة مثيرة للتساؤلات، خاصة وأن الدعم الألماني لإسرائيل يرتبط باعتبارات تاريخية، ومحاولة للتبرأ من مسألة معاداة السامية طوال الوقت، ما يؤكد على أن ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين تجاوزت كل الاعتبارات، وتضع السلم والأمن العالمي على المحك.
– لا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا، ورغم أنها دعمت إقامة دولة إسرائيل منذ عقود، لكن اليوم تنظر إلى سياسات حليفتها بأنها غير مبررة بحق الفلسطينيين، وتتعلق المسألة بأن حكومة حزب العمال تسعى للنأي بنفسها عن أخطاء حكومات حزب المحافظين السابقة، وألا تتورط في جرائم حرب في غزة، خاصة وأنها قدمت السلاح والدعم السياسي لإسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إضافة إلى أن التفاهم البريطاني الأمريكي لم يتوقف رغم المناوشات الأخيرة بينهما، لذا فقد لجأت واشنطن إلى حليفتها لندن لممارسة الضغوط سوياً ضد تل أبيب.
– رغم أن القرارات المرتبطة بالاعتراف بدولة فلسطين أو مقاضاة مسؤولين إسرائيليين دولياً، تحتاج إجراءات وتوافق أوروبي موحد قد يتطلب سنوات، فإن الرأي العام سيظل مؤثراً في أي سياسات تتبناها أوروبا المرحلة المقبلة، ولذا ستزيد حملات المقاطعة من نشاطها ضد إسرائيل بأوروبا، وسيعزز النشطاء من حملاتهم الإلكترونية لإيضاح الصورة أمام العالم بشأن الوضع في غزة والضفة والقدس.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=105336
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
هوامش
Germany vows continued support of Israel as FM visits Berlin
https://tinyurl.com/2s3vszvw
Germany’s foreign minister condemns Israel’s approval of new West Bank settlements
https://tinyurl.com/yc237kmj
Gaza war testing Germany’s long unconditional commitment to Israel
https://tinyurl.com/s6hrff5v
**
The European Union and Israel
Quiet no more: Europe’s growing role on the Israeli-Palestinian conflict
Review of the EU-Israel Association Agreement
Toward a Stronger European Stand on Israel-Palestine
**
Does the public support the government of Israel in Western European countries?
Public support for Israel in western Europe at lowest ever recorded by YouGov
Protesters march in major cities to demand Gaza ceasefire
Pro-Palestine rallies take place in major European capitals ahead of Gaza ceasefire