خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI.
أظهر اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل في الخامس من يونيو 2025 “دعما واسعا” للموافقة على زيادة تاريخية في الإنفاق الدفاعي. وصرح الأمين العام للحلف مارك روته قائلا: “أن هذا كان ردهم على التهديد المتزايد من روسيا وعالم أكثر خطورة بشكل عام”. وأضاف روته: “سأقترح خطة استثمار شاملة تبلغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي للاستثمار الدفاعي”، وذلك بعد أشهر من الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحلفاء لمضاعفة الهدف 2%.
تشجع المبادئ التوجيهية الحالية لحلف شمال الأطلسي الدول على إنفاق 2% من ناتجها الاقتصادي على جيوشها. لكن لا يحقق جميع أعضاء الحلف هذا الهدف، مما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق هدف إنفاق أعلى.
تقسيم الفاتورة
ردا على ذلك، حدد رئيس حلف الناتو، مارك روته تقسيما لهدف الإنفاق الجديد، مما قد يسمح لترامب بفرض رقم رئيسي، مع منح الدول الـ 31 الأخرى مساحة للمناورة في ميزانياتها الوطنية. وبالتالي، يمكن تخصيص 3.5% من إجمالي الناتج المحلي من نسبة الـ 5% “للإنفاق الدفاعي الأساسي”، بينما يمكن تحويل الـ 1.5% المتبقية إلى “استثمارات متعلقة بالدفاع والأمن، مثل البنية التحتية والصناعة”.
لطالما انتقد ترامب حلفاء الناتو لاعتمادهم على القوة العسكرية الأمريكية الضخمة كاستراتيجية للدفاع عن القارة الأوروبية. في عام 2023، جاء أكثر من ثلثي الإنفاق العسكري لدول الناتو الـ 32 مجتمعة، والبالغ 1.3 تريليون دولار (1.14 تريليون يورو)، من واشنطن، وفقا لبيانات جمعها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).
وجّه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث رسالة واضحة إلى بقية دول الحلف. وأكد: “على كل دولة أن تُساهم بنسبة 5%، اعترافا بطبيعة التهديد”. من المقرر أن يجتمع قادة أقوى تحالف دفاعي في العالم خلال يونيو 2025 في مدينة لاهاي الهولندية. وستتصدر جدول أعمالهم مناقشات حول الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما نتج عنها من إعادة تسليح روسية واسعة النطاق. ويبدو من المرجح أن يلتزم أعضاء الناتو رسميا بهدف الـ 5% خلال هذه المحادثات.
الاستسلام للضغوط
تحت ضغط الولايات المتحدة، ومع قلق الأوروبيين من حرب أوكرانيا عام 2022، ازداد الإنفاق العسكري لحلف الناتو بشكل كبير في السنوات الأخيرة. معظم دول الحلف الآن تُلبي عتبة الـ 2%، التي تم الاتفاق عليها قبل أحد عشر عاما. لكن حوالي ثلث دول الحلف لا تزال غير مُلتزمة، بما في ذلك البرتغال وإيطاليا وكندا وبلجيكا وإسبانيا.
أبدت معظم دول حلف الناتو استعدادها لزيادة الإنفاق، إلا أن هدف الـ 5% اعتُبر بعيد المنال عندما طرح ترامب الفكرة خلال العام 2025. ونشرت 14 دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك جمهورية التشيك والمجر وبولندا والدول الخمس الاسكندنافية، بيانا مشتركا قالت فيه: إنها “تتحرك نحو الوصول إلى 5% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع والاستثمارات المرتبطة بالدفاع”.
وأشار وزير الخارجية الألماني إلى أن ألمانيا قد تشارك في تحقيق هذا الهدف. وقد التزمت عدة دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، منها بولندا وإستونيا وليتوانيا، بإنفاق 5% أو أكثر مستقبلا. وجميعها دول سوفيتية سابقة، واثنتان منها تشتركان في حدود مع روسيا.
أرهق الرئيس الأمريكي باستراتيجيته “أمريكا أولا”، حلف شمال الأطلسي بتهديداته بعدم المساهمة في الدفاع عن الدول الأعضاء التي لم تحقق أهداف الإنفاق في حال تعرضها لهجوم. كما أدت خططه المتعلقة بإقليم غرينلاند الدنماركي إلى نفور الحلفاء، وكذلك محاولاته لإجراء محادثات ثنائية لإنهاء حرب أوكرانيا، والتي همشت الشركاء الأوروبيين وتركت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مهمّشا إلى حد كبير.
لا تزال هناك أسئلة
لا تزال هناك العديد من الأسئلة المفتوحة التي تحتاج إلى إجابة، وأحدها هو الجدول الزمني. حيث تحدث وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور، عن الالتزام بتحقيق نسبة 5% خلال خمس سنوات. وقال: “ليس لدينا وقت لعشر سنوات، بل حتى لسبع سنوات، بصراحة”. لكن التركيز الرسمي في الاجتماع انصبّ على تحديد القدرات التي سيحتاجها الناتو، والتي قد يفتقر إليها، للدفاع عن نفسه في حال تعرض أي عضو في الحلف لهجوم. بعد المحادثات، تحدث روته عن الحاجة إلى تحديث أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى، من بين أمور أخرى.
أوضح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس: “إن ألمانيا قد تحتاج إلى ما يصل إلى 50 إلى 60 ألف جندي إضافي في قواتها الدائمة لتلبية احتياجاتها الدفاعية في السنوات المقبلة”.
زيادة الإنفاق في ظل التباطؤ الاقتصادي
في حين يبدو أن هناك توافقا في الآراء يتشكل، فمن الواضح أن زيادة الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي من شأنها أن تشكل ضغطا هائلا على المالية العامة، وخاصة في الوقت الذي تواجه فيه أكبر اقتصادين في أوروبا، ألمانيا وفرنسا، أوقاتا عصيبة.
تُروّج باريس وبرلين لزيادة الإنفاق الدفاعي كفرصةٍ لتعزيز النمو الاقتصادي في أوروبا، إلا أن هناك خطرا من رد فعلٍ المواطنين. في أبريل 2024، قادت حركة النجوم الخمس المعارضة في روما احتجاجا ضدّ مساعي الاتحاد الأوروبي لإعادة تسليح التكتل، وهي خطوة دعمتها حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني.
وبحسب كولين هندريكس، الخبير في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث أميركي: “إن هدف الإنفاق البالغ 5% من شأنه أن يضع دول حلف شمال الأطلسي على أهبة الحرب”. وحذر هندريكس من مخاطر أن يؤدي زيادة الإنفاق العسكري إلى جعل أوروبا أقل أمانا. وأضاف: “من المرجح أن تُحفّز زيادة الإنفاق العسكري إلى هذا الحد سباق تسلح مع منافسين قريبين منا”.
أكد روته: “إنه لا يوجد خيار سوى إنفاق المزيد من الأموال على الدفاع، مشيرا إلى التعليقات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الدفاع الألماني كارستن بروير، الذي افترض أن روسيا ستكون مستعدة لشن هجوم على دول حلف شمال الأطلسي بحلول عام 2029”. وتابع روته: “نعيش في عالم أكثر خطورة . نحن آمنون اليوم، ولكن إن لم نفعل ذلك، فلن نكون آمنين في المستقبل المنظور”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=105003