المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
أمن دولي ـ كيف تتعامل أوروبا مع إيران بعد تغيير نظام الأسد في سوريا؟ (ملف)
1 ـ أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
انخرطت إيران في دعم النظام السوري السابق قبل انهياره في ديسمبر 2024 بعد تغيّر النظام، وستُعيد الدول الأوروبية تقييم دور إيران في سوريا. وقد تزيد الدول الأوروبية من الضغوطات على إيران إذا استمرت في دعم الجماعات المسلحة أو محاولة الحفاظ على نفوذها في سوريا. وقد يفتح الاتحاد الأوروبي الباب لتحسين العلاقات مع إيران إذا قررت تقليل انخراطها العسكري والسياسي في منطقة الشرق الأوسط.
ما هي رؤية الاتحاد الأوروبي حول إيران بعد سقوط النظام السوري؟
تتضمن رؤية الاتحاد الأوروبي حول سوريا تعزيز الاستقرار المحلي والأقليمي، وذلك عبر تقويض التدخلات الإيرانية السابقة، وذلك من خلال التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية. ورحب الأوروبيون في الثامن من ديسمبر 2024 بسقوط النظام السوري وسيطرة الجماعات المسلحة على الحكم، مشيرين إلى ضعف الداعمين الدوليين له روسيا وإيران. كذلك تسعى دول الاتحاد الأوروبي منذ سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر 2024 إلى الحصول على ضمانات جدية من القادة الجدد في سوريا بأنهم سوف ينأون بأنفسهم عن روسيا وإيران ويعملون من أجل مستقبل سلمي لسوريا.
أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “كايا كالاس” في كلمة وجهتها إلى زعماء سوريا الجدد: “روسيا وإيران ليستا صديقتين لكم”. ويريد الاتحاد الأوروبي مستقبلاً سياسياً مستقراً وسلمياً وشاملاً لسوريا، خالياً من نفوذ الجماعات المتطرفة والقوى الأجنبية مثل روسيا وإيران.
أوضح وزير الخارجية الإسباني “خوسيه مانويل ألباريس” في يناير 2025 أن “القادة الجدد في سوريا يجب أن يفهموا أن الاتحاد الأوروبي لديه خطوط حمراء يجب احترامها قبل رفع العقوبات عن البلاد”وأضاف وزير الخارجية الإسباني: “يتعين علينا التأكد من عدم وجود أي تدخل أجنبي ـ روسيا وإيران “.
يقتصر المجال المتاح لأوروبا لمساعدة ودعم سوريا على المساعدات الإنسانية ودعم الانتقال السلمي والسياسي الذي من شأنه أن يسمح لملايين اللاجئين في الدول الأوروبية بالعودة إلى ديارهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن أوروبا لديها الفرصة لبذل المزيد من الجهد. أمن دولي ـ الإطار النظري للنظام الدولي الجديد وسياق التطرف والإرهاب
ماذا يعني سقوط النظام السوري لإيران وأوروبا؟
استخدمت إيران سوريا كمعبر لإيصال معدات لوجستية وأسلحة لحزب الله في لبنان، ما جعلها تحافظ على “محور المقاومة” وتمتلك إمكانيات ردع أمنية خارج حدودها الجغرافية. يؤدي إسقاط النظام السوري السابق إلى إضعاف محور المقاومة الإيراني بعد تقويض حزب الله في لبنان، حيث لم يتبق لإيران سوى الحوثيين وبعض الجماعات الموالية لها في العراق.
يعني ذلك فقدان إيران القدرة على الوصول البري إلى لبنان، الأمر الذي يجعل حليفها حزب الله أكثر عرضة للهجمات الإسرائيلية. ولكن هذا لا يعني نهاية حزب الله ولا يجعل وقف إطلاق النار في لبنان أكثر أمناً. بل على العكس من ذلك، فمن المرجح أن يشجع إسرائيل أكثر من خلال مساعدة الدول الغربية والأوروبية استخباراتياً وعسكرياً وسياسياً، ما قد يجبر إيران على تغيير استراتيجيتها في المنطقة.
يقول “جوناثان بيرو” مؤرخ ومتخصص في الشؤون الإيرانية بمعهد “إيتوبيا” ببروكسل في التاسع من ديسمبر 2024: “المنصة التي كانت تمثلها سوريا والتي كانت تسمح لإيران أن تصل إلى البحر الأبيض المتوسط، انهارت ولم تعد موجودة، وقد تعجل بصناعة السلاح النووي لكي تحمي أراضيها وتضمن بقاء واستمرارية نظامها”.
إلى أي مدى ستستغل أوروبا سقوط النظام السوري كورقة ضغط على إيران بشأن الاتفاق النووي؟
أصبح الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التفاوض عليه بين إيران وروسيا والصين والقوى الغربية والأوروبية، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أو JCPOA، في خطر بعد سقوط النظام السوري. حيث كثفت طهران بالفعل برنامجها لتخصيب اليورانيوم بشكل كبير.
أوضح “رافائيل جروسي” مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ربما ضاعفت أربع مرات مخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة (60%) ــ ويتطلب اليورانيوم المستخدم في صنع القنابل تخصيباً بنسبة (90%) ــ وأنها بنت أجهزة طرد مركزي من الجيل الجديد.
ترى فرنسا في السادس من يناير 2025 أن الغرب يجب أن يكون لديه رؤية واضحة للسلطات الجديدة في سوريا بعد الإطاحة بالنظام السوري السابق. لا سيما أن إيران تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة خاصة. سرعت إيران من وتيرة تطوير برنامجها النووي ودعمها لروسيا ضد أوكرانيا، ما دفع الدول الأوروبية للتفكير في إعادة فرض العقوبات على إيران إذا لم يتم تحقيق أي تقدم.
تشير التقارير إلى احتمالية اغتنام الاتحاد الأوروبي لسقوط النظام السوري السابق كورقة ضغط على إيران، لتحقيق تقدم في الاتفاق النووي. حيث كان الاتفاق النووي مع إيران هو النجاح الرئيسي للاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية. ومن الممكن أن تشمل المفاوضات الأوروبية الإيرانية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.
يعتقد “لورانس نورمان” من صحيفة “وول ستريت جورنال” أن من المرجح “أن تكون هناك جولة أخرى من الاتصالات بين مجموعة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي وإيران في يناير 2025، وربما مرة أخرى في جنيف. ولم يتضح بعد ما إذا كانت ستتم قبل أو بعد تنصيب دونالد ترامب في 20 يناير 2025”.
هل من ضغوطات أوروبية على إيران لوقف دعمها لروسيا؟
ينظر الاتحاد الأوروبي إلى الدعم العسكري الإيراني لروسيا في حرب أوكرانيا والذي يشمل الطائرات المسيرة والصواريخ على أنه تهديد مباشر لأمن أوروبا ولهذا السبب، فإن أحد التغييرات الأساسية في السياسة الأوروبية بعد سقوط النظام السوري، هو الرغبة في تعاون أوثق مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، وقد تواجه إيران في المستقبل القريب تحالفا قويا يضم الولايات المتحدة وأوروبا. ويقول تشارلز ليستر، وهو زميل بارز ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط في 19 ديسمبر 2024: “الجميع، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، يتحولون للتكيف مع الحقائق الجديدة في سوريا”. أمن دولي ـ البلطيق منطقة توتر بعد حرب أوكرانيا
كيف تحافظ أوروبا على الشراكات الاستراتيجية مع دول الخليج لمواجهة نفوذ إيران؟
بدأ “كير ستارمر” رئيس الوزراء البريطاني في الثامن من ديسمبر 2024 أول زيارة له إلى الخليج منذ توليه منصبه، تشمل الإمارات والسعودية، لتعزيز التعاون الأمني والدفاعي. كما استضافت بروكسل في أكتوبر 2024 قمة تجمع الاتحاد الأوروبي بدول مجلس التعاون الخليجي، ناقشت القمة تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي في ظل ما تشهده المنطقة من توترات متزايدة.
بحثت القمة الأوروبية الخليجية سبل تعزيز التعاون لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات المتطرفة، وضمان أمن الملاحة البحرية ومواجهة التهديدات السيبرانية. كما أكد مبعوث الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2024 أن العلاقات الوثيقة بين دول الخليج تشكل مفتاحا لمعالجة محور روسيا وإيران وأزمة الشرق الأوسط.
دعمت فرنسا دول الخليج في مواقفها السياسية ضد إيران فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية مثل اليمن وسوريا والعراق. وذلك لممارسة ضغوط على إيران للحد من تدخلاتها في شؤون الدول في المنطقة وحرب أوكرانيا. وتُنسق فرنسا ودول الخليج معا في مجال التدريب العسكري، وتقديم الدعم التقني في مجال الدفاع، كتوفير التدريب والتكنولوجيا العسكرية لعدة دول خليجية مثل السعودية والإمارات، لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات المحتملة من إيران.
رحب الاتحاد الأوروبي باتفاق تطبيع العلاقات بين دول خليجية وإيران في العام 2023، وأعرب عن أمله في أن يؤدي ذلك لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية، في فبراير 2022، عن البدء في تفعيل اتفاقية التعاون والدفاع المشترك بين الإمارات وفرنسا وذلك لـ”مواجهة المحاولات الإرهابية لاستهداف دولة الإمارات العربية المتحدة”. وتنفيذ مهمات جوية في الأجواء الإماراتية رداً على الهجمات التي تلقتها أبوظبي من جانب الحوثيين. مكافحة الإرهاب ـ خريطة الجماعات المتطرفة في سوريا ومناطق النفوذ
**
2 ـ أمن دولي ـ التحولات في العلاقات الأوروبية ـ الإيرانية ما بعد تغيير النظام في سوريا
شهدت العلاقات “الأوروبية ـ الإيرانية” تعقيدًا ملحوظًا على مدار العقود الماضية، إذ تعكس تداخلًا بين المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. ومع تزايد التقلبات في منطقة الشرق الأوسط، تُطرح تساؤلات جوهرية حول كيفية تطور هذه العلاقات بعد تغيير النظام السوري، الذي يُعد حليفًا استراتيجيًا لإيران ومحورًا مهمًا في سياستها الإقليمية. تتحكم عدة عوامل في مسار العلاقات بين الطرفين، مثل الاتفاق النووي (JCPOA)، النفوذ الإيراني في المنطقة، الضغوط الأمريكية، والقضايا الحقوقية. في هذا السياق، تعد سوريا ساحة اختبار رئيسية للتوازن بين التعاون والمواجهة.
الاتفاق النووي ودوره في العلاقات “الأوروبية ـ الإيرانية”
يمثل الاتفاق النووي (JCPOA) ركيزة أساسية في العلاقات الأوروبية – الإيرانية. التزمت الدول الأوروبية بهذا الاتفاق منذ توقيعه عام 2015 باعتباره وسيلة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، ما يسهم في استقرار المنطقة ويقلل من مخاطر الانتشار النووي. ولطالما رأت أوروبا في الاتفاق مثالًا للدبلوماسية الفعالة في حل النزاعات، خاصة في ظل التوترات بين إيران والولايات المتحدة. كما فتح الاتفاق الأبواب أمام الشركات الأوروبية للاستثمار في إيران، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، ما عزز المصالح الاقتصادية المشتركة. تزامنًا مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، واجهت أوروبا تحديات كبيرة في الحفاظ على الاتفاق وحماية مصالحها الاقتصادية. أنشأت آلية “إنستكس” لتسهيل التجارة مع إيران بعيدًا عن العقوبات الأمريكية، إلا أن فعاليتها كانت محدودة. ورغم الضغوط، استمرت أوروبا في لعب دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق بعد عودة إدارة بايدن إلى المفاوضات. استمرار الالتزام الأوروبي بالاتفاق أو إعادة التفاوض عليه سيشكل عاملًا حاسمًا في تحديد طبيعة العلاقات الأوروبية-الإيرانية مستقبلاً.أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
ما أهمية الاتفاق النووي لأوروبا؟
تمثل أهمية الاتفاق النووي (JCPOA) بالنسبة لأوروبا نقطة محورية في استراتيجيتها تجاه إيران والشرق الأوسط ككل. ترى أوروبا أن الاتفاق النووي يمثل حجر الزاوية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، وهو هدف يعتبره الأوروبيون ضروريًا لضمان استقرار الشرق الأوسط والعالم. المخاطر الناتجة عن انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، إذا لم يتم السيطرة عليها، قد تؤدي إلى سباق تسلح إقليمي بين دول الشرق الأوسط، مما يرفع من احتمالية النزاعات العسكرية. الأوروبيون يعتبرون الاتفاق النووي نموذجًا ناجحًا لحل النزاعات الدولية عبر الوسائل الدبلوماسية، خاصة في ظل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران. بالنسبة لأوروبا، فإن الحفاظ على الاتفاق يعكس التزامها بمبدأ التعددية في السياسة الدولية ودورها كقوة دبلوماسية مؤثرة. علاوة على ذلك، فإن الاتفاق النووي فتح المجال أمام فرص اقتصادية ضخمة للشركات الأوروبية، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، حيث تعتبر إيران سوقًا واعدة تمتلك احتياطات نفط وغاز كبيرة.أمن دولي ـ ما هي أهداف روسيا من التعاون مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي؟
ما تأثير الاتفاق النووي على النفوذ الإيراني الإقليمي؟
يعتبر الاتفاق النووي أداة استراتيجية للحد من الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة. تشمل هذه الأنشطة دعم الفصائل المسلحة مثل حزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى التدخل في النزاعات الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان. في حال تم تعزيز الاتفاق النووي، قد تسعى أوروبا إلى تشجيع إيران على لعب دور أكثر إيجابية في النزاعات الإقليمية، ما يسهم في تهدئة الأوضاع وإيجاد تسويات سياسية. من جهة أخرى، إذا انهار الاتفاق، ستتفاقم التوترات وقد تتخذ أوروبا مواقف أكثر تشددًا، تشمل دعم عقوبات أوسع على إيران. انهيار الاتفاق النووي قد يدفع إيران إلى توسيع برنامجها النووي وتعزيز نفوذها العسكري في المنطقة، ما يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي. بالنسبة لأوروبا، فإن انهيار الاتفاق سيعني تصعيدًا كبيرًا في التوترات وصعوبة أكبر في التعامل مع إيران. في المقابل، فإن تعزيز الاتفاق يمكن أن يفتح المجال أمام تحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية، ويوفر منصة لأوروبا للتأثير على سياسات إيران الإقليمية بشكل أكبر.
سيناريوهات التأثير على العلاقة مع إيران
سيناريوهات تأثير انهيار أو استمرار الاتفاق النووي على العلاقات بين أوروبا وإيران يمكن توضيحها كتالي:
أولًا: استمرار الالتزام بالاتفاق النووي: في حال استمرار الالتزام بالاتفاق وتعزيز العمل ببنوده، يمكن أن يشهد التعاون الأوروبي ـ الإيراني تحسنًا ملحوظًا. سيكون لهذا تأثير إيجابي على العلاقات الاقتصادية، حيث تسعى الشركات الأوروبية إلى الاستثمار في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا في إيران. كما قد تشجع أوروبا طهران على لعب دور أكثر إيجابية في تسوية النزاعات الإقليمية، مثل الأزمات في سوريا واليمن، من خلال مبادرات دبلوماسية مشتركة ومشاريع تعاون تنموي تهدف إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة.
ثانيًا: الحد من التوترات الإقليمية: استمرار العمل بالاتفاق النووي قد يسهم في تقليل احتمالات التصعيد العسكري بين إيران ودول أخرى في المنطقة، وهو ما يخدم المصالح الأمنية لأوروبا بشكل مباشر. بفضل هذا الاتفاق، يمكن للأطراف الدولية تخفيف الضغوط العسكرية والسياسية، مما يتيح بيئة أكثر استقرارًا للتعاون الأمني والدبلوماسي بين أوروبا وإيران. كما أن تقليل التوترات يساعد في منع أي أزمات لاجئين جديدة قد تنتج عن الصراعات الإقليمية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للدول الأوروبية.
ثالثًا: إعادة التفاوض أو صياغة اتفاق جديد:في حالة التوجه نحو إعادة التفاوض، قد تدعم أوروبا تضمين ملفات إضافية مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو الأنشطة الإقليمية لطهران في أي اتفاق جديد. هذا التوجه قد يضمن استقرارًا أوسع في المنطقة ويعزز فرص تحسين العلاقات الثنائية. إذا أبدت إيران مرونة في التفاوض وتقديم تنازلات، فقد يؤدي ذلك إلى بناء الثقة مع الدول الأوروبية وفتح آفاق جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو معتمدًا بشكل كبير على قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات الرئيسية وصياغة حلول وسط تلبي المصالح المشتركة.
الضغوط الأمريكية وتأثيرها على الموقف الأوروبي
لطالما كان التحالف الأوروبي – الأمريكي عنصرًا مؤثرًا في صياغة سياسات أوروبا تجاه إيران. منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على إيران، واجهت الدول الأوروبية ضغوطًا كبيرة للتماشي مع الموقف الأمريكي. ومع عودة إدارة بايدن إلى المفاوضات، حاولت أوروبا التوفيق بين مصالحها الاقتصادية ودورها كوسيط دبلوماسي. لكن استمرار الضغوط الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني الإقليمي، قد يدفع أوروبا إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، خصوصًا إذا تصاعدت التوترات في المنطقة. من جهة أخرى، قد تكون هناك مساحة للتعاون الأوروبي – الأمريكي في صياغة اتفاق جديد يشمل ملفات إضافية مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودور إيران في النزاعات الإقليمية. لكن نجاح هذا التعاون يعتمد على مدى مرونة إيران في التفاوض، وهو أمر لا يزال غير واضح في ظل التوترات الحالية.
القضايا الحقوقية وتأثيرها على العلاقات
تمثل قضايا حقوق الإنسان محورًا أساسيًا في السياسة الخارجية الأوروبية. تواجه إيران انتقادات مستمرة من أوروبا بسبب الانتهاكات الحقوقية الداخلية، مثل قمع الاحتجاجات والتمييز ضد الأقليات، بالإضافة إلى دورها في تأجيج الصراعات الإقليمية. في حال حدوث تغيير في النظام السوري، قد يزيد التركيز الأوروبي على هذه القضايا، خاصة إذا ارتبطت الانتهاكات الإيرانية بدعمها لنظام الأسد. أوروبا قد تستغل هذه القضايا كورقة ضغط على إيران، لكنها تدرك أيضًا أن التعاون مع طهران في بعض الملفات، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، يتطلب توازنًا دقيقًا بين الضغط الحقوقي والحوار السياسي. ومع ذلك، فإن استمرار الانتهاكات الإيرانية قد يضع أوروبا أمام خيارات صعبة، تتراوح بين فرض عقوبات جديدة أو تقليص التعاون في مجالات أخرى.أمن دولي ـ هل تؤثر مخططات ترامب بشأن جرينلاند على أمن الناتو؟
**
3 ـ مكافحة الإرهاب ـ ما موقف أوروبا تجاه تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا؟
رغم سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، وإنهاء نحو (55) عاماً من حكم عائلة الأسد لسوريا وتمدد نفوذ إيران ودعمها لهذا النظام، إلا أن أوروبا مازالت تراقب الأوضاع السياسية والعسكرية والإنسانية في سوريا، في ظل سيطرة “هيئة تحرير الشام” على زمام الأمور، وظهور بوادر خلافات بين بعض الفصائل المسلحة، نظراً لتزايد الانقسامات بين مكونات المجتمع السوري على مدار نحو (14) عاما. وفي الوقت نفسه تتخوف أوروبا من إعادة إيران بناء نفوذها من جديد بسوريا، فهي ترفض أن تتحول سوريا لساحة تنافس بين الجماعات المسلحة السنوات المقبلة.
الجماعات المسلحة والقوى السياسية المدعومة من أطراف خارجية وعلاقاتها بأوروبا
الجماعات المدعومة من إيران:
جندت إيران مقاتلين شيعة من الخارج لدعم نظام بشار الأسد وتحديداً بعد 2011، من “حزب الله اللبناني” و”لواء فاطميون الأفغاني” و”لواء زينيبون الباكستاني” و”الحشد الشعبي العراقي”. ولكن سقوط النظام السوري السابق، لم يقلل من تخوفات أوروبا حول أن تشكل هذه الفصائل المرتبطة بإيران تهديداً لأمن سوريا والمنطقة، وبالأخص حزب الله الذي ساهم في استعادة نظام الأسد عدة مناطق كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة السنوات الماضية، إضافة إلى دور الحشد الشعبي منذ نهاية 2012 مع الفصائل المسلحة السورية الموالية لإيران. حيث شهدت حمص ومناطق بالساحل السوري، اشتباكات بين قوات هيئة تحرير الشام وعناصر تابعة للنظام السوري السابق على مدار الأسابيع الماضية.
الجماعات المدعومة من تركيا: تأسست جماعات سورية مسلحة بدعم من تركيا، تحت اسم “الجيش السوري الحر” مع بداية انشقاق قوات عن النظام السوري السابق في 2011. وشاركت هذه الفصائل في عملية “ردع العدوان” التي أسقطت نظام الأسد وسيطرت على دمشق وحلب وحمص وحماة في نوفمبر وديسمبر 2024.
قلق أوروبي تجاه دعم تركيا لهذه الجماعات، خاصة وأن ممارساتها ترتبط بانتهاكات حقوق الإنسان، إذ قُتل (101) شخص خلال 4 و5 يناير 2025، في اشتباكات بين فصائل موالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في ريف منبج شمال سوريا، وشنت هذه الفصائل هجوماً ضد القوات الكردية، سيطرت خلاله على منطقة تل رفعت ومدينة منبج.
الأكراد: تأسست قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الجناح العسكري للأكراد في 2015، وضمت مقاتلين أكراد وعرب وسريان وتركمان بجناحيها “قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة”، وتتواجد في مناطق شمال شرقي سوريا. تشكلت بهدف دعم قوات التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم “داعش”.
بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، بقيت قسد في الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب، مع تعرضها لهجمات متكررة من فصائل موالية لتركيا. تعتبر أنقرة قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة إرهابية.
لم تشارك قسد في عملية “ردع العدوان، لكنها رفعت علم سوريا الجديد على مؤسساتها. وفي 20 ديسمبر 2024، التقى وفداً من قسد المدعومة من واشنطن بقائد العمليات العسكرية بسوريا أحمد الشرع. أعلن قائد قسد مظلوم عبدي في 9 يناير 2025، إنه تم الاتفاق مع الإدارة السورية الجديدة على رفض أي مشاريع انقسام تهدد وحدة البلاد.
تواصل المبعوثان الأمريكي سكوت بولز والفرنسي فابريس ديبليشان في 16 ديسمبر 2024، مع قادة الأحزاب الكردية لإنهاء الخلاف بين “المجلس الوطني الكردي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي”. وفي لقاء أحمد الشرع بوزيري خارجية فرنسا جان نويل بارو وألمانيا أنالينا بيربوك، أكد الوزيران أهمية إيجاد حل سياسي مع الأكراد ودمج قواتهم بالهيكلة الأمنية.ملف مكافحة الإرهاب ـ قراءة استشرافية لواقع الأمن في سوريا بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق
المعارضة المعتدلة: يعد “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” التحالف الأكبر الممثل لقوى المعارضة السورية منذ نوفمبر 2012، ويضم (12) تياراً ما بين تيارات كردية وتيارات إسلامية وأخرى آشورية وممثلين عن الشمال السوري والعشائر العربية وتيارات مستقلة. حظيت بعض هذه التيارات بدعم أوروبا لفترات في بداية الصراع السوري. مثل هذا الائتلاف المعارضة المعتدلة في مباحثات جنيف لتشكيل اللجنة الدستورية.
توافقت رؤية المعارضة المعتدلة مع دول الاتحاد الأوروبي بعد سقوط الأسد، حول تطبيق القرار الأممي (2254) الصادر في 2015 وينص على إطلاق العملية السياسة عبر الأمم المتحدة وإرساء سلطة ذي مصداقية خلال (6) أشهر تضم جميع الأطراف وألا تقوم على الطائفية.
موقف أوروبا تجاه تغيير ديناميات الجماعات المسلحة في سوريا
تتعامل أوروبا مع الوضعين السياسي والعسكري بسوريا وفقاً لعدة أطر وسياسات، تتضمن مكافحة التطرف واستعادة الاستقرار وإعادة اللاجئين. ويتسم موقفها بالتعقيد والتشابك، لرغبتها في ضمان وضع أسس للمرحلة الانتقالية ومشاركة جميع المكونات السورية، وعدم تعارض هذه المسائل مع بعض الأطراف الإقليمية ذات الصلة بالأزمة السورية الراهنة مثل تركيا، خاصة في ظل علاقاتها مع بعض الفصائل المسلحة وخلافاتها مع الأكراد.
موقف الإدارة السورية الجديدة من مكافحة الإرهاب والتطرف
أعلن قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، في 15 ديسمبر 2024، أن المقاتلين الأجانب الذي ساعدوا الهيئة في الإطاحة بنظام الأسد، قد يسمح لهم بالحصول على الجنسية السورية. في 30 ديسمبر 2024 نشرت القيادة العامة الجديدة قائمة بأسماء (49) شخصاً تم ترقيتهم لرتب عسكرية، وشملت القائمة عسكريين انشقوا عن جيش النظام السابق وانضموا لفصائل مسلحة، ومجموعة من المقاتلين الأجانب تتراوح أعداهم بين (5-6) آلاف مقاتل.
حذر مبعوثون ألمان وفرنسيون وأمريكيون، في 21 ديسمبر 2024، من تعيين مقاتلين أجانب بمناصب عسكرية. وتولي أوروبا اهتماماً بمكافحة التنظيمات المتطرفة مثل داعش وباقي التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابية، وتتابع طرح مسألة عودة المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بداعش لبلادها، باعتبارهم تهديداً أمنياً وقد يسعون لتنفيذ هجمات ضدها. وفي محاولة من الإدارة السورية الحالية للتأكيد على موقفها بشأن مكافحة الإرهاب، أعلنت مديرية المخابرات السورية في 11 يناير 2025، إحباط هجوم لداعش بمحيط دمشق واعتقال (4) متورطين بالهجوم.
موقف الإدارة السورية الجديدة من التعاون الدولي لحفظ الأمن
رغم خسارة داعش لأراضيه في مارس 2019، فإن التحذيرات الأوروبية تعالت بشأن مضاعفة عدد الهجمات الإرهابية بسوريا. ونفذ داعش من (8-21 ديسمبر 2024) نحو (7) هجمات أسفرت عن (72) قتيلاً بين مدنيين وعسكريين. تتعاون أوروبا مع الولايات المتحدة بشأن انتقال سياسي سلس بسوريا، ومكافحة الإرهاب والحد من النفوذ الإيراني، إذ تمتلك الأخيرة (900) جندي بسوريا متواجدين بالشمال الشرقي، حيث توجد مخيمات وسجون تضم عناصر داعش وعائلاتهم.
تتفق أوروبا مع واشنطن، على أن تقييم هيئة تحرير الشام، سيحدد وفقاً لأفعالها من حماية المدنيين والأقليات وتنفيذ انتقال سلمي للسلطة، ما يحدد مسألة رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة النظر في حظر الهيئة كمنظمة إرهابية. أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، في 10 يناير 2024، وخلال لقائه مع الإدارة الجديدة، على أهمية منع الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المخدرات. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في 13 يناير 2025، إن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في 27 يناير 2025 سيبحث تخفيف العقوبات على سوريا.أمن دولي ـ أبعاد زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى سوريا
تعامل الإدارة السورية الجديدة مع ملف حقوق الإنسان
حذر مراقبون لحقوق الإنسان من انتهاكات من قبل عناصر تابعة للنظام السابق والفصائل المسلحة التي تسيطر حالياً على الحكم، ووضع الاتحاد الأوروبي في 16 ديسمبر 2024، لائحة مطالب للإدارة السورية الجديدة، وهي تمثيل جميع الأقليات بالحكومة واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة ورفض الإرهاب ومكافحة داعش. وأكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال لقائها مع قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، في 3 يناير 2025، أن أوروبا لن تمول هيئات إسلامية، وأن حقوق المرأة مقياس لتحقيق تقدم في مجال حقوق الإنسان، خاصة وأن مدن بالساحل السوري سجلت حالات تصفية عشوائية لمدنيين.
تعامل الإدارة السورية الجديدة مع إعادة الإعمار والاستقرار
ترى أوروبا أن الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، يتطلب إنهاء حالة الفراغ السياسي وتفكيك الجماعات المسلحة، وفي 24 ديسمبر 2024 تعهدت الإدارة الجديدة بحل جميع الفصائل المسلحة وإتلاف الأسلحة الكيميائية و أن يقتصر حمل السلاح على الدولة فقط. وفي 29 ديسمبر 2024 قال أحمد الشرع إن عملية إجراء الانتخابات قد تستغرق (4) سنوات ووضع دستور جديد يتطلب (3) سنوات، مؤكداً أن المحاصصة ستدمر العملية الانتقالية وأنه سيتم حل هيئة تحرير الشام وإعادة هيكلة الجيش السوري.
تنتظر سوريا إجراء حوار وطني لوضع أسس المرحلة الانتقالية، وفي 7 يناير 2025 أعلنت الإدارة الجديدة التريث في تحديد موعد المؤتمر لتشكيل لجنة تحضيرية له، ومن المتوقع أن يضم المؤتمر جميع مكونات المجتمع السوري لتشكيل لجنة لصياغة الدستور واختيار الحكومة الانتقالية، خاصة وأن حكومة محمد البشير تقتصر على أسماء من هيئة تحرير الشام، الأمر الذي أقر به أحمد الشرع. فالغموض حول موعد وآلية تنظيم الحوار الوطني يؤجل عملية إعادة الأمن والاستقرار بسوريا ومن ثم إعادة البناء وعودة اللاجئين السوريين.
موقف الإدارة السورية الجديدة من الأزمة الإنسانية الراهنة
تعاني سوريا من وضع إنساني متدهور، وسجلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (4.8) مليون لاجئ وطالب لجوء سوري في نوفمبر 2024، وتوقعت عودة مليون لاجئ بحلول يونيو 2025. نزح ما بين (800) ألف ومليون شخص في مناطق مختلفة، خلال المواجهات بين الفصائل المسلحة وقوات النظام السابق في (27نوفمبر- 8 ديسمبر 2024)،
قدرت الأمم المتحدة أن (16.7) مليون شخص بحاجة لمساعدات إنسانية، لتضرر البنية التحتية كالمدارس والمستشفيات، وارتفاع التضخم الغذائي، ما يتطلب (4.1) مليار دولار ، وتلقت المنظمة الأممية (28%) فقط من هذا المبلغ. فتح الاتحاد الأوروبي في 13 ديسمبر 2024، جسراً جوياً لإيصال مساعدات إنسانية عاجلة لسكان سوريا، وفي 31 ديسمبر 2024 وصل (50) طناً من المساعدات الأوروبية لسوريا.أمن دولي ـ لماذا تعد العقوبات الأوروبية على سوريا عميقة وواسعة النطاق؟
تقييم وقراءة مستقبلية
– يسعى الاتحاد الأوروبي منذ سقوط النظام السوري إلى الحصول على ضمانات جدية من القادة الجدد في سوريا بعدم التعاون مع إيران وحلفائها في المنطقة. خاصة أن إيران تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي للأوروبيين في الشرق الأوسط.
– يمكن القول أن الرأي العام في الدول الأوروبية سيؤثر بشكل كبير على سياسات الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية تجاه سياسات إيران في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
– بات متوقعا أن تدفع الضغوطات الأوروبية إيران على المستوى الإقليمي لترتيب الأوراق الجيوسياسية من جديد في الشرق الأوسط، فمع إضعاف “محور المقاومة”، وجدت إيران نفسها معزولة دوليا أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يرغمها على إعادة النظر في سياستها الأمنية وتدخلاتها في المنطقة.
– من المحتمل أن يعتمد التعامل الأوروبي مع إيران بعد تغيير النظام السوري على طبيعة التغيير في سوريا وتأثيره على النفوذ الإيراني وسياسات إيران، كذلك مدى استعداد إيران للتعاون على المستوى الدولي بشأن القضايا الدولية كحرب أوكرانيا والاتفاق النووي.
**
ـ تمثل التحولات في العلاقات الأوروبية ـ الإيرانية بعد تغيير النظام في سوريا مشهدًا معقدًا يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي والاستراتيجي. يبقى الاتفاق النووي حجر الزاوية في هذه العلاقات، حيث يحدد استمراره أو انهياره الاتجاهات المستقبلية. كما أن الضغوط الأمريكية والقضايا الحقوقية تلعب دورًا محوريًا في صياغة الموقف الأوروبي. في النهاية، تعتمد طبيعة هذه العلاقات على مدى قدرة أوروبا وإيران على التوصل إلى تفاهمات تحقق التوازن بين المصالح المشتركة والمخاوف الأمنية والسياسية.
ـ تُظهر التحولات في العلاقات الأوروبية ـ الإيرانية أن هذه العلاقات ستظل مرهونة بالتوازن الدقيق بين المصالح السياسية والاقتصادية. على المدى القريب. سيظل الاتفاق النووي نقطة ارتكاز أساسية في أي حوار بين الطرفين. أوروبا تدرك أن بقاء الاتفاق أو تحسينه قد يُسهم في تعزيز أمنها واستقرار الشرق الأوسط، بينما انهياره سيزيد من التحديات الأمنية والسياسية. ومع ذلك، فإن تحقيق توازن بين التزامها بالاتفاق وضغوط الولايات المتحدة ليس بالأمر السهل، ما قد يدفعها إلى اتخاذ مواقف أكثر حذرًا.
ـ قد تعتمد طبيعة العلاقات الأوروبية ـ الإيرانية، على المدى البعيد، على مدى قدرة إيران على تقديم تنازلات في ملفات إقليمية شائكة مثل برنامج الصواريخ الباليستية ونفوذها في سوريا ولبنان واليمن. إذا تمكنت أوروبا من تعزيز موقفها كوسيط نزيه بين إيران والولايات المتحدة، فقد تتمكن من تحقيق تقدم ملموس في ملفات أخرى مثل حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية.
ـ رغم ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجه هذا المسار. الضغوط الأمريكية المستمرة، وتزايد التوترات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الأزمات الداخلية التي تواجهها إيران، قد تُعقّد أي جهود أوروبية للتقارب مع طهران. لذا فإن المستقبل سيعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز العقبات والعمل نحو تحقيق مصالح مشتركة.
**
ـ بعد نحو 14 عاما من قطع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، تعيد بعض دول الاتحاد صياغة العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة، وتظل هناك تحفظات من جانب التكتل الأوروبي بشأن مسألة نفوذ الفصائل المسلحة، وتعامل الإدارة الجديدة مع السلاح الذي تحمله باقي الفصائل بداية من هيئة تحرير الشام التي تقود المرحلة، وصولاً إلى الفصائل الموالية لتركيا والأخرى الموالية لإيران، ومكافحة الإرهاب في البادية السورية.
ـ يرفض الاتحاد الأوروبي أن تعيد الفصائل الموالية لإيران وتحديداً “حزب الله اللبناني” نفوذه بسوريا، رغم أن معطيات المشهد تشير إلى خسارة واسعة لإيران عقب انهيار نظام بشار الأسد، إلا أن أوروبا تدرك جيداً أن طهران لن تترك مساحة نفوذها هناك، في ظل الخسائر المتتالية التي تلقتها بمنطقة الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023، وأشارت تقارير قبل سقوط نظام الأسد، إلى أن إيران تمتلك نحو (570) موقعاً عسكرياً بسوريا تمركز فيه حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وبلغ عدد جنود الحرس الثوري الإيراني في ذروة أحداث 2011، نحو (10) آلاف جندي و(5) ألاف جندي آخر من الجيش الإيراني، وآلاف أخرى من قوات المليشيات المدعومة من إيران. وبتطور الوضعين السياسي والعسكري فر آلاف المقاتلين إلى إيران ولبنان والعراق، ما يزيد من احتمالية عودتهم لسوريا من جديد.
ـ الدعم التركي الراهن لبعض الفصائل المسلحة، تراقبه أوروبا عن كثب للمخاوف من صعود نفوذ هذه الفصائل، واستمرارها في شن هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية، للسيطرة على مساحة أوسع بشمال شرق سوريا. في حين يدفع التعامل بين أوروبا وقسد، إلى توتر العلاقات بين تركيا وأوروبا وخاصة فرنسا، خاصة وأن الأخيرة تدعم قسد في مكافحة داعش، لذا ستتعامل أوروبا بحرص شديد لرغبتها في الحفاظ على علاقة متوازنة مع تركيا، نظراً لاستضافتها نحو (2.9) مليون لاجئ سورياً، وملف اللاجئين مازال عالقاً لعدم استقرار الأوضاع بسوريا.
ـ عاد الحديث عن ملف المقاتلين الأجانب، المعضلة التي لم تحلها أوروبا منذ سقوط داعش بسوريا، وفي إطار التوتر بين تركيا وأوروبا بشأن الوضع في سوريا، طالبت الأولى مؤخراً، فرنسا باسترجاع مواطنيها من سجون سوريا بدلاً من دعم قسد، ما يزيد الضغوط الدولية على أوروبا لاستعادة مواطنيها الذين انضموا لداعش وعائلاتهم من النساء والأطفال، لتواجد عائلات داعش بمخيمين الهول وروج، وبقاء عناصر لداعش بسجون الحسكة والصناعة، في ظل المخاوف من أن يعيد داعش ترتيب صفوفه وينفذ هجمات ضد السجون والمخيمات.
ـ تتخوف أوروبا من دمج مقاتلين ذوي توجهات متشددة ضمن الجيش السوري، وأن تصبح المؤسسة الأمنية لها إيدلوجيا عسكرية طائفية تقوم على المحاصصة، ما يؤدي لتجاوزات تجاه بعض مكونات المجتمع السوري، ويدخل سوريا في صراع مسلح لا ينتهي.
ـ غياب الرؤية بشأن الحوار الوطني السوري نقطة تثير انتباه أوروبا، نظراً لطبيعة الأطياف الدينية والعرقية والسياسية المتوقع حضورها، والنتائج المنتظرة من هذا الحدث السياسي الفارق في رسم خريطة الدولة السورية الفترة المقبلة، فأكد المسؤولون الأوروبيون في أحاديث عدة، ضرورة أن تضم المرحلة الانتقالية كافة أطياف المجتمع السوري، وأن يدعم الدستور حقوق الإنسان والمرأة ومكافحة التطرف.
ـ يصبح رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، وتقديم مساعدات إنسانية، ودعم عودة اللاجئين السوريين لبلادهم، مرهوناً بشكل المرحلة السياسية المقبلة، وتعامل هيئة تحرير الشام مع الجماعات المسلحة، وخطوات إعادة بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية مرة أخرى وفقا للقرار الأممي 2254.
رابط نشر مختصر … https://www.europarabct.com/?p=100140
حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
هوامش
EU foreign policy chief: ‘No place for extremism, Russia, or Iran in Syria’s future’
https://tinyurl.com/2msy8p9c
Assad’s downfall — the winners and losers
https://tinyurl.com/346h73y9
EU should ease Syria sanctions in return for ‘positive steps’, top diplomat Kallas says
https://tinyurl.com/ynbezb9x
Assad’s exit opens a chance to rein in his backer Iran. Europe must seize it
https://tinyurl.com/dnk26ec6
**
Hurtling towards irrelevance: Iran-EU relations in 2024
Iran Is a Geopolitical Challenge for Europe
Europe’s Relationship with Iran Has Never Been Worse
How a new president changes Iran-EU relations and not
**
Syria after Assad 2024/25: Consequences and next steps
قوى غربية تحذر سوريا من تعيين “جهاديين” أجانب في الجيش
الوساطة الأميركية ــ الفرنسية تكشف عن 3 قضايا عالقة بين أكراد سوريا
Kurds, women must be included in Syria’s transition, European ministers say
Syria after Assad: Consequences and next steps in 2024/25