الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ كيف تبسط روسيا سطوتها في إفريقيا عبر جيوش الظل؟  

russia-africa
مارس 29, 2025

 بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا  ECCI

بقلم : د. محمد العرب

في عمق القارة الإفريقية، حيث تتقاطع موارد الطبيعة مع هشاشة الدولة، تنسج روسيا خيوط نفوذها العسكري بخيوط دقيقة، لا يُرى بعضها إلا عند اشتعال النار…!

لم تعد موسكو في حاجة إلى أساطيل أو قواعد ضخمة لفرض حضورها، بل باتت تعتمد على أدوات مرنة وفعالة، في مقدمتها مجموعة “فاغنر” سيئة السمعة، التي تحولت إلى رأس حربة الاستراتيجية الروسية الجديدة في إفريقيا. ما كان يُعد حتى وقت قريب مجرد شركة أمنية خاصة، أصبح الآن مظلة غير رسمية لتمدد روسيا العسكري والاقتصادي والاستخباراتي في مناطق تحاول الولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا الحفاظ على نفوذها فيها منذ عقود.  أمن دولي ـ خلاف متزايد بين موسكو ومجموعة “فاغنر”

فاغنر

فاغنر، التي ظهرت للعلن في عام 2014 خلال الحرب في أوكرانيا، وجدت في إفريقيا فضاءً أوسع للتجريب والتوسع. وبحسب تقارير استخباراتية أوروبية وإفريقية، فإن قوات فاغنر تنتشر بشكل مباشر أو غير مباشر في أكثر من 10 دول إفريقية، تشمل مالي، جمهورية إفريقيا الوسطى، السودان، ليبيا، بوركينا فاسو، تشاد، النيجر، الكونغو الديمقراطية، موزمبيق، ومدغشقر. هذا التوسع لم يكن عشوائيًا، بل جاء بناءً على استراتيجية مدروسة تبدأ غالبًا بالدعم العسكري لحكومات هشة أو أنظمة في أزمة، مقابل عقود تعدين، وصولًا إلى تأسيس بنى أمنية موازية تتبع فعليًا موسكو، لا العاصمة المحلية.

 جمهورية إفريقيا الوسطى

في جمهورية إفريقيا الوسطى، كان الظهور الأول الواضح لفاغنر عام 2018، حين تعاقدت الحكومة مع عناصر من المجموعة لتدريب الجيش وتأمين كبار المسؤولين، خاصة بعد انسحاب فرنسا وتقليص بعثة الأمم المتحدة. ثم تحول الوجود الاستشاري إلى قوة قتال ميدانية، حيث شاركت عناصر فاغنر في عمليات ضد الجماعات المسلحة المعارضة، بل سيطرت على مناجم الذهب والماس في مناطق نائية مقابل الحماية. وقدّرت تقارير أن حوالي 2000 عنصر من فاغنر كانوا موجودين على الأرض في ذروة الصراع هناك.

الجيش المالي وفاغنر

أما في مالي، فقد تكررت الوصفة بعد الانقلاب العسكري في أغسطس 2020، وتعاظمت مع انسحاب القوات الفرنسية في 2022. دخلت فاغنر عبر اتفاق غامض بين المجلس العسكري وروسيا، وتوسعت عملياتها لتشمل الحماية الشخصية للقيادات العسكرية، تدريب القوات الخاصة، والقيام بعمليات عسكرية ضد جماعات متطرفة.  وقد اتُّهمت بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في مناطق مثل “مورا”، حيث تحدثت منظمات دولية عن مقتل أكثر من 500 مدني في عملية مشتركة بين الجيش المالي وفاغنر.

السودان

في السودان، ومع وجود فراغ أمني وسياسي منذ سقوط البشير، رُصد نشاط مكثف لمجموعات روسية ترتبط بفاغنر عبر شركات تعدين ومقاولات، خاصة في مناطق الذهب في دارفور والنيل الأزرق. وتُظهر الوثائق المتداولة علاقة بين شركة “Meroe Gold”، التابعة لفاغنر، والهيئة العامة للمخابرات السودانية، ضمن عقود مشبوهة لتأمين مناطق التعدين ومشاركة الأرباح مع أطراف سودانية.  استخبارات ـ ما هي المهام الرئيسية لقسم المهام الخاصة “SSD” الروسية؟

ليبيا

في ليبيا، ظهر وجود فاغنر بوضوح إلى جانب قوات خليفة حفتر منذ عام 2019، حيث دعمت موسكو محاولته للسيطرة على طرابلس عبر آلاف المقاتلين من فاغنر المجهزين بعتاد نوعي، بما في ذلك طائرات مسيّرة وقناصة محترفين. وقدّرت القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) أن فاغنر أرسلت ما بين 2000 إلى 3000 مقاتل إلى ليبيا، ونشرت منظومات دفاع جوي روسية في الجفرة وسرت، في تحدٍ واضح لحظر السلاح المفروض على البلاد. لم تكن أهداف فاغنر أمنية فقط، بل شملت السيطرة على موانئ نفطية استراتيجية وخطوط إمداد جنوبية.

موسكو تُعيد ترتيب أدواتها في إفريقيا

لكن فاغنر ليست الذراع الوحيدة لروسيا في إفريقيا.  فبعد مقتل قائدها يفغيني بريغوجين في 2023، أعادت موسكو ترتيب أدواتها، وتم استحداث كيان بديل أكثر طواعية تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية مباشرة. ظهر اسم “Africa Corps” كمظلة جديدة تنقل الصلاحيات العسكرية من فاغنر إلى الدولة الروسية بشكل رسمي، دون أن تفقد موسكو القدرة على الإنكار. كذلك، فإن جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي (GRU) وجهاز الأمن الفيدرالي (FSB) يمتلكان أذرعًا استخباراتية تعمل في بعض العواصم الإفريقية تحت غطاء دبلوماسي، ويشرفان على تدريب كوادر محلية من المخابرات والأمن القومي في دول مثل النيجر وبوركينا فاسو.

بوركينا فاسو

في بوركينا فاسو، وبعد انقلاب 2022، ظهرت مؤشرات على دخول عناصر روسية بملامح “فاغنرية” لتقديم الدعم للجيش الجديد، في ظل تأزم الوضع الأمني وتزايد الهجمات الجهادية. وقد صرّح رئيس الحكومة الانتقالية في أكثر من مناسبة بأن بلاده بصدد تنويع شركائها الأمنيين، في إشارة ضمنية إلى البديل الروسي.

يُقدر عدد المتعاقدين العسكريين الروس (سواء ضمن فاغنر أو الأذرع الجديدة) العاملين في إفريقيا بما يتراوح بين 7000 و10,000 عنصر، وفقًا لتحليل بيانات الأقمار الصناعية ومصادر محلية وإقليمية. وتُظهر صور حديثة بناء قواعد عسكرية شبه دائمة في عدة دول، بعضها مموّه تحت غطاء “مراكز تدريب”، وبعضها يرتبط بحماية شركات تعدين روسية تعمل في مناطق غنية بالذهب واليورانيوم والماس.

ويُلاحظ أن روسيا لا تقدم فقط الدعم العسكري، بل تبني استراتيجية تأثير شاملة تشمل الإعلام، التعليم، الدين، والثقافة. تدعم موسكو عشرات المنصات الإعلامية المحلية التي تروّج لسردية “التحرر من الاستعمار الفرنسي”، وتُموّل بعثات تعليمية إلى الجامعات الروسية، فضلًا عن نشاط الكنيسة الأرثوذكسية كأداة ناعمة لخلق روابط دينية تقليدية مع المجتمعات المحلية.

اللافت أن هذه الاستراتيجية الروسية تتسم بفعالية عالية رغم محدودية الكلفة مقارنة بالعمليات العسكرية الغربية. فبدلًا من نشر جيوش جرّارة، تكتفي موسكو بنخبة صغيرة من المقاتلين ذوي التدريب العالي، ممن يعملون مقابل عقود تعدين ومكافآت مالية، وفي بعض الحالات يحصلون على حصص من الأرباح. كما تتجنب موسكو، في معظم الحالات، الدخول في التزامات قانونية أو سياسية مباشرة، مما يمنحها هامش مناورة أكبر من خصومها التقليديين. استخبارات ـ روسيا “استولت على اليد العليا” في حرب أوكرانيا

لكن هذا التمدد الروسي ليس بلا ثمن. فعمليات فاغنر ومن على شاكلتها تسببت في مآسٍ إنسانية واتهامات بارتكاب جرائم حرب، مثل الإعدامات الميدانية، استخدام التعذيب، وتجنيد الأطفال. وتواجه روسيا ضغطًا دوليًا متزايدًا لتفكيك هذه المنظومة، خاصة بعد صدور تقارير من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية عن انتهاكات جسيمة. كما أن التحول من فاغنر إلى Africa Corps قد لا يكون انتقالًا سلسًا، بل يحمل خطر فقدان السيطرة على شبكات محلية أصبحت مستقلة ماليًا وأمنيًا.

يمكن القول،إن روسيا اليوم تُراكم نفوذًا غير تقليدي في القارة السمراء، لا يعتمد على القواعد أو المعاهدات، بل على المرتزقة، المصالح، والشراكات الرمادية. ومع تراجع الحضور الفرنسي، وانكفاء واشنطن نحو أولوياتها الآسيوية، قد تجد إفريقيا نفسها، خلال العقد القادم، أمام واقع جديد: عالم تتحرك فيه موسكو بلا قواعد، وتُقيم فيه إمبراطوريتها بأذرع لا ترتدي بزات رسمية، بل تخفي أسلحتها تحت قناع الأمن… وتغرس أعلامها في قلب المناجم … قبل العواصم.

رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=102582

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...