المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
ستوكهولم.ـ آندي فليمستروم Andie Flemström ، باحثة في الأمن الدولي والإرهاب
مديرة المركز السويدي لدراسات الأمن الدولي والإرهاب – SCISTS ـ
أمن دولي ـ فرنسا والشرع: ازدواجية المعايير بين مكافحة الإرهاب وبراغماتية المصالح، قراءة في استقبال الرئيس الفرنسي لأحمد الشرع
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحمد الشرع “الرئيس الانتقالي لسوريا” في قصر الأليزية يوم 07 مايو 2025 ، وذلك في إطار محادثات تهدف إلى تعزيز الحل السياسي للأزمة السورية. غير أن هذه الخطوة يمكن وصفها بالأزدواجية في معايير تعاطي الدول الغربية، ولا سيما فرنسا، مع قضايا الإرهاب والعدالة الدولية.
المقاربة البراغماتية: ضرورات السياسة أم تبرير للتناقض؟
اتبعت فرنسا، شأنها شأن العديد من القوى الغربية الأخرى، في سياستها تجاه سوريا، استراتيجية براغماتية ترتكز على إدارة الأزمات بدلاً من حلّها من جذورها. وفي سياق الحرب الأهلية السورية المعقّدة، تجسّدت هذه الاستراتيجية في دعم أطراف قادرة على تأمين المصالح الفرنسية في سوريا المستقبلية، حتى وإن كانت هذه الأطراف مثيرة للجدل. وكما أشار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (2023)، ترى فرنسا في شخصيات مثل أحمد الشرع أدوات محتملة لاستعادة موطئ قدم سياسي في المنطقة، لا سيما في ظل التنافس مع قوى مثل روسيا، وإيران، وتركيا.
غير أن هذه البراغماتية تتعارض بشكل صارخ مع الموقف الرسمي الفرنسي، الذي يدعو إلى الدفاع عن العدالة الدولية، ومكافحة الإرهاب، ودعم مؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية. ووفقًا لتحليل أجراه جوزيف باهوت (مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 2023)، فإن فرنسا تخاطر بفقدان مصداقيتها الأخلاقية من خلال دعم شخصيات انتقالية قد تكون لها صلات بجماعات متطرفة. وهذا التناقض لا يُقوّض السردية الفرنسية في السياسة الخارجية فحسب، بل يمكن أيضًا تفسيره كمظهر من مظاهر العدالة الانتقائية – وهو أمر، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش (2024)، يقوّض الثقة في النظام الدولي، ويزيد من خطر تصاعد الأيديولوجيات المتطرفة.
الرئيس الشرع وقائمة الإرهاب: تناقض صارخ
أشارت عدة تقارير إلى أن أحمد الشرع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجماعات لها صلات بأيديولوجيات متطرفة، وجهات مسلّحة مدرجة على القوائم الدولية للإرهاب. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش (2024)، فإن بعض الفصائل التي تدعمه شاركت في انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي خلال الحرب الأهلية السورية. كما أفاد مركز كارنيغي للشرق الأوسط (2023) بأن الشرع تصرّف في عدة حالات من خلال شبكات لها ارتباطات سابقة بجماعات “جهادية”.
ورغم ذلك، فقد استقبله الرئيس الفرنسي في مناسبة رسمية، وهو ما يتناقض بوضوح مع الموقف الفرنسي السابق المتشدد في مكافحة الإرهاب. ووفقًا لوزارة الخارجية الفرنسية (2024)، تُعد مكافحة الإرهاب إحدى الركائز الأساسية في الاستراتيجية الدولية لفرنسا.
هذا التحوّل في الموقف يثير تساؤلات حول الازدواجية الأخلاقية والتطبيق الانتقائي لمبادئ العدالة في السياسة الدولية. فكيف يمكن لدولة تدّعي الدفاع عن العدالة والمساءلة أن تضفي الشرعية على شخصية ذات صلات مشبوهة كهذه؟ وقد حذّر الجهاز المعني بالسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (2024) من أن المرونة السياسية في التعامل مع جهات مرتبطة بالإرهاب قد تقوّض الأهداف الأمنية للاتحاد نفسه. كما شدّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2023) على أهمية التطبيق المتسق لقوائم العقوبات للحفاظ على المصداقية في المعركة العالمية ضد الإرهاب. وعليه، يمكن تفسير الموقف الفرنسي في هذه الحالة على أنه انحراف عن المعايير الراسخة لصالح حسابات استراتيجية. التطرف في السويد ـ اليسار المتطرف العنيف، الواقع والمخاطر. بقلم آندي فليمستروم
العدالة الانتقائية وتقويض الثقة
يثير لقاء ماكرون مع أحمد الشرع تساؤلات حول العدالة الانتقائية في السياسة الدولية، حيث يبدو أن الدول الغربية، بما في ذلك فرنسا، تطبّق معايير مختلفة وفقًا للاعتبارات السياسية والاستراتيجية. ولا تُقوّض هذه الانتقائية الخطابَ الرسمي الفرنسي الداعي إلى مكافحة الإرهاب والدفاع عن العدالة الدولية فحسب، بل تُوجّه أيضًا رسالة مفادها أن بعض الجهات يمكن أن تُعفى من المساءلة بحسب أهميتها السياسية.
ووفقًا لمركز كارنيغي للشرق الأوسط (2023)، فإن هذا التناقض يهدّد بتقويض مصداقية فرنسا على الساحة الدولية، ويثير انتقادات من جهات ترى فيه مثالًا على ازدواجية المعايير الغربية. كما تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش (2024) أن هذا النوع من السياسات قد يُلحق ضررًا بالنظام القانوني الدولي، ويقوّض الجهود المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب.علاوة على ذلك، فإن هذا النوع من العدالة الانتقائية يعني أن الشعوب في المناطق المتضررة من النزاعات، مثل سوريا، قد تشعر بأن النظام القضائي العالمي متحيز وانتقائي، مما قد يؤدي إلى فقدان الثقة بالمؤسسات الدولية. وقد حذر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2023) من أن فشل الجهات الدولية في الالتزام بمبادئ متسقة وشفافة يمكن أن يقوّض الثقة في التدابير الأمنية العالمية.
وعندما يبدو أن قرارات العالم الغربي تُوجّهها المصالح السياسية أو الاقتصادية قصيرة المدى، بدلًا من المبادئ القانونية طويلة الأمد، فإن ذلك قد يولّد مشاعر الإحباط والتشاؤم لدى الشعوب التي ترى أن الأمل في تحقيق العدالة قد تلاشى. وهذا بدوره يعزز الأيديولوجيات المتطرفة ويجعل من الصعب التوصل إلى حل مستدام لقضايا الأمن العالمي، مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في مناطق كمنطقة سوريا. مكافحة التطرف العنيف ـ دور المناهج الدراسية. بقلم Andie Flemström
الآثار المترتبة على مكافحة الإرهاب في المنطقة
يمكن أن يؤدي انفتاح ماكرون على أحمد الشرع إلى تبعات بعيدة المدى على مكافحة الإرهاب في سوريا والمنطقة بشكل عام. من خلال منح الشرعية لشخصية لها صلات بجماعات متطرفة، يخاطر الفرنسيون بتقويض أهدافهم الأمنية الخاصة، ويعكسون سياسة غير متسقة قد تشجع على استمرار التطرف. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش (2024)، فإن هذه السياسة قد تجعل الغرب يُنظر إليه على أنه انتقائي في حربه ضد الإرهاب، مما يمنح الجماعات المتطرفة فرصة لاستغلال هذه الثغرة لتجنيد أعضاء جدد. وهذا من شأنه تقويض فعالية التدابير الأمنية العالمية التي تهدف إلى الحد من انتشار الإرهاب في المنطقة.
هل سيتبع الاتحاد الأوروبي خطوة فرنسا؟
قد تدفع استراتيجية فرنسا لفتح قنوات حوار مع أحمد الشرع، على الرغم من خلفيته المثيرة للجدل، الاتحاد الأوروبي إلى تعديل سياسته تجاه سوريا والمنطقة. وقد حذر الجهاز المعني بالسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (2024) من أن الموقف المرن تجاه الجهات المرتبطة بالإرهاب قد يقوّض الأهداف الأمنية المشتركة للاتحاد ويخلق توترات بين الدول الأعضاء التي تتبنى وجهات نظر مختلفة حول كيفية التعامل مع الإرهاب والدبلوماسية. في حين أن بعض دول الاتحاد الأوروبي قد تميل إلى دعم الموقف البراغماتي لفرنسا لتعزيز نفوذها في سوريا، قد يعارض آخرون ذلك ويؤكدون على أهمية تطبيق مبادئ القانون الدولي بشكل متسق، مما يسلط الضوء على الانقسامات التي قد تنشأ داخل الاتحاد بشأن قضايا مكافحة الإرهاب واستقرار المنطقة. اليمين المتطرف العنيف في السويد ـ الواقع والمخاطر: بقلم: آندي فليمستروم
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ إن فتح أبواب قصر الإليزيه لأحمد الشرع ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل هو مؤشر على أزمة أعمق في سياسة الغرب تجاه منطقة الشرق الأوسط. جوهر هذه الأزمة يكمن في فقدان التناسق بين الخطاب والممارسة. إذا كانت فرنسا والدول الغربية ترغب في الحفاظ على شرعيتها في الالتزام بالأمن الدولي، فإن عليها إعادة النظر في سياساتها وتحقيق التوازن بين الضرورات السياسية ومبادئ العدالة.
ـ يمكن فهم لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع أحمد الشرع من زاوية سياسية، لكنه يظل إشكاليًا من الناحية الأخلاقية، وقد يعزز السرديات التي تتهم الغرب باتباع العدالة الانتقائية، حيث يتم ملاحقة بعض الأطراف في حين يُغض الطرف عن الآخرين إذا كانت مصالح الغرب تتطلب ذلك. وهذا يقوّض الثقة في النظام الدولي، ويعزز الأيديولوجيات المتطرفة، ويضعف الجهود الجادة لمكافحة الإرهاب.
ـ إن إجراءات فرنسا تمثل جزءًا من اتجاه أوسع في العالم الغربي، حيث تُفضل المصالح الجيوسياسية والاقتصادية على حقوق الإنسان والعدالة العالمية. هذا الانتقاء يعزز انعدام الثقة، ليس فقط بين من يعانون من النزاعات، ولكن أيضًا على المستوى العالمي، حيث يرى العديدون أن هذا يعكس ازدواجية في سياسة الغرب. إن دعم شخصية مثيرة للجدل مثل أحمد الشرع يزيد من تعميق الانقسام السياسي والأخلاقي الذي يميز سياسة الغرب في منطقة الشرق الأوسط.
ـ من هنا، تطرح قضية التزام الغرب المزعوم بالعدالة الدولية سؤالًا حاسمًا: هل يمكننا فعلاً الحديث عن نظام عالمي عادل عندما تُنفَّذ مثل هذه الإجراءات دون عواقب تذكر؟ أم أن هذا مجرد مثال آخر على العدالة الانتقائية، حيث تتقدَّم المصالح السياسية والاستراتيجية على القيم العالمية التي يُفترض أن تكون محور العلاقات الدولية؟ إذا لم يتم تصحيح هذه الانحرافات، فإننا نخاطر بفقدان القوة الأخلاقية التي لطالما تمسكت بها العديد من الدول الغربية في سياستها الخارجية.
من الضروري أن يدرك الغرب أن هذه المرونة في السياسة الخارجية لا تقتصر على تقويض المصداقية والعدالة فحسب، بل تفتح أيضًا نافذة للتطرف وفقدان الثقة، مما يجعل من الصعب تحقيق حلول مستدامة للتحديات الأمنية العالمية.
تعامل مزدوج المسارات: من المرجح أن تستمر فرنسا في تعميق علاقتها مع الشرع كجزء من مقاربة براغماتية تهدف إلى استعادة النفوذ الفرنسي في سوريا، لكنها ستبقي هذا التعاون ضمن حدود محسوبة لتجنّب إثارة غضب الحلفاء الأوروبيين أو الاتهامات العلنية بالتخلي عن مبادئ مكافحة الإرهاب. ستسعى فرنسا إلى استخدام “الشرع” كورقة ضغط سياسية في مواجهة روسيا وإيران، لكن دون الاعتراف الكامل بشرعيته أو تقديم دعم مباشر له على المستوى العسكري أو الاستخباري، لتفادي التورط المباشر.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=104030
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI